بعيدا
عن الوعود الكثيرة التي حددها الرئيس الدكتور مرسي في خطاباته كلها، ومحاولاته
لإرضاء الأطراف جميعا، بدءاً من التحرير الذي كان السبب الأساس وراء ما حدث في مصر
جميعا، وختاما بخطاب جامعة القاهرة الذي إعتذر فيه لطلبة كليتي الآداب والحقوق بسبب
تأجيل إمتحاناتهم في ذلك اليوم، ذلك الاحتفال الذي وقع فيه خطأ إهمال الامام الأكبر
شيخ الأزهر مما أشعره بالإهانه فانسحب مغاضبا.
وبعيدا عن آمال الشعب أو الجماهير الثائرة التي طال الانتظار لتحقيقها، والتي تعقد الجماهير أملا كبيرا على الرئاسة اليوم لما رأوه من وضوح وشفافية داخليا، نرجو أن تستمر حتى تتحقق الآمال العريضة داخليا وخارجيا عبر وسيلة التوافق الوطني المطلوب جدا في شق طريق المستقبل وخصوصا في الفترة الانتقالية التي تمر بها مصر.
وبعيدا عن القنابل الدينية التي يطلقها الدكتور ياسر برهامي بشأن رفض تعيين نائب قبطي، رغم أن مشاركة الدعوة السلفية فى الانتخابات جاءت عبر النظام الديمقراطي المستورد من الغرب، وما في ذلك من تناقض واضح بشأن مفهوم المواطنة ومدنية الدولة.
وبعيدا عن طرح الموضوع السوري من جديد على الساحة المصرية من خلال الجامعة العربية لعل بركة الثورة المصرية تصاحب الثورة السورية، فهناك مثلث فارق في مستقبل الامة، يتمثل في الآتي. قامت إيران بأول ثورة إسلامية متكاملة سنة 1979. قضت تلك الثورة بزعامة الإمام الخميني رحمه الله تعالى، على الشاه وظلمه وفساده، وخضوعه للهيمنة الأمريكية، والابتزاز الصهيوني الإسرائيلي.
واستمرت الثورة في طريقها الثوري حتى طهرت البلاد من كبار المفسدين والظالمين للوطن. وقد دفع أهلها ثمناً غالياً نظراً لشراسة المعركة مع النظام الشاهنشاهي، والأجهزة والدول التي تقف وراءه، وأهمها أمريكا وإسرائيل. وكلنا يتذكر محاولات الرئيس الأمريكي كارتر، وهو يحاول جاهداً قبل خروجه من البيت الأبيض، إستعادة أو تحرير الرهائن الأمريكان الذين قضوا 444 يوماً بالتمام والكمال في يد الحرس الثوري الإيراني. خرج الرهائن إلى معسكر أمريكي في ألمانيا، قبل مواصلة رحلتهم إلى امريكا وذلك للتهيئة النفسية قبل لقاء ذويهم.
وهنا أتذكر إخواننا في السجون والمعتقلات المصرية الذين قضوا في السجون عشرين عاماً بالتمام والكمال، إثر الفتنة التي نشبت بعد ثورة يوليو 1952 بين الإخوان المسلمين وبين رجال الثورة. وأتذكر أيضاً بعض إخواننا الذين قضوا في السجن والمعتقل أكثر من ثلاثين سنة بعد مقتل السادات، ولم يروا النور إلا بعد الثورة الشعبية العظيمة في 25 يناير 2011 وبعضهم لا يزال قابعاً في سجن العقرب للأسف الشديد سنة ونصف بعد الثورة العظيمة.
خرج من خرج من هؤلاء جميعاً، وقد حفظ القرآن من لم يكن قد حفظه من قبل، ووجدوا أولادهم قد كبروا وكانوا قد تركوهم أطفالاً أو أجنة في بطون أمهاتهم. خرجوا جميعاً ولم يحتج أي منهم إلى تأهيل أو علاج نفسي مثل ذلك الذي إحتاجه الرهائن الأمريكان عند مغادرتهم إيران. وهذا فضل الله تعالى ومن بركة الإيمان والرضا بالقدر والقضاء خيره وشره. وفرق كبير من يسجن أو يعتقل وهو ظالم وبين من يعتقل أو يسجن وهو مظلوم. استمرت الثورة رغم التحديات الكبيرة التي هزمتها الإرادة القوية والقيادة العظيمة، فتقدمت إيران علمياً وتقنياً وهي تتعرض حالياً لحصار ظالم بسبب هذا التفوق العلمي وخصوصاً البرنامج النووي، وعلى الأمة الوقوف بجانب إيران في صراعها مع أمريكا وإسرائيل.
أما في تركيا فقد استطاع البروفيسور نجم الدين أربكان رحمه الله تعالى، أن يحدث ثورة سلمية عظيمة هادئة جداً، ليعيد الأمة التركية إلى قيم ما قبل أتاتورك أو الذئب الأغبر شيئاً ملحوظاً. وينقلها سواء كان في المعارضة أو الحكم إلى آفاق أوسع من الحريات بما فيها الحريات الدينية والتقدم، بعد أن كان أتاتورك قد ألغى الخلافة، وكان قد ألغى كذلك معظم ما يشير إلى انتماء تركيا إلى العالم الاسلامي، أو امة الإسلام، بما في ذلك إلغاء مدارس الأئمة والخطباء، وتحريم حتى لبس الطاقية للرجال، وإلغاء الآذان في المساجد وتحويل المساجد إلى متاحف أو إسطبلات للخيل. وقد شارك في هذا التغيير مجموعات من العلماء من الذين بقوا على العهد، وبعض طرق الصوفية، الذين سار بعضهم على مسار الراحل الكريم الشيخ سعيد النورسي صاحب رسائل النور، التي جاءت رسائل الامام البنا تجدد صحوة الأمة والطريق.
وقد تمكن السيد/أردوغان ومن معه من شباب أحزاب أو حزب النظام والسلامة والسعادة والرفاه وكثير منهم من تلامذة البروفيسور نجم الدين أربكان، تمكنوا من تطوير العمل الحزبي والسياسي، وطمأنوا المجتمع محلياً وإقليمياً وعالمياً قبل أن يتمكنوا من السعي في طريق تقدم تركيا ونهضتها الاقتصادية المشهودة. وتحمل شباب أربكان والأكونجلار(أي المجاهدين) هكذا كانوا يسمون في البداية وكانوا يهتفون بكل قوة لشيخهم وزعيمهم: مجاهد أربكان. أقول تحملوا عبء التغيير وتكلفته التي فصلتهم عن زعيمهم العظيم أربكان رحمه الله تعالى. والذي يعرف تاريخ أربكان وتركيزه العالي على قضية الصهيونية، لا يتعجب أبداً عندما يرى تلميذه أردوغان وهو يغادر منتدى ديفوس إحتجاجاً على حديث بيريز، ممثل الصهيونية العالمية في ذلك المنتدى وليس اسرائيل فقط، ولا يتعجب وهو يرى تضحيات الشعب التركي وتضامنه مع أهل فلسطين وخصوصاً في قوافل الحرية والثمن الغالي الذي دفعوه.
ولو ذهبنا إلى الثورة المصرية العظيمة ثورة 25 يناير، وهى أعظم ثورة سلمية حضارية حتى الآن في القرن الواحد والعشرين، لأدركنا فعالية الشعوب، وهبة الشعوب، ونفاد صبر الشعوب، مما أجبر الفرعون مبارك، طاغية طغاة مصر والعالم العربي والاسلامي إلى أن يتنحى بعد 18 يوماً من الثورة. واصلت الثورة فعاليتها أحياناً مع الإخوان المسلمين وبعض قيادتهم، وأحياناً بدون الإخوان المسلمين كقيادة أو كمشاركة فعالة.
وقد تمكن الإخوان المسلمون في جو الحريات التي أشاعتها الثورة أن يكونوا المستفيد الأول من تلك الثورة والحريات الواسعة لحسن تنظيمهم، وإنتشارهم في المدن والقرى، ووسطية تمثيلهم للإسلام وكثرة تضحياتهم، ولو كانت لهم قيادة تنفيذية واعية حكيمة، إلتصقت بالثورة إلتصاقاً كاملاً، ولم تهمل المسار الثوري لصالح المسار الديموقراطي والانتخابات، وعبرت عن نفسها ومشروعها بطريقة الرئيس مرسي يوم29/6/2012 في التحرير أو يوم30/6/2012 في الجامعة مثلاً، لحققت القيادة للأمة كلها وكان الميدان إجمالاً راغباً في ذلك. كان مرسي أول من اعترف ببعض الأخطاء التي كابر غيره من قيادة الإخوان في الدفاع عنها بتبريرات لا يقبلها الشرع والعقل.
سمعت أحدهم يوماً يتحدث إلى الجزيرة فبكيت لا شوقاً إلى لقائه كما ينبغي، ولكن خجلاً من أدائه. اتهم صاحبنا الاعلام المصري بأنه ضد الإخوان ويسعى لتشويه صورة الإخوان، وهذا صحيح إلى حد بعيد، فقالت له المذيعة، لماذا تشكو وعندكم إعلام(قناة تليفزيونية وصحف وكتاب) وسألته المذيعة أين إعلامكم يا دكتور؟ قال لها الدكتور المتحدث الاعلامي بإسم الإخوان: إعلامنا ضعيف؟ وهنا كان البكاء على الحركة الكبيرة العظيمة المرشحة لقيادة الأمة نحو أستاذية العالم وإعلامها ضعيف. هذه الحالة كان ينبغي أن تقلق المرشد ومن معه وكل الإخوان لمعرفة الأسباب وراء ذلك والقضاء عليها، وما ذلك بعزيز على الإخوان الذين يسعون حسب مشروع الإمام البنا إلى أستاذية العالم.
كيف لا يستطيع حزب سياسي من نتاج كبرى الحركات الاسلامية في العالم ألا يكون عندهم مقدم برامج أو مذيع لامع ومهني مثل خيري رمضان أو يسري فودة او منى الشاذلي أو هالة سرحان أو جيهان منصور أو رولا خرسا أو المذيعين والمذيعات ومقدمي البرامج العاملين في الجزيرة أوbbc أو غيرهم من الرجال والنساء، وفي الإخوان آلاف ممن درسوا الإعلام والسياسة والاقتصاد والإجتماع. المشكلة في تقديم أهل الثقة، وإهمال كثير من أهل الكفاءة والخبرة، لأن لسانهم ناقد، وبعض القادات تميل نفوسهم إلى الاطراء الذي يصل أحياناً إلى حد النفاق لأسباب كثيرة ليس هنا موضع ذكرها، وتهفو قلوبهم إلى من لا يقول لا، وإلى من يقول دائماً حاضر أو نعم.
مثال آخر صادم قرأته في جريدة الوطن يوم 29/6/2012 وهو حوار مع نائب المرشد د.محمد رشاد بيومي. ومما جاء في هذا الحوار ولم أقرأ له تصويباً حتى كتابة هذا المقال، قول بيومي'لو إنحرف مرسي سنكون'أي الإخوان' اول من يقف ضده' وهذا جميل جداً. ولكن وماذا يا دكتور بيومي عن كثير من الإنحرافات التي تعرف بها ويعرف بها غيرك من القيادات ولم تقفوا ضدها. لقد أساءت بعض القيادات في أحاديثها التلفازية وهى تتكلم باسم الدعوة العزيزة ولا تزال، خذ مثالاً على ذلك وتوضيحاً لما أقول.
د. بيومي نفسه في ذات الحوار مع الوطن، ورداً على سؤال عما نسب إلى د.مرسي من ضرورة عودة العلاقات مع إيران، وما إذا كان ليشجع ذلك فقال كما جاء في نص الحوار 'لم يحدث ولم يصدر منه هذا الكلام على الإطلاق وهو نفي ذلك، بل رفض تهنئة السفير الإيراني له، وأكد له رفضه لمساندة بلاده لنظام بشار الأسد في سورية، لأن ما يحدث هناك مأساة بكل المقاييس ولابد أن نعيها تماماً، ونحن الآن في موقف محدد نتحدث من خلاله وهو موقف إيران من سوريا، ولذلك يجب أن يقف منه أي إنسان مسلم عربي موقفاً جاداً جداً، لأن المجازر التي تحدث هناك لا يرضى عنها إنسان، وإيران مع الصين وروسيا تكون ثلاثياً يدعم هذه المجزرة، ونحن ضد هذا الأمر تماماً' إنتهى كلام د.بيومي نائب المرشد العام للإخوان المسلمين.
نعم كلنا ينبغي أن نقف ضد الظلم والفساد من أي مصدر كان، وموقف إيران من سورية لا يرضينا، رغم بناء موقفهم على معطيات ومعلومات تؤكد لهم أن المستفيد الأكبر من الثورة السورية بوضعها الحالي هو الكيان الصهيوني وأمريكا، ومن هنا فإنها معركة إستراتيجية، ولا تريد إيران أن تخسر آخر حلفائها في المنطقة وكذا روسيا والصين. وقد شرحت شخصياً لبعض المسؤولين الكبار في إيران خطورة هذا الفهم والموقف، وطالبتهم بأداء دور إيجابي في القضية بعد فشل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي في إيجاد حل مناسب للمشكلة بدلاً من الحلول التي تأتي من الغرب المهيمن، والتي تطالب بها بعض القيادات الممثلة للثورة بالحق أو الباطل خارج سورية.
كيف يرفض مرسي- الرئيس المصري المنتمي إلى التيار المصري - تهنئة السفير الإيراني له وبأي حق، ولم يرفض تهنئة السفير الأمريكي أو غيره من سفراء الهيمنة والاحتلال وتدمير بلادنا العربية والاسلامية، ودعم الكيان الصهيوني وإسرائيل لمواصلة العدوان على فلسطين الحبيبة. هل إيران أشد خطراً من أمريكا وإسرائيل كما يقول بعض السفهاء في العالم العربي والاسلامي؟ أم أن هذا الموقف جاء إصطفافاً مع أهل السنة الذين يمثلهم الحريري في لبنان وحكام الخليج ضد الشيعة؟ لماذا لا تكون مصر ورئيسها وصلة خير لتصحح موقف إيران بالحوار والإقناع، ونسعى لإنجاح الثورة السورية، وكذا ثورة البحرين وغيرهما من الثورات؟ لماذا يندد بعضنا بموقف إيران من السنة فيها، ولا نندد بموقف السعودية والبحرين وبعض دول الخليج الأخرى من الشيعة فيها؟ إن الحق لا يتجزأ، ونحن ضد الظلم وأهله أينما كانوا.
لعل الرئيس مرسي، وبعيداً عن فهم وسلوك وتأثير بعض قيادات الإخوان - الذين قدمت عنهم الأمثلة الواضحة، لعله يتحرك على الساحة الدولية بالسعي لتوحيد الأمة وإنجاح مشروع الوحدة العربية ثم الإسلامية، وهذا هو المشروع المناهض لسايكس بيكو وإتفاقيتهما التي تحكمنا حتى اليوم وتمزق أوصالنا.
وقد مات أصحاب الإتفاقية منذ زمن بعيد حتى إن صديقنا العزيز النجاشي الجديد جورج جالاوي يهزأ حتى من الغرفة التي كانت تجري فيها إجتماعات سايكس بيكو في البرلمان البريطاني، وكل حكامنا العرب للأسف الشديد يحافظون عليها كأنها قرآن أو سنة بل أحياناً أكثر من القرآن والسنة. ولنبدأ هذا المشروع بإزالة الحدود بين مصر وليبيا وتونس وكلها من بلاد ثورات الربيع العربي، والإخوان المسلمون في الصدارة منها جميعاً. وهذا يتيح لنا فرصة التعاون والتكامل والتنسيق في كل المجالات بلا استثناء بين دوائر عديدة أولها على المستوى الاسلامي دائرة، مصر- تركيا - إيران. هذا الأمر هو هدف أو أمل يحتاج إلى دراسات ولقاءات وهمة وإخلاص، لنستطيع مواجهة التحديات والأعباء والضغوط التي تفرض علينا من الداخل أو من المحيط الاقليمي والعالمي. ولعلنا نشهد اليوم الذي تخرج فيه الشعوب العربية أولاً إلى الحدود الجغرافية التي تفصل بين بلادنا وهى تهتف: الشعوب تريد إلغاء الحدود. أرجو ألا يغضب أحد من الطرح الذي قد لا يعجبه ولا يتفق وأفكاره، وحق الحوار والنقد مكفول على أوسع مدى بعد ثورتنا العزيزة.
والامل ان نستفيد فى مصر من التجارب الناجحة مهما كان مصدرها. فالإسلام كما يقول الامام البنا رحمه الله يرحب بالصالح النافع من كل شيء.
والله تعالى هو الموفق
وبعيدا عن آمال الشعب أو الجماهير الثائرة التي طال الانتظار لتحقيقها، والتي تعقد الجماهير أملا كبيرا على الرئاسة اليوم لما رأوه من وضوح وشفافية داخليا، نرجو أن تستمر حتى تتحقق الآمال العريضة داخليا وخارجيا عبر وسيلة التوافق الوطني المطلوب جدا في شق طريق المستقبل وخصوصا في الفترة الانتقالية التي تمر بها مصر.
وبعيدا عن القنابل الدينية التي يطلقها الدكتور ياسر برهامي بشأن رفض تعيين نائب قبطي، رغم أن مشاركة الدعوة السلفية فى الانتخابات جاءت عبر النظام الديمقراطي المستورد من الغرب، وما في ذلك من تناقض واضح بشأن مفهوم المواطنة ومدنية الدولة.
وبعيدا عن طرح الموضوع السوري من جديد على الساحة المصرية من خلال الجامعة العربية لعل بركة الثورة المصرية تصاحب الثورة السورية، فهناك مثلث فارق في مستقبل الامة، يتمثل في الآتي. قامت إيران بأول ثورة إسلامية متكاملة سنة 1979. قضت تلك الثورة بزعامة الإمام الخميني رحمه الله تعالى، على الشاه وظلمه وفساده، وخضوعه للهيمنة الأمريكية، والابتزاز الصهيوني الإسرائيلي.
واستمرت الثورة في طريقها الثوري حتى طهرت البلاد من كبار المفسدين والظالمين للوطن. وقد دفع أهلها ثمناً غالياً نظراً لشراسة المعركة مع النظام الشاهنشاهي، والأجهزة والدول التي تقف وراءه، وأهمها أمريكا وإسرائيل. وكلنا يتذكر محاولات الرئيس الأمريكي كارتر، وهو يحاول جاهداً قبل خروجه من البيت الأبيض، إستعادة أو تحرير الرهائن الأمريكان الذين قضوا 444 يوماً بالتمام والكمال في يد الحرس الثوري الإيراني. خرج الرهائن إلى معسكر أمريكي في ألمانيا، قبل مواصلة رحلتهم إلى امريكا وذلك للتهيئة النفسية قبل لقاء ذويهم.
وهنا أتذكر إخواننا في السجون والمعتقلات المصرية الذين قضوا في السجون عشرين عاماً بالتمام والكمال، إثر الفتنة التي نشبت بعد ثورة يوليو 1952 بين الإخوان المسلمين وبين رجال الثورة. وأتذكر أيضاً بعض إخواننا الذين قضوا في السجن والمعتقل أكثر من ثلاثين سنة بعد مقتل السادات، ولم يروا النور إلا بعد الثورة الشعبية العظيمة في 25 يناير 2011 وبعضهم لا يزال قابعاً في سجن العقرب للأسف الشديد سنة ونصف بعد الثورة العظيمة.
خرج من خرج من هؤلاء جميعاً، وقد حفظ القرآن من لم يكن قد حفظه من قبل، ووجدوا أولادهم قد كبروا وكانوا قد تركوهم أطفالاً أو أجنة في بطون أمهاتهم. خرجوا جميعاً ولم يحتج أي منهم إلى تأهيل أو علاج نفسي مثل ذلك الذي إحتاجه الرهائن الأمريكان عند مغادرتهم إيران. وهذا فضل الله تعالى ومن بركة الإيمان والرضا بالقدر والقضاء خيره وشره. وفرق كبير من يسجن أو يعتقل وهو ظالم وبين من يعتقل أو يسجن وهو مظلوم. استمرت الثورة رغم التحديات الكبيرة التي هزمتها الإرادة القوية والقيادة العظيمة، فتقدمت إيران علمياً وتقنياً وهي تتعرض حالياً لحصار ظالم بسبب هذا التفوق العلمي وخصوصاً البرنامج النووي، وعلى الأمة الوقوف بجانب إيران في صراعها مع أمريكا وإسرائيل.
أما في تركيا فقد استطاع البروفيسور نجم الدين أربكان رحمه الله تعالى، أن يحدث ثورة سلمية عظيمة هادئة جداً، ليعيد الأمة التركية إلى قيم ما قبل أتاتورك أو الذئب الأغبر شيئاً ملحوظاً. وينقلها سواء كان في المعارضة أو الحكم إلى آفاق أوسع من الحريات بما فيها الحريات الدينية والتقدم، بعد أن كان أتاتورك قد ألغى الخلافة، وكان قد ألغى كذلك معظم ما يشير إلى انتماء تركيا إلى العالم الاسلامي، أو امة الإسلام، بما في ذلك إلغاء مدارس الأئمة والخطباء، وتحريم حتى لبس الطاقية للرجال، وإلغاء الآذان في المساجد وتحويل المساجد إلى متاحف أو إسطبلات للخيل. وقد شارك في هذا التغيير مجموعات من العلماء من الذين بقوا على العهد، وبعض طرق الصوفية، الذين سار بعضهم على مسار الراحل الكريم الشيخ سعيد النورسي صاحب رسائل النور، التي جاءت رسائل الامام البنا تجدد صحوة الأمة والطريق.
وقد تمكن السيد/أردوغان ومن معه من شباب أحزاب أو حزب النظام والسلامة والسعادة والرفاه وكثير منهم من تلامذة البروفيسور نجم الدين أربكان، تمكنوا من تطوير العمل الحزبي والسياسي، وطمأنوا المجتمع محلياً وإقليمياً وعالمياً قبل أن يتمكنوا من السعي في طريق تقدم تركيا ونهضتها الاقتصادية المشهودة. وتحمل شباب أربكان والأكونجلار(أي المجاهدين) هكذا كانوا يسمون في البداية وكانوا يهتفون بكل قوة لشيخهم وزعيمهم: مجاهد أربكان. أقول تحملوا عبء التغيير وتكلفته التي فصلتهم عن زعيمهم العظيم أربكان رحمه الله تعالى. والذي يعرف تاريخ أربكان وتركيزه العالي على قضية الصهيونية، لا يتعجب أبداً عندما يرى تلميذه أردوغان وهو يغادر منتدى ديفوس إحتجاجاً على حديث بيريز، ممثل الصهيونية العالمية في ذلك المنتدى وليس اسرائيل فقط، ولا يتعجب وهو يرى تضحيات الشعب التركي وتضامنه مع أهل فلسطين وخصوصاً في قوافل الحرية والثمن الغالي الذي دفعوه.
ولو ذهبنا إلى الثورة المصرية العظيمة ثورة 25 يناير، وهى أعظم ثورة سلمية حضارية حتى الآن في القرن الواحد والعشرين، لأدركنا فعالية الشعوب، وهبة الشعوب، ونفاد صبر الشعوب، مما أجبر الفرعون مبارك، طاغية طغاة مصر والعالم العربي والاسلامي إلى أن يتنحى بعد 18 يوماً من الثورة. واصلت الثورة فعاليتها أحياناً مع الإخوان المسلمين وبعض قيادتهم، وأحياناً بدون الإخوان المسلمين كقيادة أو كمشاركة فعالة.
وقد تمكن الإخوان المسلمون في جو الحريات التي أشاعتها الثورة أن يكونوا المستفيد الأول من تلك الثورة والحريات الواسعة لحسن تنظيمهم، وإنتشارهم في المدن والقرى، ووسطية تمثيلهم للإسلام وكثرة تضحياتهم، ولو كانت لهم قيادة تنفيذية واعية حكيمة، إلتصقت بالثورة إلتصاقاً كاملاً، ولم تهمل المسار الثوري لصالح المسار الديموقراطي والانتخابات، وعبرت عن نفسها ومشروعها بطريقة الرئيس مرسي يوم29/6/2012 في التحرير أو يوم30/6/2012 في الجامعة مثلاً، لحققت القيادة للأمة كلها وكان الميدان إجمالاً راغباً في ذلك. كان مرسي أول من اعترف ببعض الأخطاء التي كابر غيره من قيادة الإخوان في الدفاع عنها بتبريرات لا يقبلها الشرع والعقل.
سمعت أحدهم يوماً يتحدث إلى الجزيرة فبكيت لا شوقاً إلى لقائه كما ينبغي، ولكن خجلاً من أدائه. اتهم صاحبنا الاعلام المصري بأنه ضد الإخوان ويسعى لتشويه صورة الإخوان، وهذا صحيح إلى حد بعيد، فقالت له المذيعة، لماذا تشكو وعندكم إعلام(قناة تليفزيونية وصحف وكتاب) وسألته المذيعة أين إعلامكم يا دكتور؟ قال لها الدكتور المتحدث الاعلامي بإسم الإخوان: إعلامنا ضعيف؟ وهنا كان البكاء على الحركة الكبيرة العظيمة المرشحة لقيادة الأمة نحو أستاذية العالم وإعلامها ضعيف. هذه الحالة كان ينبغي أن تقلق المرشد ومن معه وكل الإخوان لمعرفة الأسباب وراء ذلك والقضاء عليها، وما ذلك بعزيز على الإخوان الذين يسعون حسب مشروع الإمام البنا إلى أستاذية العالم.
كيف لا يستطيع حزب سياسي من نتاج كبرى الحركات الاسلامية في العالم ألا يكون عندهم مقدم برامج أو مذيع لامع ومهني مثل خيري رمضان أو يسري فودة او منى الشاذلي أو هالة سرحان أو جيهان منصور أو رولا خرسا أو المذيعين والمذيعات ومقدمي البرامج العاملين في الجزيرة أوbbc أو غيرهم من الرجال والنساء، وفي الإخوان آلاف ممن درسوا الإعلام والسياسة والاقتصاد والإجتماع. المشكلة في تقديم أهل الثقة، وإهمال كثير من أهل الكفاءة والخبرة، لأن لسانهم ناقد، وبعض القادات تميل نفوسهم إلى الاطراء الذي يصل أحياناً إلى حد النفاق لأسباب كثيرة ليس هنا موضع ذكرها، وتهفو قلوبهم إلى من لا يقول لا، وإلى من يقول دائماً حاضر أو نعم.
مثال آخر صادم قرأته في جريدة الوطن يوم 29/6/2012 وهو حوار مع نائب المرشد د.محمد رشاد بيومي. ومما جاء في هذا الحوار ولم أقرأ له تصويباً حتى كتابة هذا المقال، قول بيومي'لو إنحرف مرسي سنكون'أي الإخوان' اول من يقف ضده' وهذا جميل جداً. ولكن وماذا يا دكتور بيومي عن كثير من الإنحرافات التي تعرف بها ويعرف بها غيرك من القيادات ولم تقفوا ضدها. لقد أساءت بعض القيادات في أحاديثها التلفازية وهى تتكلم باسم الدعوة العزيزة ولا تزال، خذ مثالاً على ذلك وتوضيحاً لما أقول.
د. بيومي نفسه في ذات الحوار مع الوطن، ورداً على سؤال عما نسب إلى د.مرسي من ضرورة عودة العلاقات مع إيران، وما إذا كان ليشجع ذلك فقال كما جاء في نص الحوار 'لم يحدث ولم يصدر منه هذا الكلام على الإطلاق وهو نفي ذلك، بل رفض تهنئة السفير الإيراني له، وأكد له رفضه لمساندة بلاده لنظام بشار الأسد في سورية، لأن ما يحدث هناك مأساة بكل المقاييس ولابد أن نعيها تماماً، ونحن الآن في موقف محدد نتحدث من خلاله وهو موقف إيران من سوريا، ولذلك يجب أن يقف منه أي إنسان مسلم عربي موقفاً جاداً جداً، لأن المجازر التي تحدث هناك لا يرضى عنها إنسان، وإيران مع الصين وروسيا تكون ثلاثياً يدعم هذه المجزرة، ونحن ضد هذا الأمر تماماً' إنتهى كلام د.بيومي نائب المرشد العام للإخوان المسلمين.
نعم كلنا ينبغي أن نقف ضد الظلم والفساد من أي مصدر كان، وموقف إيران من سورية لا يرضينا، رغم بناء موقفهم على معطيات ومعلومات تؤكد لهم أن المستفيد الأكبر من الثورة السورية بوضعها الحالي هو الكيان الصهيوني وأمريكا، ومن هنا فإنها معركة إستراتيجية، ولا تريد إيران أن تخسر آخر حلفائها في المنطقة وكذا روسيا والصين. وقد شرحت شخصياً لبعض المسؤولين الكبار في إيران خطورة هذا الفهم والموقف، وطالبتهم بأداء دور إيجابي في القضية بعد فشل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي في إيجاد حل مناسب للمشكلة بدلاً من الحلول التي تأتي من الغرب المهيمن، والتي تطالب بها بعض القيادات الممثلة للثورة بالحق أو الباطل خارج سورية.
كيف يرفض مرسي- الرئيس المصري المنتمي إلى التيار المصري - تهنئة السفير الإيراني له وبأي حق، ولم يرفض تهنئة السفير الأمريكي أو غيره من سفراء الهيمنة والاحتلال وتدمير بلادنا العربية والاسلامية، ودعم الكيان الصهيوني وإسرائيل لمواصلة العدوان على فلسطين الحبيبة. هل إيران أشد خطراً من أمريكا وإسرائيل كما يقول بعض السفهاء في العالم العربي والاسلامي؟ أم أن هذا الموقف جاء إصطفافاً مع أهل السنة الذين يمثلهم الحريري في لبنان وحكام الخليج ضد الشيعة؟ لماذا لا تكون مصر ورئيسها وصلة خير لتصحح موقف إيران بالحوار والإقناع، ونسعى لإنجاح الثورة السورية، وكذا ثورة البحرين وغيرهما من الثورات؟ لماذا يندد بعضنا بموقف إيران من السنة فيها، ولا نندد بموقف السعودية والبحرين وبعض دول الخليج الأخرى من الشيعة فيها؟ إن الحق لا يتجزأ، ونحن ضد الظلم وأهله أينما كانوا.
لعل الرئيس مرسي، وبعيداً عن فهم وسلوك وتأثير بعض قيادات الإخوان - الذين قدمت عنهم الأمثلة الواضحة، لعله يتحرك على الساحة الدولية بالسعي لتوحيد الأمة وإنجاح مشروع الوحدة العربية ثم الإسلامية، وهذا هو المشروع المناهض لسايكس بيكو وإتفاقيتهما التي تحكمنا حتى اليوم وتمزق أوصالنا.
وقد مات أصحاب الإتفاقية منذ زمن بعيد حتى إن صديقنا العزيز النجاشي الجديد جورج جالاوي يهزأ حتى من الغرفة التي كانت تجري فيها إجتماعات سايكس بيكو في البرلمان البريطاني، وكل حكامنا العرب للأسف الشديد يحافظون عليها كأنها قرآن أو سنة بل أحياناً أكثر من القرآن والسنة. ولنبدأ هذا المشروع بإزالة الحدود بين مصر وليبيا وتونس وكلها من بلاد ثورات الربيع العربي، والإخوان المسلمون في الصدارة منها جميعاً. وهذا يتيح لنا فرصة التعاون والتكامل والتنسيق في كل المجالات بلا استثناء بين دوائر عديدة أولها على المستوى الاسلامي دائرة، مصر- تركيا - إيران. هذا الأمر هو هدف أو أمل يحتاج إلى دراسات ولقاءات وهمة وإخلاص، لنستطيع مواجهة التحديات والأعباء والضغوط التي تفرض علينا من الداخل أو من المحيط الاقليمي والعالمي. ولعلنا نشهد اليوم الذي تخرج فيه الشعوب العربية أولاً إلى الحدود الجغرافية التي تفصل بين بلادنا وهى تهتف: الشعوب تريد إلغاء الحدود. أرجو ألا يغضب أحد من الطرح الذي قد لا يعجبه ولا يتفق وأفكاره، وحق الحوار والنقد مكفول على أوسع مدى بعد ثورتنا العزيزة.
والامل ان نستفيد فى مصر من التجارب الناجحة مهما كان مصدرها. فالإسلام كما يقول الامام البنا رحمه الله يرحب بالصالح النافع من كل شيء.
والله تعالى هو الموفق
................
القدس العربيد. كمال الهلباوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..