جاء مساعد وزير الخارجية الأمريكية فزمجر البعض وكشروا عن أنيابهم. وما إن وطئت قدما وزيرة الخارجية بر مصر حتى انطلقت الحناجر تهتف ضد رأس الأفعى وسفيرة جهنم. انهال السباب على السيدة كلينتون ورفعت اللافتات منددة بالمؤامرة الأمريكية الإخوانية.
أحاطت التظاهرات بالسفارة الأمريكية وترددت الأصوات الهاتفة الغاضبة في ساحة مدينة نصر. تناقلت وكالات الأنباء صور الهاتفين ولافتاتهم. في الخارج ظن كثيرون أن المزاج الشعبي في مصر ضاق ذرعا بالتوافق الأمريكي الإخواني.
في الداخل تحدثت بعض وسائل الإعلام عن أن الأمريكيين جاءوا لمساندة الإخوان، وأن الأخيرين استقووا بهم في مواجهة المجلس العسكري. وشاعت الأخبار عبر الفيس بوك وتويتر متحدثة عن حملة مقاطعة الوزيرة الأمريكية احتجاجا على تدخل واشنطن في الشأن الداخلي. وكتب بعضهم مسجلا موقف الرفض لمقابلة سفيرة الشيطان الأكبر لذات السبب.
الخبثاء استلقوا على أقفيتهم من الضحك. حين رأوا وجوه الذين قادوا الهتافات ضد «المؤامرة» الإخوانية الأمريكية، وحين قرأوا تغريدات أناس كانوا طول الوقت محل رعاية واشنطن وزبائن سفارتها في القاهرة. وظهرت الرسوم والتعليقات التي أفاضت في عرض مراحل المؤامرة وخلفياتها.
وحفلت صفحاتها بعناوين وحكايات تحدثت عن سيناريو واشنطن لتدمير مصر وتخريب مصر في قول آخر (هكذا مرة واحدة!) ــ قرأنا أيضا عناوين أخرى عن أن الإخوان أخذوا البركة من أمريكا وأن رسول أوباما أعطى مرسى (الرئيس) الضوء الأخضر للتخلص من المجلس العسكري. ونقل قائلهم عن المخابرات الأمريكية قولها إن الإخوان شريك مهم لأمريكا.
وإن عضوا في الكونجرس الأمريكي ذكر أن واشنطن اشترت مرسي (الرئيس) بخمسين مليون دولار، وإن الرجل جاء ليخدم الأمريكان، ولذلك وصفته إحدى الصحف بأنه الرئيس الخادم، الذي توزعت خدماته على واشنطن والدوحة وكان قد «صنع في جهاز أمن الدولة» المصري.
هذه ليست خيالات ولكنها عبارات منقولة عن بعض الصحف المصرية، التي ظهرت فجأة معلنة عن انضمامها وقيادتها لحملة التخدير والاستنفار لمواجهة الغارة الكبرى التي يشنها الشيطان الأكبر الذي تحالف مع الإخوان قرينه الأصغر.
زميلنا الأستاذ محمد المنشاوي مراسل صحيفة «الشروق» في واشنطن لم يلحظ أننا بصدد تمثيلية سياسية، وأخذ الكلام على محمل الجد.
وأغلب الظن أن إقامته في الولايات المتحدة أنسته أن ثمة فرقا بين كلام الجرايد والكلام الجاد، فكتب مقالة نشرتها «الشروق» في 1/7 كان عنوانها: عن أي تدخل أمريكي تتحدثون؟، قال فيها إن ما تنشره الصحف المصرية عن صفقة سرية ومساندة أمريكية للدكتور محمد مرسي هو مجرد «خيالات من صنيع أصحابها».
في هذا الصدد ذكر الجميع بأن واشنطن كانت مؤيدة بشدة للرئيس السابق، ولم تغير موقفها إلا حينما أدركت أن جموع الشعب مصممة على إسقاطه. وقال إن صعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية أثار مخاوف واشنطن ومختلف العواصم الغربية. ونقل عن دونالد ترامب المرشح السابق للرئاسة عن الحزب الجمهوري قوله إن أوباما «خسر مصر» بعد انتخاب الدكتور مرسي.
أما قناة فوكس الإخبارية فقد تساءلت: ألم يكن من الأفضل لأمريكا أن يكون الفريق أحمد شفيق رئيسا لمصر؟ أضاف أن النظام السابق قدم إلى واشنطن خدمات جليلة لا تعوض.
كما نقل عن الباحث إيرك تراجر من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قوله إن رئاسة الدكتور مرسي ستشكل تحديا كبيرا لمصالح الولايات المتحدة الرئيسة في الشرق الأوسط. واعتبر زميلنا أن الكونجرس يعد أكثر الجهات عداء لرئاسة الدكتور محمد مرسي، وقال إن تصريحات بعض قياداته تحدثت صراحة عن أنهم لن يوافقوا على منح مساعدات لمصر في حال وجود الإخوان في الحكومة.
النقطة المهمة التي أشار إليها هي أن الاختبار الحقيقي للوضع المستجد في مصر سوف يظهر في الأفق في مجال السياسة الخارجية وليس الداخلية. فواشنطن تريد مصر مستقرة في الداخل، لاعتقادها أن ذلك يخدم مصالحها، لكنها تريد أيضا ــ وهذا هو الأهم ــ أن تبقى مصر على تحالفها الإستراتيجي معها كما تريد أن تستمر علاقتها مع إسرائيل كما كانت عليه في عهد النظام السابق.
بما يعني أن كل التهدئة الحاصلة الآن بين البلدين يمكن أن تنقلب رأسا على عقب إذا أرادت مصر أن تنتهج خطا مستقلا في سياستها الخارجية، يخرجها من قطار التبعية الذي التحقت به في السابق.
الأمر الذي لم يلتفت إليه زميلنا وفات كثيرين ممن صدقوا فرقعة المظاهرات ضد الوزيرة الأمريكية، أن أغلب المتظاهرين وأعلاهم صوتا كانوا من أنصار الفريق شفيق وعناصر الحزب الوطني السابق.
وغضبتهم هذه ليست غيرة على الوطن واستقلال قراره، بقدر ما أنها احتجاج على واشنطن لأنها خاطبت الرئيس مرسي ولم تخاطبهم هم، ولأنهم يريدون إضعافه وحصاره فقد اعتبروا أن الولايات المتحدة «خانتهم»، وهو ما يدعوني إلى القول بأن مظاهراتهم كانت من قبيل عتاب المحبين وليس الكارهين.
فهمي هويدي
*نقلا عن "الشرق" القطرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..