أصبحت تكتنف الكاتب حيرة كبرى، وتحيط به من كل جانب حتى تكاد تشل تفكيره،
رغم أن الأحداث متسارعة، ونتائجها جسيمة ووخيمة، مثلما يحدث أثناء كتابة
هذا الموضوع، إلا أنني كواحد من هؤلاء الكتَّاب أشعر بالعجز في ما أنا مقدم
عليه لكتابة موضوع أتناول فيه بعضاً من هذه الأحداث دون أن تطالني
الاتهامات، وأن أُحتسب على هذا التيار أو ذاك، فالكتاب في بلادنا العربية
صار البعض منهم يتصرف بعقلية القبائل والطوائف والأحزاب!
* * *
•فمنذ عشرات السنين والإصدارات العربية، جرائد، صحف، مجلات، نشرات، كتب، دراسات.. كلها تحفل بسيل من السباب والشتائم ضد الولايات المتحدة الأمريكية رأس الإمبريالية العالمية. وما من صحفي أو كاتب إلا وسجل اسمه في نادي الشتّامين لدول العم سام، بل حتى زوايا رسائل القراء كثيراً ما نجدها تحفل بمساهماتها في إبراز مثالب أمريكا، أما عن الشعراء فالحديث بلا حرج عن تدفق مشاعرهم بهجاء أمريكا.
والغريب أن ظاهرة شتم أمريكا وإبراز مثالبها تأخذ أشكالاً مختلفة بين الشدة والوسط واللين، وتبعاً للظروف السياسية، فعندما يكون موقف إيزنهاور ضد العدوان الثلاثي على مصر فأمريكا راعية للحرية. وعندما يتم اتفاق إيقاف الحرب في فيتنام، فإن أمريكا قد هزمت. ويوم تقف إلى جانب النظام العراقي في حربه ضد إيران، فهي تشعل نيران هذه الحرب وتؤججها. وحينما تساهم مع القوات الدولية في تحرير الكويت، توجه إليها الاتهامات بأنها كانت وراء لعبة الحرب برمتها كي تستلم فاتورة عاصفة الصحراء، وهي التي شجعت صدام على غزو الكويت كي يتم اللجوء إليها لطرده ومن ثم تتمركز قواتها في المنطقة. وتتفجر السفارات الأمريكية في كثير من مناطق العالم، ويقتل السفراء الأمريكيون في مناطق متعددة، ويدخل العنف إلى أمريكا نفسها حيث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر!
أمام هذا كله وغيره، فإن أي تحرك لأمريكا لمواجهة العنف أو اتخاذ الاحتياطات الاحترازية لحماية مصالحها، فهي دولة استعمارية، والغريب أن عدداً كبيراً من الكتاب يعرفون قبل غيرهم أن حكوماتهم تستميت من أجل خطب ود أمريكا، ولكنها – لسبب أو لآخر – ترفضهم. وعندما ترضى عن البعض منهم وتنهال المليارات الأمريكية على شكل قروض ومساعدات، فإن الكتاب سرعان ما يتناولون هذا الأمر محاولين تبرير تلك المساعدات أو القروض التي قدمت لدولة ما، بسبب أن أمريكا نفسها بحاجة لهذه الدولة أو تلك.
والأكثر غرابة أن الكتاب العرب كلما أكثروا من شتم أمريكا، فإن شتائمهم لم تحل بينها وبين أن تكون الدولة الأقوى في العالم.
* * *
•ويقف في الجانب الآخر من هؤلاء كتاب يحلو لهم أن يصفوا أنفسهم بالكتاب الواقعيين، وهؤلاء يرون أن العالم قد تغير، وأن الأمور لم تعد كما كانت عليه سابقاً، حينما كان العرب جميعاً في مواجهة الخطر الإسرائيلي والامتداد الأمريكي، فإسرائيل أصبحت اليوم تختلف عن إسرائيل الأمس، وأمريكا التي كنا ننظر إليها باعتبارها عدو المستقبل العربي، أصبحت مهتمة بتحسين علاقاتها وصورتها عند العرب، بعد أن أثبتت أثناء حرب الخليج أنها صديق صدوق، لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
وقد نشط هذا التيار بين كتاب عرب كانوا يعرفون بتمسكهم الصلب بأيديولوجيات عرفوا بها، ولكنهم تمشياً مع ما تفترضه السياسة الواقعية، انسلخوا من جلدة تلك الأيديولوجيات وصاروا نشطاء في مطالبة قرائهم للاستجابة لما يؤمنون به من سياسة واقعية بعد مراحل الخداع التي عشناها في العقود الماضية، وآن لنا أن نتيقظ من سبات نوم خيم على حياتنا، وبالتالي فإنهم مثلما كانوا يقودوننا للسير وراءهم أيام الخداع، فعلينا أن نسير وراءهم الآن – كالقطيع – أيام اليقظة والواقعية.
•ونمط آخر من الكتاب طرحوا أنفسهم كفريق وسط، ينصح بالكف عن ذكر الأنظمة الديكتاتورية، لأنها أنظمة عربية في كل الأحوال، وأن تلويث سمعتها يعني تلويث سمعة العرب في الخارج، فلا يجوز الطعن برموز هذه الأنظمة أو نقدها، لأن ذلك – حسب رأي هؤلاء – إنما يخدم الأعداء فضلاً عن أن لهذه الأنظمة أيادي حديدية تصل وتضرب كل من تسول له نفسه الطعن بقيادتها، ولن تتسامح مع من يكتبون إذا ما تمادوا في حملتهم عليها، وبالذات تلك الأنظمة التي جعلت من البزة العسكرية رمزاً للرعب والإرهاب بعد أن طرحت نفسها كرمز لحماية الوطن والمواطن.. كان ذلك قبل الربيع العربي!!
* * *
كيف والحال هكذا.. يكتب الكتاب؟! فإسرائيل تصول وتجول، ومجرد إلقاء نظرة على خارطة وزارة الخارجية الأمريكية، تكتشف أن المناصب الكبرى فيها يحتلها يهود، وكذلك هي مناصب وزارة الدفاع الأمريكية!!
وليس هناك من داع لتأكيد ما لهاتين الوزارتين من تأثير فعال في المنطقة، إذ إن ما حدث في سنوات حكم أوباما من تقديم تنازلات لحقوق العرب لم تحدث منذ أن أنشئت دولة إسرائيل في عصر ترومان!!
أظنني لازلت أدور في متاهات تلك الحيرة، وأفكاري تلاطمها عباب أمواج عاتية ليتها تقذف بي عند شاطئ آمن أقول فيه كلمتي، وهي لا تتجاوز حدود إيماني بالعدالة الاجتماعية والحرية المنبثقان من قيم العدالة الإنسانية، أم أن ذلك مطلب عسير في زمن (الواقعية) و(العولمة) و(التطبيع) و(الأمركة)؟!!
* * *
* خاص بموقع "العربية.نت".
•فمنذ عشرات السنين والإصدارات العربية، جرائد، صحف، مجلات، نشرات، كتب، دراسات.. كلها تحفل بسيل من السباب والشتائم ضد الولايات المتحدة الأمريكية رأس الإمبريالية العالمية. وما من صحفي أو كاتب إلا وسجل اسمه في نادي الشتّامين لدول العم سام، بل حتى زوايا رسائل القراء كثيراً ما نجدها تحفل بمساهماتها في إبراز مثالب أمريكا، أما عن الشعراء فالحديث بلا حرج عن تدفق مشاعرهم بهجاء أمريكا.
والغريب أن ظاهرة شتم أمريكا وإبراز مثالبها تأخذ أشكالاً مختلفة بين الشدة والوسط واللين، وتبعاً للظروف السياسية، فعندما يكون موقف إيزنهاور ضد العدوان الثلاثي على مصر فأمريكا راعية للحرية. وعندما يتم اتفاق إيقاف الحرب في فيتنام، فإن أمريكا قد هزمت. ويوم تقف إلى جانب النظام العراقي في حربه ضد إيران، فهي تشعل نيران هذه الحرب وتؤججها. وحينما تساهم مع القوات الدولية في تحرير الكويت، توجه إليها الاتهامات بأنها كانت وراء لعبة الحرب برمتها كي تستلم فاتورة عاصفة الصحراء، وهي التي شجعت صدام على غزو الكويت كي يتم اللجوء إليها لطرده ومن ثم تتمركز قواتها في المنطقة. وتتفجر السفارات الأمريكية في كثير من مناطق العالم، ويقتل السفراء الأمريكيون في مناطق متعددة، ويدخل العنف إلى أمريكا نفسها حيث تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر!
أمام هذا كله وغيره، فإن أي تحرك لأمريكا لمواجهة العنف أو اتخاذ الاحتياطات الاحترازية لحماية مصالحها، فهي دولة استعمارية، والغريب أن عدداً كبيراً من الكتاب يعرفون قبل غيرهم أن حكوماتهم تستميت من أجل خطب ود أمريكا، ولكنها – لسبب أو لآخر – ترفضهم. وعندما ترضى عن البعض منهم وتنهال المليارات الأمريكية على شكل قروض ومساعدات، فإن الكتاب سرعان ما يتناولون هذا الأمر محاولين تبرير تلك المساعدات أو القروض التي قدمت لدولة ما، بسبب أن أمريكا نفسها بحاجة لهذه الدولة أو تلك.
والأكثر غرابة أن الكتاب العرب كلما أكثروا من شتم أمريكا، فإن شتائمهم لم تحل بينها وبين أن تكون الدولة الأقوى في العالم.
* * *
•ويقف في الجانب الآخر من هؤلاء كتاب يحلو لهم أن يصفوا أنفسهم بالكتاب الواقعيين، وهؤلاء يرون أن العالم قد تغير، وأن الأمور لم تعد كما كانت عليه سابقاً، حينما كان العرب جميعاً في مواجهة الخطر الإسرائيلي والامتداد الأمريكي، فإسرائيل أصبحت اليوم تختلف عن إسرائيل الأمس، وأمريكا التي كنا ننظر إليها باعتبارها عدو المستقبل العربي، أصبحت مهتمة بتحسين علاقاتها وصورتها عند العرب، بعد أن أثبتت أثناء حرب الخليج أنها صديق صدوق، لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
وقد نشط هذا التيار بين كتاب عرب كانوا يعرفون بتمسكهم الصلب بأيديولوجيات عرفوا بها، ولكنهم تمشياً مع ما تفترضه السياسة الواقعية، انسلخوا من جلدة تلك الأيديولوجيات وصاروا نشطاء في مطالبة قرائهم للاستجابة لما يؤمنون به من سياسة واقعية بعد مراحل الخداع التي عشناها في العقود الماضية، وآن لنا أن نتيقظ من سبات نوم خيم على حياتنا، وبالتالي فإنهم مثلما كانوا يقودوننا للسير وراءهم أيام الخداع، فعلينا أن نسير وراءهم الآن – كالقطيع – أيام اليقظة والواقعية.
•ونمط آخر من الكتاب طرحوا أنفسهم كفريق وسط، ينصح بالكف عن ذكر الأنظمة الديكتاتورية، لأنها أنظمة عربية في كل الأحوال، وأن تلويث سمعتها يعني تلويث سمعة العرب في الخارج، فلا يجوز الطعن برموز هذه الأنظمة أو نقدها، لأن ذلك – حسب رأي هؤلاء – إنما يخدم الأعداء فضلاً عن أن لهذه الأنظمة أيادي حديدية تصل وتضرب كل من تسول له نفسه الطعن بقيادتها، ولن تتسامح مع من يكتبون إذا ما تمادوا في حملتهم عليها، وبالذات تلك الأنظمة التي جعلت من البزة العسكرية رمزاً للرعب والإرهاب بعد أن طرحت نفسها كرمز لحماية الوطن والمواطن.. كان ذلك قبل الربيع العربي!!
* * *
كيف والحال هكذا.. يكتب الكتاب؟! فإسرائيل تصول وتجول، ومجرد إلقاء نظرة على خارطة وزارة الخارجية الأمريكية، تكتشف أن المناصب الكبرى فيها يحتلها يهود، وكذلك هي مناصب وزارة الدفاع الأمريكية!!
وليس هناك من داع لتأكيد ما لهاتين الوزارتين من تأثير فعال في المنطقة، إذ إن ما حدث في سنوات حكم أوباما من تقديم تنازلات لحقوق العرب لم تحدث منذ أن أنشئت دولة إسرائيل في عصر ترومان!!
أظنني لازلت أدور في متاهات تلك الحيرة، وأفكاري تلاطمها عباب أمواج عاتية ليتها تقذف بي عند شاطئ آمن أقول فيه كلمتي، وهي لا تتجاوز حدود إيماني بالعدالة الاجتماعية والحرية المنبثقان من قيم العدالة الإنسانية، أم أن ذلك مطلب عسير في زمن (الواقعية) و(العولمة) و(التطبيع) و(الأمركة)؟!!
* * *
* خاص بموقع "العربية.نت".
نجم عبدالكريم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..