السبت، 21 يوليو 2012

عرض كتاب: إخوان الصفاء

 
اسم الكتاب: إخوان الصفاء.
المؤلف: د. جبور عبدالنور.
سنة النشر: 1983م.
دار النشر: دار المعارف - مصر.
الطبعة: الثانية.
صفحات الكتاب: 127.

كان ظهور الحركات الباطنية، وتغوُّلُها في المجتمع الإسلامي - أثناء عهد
الخلافة العباسية - أحدَ عوامل ضعفها الداخلي، وتردِّي قوتها ومكانتها، وسقوطها بعد ذلك أمام هجمات المغولِ في القرن السابع الهجري، وكانت أغلب هذه الجماعات الباطنية تُظهِر الإسلام على مذهب التشيُّع، وتزعم التقرُّبَ لأهل البيت، وتعمل بالتقية؛ حيث تُسِرُّ العداوةَ الداخلية له، وتحاول هدم عُرَى الإسلام، وصرفَ الناس عنه، والتشكيكَ في النصوص؛ مستغلِّين في ذلك جوَّ الحريات العامَّ، الذي كانت تنعم به حاضرة الإسلام "بغداد"، في عهد الخلفاء العباسيين، فعمدوا إلى بضاعة فلاسفة اليونان فنقَّحوها وطوَّعوها لمقاصدهم الخفية، ونشروها بين العامة؛ حتى أفسدوا على الناس دينَهم.

ومن أهم هذه الفرقِ الباطنية فرقةُ "إخوان الصفاء"، التي نشأت منتصف القرن الرابع الهجري، وتنتمي في معظم أفكارِها لطائفة "الإسماعيلية" الباطنية؛ والذين ادَّعوا التشيع وحبَّ آلِ البيت، في سبيل تحقيق مطامعهم السياسية في الاستيلاءِ على الحكم.

يصف د. "جبور عبدالنور" دوافعَ هذه الفرق - وعلى رأسها حركة "إخوان الصفاء" - فيقول: "من المألوف في العصور الإسلامية أن تظهر الجماعات الداعية إلى الثورة السياسية، فتتستَّر بالمذهب الشيعي في سبيل نشر رسالتها، وتأليب رجالها، إلى أن يستتبَّ لها الأمر فتُسْفِر عن حقيقة أمرها؛ وذلك لأن هذه الجماعات انتشرت غالبًا في بيئات شيعية متمسِّكة بعقيدتها، تعوَّدت على تعاقب السنين أن تخرج حينًا بعد آخرَ على السلطان السائد، فتُهرِق دماءها في سبيل فكرتها، ثم يخلد الناجون إلى ذلِّ الهوان وألم الخَيْبَة، إلى أن يظهر جيلٌ جديدٌ من أبناء الشهداء؛ فيُعِيدوا الكرَّة، وتتعدَّد المآسي، ولقد كان الوتر الشيعي من أرهفِ الأوتار الإسلامية حساسيةً، وأفاد منظمو الحركات السياسية منه في بثِّ دعواتهم وتأليب الناس حولهم؛ معتمدين نظريةَ الأبوَّة الروحانية لإقصاء آل البيت عند بلوغ الأهداف"؛ ص 25.

يضع الدكتور "جبور عبدالنور" في كتابه "إخوان الصفاء" - الصادر ضمن سلسلة: "نوابغ الفكر العربي" - صورةً حيَّةً لأهم الجوانب الفكرية لفرقة "إخوان الصفاء"، وغاياتها ومقاصدها: الظاهرية منها والباطنية، والتي دسُّوها في رسائلهم التي وضعوها لخدمة أتباع فرقتهم، وتقدر بـ"52" رسالة جامعة سمَّوها بـ"رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا"؛ جمعوا فيها مذهبَهم الباطني في الإلهيات والنفسيات والأخلاقيات، وفي الوسائل والأساليب المتبعة لنشر دعوتهم بين الشباب والناشئة، واجتذاب أنصار جُدُدٍ لهم داخل صفوف المجتمع المسلم في ذلك الوقت.

ويعدُّ أخطر ما جاءت به فرقة "إخوان الصفاء" - وغيرها من الحركات الباطنية في ذلك الوقت - هو تلك المحاولات التوفيقية بين علوم الشريعة وفلسفاتهم الوثنية، ذات الأصول اليونانية والمجوسية؛ حيث زعموا أن لنصوص الشريعة معانِيَ ظاهرةً وباطنةً، وأن تلك المعاني الباطنة لا يَعقِلها إلا كبار المتفلسفة من الحكماء، الذين توازي منزلتُهم منزلةَ الأنبياء، بل ربما فاقتْهم؛ فالنبي يعتمد على الوحي، أما الحكيم، فيعتمد على النظر والتأمل الداخلي لمعاني الأمور.

وعمد مؤلفو رسائلهم إلى التأويل الباطني للحقائق الدينية بما يتفق مع الآراء الفلسفية لديهم.

أما صاحب الكتاب، فهو الدكتور "جبور عبدالنور"، ولد في لبنان عام 1913، حاز على الدكتوراه في الآداب من فرنسا، شغل منصب مدير الدروس العربية في "الليسيَّات" الفرنسية اللبنانية - طيلة أربعة وعشرين عامًا - وشغل منصب "أستاذ دكتور" في الجامعة اللبنانية، وعميد كلية التربية سابقًا، ومن أهم مؤلفاته:
"التصوف عند العرب - 1938".
"الجواري - 1943".
"نظرات في فلسفة العرب - 1945".
"الشعر العامي في لبنان - 1957".
"المنهل" (معجم فرنسي عربي بالاشتراك مع د. سهيل إدريس) - 1970".
"المعجم الأدبي - 1979".
"معجم عبدالنور (المفصل، عربي فرنسي) - 1983".
"معجم عبدالنور (الحديث) - 1983".
"معجم عبدالنور (الوسيط) - 1983".

وصف الكتاب:
جعل المؤلف كتابه في أربعة فصول، وتلك الفصول الأربعة مقسَّمة - أقرب ما يكون - لقسمين:
القسم الأول: جعله للحديث عن فرقة "إخوان الصفاء"، وظهورها، وانتشارها، وتحليل مذهبهم الفلسفي والأخلاقي، ودوافعهم السياسية، والباطنية غير الظاهرة، من خلال آرائهم المبثوثة في رسائلهم.

أما القسم الثاني: فقد خصَّصه لمقتطفاتٍ ومنتخباتٍ لبعض آثار "إخوان الصفاء"، اقتبسها من رسائلهم، ووضع لها عناوين إيضاحية؛ لإلقاء النظر على مذهبهم بصورة أكثر وضوحًا، وذلك من خلال كلامهم أنفسهم.

وقد جاء الكتاب في أربعة فصول:
تناول الفصل الأول: أهمَّ مظاهر الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية للعصر الذي نشأت فيه فرقة "إخوان الصفاء"، وسوءَ الأحوال السياسية، وكثرةَ الاضطرابات والحركات الخارجة إبَّان ضعف الخلافة العباسية، والذي ساعد على ظهور كثيرٍ من الفرق السياسية واشتداد عُودِها؛ وعلى رأسها فرقة "إخوان الصفاء".

بينما تحدث الفصل الثاني: عن دوافع فرقة إخوان الصفاء، وغايتهم الظاهرة والباطنة، وتستُّرِهم بمذهب التشيع، والميل إلى العَلَوِيَّة؛ في سبيل التغطية على هدفهم السياسي الأكبر، وهو الاستيلاء على الحكم.

وتناول الفصل الثالث: جوانب أفكار إخوان الصفاء الفلسفية "التوفيقية"، والتي تناولوا فيها جوانب الإلهيات من حيث وجودُ الخالقِ، ومذهبهم في التنزيه والتوحيد والقدرة، وعلاقة الخالق بغيره من الموجودات، ثم تناولوا جانب النفسيات من حيث الحدوثُ الجسماني للإنسان، وعَلاقة النفس بالجسد وكيفية إدراكه المعقولات، ثم توسَّعوا في جانب الأخلاقيات والنظريات التي أصلوا بها مذهبهم الأخلاقي؛ والتي هي - في حقيقتها - مقتبسةٌ من الديانات المختلفة، الموحِّدة والمجوسية، حيث كان مدار فكرتهم أن نزول النفس للجسد أدى لضياع كمالاتها، وهم يحاولون من خلال المعرفة والفضيلة إثارةَ شوقها إلى أصلها السامي.

أما الفصل الرابع والأخير: فتناول مقتطفات من آثار إخوان الصفاء من خلال رسائلهم في جوانب: الإلهيات والنفسيات والأخلاق، وذكر للهيكل التنظيمي لجماعتهم، وكيفية نشر دعوتهم، وبثها بين صفوف المجتمع.

وقد جاءت عناوين فصول الكتاب على النحو التالي:
الفصل الأول: عصر إخوان الصفاء:
الحياة السياسية والفكرية.

الفصل الثاني: إخوان الصفاء في عصرهم:
1- نظام نشر الدعوات.
2- نظام الحلقات.
3- مراتب الأعضاء.
4- غايتهم الظاهرة.

5- غايتهم الباطنة:
أ- ميلهم إلى العلوية.
ب- الهدف السياسي.
ج- معالم الوثنية في مذهبهم.

الفصل الثالث: جوانب إخوان الصفاء:
1- الإلهيات:
أ- وجود الخالق وصفاته.
ب- الفيض العقلي والحدوث السفلي.

2- النفسيات.

3- الأخلاقيات.

4- الأسلوب والرسائل.

الفصل الرابع: منتخبات من آثار إخوان الصفاء:
1- نشر الدعوة.
2- نظام الحلقات.
3- مراتب الأعضاء.
4- غايتهم الظاهرة.
5- غايتهم الباطنة.
6- الإلهيات.
7- النفسيات.
8- الأخلاقيات.

المراجع:
عرض بعض ما جاء بالكتاب:
1- ينبِّه إخوان الصفاء في بدايةِ رسائلهم أن غرضَهم الأوَّل هو تهذيب نفوس أتباعهم، وعدم الدخول معهم - من جانب معلميهم - في جدالٍ بشأن المسائل العقدية في بادئ الأمر؛ لاختلاف النفوس، ورضاها بما جبلت عليه من تعليمٍ سابقٍ، وأنه "وجَب على الحكماءِ إذا أرادوا فتح باب الحكمة للمعلَّمين وكشف الأسرار للمُرِيدين، أن يروِّضوهم أولاً، ويهذِّبوا نفوسهم بالتأديب؛ كيما تصفوَ نفوسهم، وتَطهُر أخلاقهم؛ لأن الحكمة كالعروس تريد مجلسًا خاليًا"؛ (الرسائل: ج4، ص76-81).

2- ويُؤثِر إخوانُ الصفاء بثَّ دعوتهم بين الشباب وصغار السن؛ لأنهم الأكثر تقبلاً للآراء الجديدة، وانقيادًا لعلوم المنطق والحجج العقلية، ويرون أنه ما بُعث نبي إلا وهو شاب، ولا أعطي لعبد حكمة إلا وهو شاب، ويوصون معلميهم خلال رسائلهم بقولهم: "ينبغي لك أيها الأخ أن لا تشغل بإصلاح المشايخِ الهرمة.. ولكن عليك بالشباب السالمي الصدور، الراغبين في الآداب، المبتدئين بالنظر في العلوم، المريدين لطريق الحق والدار الآخرة، والمؤمنين بيوم الحساب، المستعملين شرائعَ الأنبياء - عليهم السلام - الباحثين عن أسرار كتبِهم، التاركين الهوى والجدال، غير متعصِّبين على المذاهب"؛ (الرسائل: ج4، ص114، 115).

3- انقسم الإخوان في مذهبهم لحلقات، كل حلقة لها سمت معين ولها رئيس يشرف على اجتماعاتها، وليس كل أعضاء الجماعة على مرتبة واحدة؛ وإنما يختلفون باختلاف السن واستعدادهم لقبول التعاليم، وينقسمون لمراتب أربع:
المرتبة الأولى: من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والثلاثين، ويخاطبون في الرسائل بوصف "إخواننا الأبرار الرحماء".

أما الثانية، فتشتمل على الأعضاء الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والأربعين، وهؤلاء يُشْرِفون على السابقين ويقومون بتعليمهم، ويُنَادَون بوصف "إخواننا الأخيار الفضلاء".

أما الثالثة؛ فتتألف من الأعضاء الذين تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والخمسين، وهؤلاء هم الذين يدافعون عن الجمعية، ويردون كيد خصومها بوسائلهم الخاصة، ويُنَادَون بوصف "إخواننا الفضلاء الكرام".

أما المرتبة الأخيرة، فللذين بلغوا الخمسين، ويمثِّلون الفئة المختارة التي انكشف أمامها الستر، وبانت لها الحقائق، وهي تشبه حالةَ الإشراق عند الفلاسفة والصوفية.

4- يزعم إخوان الصفاء أن مذهبهم توفيقي، وغايتهم هي تنقية الشريعة من الضلالات! أو كما يتبدى من أقوالهم في رسائلهم، حيث يقولون: "واعلم - أيها الأخ - أنَّا لا نعادي علمًا من العلوم، ولا نتعصب على مذهب من المذاهب، ولا نهجر كتابًا من كتب الحكماء والفلاسفة مما وضعوه وألفوه في فنون العلم، وما استخرجوه بعقولهم وتفحصهم من لطيف المعاني"؛ (الرسائل: ج4، ص 216)، بل ويذكر أبو حيَّان التوحيدي - في "الإمتاع والمؤانسة" - سببًا آخر ادَّعَوه لقيام جماعتهم، وزعموه لتصدرهم لهذا الواجب؛ حيث وجدوا أن "الشريعة قد دنِّست بالجهالات، واختلطت بالضلالات، ولا سبيلَ إلى غسلها وتطهيرِها إلا بالفلسفة؛ وذلك لأنها حاويةٌ للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية، وزعموا أنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية، فقد حصل الكمال، وصنَّفوا خمسينَ رسالةً في جميع أجزاء الفلسفة: عِلْميِّها وعَمَليِّها، وأفردوا لها فهرستًا وسموها "رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء"، وكتموا أسماءهم، وبثوها في الورَّاقين، ولقنوها للناس، وادعوا أنهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء وجه الله - عز وجل - وطلب رضوانه؛ ليخلصوا الناس من الآراء الفاسدة التي تضر النفوس، والعقائد الخبيثة التي تضر أصحابها، والأفعال المذمومة التي يشقى بها أهلها"؛ (الإمتاع والمؤانسة: ج2، ص5).

5- يظهر في أجزاء من رسائل إخوان الصفا ميلُهم إلى العلوية، وتشيعُهم إلى أهل البيت، وخاصة آل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ويدسُّون هذا المعتقد بوجه خفي في ثنايا كلامهم؛ لعدم تأليب السلطات عليهم، فنجدهم يعرضون في أحد فصولهم لحديث "أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة"، ويلقونها على الأبوة الروحية للمؤمنين، بل ويلمحون إلى أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أقرب لطبقة الأنبياء، بل ويضعونه في منزلة عالية ضمن "أتباع صاحب الشريعة"، بل ويشنعون على فعل الصحابة بتنصيب خليفة بالشورى دون "وصية منه وإرشاد"، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالأمر من بعده لعلي - رضي الله عنه - وليكون خلفًا له في نشر الدعوة، ولا ينسون ذِكر محنة كربلاء عند ذكرهم تعريض الأنبياء أجسادهم للهلاك في سبيل دعوتهم، ويشيرون بذلك إلى سِبْطَي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين - رضي الله عنهما - بل وفي إحدى نصائحهم إلى أحد المتشعين الجدد يوصونه بقولهم: "ومما يجمعنا وإياك أيها الأخ البار الرحيم محبةُ نبيِّنا - عليه السلام - وأهل بيته الطاهرين، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خير الوصيين، - صلوات الله عليهم أجمعين"؛ (الرسائل: ج4، ص 242).

6- كان إخوان الصفاء ساخطين على الأوضاع السياسية في وقتهم، ويعتمدون على حسابات الأفلاك والنجوم، كأحد معالِم الوثنية في مذهبهم، للدلالة على اقتراب التغيير وانتهاء الأوضاع الراهنة، عن طريق ثلاث مراحل متعاقبة، جراء تقارن كوكبي زحل والمشتري، ويوجهون الأتباع لاقتراب هذا الموعد، وضرورة الإعداد له والتجهز للمستقبل، ويطلبون من خاصتهم الاتصال بالأمراء والقواد لإطلاعهم على ما يحدث من ثورات، ومحاولة اجتذاب بعض هؤلاء القادة والساسة للدخول في جماعتهم؛ لكسب وضع سياسي خاص يمكِّنهم من تحقيق أهدافهم.

7- من معالم الوثنية أيضًا في مذهبهم تمثلهم في رسائلهم بآلهة "الزاردشتيين" وعبَّاد النار، وجعل رموزهم - "كاليزدان" و"أهرمن" و"عاذيمون" - جنبًا لجنب مع إبراهيم وموسى ومحمد - صلى الله عليهم وسلم - ونجد تحيزهم للمجوسية واضحًا حين موازنتهم بين الأديان، ومقارنتهم بين اليهودية والمجوسية؛ فيفضلون الثانية على الأولى، بل ويمجدون المجوسية ويجعلونَها من أفضل الأديان التي تدعو لعمل الخير وتهذيب النفس، وعند إخوان الصفاء الأنبياء سبعة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، والسابع هو نبيُّهم المنتظر، وهو الذي يدرك الماضي والحاضر والمستقبل، ويتوسط بين عالِم الستر وعالِم الكشف، ويرون أن قدوم الأنبياء الستة ليس إلا تمهيدًا لقدوم السابع الذي يرمز إلى إله الخير عندهم!

8- في الرسالة التاسعة يقسِّمون العبادات إلى قسمين: شرعي ناموسي، وهو اتباع صاحب الدين والانقياد لأوامره ونواهيه، وفلسفي إلهي، وهو أشبه بعبادة وثنية تتبين طقوسُها بوضوح في عبادة الصابئة؛ حيث جلُّ اعتمادهم فيها على متابعة حركة النجوم والأفلاك، ويوصون الأتباع بأداء العبادات الشرعية للتمويه على العامة والتقرب إليهم، وضرورة مشاركتهم أعيادَهم، مع عدم إغفال الجانب الفلسفي الإلهي للمُريد، وإحياء أعيادهم الوثنية المختلفة، حيث لهم - خلال كل شهر من شهور السنة اليونانية - ثلاثة أيام؛ أوله ووسطه وآخره؛ يدعون فيها بالدعاء الأفلاطوني، والتوسل الإدريسي، والمناجاة الأرسططالية، إلى جانب أعياد أخرى مرتبطة بحركة الأفلاك وتغيرها.

9- في جانب الإلهيات يرون أنه ليس من ضرورةٍ لإثبات وجود الله، وليس هناك حاجة لعرض صفاته؛ لضعف العقول عن الإحاطة بالأمر، وفي رأيهم أن الانقطاع عن الخوض في هذا الجدال أليقُ بالخالق، ويرون أن الخالق منزَّه عن الجسمية، ووصفه بصفات معينة من باب التقريب والمجاز؛ ليتقرر وجوده في عقول الجسمانيين، ويشبهون الله بالواحد في الأعداد، وذلك أن الواحد ليس قبله شيء من العدد ولتقدمه، وفيه أصل الكثرة الكامنة بالقوة!

10- ويربطون بين الإنسان والخالق عن طريق نظرية الفيض العقلي؛ حيث أول ما فاض عن الخالق العقلُ الكلي المستكمل الفضائل، وموضع كلمة الله التي بها خلق الأشياء، ويرون أن العقل جوهر روحاني به جميعُ صور الموجودات، وعن طريق هذا العقل الكلي فاضت النفسُ الكلية، ويرون أن نسبة العقل إلى الخالق كنسبة نور الشمس إلى الشمس، أما نسبة النفس إلى العقل فكنسبة ضوء القمر من الشمس... وذلك إلى آخره من مذاهب فلسفية مقتبسة برمتها من الأفكار "الفيثاغورسية"، و"الأفلاطونية" و"المجوسية"، و"اليونانية القديمة".

11- تحدَّثوا عن الوسائل التي يَبْلغُ بها الإنسان إدراكَ المعقولات؛ فيرون أنها على ثلاثة أنواع:
أحدها طريق الحواس الخمس: ويشتركُ فيه الجميع حتى الأطفال والبُلْه.

وطريق العقل: ويختصُّ به الإنسان، ويكون عند البلوغ.

وثالثها طريق البرهان: ويختصُّ به قوم من العلماء استوفوا طريق معرفتِهم من النظر: في الرياضيات، والهندسة، والفلسفة، والعلوم اللاهوتية، والمنطق.

وعندهم أن النفوس الصالحة - التي بلغت مرتبة الكمال والمعرفة - تتمكَّن من الحياة مستقلة عن بدنها بعد حلول الموت؛ فتستغني بجوهرها عن التعلق بالأجسام، وترتقي إلى الملأ الأعلى، وتطَّلع على الأمور الروحانية التي لا تُدرَك عن طريق الحواس الخمس.

12- في الأخلاقيات يرون أن عامل الأخلاق يتأثَّر بعواملَ ثلاثةٍ: أخلاط الإنسان التي يتكون منها، وهي: الماء، والتراب، والنفس، والروح، وكذلك يتأثَّر عامل الأخلاق بمواقع البلدان حسب قربها من المناطق الحارة أو الباردة، أو وقوعها في أعالي الجبال، أو في السهول والأودية.

أما العامل الثالث - وهو الأكثر تأثيرًا - فهو حركة النجوم والأفلاك، التي عليها مَرَدُّ تكوُّن الأخلاط السابقة وتناسقها، أو تغلب أحدها على الآخر، وأغلب هذه الرؤى مقتبسة من ديانات مختلفة: موحِّدة ومجوسية.

13- استخدم الإخوان أسلوبَ الترميز والتمثيل في أغلب رسائلهم، ووضعوا حكاياتٍ رمزيةً للاستدلالِ على معظم أفكارهم وتقريبها لأذهان الناشئة، وتأثَّروا كثيرًا بحكايات كتاب "كَلِيلة ودِمْنَة"، وأشاروا إليه في رسائلهم.

ويشير الإخوان في مقدمة رسائلهم إلى 52 رسالة، وما وصل إلينا 51 رسالة فقط، وربما قام النساخ والقراء بدمج رسالتين معًا في القسم الرابع منها، والرسائل مقسمة إلى أربعة أقسام:
الرياضية التعليمية، والجسمانية الطبيعية، والنفسانية العقلية، والناموسية الإلهية.

وجاءت بعض رسائلهم مباشرةَ المضمونِ، واضحةَ المعنى، بينما جاءت رسائل أخرى ملغزة أقرب لرموز مبهمة، وأشاروا إلى أن بعض رسائلهم تحتوي رموزًا لا يُدرِك كُنْهَها إلا الخاصة، وربما كانت هذه الرمزية لبعض الخفايا السرية التي يخشون اطِّلاع الغير عليها، وزوَّدوا بمفاتيح تلك الرموز كبارَ رجالاتهم لتفسيرها، وبذلك يكونون قد أَرْضَوا كل الأذواق: عامة المتعلِّمين وخاصتهم، وأَضْفَوا على أقوالهم شيئًا من مظاهر السرية.

 


محمود ثروت أبو الفضل
  

تاريخ الإضافة: 15/7/2012 ميلادي - 25/8/1433 ه

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..