إلى
أخي: عبدالله العلويط
الحمد لله وحده,
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وعلى آله وصحبه وحزبه, وبعد:
فالرد من أجل
الرد والمماراة مذمة، ومن أجل العلو منقصة، ومن أجل البيان النافع نصح وإحسان. ولا
إخال
كثير من ردودنا سالمة من حظ نفس أو قصد ترف. لذا فلا ينزعج أو يحزن من لم يلق
من أخيه مجاراة لسجال، أو طول نفس في المتابعة.
وإني لأزعم أني كاره للردود, وغير حفي بسجالها إلا الأقل النادر، إذ لا
تخلو من تكدير صفو بين المحبين، بل بين المرء ونفسه. فأستميح الإخوة عذراً في
السالف واللاحق إن رجع صداهم خليّاً، فليست المسألة مقصودة لشخص, بقدر ما هي سابلة
نهجتها إلا على سبيل الاستثناء والندرة، بغير حط من قدر قلم، بل ربما كان الرد
أرصن من الأصل، ولكن لعلها من باب تَألَّقَ البرق نجدياً فقلت له..أو كما قال عبد
يغوث:
ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا ** فما
لكما في اللوم نفع ولا ليا
ألم تعلما أن الملامة نفعها ** قليل
وما لومي أخي من شِماليا
والجادة؛ نفعه بشروطه..
وقد قرأت ما خطه
الأخ العلويط, فساءني نَفَسُ الجرأة على السنة، والقفز على الثوابت, على زاملة
التزوير التي يسمونها تنويراً، وحقيقتها استنواق وإِدْهان وتمييع. وكم لها من قتيل
وصريع!
وقدد ردد أخي
عبدالله مفردات, وصاغها في قوالب عفى عليها زمن أهل الصليب المستشرقين, ثم
القوميين والماركسيين, ثم العلمانيين والحداثيين, ومازال ورثةُ وثنيةِ بوصلتهم
الليبراليين يكررون الطّرْقَ بها, علّهم يوهنون الجبل نطحاً, فباؤا بخيبة وخسار.
لكن تقارير راند مرّت من هنا, فأوصت بما أوصى به سدنة الاستشراق قديماً؛ بأن جدار
الإسلام لا يهدمه إلا يد بنته, أو وَلَدها من بناه, فكان تيار الانهزام والخنوع
والشهوات المقنعة, المسمى زوراً التنوير. واتحد موردهم مع الليبراليين ولو بدون
قصد من بعض فضلائهم, ولكن طريق البصرة يجمع البصريين!
ولعل أخي _عفا
الله عني وعنه_ راجت عليه ألفاظ القوم دون غوص في باطنيتها الخبيثة, التي تبدأ بهزّ
الثوابت, ثم تفضي إلى خلخلتها, حتى تؤول إلى هدمها وبناء أوثان الإغريق الأسطورية
في مملكة الشهوات التنويرية، فيا خيبة لهم وخُسْراً "والله خير
الماكرين" وأعيذ العلويط من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!
وسأنسخ جوابه باللون
الأحمر, وأعلق بما يفتح الله به: قال:
(والجواب : ليس هناك مشاقة ولا تقديم)
كيف لا يكون تقدّماً
بين يدي الله ورسوله، والحديث الصحيح الصريح حاسم في المسألة، فرسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول :"لا نحسب" بل "صوموا لرؤيته" وأنتم تقولون:
بل نحسب! ولن نصوم لرؤيته؟! أين الاستسلام لله، والانقياد له، وتعظيم أمر الرسول
صلى الله عليه وسلم؟! "فليخش الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة" وهل
هناك فتنة أشد على المرء من تنكب السنة، وتقحم المعاندة, والإصرار على المشاقة؟!
وهل وقف الأمر عند
هذا الحد؟ كلا، بل قد حضر الهزء والسخرية بعد لبس ثوب الاتباع المزعوم، إذ قال:
( بل هو من الاتباع ومن تنزيه الاسلام عن
ترهات المبصرين ومخالفتهم للعلم الحديث)
ترهات!! الأحاديث في الصحيحين يا أخ عبدالله! وأنت
تهذي بقولك: ترّهات! فإن كان قصدك اجتهادات عباد الله بترائي الهلال, اتباعاً للسنة,
ومخالفتهم للفلكيين في بعض الأوقات؛ فما تنقم منهم إلا أن اقتفوا أثر نبيهم,
وتنكبوا جوادّ الحسّابة, وطرق المتهوّكة, التي بهرتكم وأعشتكم؟! ولعلمك؛ فحساب منازل القمر, وعلم الهيئة, سابق
لزمن الإسلام، فأبطل الإسلام شأنه في العبادات، وعلّقها بالمشاهدة والرؤية, رحمة
من الله بالأمة، فله الحمد.
ثم قال:(ولكننا
وبسبب رداءة المدرسة الفقهية لدينا)
هذه الشنشة لا تخطئها أذن مراقب, ولا عين متابع لمن شرقوا بالدعوة السلفية الناصعة، فلمّا لم
تسعفهم الشجاعة في التصريح؛ مالوا إلى التلميح بالإجمال، وإلا فحقيقة الخصومة هي
مع مصادر التلقي لأهل السنة والجماعة في المقام الأول. وأكرر القول: لعل الأخ
عبدالله خدع بمن وثق بهم, ولم يقصد نبذ منهج السلف الصالح.
حتى وإن قصد مجرد المدرسة الفقهية العملية؛ فهي
بشهادة الجميع من أوسع المدارس, وأوعبها, وأقربها للدليل، وإن قصد حسمها لمواد
الفتن, ببناء سد الذرائع المتين؛ فهي لعمر الله من مناقبها, وتلك شكاة ظاهر عنك
عارها..
وعيروني أن قلبي يحبها
** وتلك لعمر الله إحدى المناقبِ
وانظر عشرات الأدلة
من الوحي على تقرير ذلك في إعلام الموقعين، أم أن ابن القيم غير مرضي؟! كذا شيخه
التقي؟!
ثم قال: ( فاننا نجد
ان الجهل هو المتسيد بل يصنع صناعة)
قاتل الله الجهل
المركب, حين يصوّر بزي العليم، والغش حين يُلبس بثوب النصح, ولاحظ نبرة الانهزام
والتحسر في عبارة (المتسيد) ونقول: نعم، السيادة للشريعة, لا لغوغائية الطغام, الذين
تريدون شهواتهم بديلاً لشرعة رب السماء! والحكم للقرآن العظيم، لا قانون نابليون
ولاهاي! "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون"
ثم قال: ( حيث نأتي
فنكسر بدهيات وحقائق ثم نزينها بما ذكرت من هذه العبارات وهذه هي طريقة صناعة
الجهل فالجهل والخرافة لاينهضان بذاتهما في أي زمان ولا مكان ما لم يغلفا بغلاف
ديني او غيبي او ايديلوجي او شئ من التهويل)
وبعد هذا الإسفاف,
والإسقاطات المستمدة من ملاحدة الثورة الفرنسية، تُصفّ شريعة الرحمن, وسنّة سيد
المرسلين, بجانب مومياء الكنيسة الكاثوليكية، وفجورها وتاريخها المخزي، ثم تُرمى
السماء بالبعر!
يا قوم: عودوا
للأمر من أوله وألقوا عصابة (الإفرنجي المثقف) الذي لا يحسن تدبير آخرته، قصاراه
علوم أمم تراكمت, فأجاد ركوبها, وليست له بباقية "يعلمون ظاهراً من الحياة
الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون"
ولا عجب أن يوصف لُباب
دين المرسلين _وهو إخلاص الدين, وتحقيق التوحيد, وسلامة الاتّباع_ بالسوء، أو
الجمود، أو الظلامية والرجعية، فأبو جهل وأبو مِرّة حاضران في المشهد!
فالإسلام يبني
الحضارة، ويعلي شأن العلم وعمارة الأرض, ويحرر النفوس من ربقة التعبد لغير الله،
ويعتق العقول من الجمود والتقليد, إلى فضاء رحب فسيح, تنطلق فيه أذكى العقول
بالانسجام مع زكاء النفوس بتناغم فريد رائع، بحيث يطلق العقل عنانه بكل ملكات
طاقته في محيط يكفيه وعشرة أمثاله "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" "أولم
يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمّى
وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم لكافرون" "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" بلى, وعزة
ربنا!
فهل تجد مثل ذلك
في فكر الغرب الوثني الحديث؟! فالإسلام مثلما يحارب الجهل فهو يحارب الخرافة، فلا
سواء -عفا الله عني وعنك-
ثم قال: (الحكم
الصحيح لاثبات دخول رمضان بالرؤية البصرية محرم او مكروه في زمننا سواء كان بمكبر
او تلسكوب او بالعين المجردة )
وهذا ليس بشيء.
ثم قال: ( في الوقت
الذي تظنونه سنة لغفلتكم عن معاني النصوص ومراميها وجريكم وراء المعاني الحرفية ، فهذا
النص وسيلة والوسيلة اذا افضت الى نقيض مقصودها اصبحت محرمة او مكروهه بحسب بعدها
عن المقصود حتى ولو كان منصوصا عليها ، ولو تتبعت انت بعض النصوص في العبادات
والتي هي وسيلة لوجدت نفسك قد تركتها وأخذت بالوسائل الحديثة فلماذا تستثنى هذه
المسألة ، فالمرأة التي قال لها النبي في ازالة النجاسة التي وقعت على ملابسها
حكيه ثم اقرصيه ثم انضحيه بالماء فهل يجب عليها فعل ذلك ام أن أي طريقة تزيل
النجاسة هي كافية وهذا في حقها فكيف بمن بعدها بالف واربعمئة عام ، وانت الآن لا
تستجمر بالحصى وهو منصوص عليه ، وفي الرؤية اذا تبينا انها تدخل الشهر بطريقة
خاطئة فانها تكره والحساب يقدم عليها ولا نقول كما تقول اننا نقدمه لكونه قطعيا بل
لكونه ظنيا ايضا اذ لو كان قطعيا وخالفتموه لوصفتم بما يزعجكم ولكنه ظن ارجح من ظن
( راعي سدير ))
وما المانع من
إجراء النصوص على ظاهرها مع إعمال معانيها؟ إن كان ثمّ تناقض؛ فهو في أذهانكم لا
في نفس الأمر، فالذي أمرنا بحسن الاتباع هو من خلق الأمور ومعانيها، مبانٍ وأوصاف.
والمصالح والمفاسد الشرعية ليست متروكة لكل أحد، بل لها شروط وضوابط دوّنها أهل
العلم، تمنع التزيد أو التميّع "ما فرطنا في الكتاب من شيء" "وما
كان ربك نسيّاً"
وقياسك إعمال
الحساب وإبطال الرؤية على جواز تطهير النجاسة أو الاستنجاء بغير ماذكر؛ هو قياس
باطل لمخالفته النص الذي ورد بإبطاله، فلا قياس معه أصلاً! كيف وقد جاء النص
بالمنع من عين المقيس؟! وهذا كافٍ في البطلان عند الأصوليين.
ولو تنزلنا مع جواز القياس في هذه المفردة؛
فالقياس فيها فاسد, لأنه قياس مع الفارق. وليست كل علة معتبرة، ولا كل مقيس جائز
الاعتبار، وليس كل قياس له حظ من النظر.
ثم قال: (يبدو ان
المحكمة مع تقديرنا لها اختارت اهون الشرين فانها ان لم تدخل الشهر هذا العام وفق
الحساب جعلوها مخالفة له وان ادخلته بالنظر اصبحت مخالفة للفلكيين الذين ينفون
الرؤية ثم استقر امرهم على الاخذ بالرؤية فهو اهون من مخالفة الحساب وهذه نتيجة
لتنكب الطريق الصحيح وعدم الاخذ بالعلل وفهم النص وفق سياقاته ولن تنهي هذه
التضاربات والتناقضات في هذه المسألة او غيرها طالما اننا بهذه النظرة السطحية)
وهذا تكرار لما
سبق مع استمرار النظرة الدونية للمخالف.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
إبراهيم الدميجي
٤/ ٩ / ١٤٣٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..