في
2011 نشرت صحيفة الشرق الأوسط خبراً مفاده أن حلقات تحفيظ القرآن الكريم
تتصدر قوائم التحصيل في الدرجات النهائية في الثانوية وفي اختبارات
القدرات، وهذا الأمر ليس جديداً، على رغم أنه عصيّ دمع كثير من المتحمسين
للنظريات التربوية الحديثة التي تحارب الحفظ وتضادّه. فلحفظ القرآن وتعليمه
دوره في إطلاق الملكات الفكرية والذهنية والاستيعابية لدى الطلاب في سنيّ
عمرهم الأولى, ما يؤكد أن نظريّة أن الحفظ هو العدوّ الأوّل للتلميذ (لا
أدري على أي دراسة بني ذلك) غير صادقة فيما تدّعيه،
بل هي أقرب ما تكون إلى الأسطورة. وذلك لسبب جليّ هو أن التركيز على الحفظ في المجالات التي تحتاج إلى الحفظ لا يمكن أن يكون آتياً إلا بنتائج إيجابيّة، وعدم توافر شرط الحفظ في هذه المجالات يكون –حتماً- سبباً في تخلف معرفي لدى الطالب.ولنأخذ على ذلك مثالاً: جدول الضرب، لا شك أن جميع الطلاب الذين يحفظون جدول الضرب هم أقدر على التفوق في جميع المراحل الدراسية من أولئك الذين لا يحفظونه، وهم أقرب إلى فهم عمليات القسمة والكسور وغيرها من مسائل الرياضة الأوليّة التي لا بد منها، وعدم حفظ الطالب لجدول الضرب يؤدي إلى ضعف شديد لديه، يجعله عرضة للجلوس طيلة الفصول الدراسية المقبلة (حتى وإن حصّل درجات جيدة) بحيث يكون عالة على مقاعد الدراسة، على الأقل على مقاعد الرياضيات. وكذلك في مادّة الكيمياء، فإن الطالب الذي يحفظ جدول العناصر الدوري يكون أكثر قابلية للتفوّق على بقية التلاميذ، ويكون الطلاب الآخرون الذين لم يستطيعوا حفظه أكثر عرضة للإخفاق في المادّة.ولهذا السبب فإن بعض معلمي مادة الكيمياء لجؤوا إلى الطرق القديمة التي كان يستخدمها قدماء العرب في تحفيظ طلابهم، من طريق الرموز والمنظومات، ليستطيعوا حفظ بعض المعلومات التي يحتاجون إليها دائما في مسيرتهم العلمية. وثمة مقاطع يوتيوب وصور عدّة توضّح ذلك، يلجأ فيها المعلمون إلى اختصار أوائل أحرف العناصر ووضعها في كلمات لحفظها، تماماً كما كان يصنع علماء القراءات والتجويد ليحفظ تلاميذهم القراء الذين اعتمدوا هذا اللفظ، أو ليستطيعوا بسرعة أن يستعرضوا الحروف المنتمية إلى نوع من أنواع الأحكام التجويدية، في حين يعتمد آخرون أسلوب الخرائط الذهنية، الذي هو أيضاً أحد أساليب التحفيظ، التي يجيدها التلاميذ الذين وهبهم الله ملكة الحفظ، وإن لم يكونوا يعرفون التسمية الاصطلاحية لها.
ناهيك عن أمثلة أخرى كثيرة تدل على وجوب تمكين الطالب من ملكة الحفظ والتذكّر، سواء للنصوص، أو للأرقام، أو للرموز، أو للصور، مما لا يمكن لأي طالب أن يستمر في عمليته التعليمية استمراراً يحصل به المخرجات المطلوبة منه بوصفه متعلماً محققاً للمهارات المطلوب تحققها فيه إلا بأن يكون الحفظ أحد العناصر الأساسيّة في ذلك.لنتخيّل على سبيل المثال طالباً متخرجاً من القسم الأدبي في الثانوية وهو لا يحفظ بيتاً للمتنبي، ولا مائة آية من القرآن ولا عشرة أحاديث، ولا يعرف سنة ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تاريخ بدء الحرب العالمية الأولى والثانية ونهايتهما، ولا يعرف كم عدد حكام السعودية حتى الآن ولا يعرف عدد الصحاري في المملكة وغير ذلك من المعلومات الأساسيّة؟ إن ذلك الطالب مهما حاولتَ أن تقول إنك درّبته وأكسبته من المهارات فهو في النهاية ينتهي طالباً جاهلاً.
وعلى الضفة الأخرى لنتخيل طالباً متخرجاً من الثانوية في القسم العلمي وهو لا يحفظ جدول الضرب، ولا معادلة النظرية النسبيّة، ولا العصور الجيولوجية ولا المراحل الجنينيّة، إلى غير ذلك من المعلومات الأولية التي يوصف أي شخص جاهل بها بأنه جاهل بالأوليات فضلا عن أن يكون مخرجاً تعليميّاً مشرفاً!
نتيجة للهجمة الشرسة على الحفظ، وعدم القدرة على تنمية مهارات التعليم الأخرى أخرج التعليم الشرعي في كليات شرعية كبرى في أشهر الجامعات الإسلامية خريجي جامعات في العلم الشرعي يحملون شهادات بكالوريوس مع مرتبة الشرف وأحدهم لا يستطيع أن يقرأ سورة الملك أو البينة عن ظهر قلب، ولا يستطيع أن يذكر لك الاسم الكامل لصحيح البخاري أو لصحيح مسلم أو لتفسير الطبري، فضلاً أن تجد هذا الطالب الشديد الفرح بشهادته يعرف طبقات القراء أو المفسرين أو المحدثين، أو يعرف خمسة من شيوخ أحمد وخمسة من تلاميذه، وهو إمام المذهب في الجامعة الشرعية التي يدرس فيها.
وعطفاً للعجز على الصدر، أعود فأقول: إن الخبر الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط قبل ما يقرب من عام عن أنّ طلبة تحفيظ القرآن هم أصحاب الدرجات الأعلى والقدرات الأكبر في نتائج الثانوية العامّة ليدفعنا إلى التساؤل: إذا كان الحفظ عائقاً في التعلّم، فلماذا كانت أمتنا على رأس الحضارات في كل المجالات التي من بينها الهندسة والرياضيات والتجارب العلمية الأخرى، لماذا كانت أمتنا سيدة الأمم آنذاك مع كون علمها ذلك محفوظاً في الصدور كما هو مرقوم على السطور؟!
ولهذا فإنني لا أستقبح أن يواجه الاتهام من يعادي طريقة الحفظ برمّتها ويحاربها من المنظرين التربويين، حتى في المواد التي تعد مهارة الحفظ أساسية في تحصيلها- أقول: لا أستقبح أن يُرمى من يكن للحفظ العداء بهذه الطريقة بأقسى الاتهامات، وهو: أنه يريد أن يحول بين الآباء والمعلمين والمربين وبين سعيهم لأن يحفظ أبناؤهم كتاب ربهم وسنة نبيه في صدورهم، لتكون ماثلة أمامهم رطبة بها ألسنتهم في العشي والإبكار! ليخلف من بعد هذا الجيل خلف لا يحفظ سورة من كتاب ربّه، ولا لفظاً من كلام نبيه. فمن المستفيد أيها السادة من أن يأتي جيل لا يوجد فيه من يحفظ عشرَ سور من القرآن.
بل هي أقرب ما تكون إلى الأسطورة. وذلك لسبب جليّ هو أن التركيز على الحفظ في المجالات التي تحتاج إلى الحفظ لا يمكن أن يكون آتياً إلا بنتائج إيجابيّة، وعدم توافر شرط الحفظ في هذه المجالات يكون –حتماً- سبباً في تخلف معرفي لدى الطالب.ولنأخذ على ذلك مثالاً: جدول الضرب، لا شك أن جميع الطلاب الذين يحفظون جدول الضرب هم أقدر على التفوق في جميع المراحل الدراسية من أولئك الذين لا يحفظونه، وهم أقرب إلى فهم عمليات القسمة والكسور وغيرها من مسائل الرياضة الأوليّة التي لا بد منها، وعدم حفظ الطالب لجدول الضرب يؤدي إلى ضعف شديد لديه، يجعله عرضة للجلوس طيلة الفصول الدراسية المقبلة (حتى وإن حصّل درجات جيدة) بحيث يكون عالة على مقاعد الدراسة، على الأقل على مقاعد الرياضيات. وكذلك في مادّة الكيمياء، فإن الطالب الذي يحفظ جدول العناصر الدوري يكون أكثر قابلية للتفوّق على بقية التلاميذ، ويكون الطلاب الآخرون الذين لم يستطيعوا حفظه أكثر عرضة للإخفاق في المادّة.ولهذا السبب فإن بعض معلمي مادة الكيمياء لجؤوا إلى الطرق القديمة التي كان يستخدمها قدماء العرب في تحفيظ طلابهم، من طريق الرموز والمنظومات، ليستطيعوا حفظ بعض المعلومات التي يحتاجون إليها دائما في مسيرتهم العلمية. وثمة مقاطع يوتيوب وصور عدّة توضّح ذلك، يلجأ فيها المعلمون إلى اختصار أوائل أحرف العناصر ووضعها في كلمات لحفظها، تماماً كما كان يصنع علماء القراءات والتجويد ليحفظ تلاميذهم القراء الذين اعتمدوا هذا اللفظ، أو ليستطيعوا بسرعة أن يستعرضوا الحروف المنتمية إلى نوع من أنواع الأحكام التجويدية، في حين يعتمد آخرون أسلوب الخرائط الذهنية، الذي هو أيضاً أحد أساليب التحفيظ، التي يجيدها التلاميذ الذين وهبهم الله ملكة الحفظ، وإن لم يكونوا يعرفون التسمية الاصطلاحية لها.
ناهيك عن أمثلة أخرى كثيرة تدل على وجوب تمكين الطالب من ملكة الحفظ والتذكّر، سواء للنصوص، أو للأرقام، أو للرموز، أو للصور، مما لا يمكن لأي طالب أن يستمر في عمليته التعليمية استمراراً يحصل به المخرجات المطلوبة منه بوصفه متعلماً محققاً للمهارات المطلوب تحققها فيه إلا بأن يكون الحفظ أحد العناصر الأساسيّة في ذلك.لنتخيّل على سبيل المثال طالباً متخرجاً من القسم الأدبي في الثانوية وهو لا يحفظ بيتاً للمتنبي، ولا مائة آية من القرآن ولا عشرة أحاديث، ولا يعرف سنة ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تاريخ بدء الحرب العالمية الأولى والثانية ونهايتهما، ولا يعرف كم عدد حكام السعودية حتى الآن ولا يعرف عدد الصحاري في المملكة وغير ذلك من المعلومات الأساسيّة؟ إن ذلك الطالب مهما حاولتَ أن تقول إنك درّبته وأكسبته من المهارات فهو في النهاية ينتهي طالباً جاهلاً.
وعلى الضفة الأخرى لنتخيل طالباً متخرجاً من الثانوية في القسم العلمي وهو لا يحفظ جدول الضرب، ولا معادلة النظرية النسبيّة، ولا العصور الجيولوجية ولا المراحل الجنينيّة، إلى غير ذلك من المعلومات الأولية التي يوصف أي شخص جاهل بها بأنه جاهل بالأوليات فضلا عن أن يكون مخرجاً تعليميّاً مشرفاً!
نتيجة للهجمة الشرسة على الحفظ، وعدم القدرة على تنمية مهارات التعليم الأخرى أخرج التعليم الشرعي في كليات شرعية كبرى في أشهر الجامعات الإسلامية خريجي جامعات في العلم الشرعي يحملون شهادات بكالوريوس مع مرتبة الشرف وأحدهم لا يستطيع أن يقرأ سورة الملك أو البينة عن ظهر قلب، ولا يستطيع أن يذكر لك الاسم الكامل لصحيح البخاري أو لصحيح مسلم أو لتفسير الطبري، فضلاً أن تجد هذا الطالب الشديد الفرح بشهادته يعرف طبقات القراء أو المفسرين أو المحدثين، أو يعرف خمسة من شيوخ أحمد وخمسة من تلاميذه، وهو إمام المذهب في الجامعة الشرعية التي يدرس فيها.
وعطفاً للعجز على الصدر، أعود فأقول: إن الخبر الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط قبل ما يقرب من عام عن أنّ طلبة تحفيظ القرآن هم أصحاب الدرجات الأعلى والقدرات الأكبر في نتائج الثانوية العامّة ليدفعنا إلى التساؤل: إذا كان الحفظ عائقاً في التعلّم، فلماذا كانت أمتنا على رأس الحضارات في كل المجالات التي من بينها الهندسة والرياضيات والتجارب العلمية الأخرى، لماذا كانت أمتنا سيدة الأمم آنذاك مع كون علمها ذلك محفوظاً في الصدور كما هو مرقوم على السطور؟!
ولهذا فإنني لا أستقبح أن يواجه الاتهام من يعادي طريقة الحفظ برمّتها ويحاربها من المنظرين التربويين، حتى في المواد التي تعد مهارة الحفظ أساسية في تحصيلها- أقول: لا أستقبح أن يُرمى من يكن للحفظ العداء بهذه الطريقة بأقسى الاتهامات، وهو: أنه يريد أن يحول بين الآباء والمعلمين والمربين وبين سعيهم لأن يحفظ أبناؤهم كتاب ربهم وسنة نبيه في صدورهم، لتكون ماثلة أمامهم رطبة بها ألسنتهم في العشي والإبكار! ليخلف من بعد هذا الجيل خلف لا يحفظ سورة من كتاب ربّه، ولا لفظاً من كلام نبيه. فمن المستفيد أيها السادة من أن يأتي جيل لا يوجد فيه من يحفظ عشرَ سور من القرآن.
08-13-1433 11:59
المثقف الجديدعبدالواحد الأنصاري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..