الاثنين، 9 يوليو 2012

مع آل الاسد، ليس مسموحا لاي سنّي ان يكون له رأي ما. لم يكن مصير طلاس ونجليه فراس ومناف افضل من مصير خدام والشهابي وابنائهما.

ميدل ايست أونلاين
 لندن - لم يكن انشقاق العميد مناف طلاس قائد اللواء 108 في الحرس الجمهوري السوري مجرد انشقاق لضابط ارتبط بصداقة قديمة مع الرئيس السوري بشّار الاسد، خصوصا في مرحلة ما بعد وصوله الى السلطة في مثل هذه الايّام من العام 2000. يمثّل الانشقاق ما هو أبعد من ذلك واعمق منه بكثير. انه تكريس لعلاقة بين عائلتين استخدمها الرئيس الراحل حافظ الاسد منذ ما قبل تمكنه من الاستحواذ على السلطة، كلّ السلطة، في ايجاد غطاء سنّي لنظامه العلوي الذي تحوّل مع خلافة بشّار له الى نظام العائلة الواحدة.

كانت هناك ثلاثة وجوه سنية استخدمها حافظ الاسد في سياق ايجاد غطاء لانقلابه، الذي اسماه "الحركة التصحيحية" في السادس عشر من تشرين الثاني- نوفمبر 1970. كان هناك عبدالحليم خدام المدني الذي اتى من بانياس وحكمت الشهابي العسكري الذي اتى من الريف السوري ومصطفى طلاس، ابن العائلة المتواضعة الساعي الى اكتساب حيثية سنية عن طريق زواجه من لمياء الجابري التي كان والدها نائبا عن حلب ويحمل لقب "البيك".

ما يجمع بين خدام وشهابي وطلاس ان الثلاثة لا يتحدرون من مدن سنّية كبيرة مثل دمشق وحلب وحمص وحماة. طلاس نفسه كان من بلدة الرستن القريبة من حمص وليس من حمص نفسها. كذلك كانت تجمع بين الثلاثة الرغبة في الحصول على الجاه والمال وهذا ما ادركه حافظ الاسد وجعله يطمئن بدرجات متفاوتة الى خدّام والشهابي وطلاس.

على خلاف خدّام والشهابي اللذين كانا يطمحان الى ممارسة نفوذ معيّن بمقدار ما يسمح به حافظ الاسد، لم يكن لدى طلاس اي طموح آخر غير المال والجاه. ولذلك كان على استعداد لتنفيذ كلّ طلبات حافظ الاسد، بل المزايدة عليه في كلّ شيء وذلك منذ اليوم الاول لنجاح الانقلاب الذي نفّذه الاسد الاب وحتى قبل ذلك، عندما كان وزيرا للدفاع. في المقابل كان الاسد على استعداد للتغاضي عن كلّ ما يمكن ان يفعله مصطفى طلاس او زوجته من اجل المال والجاه ما دام معروفا انه لا يمكن لوزير دفاعه ان يشكّل اي خطر من اي نوع كان على النظام.

في ضوء المعرفة الجيّدة والعميقة لحافظ الاسد بمصطفى طلاس، عينه مكانه وزيرا للدفاع في العام 1972 وبقي في هذا المنصب حتى السنة 2004.

لم يخلّ مصطفى طلاس بايّ تعهد. ابقى وزارة الدفاع في عهدة حافظ الاسد او من ينوب عنه من الضباط العلويين. بدا وكأنّ الرئيس السوري الراحل لم يغادر يوما هذا الموقع. اكثر من ذلك، كان مصطفى طلاس على استعداد يومي للذهاب في تقديم الولاء الى ابعد حدود. تولى تغطية مجزرة حماة في العام 1982 وتولى الحملة على رفعت الاسد في مرحلة لاحقة وكان مستعدا لوصف ياسر عرفات بانه "عميل اسرائيلي" لمجرد ان الاسد الاب غضب عليه.

ما يميّز مصطفى طلاس عن حكمت الشهابي وعبدالحليم خدّام انه بقي في السلطة بعد وفاة حافظ الاسد وتوريث بشّار. لم يتردد في القيام بكلّ ما هو مطلوب منه في اطار اتمام عملية التوريث وذلك بحماسة شديدة، في حين انّ خدّام لم يبايع بشّار الاسد الاّ بعد توجيه تهديدات مباشرة اليه بفتح ملفات الفساد وادخال اولاده السجن. في الوقت ذاته، كان حكمت الشهابي يفقد موقع رئيس الاركان بعد تهديده بفتح ملفات معيّنة بينها ملفّ الاعفاء من الخدمة العسكرية الاجبارية الذي استفاد منه ابناء العائلات الغنيّة في سوريا.

بين السنّة الذين دعموا حافظ الاسد ونظامه، كان مصطفى طلاس استثناء. لم يتأثر موقعه في وزارة الدفاع حتى بتزويج ابنته البكر، وتدعى ناهد، في السبعينات من القرن الماضي من اكرم عجة السوري الاصل، الذي يعمل مباشرة مع الامير سلطان بن عبدالعزيز (وزير الدفاع السعودي الى ما قبل بضعة اشهر). وقتذاك عقد اكرم عجة، الذي كان في السبعينات من العمر ويمتلك مئات ملايين الدولارات، قرانه على ناهد مصطفى طلاس بعدما رفض ابنه منصور الزواج منها. فقد توجّهت ناهد الى باريس للزواج من الابن بموجب اتفاق بين العائلتين. لكنّها لم تعجب منصور.

وبدل العودة الى دمشق، بقيت في باريس مع الاب الذي ما لبث ان توفي بعد بضع سنوات. لم تكتف ناهد بزواجها من اكرم عجة، بل سعت الى ان تكون صاحبة حصة الاسد من الورثة. واغضب ذلك جماعة الامير سلطان الذين وقفوا مع ابناء اكرم عجة من زوجته الاولى.

بلغ الغضب بجماعة الامير سلطان انه عندما نشرت مجلة "الوسط" الصادرة في لندن صيف العام 1993 مقابلة مع ناهد عجة، سارع الامير خالد بن سلطان الذي كان كان يمتلك تلك المجلة الى طرد رئيس تحرير "الوسط" وكان اسمه عبدالكريم ابو النصر، اضافة الى الصحافي الذي اجرى المقابلة مع ناهد.

لم يؤثر كلّ ذلك على مصطفى طلاس الذي بقي في موقع وزير الدفاع السوري على الرغم من الغضب السعودي الذي طاوله بسبب رفضه التدخل لدى ابنته كي تجد حلاّ وسطا مع ابناء اكرم عجة من زوجته الاولى.

في الايام الاخيرة من حياة حافظ الاسد، زادت الحاجة الى مصطفى طلاس، خصوصا في ظلّ غياب اي نوع من الثقة بخدّام والشهابي. ومع وفاة حافظ الاسد، نفّذ طلاس بصفة كونه وزيرا للدفاع كلّ المطلوب منه كي يكون هناك انتقال سريع للسلطة عن طريق التوريث. وتولّت ناهد طلاس عجّة التي فتحت خطوطا مختلفة مع السعوديين، من خلف ظهر الامير سلطان، ابلاغهم نبأ الوفاة وذلك قبل ساعتين من اعلانه رسميا. وكانت ثقة عائلة الاسد بناهد طلاس عجة كبيرة الى درجة انها كلّفت ايضا ابلاغ الادارة الاميركية والرئاسة الفرنسية نبأ الوفاة بشكل مسبق.

لن يؤثر لجوء مناف طلاس الى باريس على سير المعارك، ذلك ان بشّار اختار الحل الامني منذ اللحظة الاولى التي اندلعت فيها الثورة الشعبية في سوريا. اعترض مناف طلاس على ذلك قبل سنة، خصوصا بعدما طاول القصف بلدة الرستن، مسقط رأس العائلة. فما كان من بشّار الى ان طلب منه الذهاب الى بيته. تبيّن انه ليس مسموحا لنجل مصطفى طلاس اكثر مما كان مسموحا لوالده. كان على الابن تغطية مجازر الرستن وحمص ودرعا والحولة والمجازر الاخرى تماما كما غطى والده مجزرة حماة في العام 1982.

مع آل الاسد، ليس مسموحا لاي سنّي ولو امتلك بعض الشأن ان يكون له رأي ما. ولذلك، لم يكن مصير مصطفى طلاس ونجليه فراس ومناف افضل من مصير عبدالحليم خدام وحكمت الشهابي وابنائهما...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..