1433/9/3
يقدم
علينا رمضان هذا العام بخيراته ونفحاته، وبشائره، والأمة المسلمة تمر
بأحداث كبار
في مختلف المجالات، أحداث يبرق فيها آمال مستقبلية للإسلام
والمسلمين، وفيها الأم توجع الضمائر، وتحرك المشاعر، كما تمر بتغيرات قد لا
يستوعبها كثيرون، ولا يحسنوا التعامل معها ... هنا يكمن محل النظر
والتأمل الذي يستدعي من العقلاء النظر بعين العلم والعقل والحكمة.
في
هذه المقالة إشارات لبيان شيء من معالم التعامل مع رمضان ونحن نستقبله
والأحداث لم تستقر، والمتغيرات متسارعة، وأحوال الناس فيها من التناقض
والغرائب الشيء الكثير.
بادئ
ذي بدء من المهم ونحن نستقبل رمضان أن ندرك عظم هذه المنحة الربانية،
والفضل العظيم من الله سبحانه وتعالى لأمة الإسلام بهذا التشريع الإلهي
الذي لا يستطيع أحد أن يحدد أجره وثوابه وكفى به شرفاً أن جعل المولى
سبحانه أجره إليه كما في الحديث القدسي الذي فيه إشارة إلى مضاعفة الحسنات
قال عليه الصلاة والسلام: ( إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ).
هذا
الشهر الذي تصفد فيه مردة الشياطين لتصفو نفوس المؤمنين ويقدموا
مايستطعون من الأعمال الجليلة المفروضة والمستحبة ما يجدونه أضعافاً
مضاعفة عند أكرم الأكرمين سبحانه.
هذا الشهر الذي شرع فيه من العبادات ما لم يشرع في غيره، وخص النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يكن في غيره.
حري بنا ونحن نستقبله والأحداث تغمرنا بايجابياتها وسلبياتها أن نحسن التعامل قدر استطاعتنا، ولعَّل مما يذكر في ذلك:-
1- أن
هذه الأحداث قد مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بمستوى ضخامتها وهو في
المدينة مما لوا نشغل بها لما تفرغ لعبادة أخرى ومن أظهرها فتح مكة.
هذا
يستدعي أن نعود للسيرة العطرة لندرك هديه صلى الله عليه وسلم وهو يخوض
تلك الأحداث التي لم تمنعه أن يتعامل مع الشهر بخصوصيته كما جاء عنه صلى
الله عليه وسلم.
2- فمن
هديه صلى الله عليه وسلم أن كلما اشتدت الأحداث، وتوالت الخطوب اتسم
بالهدوء والطمأنينة، ففي حادثة الهجرة وهو في الغار ويرى قلق الصديق رضي
الله عنه، وهو مطارد ليقتل، يتمتع بالهدوء ويقول له: ما بالك باثنين الله
ثالثهما. وفي الهجرة نفسها يظهر الهدوء في مخاطبته لسراقة رضي الله عنه وهو
يعده بأن يلبس سوارى كسرى، وغيرها كثير من الحوادث.
هذا الهدوء من شأنه أن يصفى النظر ليبصر الطريق الصحيح.
فما
بال كثير من أهل العلم والدعوة تنضح كلماتهم وخطاباتهم ومواقفهم بالتوتر
والقلق والنظرة السلبية وإطلاق الأحكام السريعة، بل والتهديد، وإن من يلقى
نظرة على كثير من تغريدات القوم يدرك ذلك.
أحسب
أن رمضان بتشريعاته الربانية إن لم يستفاد منه الهدوء والسكينة والعود
إلى النفس لتتأمل طريقها وهي تعيش تلك الأحداث فستسمر في توترها ومن ثم
تتوالى الأخطاء تلوا الأخطاء.
3- ولعل
من المعالم: التنبه لأولويات الأعمال وبخاصة الأعمال الرمضانية فالله جل
وعلا فرض الصيام، والنبي صلى الله عليه وسلم سن القيام، واجتهد في قراءة
القرآن وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان أجود الناس وأجود ما يكون
في رمضان كل أنواع الجود، وخص العشر الأخيرة بمزيد من القيام والتفرغ
للعبادة والاعتكاف.
يعمل هذا عليه الصلاة والسلام وهو القائد والقدوة فما أحرى المسلم بعامة و القدوات بخاصة أن ينهجوا هذا النهج ليفيدوا من رمضان.
ومن
فقه هذه الأولويات أن يتعامل معها السلم بما يناسب حاله ووضعه فالأفضل
لكل إنسان ما يناسبه فقد يجد نفسه في القيام أكثر من غيره وآخر بالذكر
والدعاء، ورابع بالتأمل والمحاسبة ..الخ، والقدوة عليه أن يدرك ما يناسب
حاله وهو في سائر السنة يؤدي مهمة الدعوة والبلاغ فله في رسول الله قدوة في
أولوياته.
4- ومن
المعالم الانشغال بتزكية النفس، وكل إنسان أعلم بنفسه وتزكية النفس
تطهيرها من أدرانها، ومما يعين على ذلك التخلص من الذنوب في حقوق الخالق جل
وعلا، والتخلص من حقوق المخلوقين والبعد عن مواطن الشبه أيا كانت.
ولقد كان للسلف وبخاصة القدوات في لوم النفس على تقصيرها أو دخولها في غير ما يزكيها.
ولعل
مما يشار هنا في واقعنا دخول كثير من القدوات في التوغل في المباحات
والمبالغة فيها في رمضان وفي غيره، فضلاً عن الحديث عن النفس وإظهار طاعتها
بشيء من التفاصيل التي لم تعهد عن السلف فيما يكتبه الآخرون عنهم فكيف
فيما يكتبون عن أنفسهم.
وفي خضم الأحداث يحتاج القدوة إلى هذا الوقوف الصريح مع النفس، وإرغامها على ما تكره من الفضائل وبخاصة ما يتعلق بحظوظ النفس.
فإذا لم نستطيع تحديد التعامل مع النفس فكيف نستطيع النظر للأحداث والتعامل معها بما هو مطلوب للمرحلة.
5- ومن المعالم: ويتأكد في هذا الشهر العظيم اللجوء للمولى جل وعلا بـ( الذكر والاستغفار والدعاء) وهو من أعظم ما يقدمه الإنسان لنفسه.
وهو من أهم العوامل للتوفيق للنظرة الصحيحة والمواقف الصحيحة.
وهنا بتأكد الدعاء لما للآخرين من الحقوق:
- فالوالدان والأولاد.
- والزوج والزوجة.
- وقادة المسلمين وعلماؤهم ودعاتهم.
- والضعفاء والأيتام والارامل.
- والفقراء والمساكين.
- وسائر الأقارب والأصدقاء والجيران.
- وعامة المسلمين وبخاصة: مجاهدتهم.
كلهم لهم حقوق، وأعظم ماتؤدى به هو: الدعاء ومن الخطأ: الاستهانة بالدعاء ولذا يعظم تعلم فقهه
وبتأكد وجوبه ونحن نعيش هذه الأحداث الكبرى. والله سبحانه مطلع على الجميع ويعلم أحوالهم.فِلمَ اللجوء إلى غيره
6-
ولعلي أختم هذه المعالم بالتذكير ببعض المحاذير التي من مداخل الشيطان،
ومن تلبيس إبليس، ومن أهمها:- انشغال القدوات عن بيوتهم بحجة الدعوة وإفادة
الآخرين ونحو ذلك، وأقل ما يقال فيه: انشغال بالمفضول عن الفاضل
وبالمستحب عن الواجب.
وإذا صح هذا العمل من بعض من لايستغنى عنه فلا يصح أن يكون منهجاً عاماً للجميع.
أ. وإذا صحت المشاركة فلا يصح أن تطغى على الوقت كله. وقد عرفنا حال القدوة عليه الصلاة والسلام.
ب. ومن
المفضول الأدنى الانشغال بوسائل الاتصال والتقنية بأنواعها وبخاصة فتنة
هذا العام (تويتر) بحجة الدعوة أو إنكار المنكر، أو إفادة الآخرين.
ولعل هنا وقفة مع النفس كم هو الوقت الذي يقضى مع هذه الأجهزة مقارنة بما يقضى مع القرآن والذكر والدعاء وسائر الواجبات الأخرى.
ج.
ولعل من المحاذير العامة وتتأكد في هذا الشهر المبارك: كثرة الانشغال
بالقضايا السياسية، وتفصيلاتها، وتفريعاتها، وتحليلاتها، مما تكون نتيجته
ملهية عن الأولويات، ومضيعة للأوقات، موترة للقلوب، وفي الوقت نفسه لا تكون
إلا ظنوناً خطؤها أكثر من صوابها، وربما وصلت بالمجموع إلى خلافات تؤصل
فتكون مفارق طريق بين الأصدقاء، بل بين النخب، واتهامات من كل طرف بجهل
الطرف الآخر، أو سطحيته، والأدهى أن تنتهي إلى النخب، أو إلى الأسر، وتنعكس
على كثيرين من الشباب.
ولا شك أن النت بجميع قنواته، والفضائيات تسهم إسهاماً منقطع النظير في هذا الأشغال.
أعتقد أن هذا محظور من حيث هو منهج حياة فما بالكم بشهر رمضان.
هل
يعتقد أحدناً أن أكثر أعمالاً ومهامهاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي يعطي هذا الشهر قيمته؟ لا أظن أحداً يعتقد ذلك؛ فإذا كان ذلك كذلك
فلتقتدي به.
أحسب أن تلك محاذير هي للتذكير، ويقاس عليها ما كان مثلها .
أعانني
الله وإياكم على تجاوزها، ثم أعود لأختم بأهمية المراجعة لينشغل أهل
العلم والدعوة بالمهمات والأولويات ورمضان فرصة وبخاصة في غمرة تلك
الأحداث حتى لا تعصف بالكبير والصغير، وكل يدعى وصلاً بليلى ولن يصل.
رزقني الله تعالى حسن الصيام والقيام وتقبل منا
والله سبحانه من وراء القصد
وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
بقلم الاستاذ الدكتور : فالح بن محمد الصغير
( المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..