30 مليار طن سنوياً، وبدل أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 60% كما كان مأمولاً منذ 20 عاماً، ارتفع معدّلها إلى أكثر من 40% وتوقّعت الوكالة أن الوقود الأحفوري، ولاسيما النفط، لن ينضب قبل منتصف هذا القرن، وسيتسبّب في انبعاث أكثر من 300 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون في هوائنا ومناخنا وبيئتنا المتهالكة حتى ذلك التاريخ.
والواقع أنه بعد 20 عاماً على قمّة الأرض الأولى التي انعقدت في ريو دي جانيرو في العام 1992، لم يتغيّر وضع الأرض كثيراً، لا بل ازداد سوءاً. مؤتمرات وقمم وبروتوكولات والأرض تختنق بما فيها، الحرارة إلى ارتفاع سيتجاوز الدرجتين قبل نهاية منتصف هذا القرن، مع ما يعنيه ذلك من كوارث مناخية، والانبعاثات مرشّحة للارتفاع أضعاف ما كانت عليه.
نصف سكان العالم يواجهون الكوارث الطبيعية في شمال الكرة الأرضية ووسطها، وقد تسبّب تغيّر مناخ الأرض بهجرة 42 مليون شخص وتشرّدهم في آسيا خلال العامين 2010 و2011، بحسب تقرير بنك التنمية الآسيوي، الذي حذّر من أن التغيّر المناخي سوف يصبح سبباً رئيساً للهجرة خلال القرن الحالي. ويقول المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة آشيم شتاينر إن المخاوف التي كانت تبدو بعيدة قبل 20 عاماً، أصبحت اليوم واقعاً ملموساً بتداعيات خطيرة ليس في مستوى تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية فقط، بل وفي إمكانية الفرص المتاحة لـ 7 مليارات سيصبحون 9 مليارات بحلول العام 2050.
ويمكن إدراك مخاطر الازدياد السكاني الذي يقابله إفراط استهلاكي من الأرقام الواردة في التقرير الصادر حديثاً عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة تحت عنوان"نحو اقتصاد أخضر"، ويُظهر أن الاقتصاد العالمي تضاعف 4 مرات على مدار ربع قرن مع ازدياد أعداد البشر، مقابل ذلك تدهورت نحو 60% من الخدمات والسلع الأيكولوجية التي تعتمد عليها المعيشة. ويردّ التقرير ذلك إلى أن نمو الاقتصاد في العقود الأخيرة تحقّق من طريق السحب من الموارد الطبيعية، ومن دون السماح للمخزونات بإعادة التوليد.
قمّة الأرض
ذهبوا إلى قمّة الأرض لينقذوها، وحالُ الكوكب في التراب يغورُ. تصحّرٌ وتلوثٌ وانحسارُ غابات وانقراض الأنواع واستنفاد محيطات وفقر وجوع، كلّها قضايا عولجت ببيان "حسن نوايا" في قمة "إنقاذ الأرض+ ريو 20" التي اختتمت أعمالها في 22 يونيو الحالي، بوعود الحدّ الأدنى، ومن غير أن تحسم المخاطر التي تهدّد الأمن العالمي، وأوّلها قضية التغيّر المناخي الذي زاد وضع الأرض تعقيداً. بعد أيام على مناسبة يوم البيئة العالمي، اجتمعت 188 دولة عضواً في الأمم المتحدة في قمة "العالم الذي نريده"، عالم سيرتفع عدد سكانه من 7 مليارات إلى9.5 مليارات في 2050 وإلى 10 مليارات بحلول العام 2100 بحسب إحصاءات للأمم المتّحدة، ما يعني أن عدد البشر احتاج إلى 18 قرناً ليزداد من 100 مليون منذ الإمبراطورية الرومانية إلى مليار شخص مع بداية القرن 19، ثم إلى 7 مليارات بزيادة مقدارها 6 مليارات في 200 عام. ويتوقّع خبراء الأمم المتّحدة أن تتوقّف زيادة سكان الكرة الأرضية عند مستوى 24 بليوناً بعد مضي 120 عاماً أي في العام 2131.
قبل 20 عاماً فرضت قمّة الأرض قضايا البيئة على أجندات الدول، بعد أن اعتمد رؤساء 172 دولة اتفاقية التغيّر المناخي وقرّروا التعاون من أجل التحكّم بمخاطر هذا التغيّر. تلاها الاتفاق على بروتوكول كيوتو العام 1997 كخطوة على الطريق، وكان سبق ذلك أول مؤتمر بيئي عالمي في ستوكهولم العام 1972 وصولاً إلى مؤتمر كوبنهاغن في العام 2009 الذي خرج بنتائج متواضعة تمثّلت في اتفاق لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري الذي حدّد سقف ارتفاع حرارة سطح الأرض بدرجتين مئويتين قبل العام 2050 مقارنةً بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.
الاقتصاد الأخضر ليس حلاً
الاتساع الذي حدث في رقعة التصحّر والجوع وتدهور الأراضي والتلوث واستنزاف الموارد الطبيعية، هي جميعها معضلات بيئية تواجهها الدول الغنية بالترويج لفكرة "الاقتصاد الأخضر" الذي يصفه رئيس "حزب البيئة" الّلبناني حبيب معلوف بأنه "مجرّد تسويق لتكنولوجيا جديدة تدخل في إطار اقتصاديات السوق والمنافسة"، معتبراً أنهم "يروّجون للاقتصاد الأخضر كمن يريد أن يغيّر لون طلاء المبنى وهو ينهار، لكن ما نحتاج إليه فعلياً هو تغيير النظام الاقتصادي ليصبح نظاماً موجّهاً بإشراف الأمم المتّحدة، وبالتالي توزيع التكنولوجيا الجديدة لنُنقذ الأرض، على أن تتولى البلدان المتقدّمة التي تسبّبت بهذه الكارثة توزيع هذه التكنولوجيا مجاناً على الدول الفقيرة لتسديد ديونها الكربونية وتعويضنا عمّا اقترفته من جرائم بحق البيئة".
واتّهمت حركة التنمية في العالم المعنيّة بالعمل على مكافحة الفقر في العالم ومقرها لندن خلال فاعليات مؤتمر ريو الأخير، الدول الصناعية والبنوك والشركات المتعدّدة الجنسيات، باستخدام عبارة "الاقتصاد الأخضر" "كستار لإخفاء خططها لخصخصة المزيد من الموارد العالمية وإيجاد أسواق جديدة للمنتجات التي توفّرها الطبيعة لها مجاناً".
التحوّل نحو "الاقتصاد الأخضر" له مبرّراته الاقتصادية والبيئية والاجتماعية عند من يسوّق له، إذ يعرّف برنامج الأمم المتّحدة للبيئة "الاقتصاد الأخضر" بأنه اقتصاد ينتجُ عنه تحسّن في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، ويقلّل من المخاطر البيئية وندرة الموارد الأيكولوجية، كما يقلّ فيه انبعاث الكربون وتزداد كفاءة استخدام الموارد ويولّد وظائف حيوية.
وكان الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون شدّد عشية انعقاد مؤتمر الأرض "على حاجة المجتمع الدولي إلى التوافق في الآراء بشأن اقتصاد أخضر شامل، من شأنه انتشال الناس من الفقر وحماية البيئة العالمية، وهذا يتطلّب التعاون الدولي واستثمارات وتمويل وخبرات مشتركة ونقلاً للتكنولوجيا". ويرى آشيم شتاينر أن هناك "إمكانية هائلة لتوفير وظائف في إطار ما "الاقتصاد الأخضر" الذي يعني الأنشطة الصناعية التي لا تسبّب تلوثاً للبيئة".
عقبات وعقوبات
عقبات كثيرة تقف في طريق حماية البيئة، من بينها الدول الناشئة التي تخطو حثيثاً نحو التقدّم الصناعي مثل الصين والهند والبرازيل والمكسيك، إضافة إلى الدول الأوروبية والصناعية الأساسية وأميركا الشمالية واليابان التي حقّقت ثرواتها من ضخّ مقدار كبير من غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي قبل أن تُدرك خطورة المشكلة. وعلى أمل أن تخفّض كلّ من الولايات المتحدة والصين والهند انبعاثاتها الضارّة إلى النصف بحلول العام 2050 وكذلك الالتزام ابتداءً من العام 2016 بخفض درجة حرارة جوّ الأرض بمعدل درجة ونصف مئوية كما تعهّدت في قمة كوبنهاغن، فإن الدول النامية التي تعيش تداعيات الاحتباس الحراري تريد من الدول الغنية القبول بأهدافها الأكثر طموحاً والأكثر كلفة لخفضٍ يتراوح بين 25 و45 بحلول العام 2020 و80 و95 بحلول العام 2050 .
العرب أقلّ تورطاً وأكثر تضرّراً
على الرغم من أن الدول العربية هي أقلّ دول العالم تسبّباً في إحداث ظاهرة الاحتباس الحراري Global Warming، إلا أن تقريراً حديثاً صدر في العام 2012 عنUNDP يؤكّد أن آثار التغيّر المناخي ستضرب الموارد المائية شديدة الندرة في المنطقة العربية، وسينتج عن ذلك جملة من التداعيات على القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بما في ذلك الزراعة، والصحة، والسلامة العامة (تعرضت عُمان واليمن لأعاصير مدمّرة)، والتنوّع البيئي، وصناعة تحلية المياه في الخليج، والسياحة، وإنتاج الطاقة الكهرومائية والإبحار في الأنهار.
وفي تقرير "حالة سكان العالم 2009 .. في مواجهة عالم متغيّر: المرأة والسكان والمناخ"، الذي أصدرته الأمم المتّحدة ورد أن المنطقة العربية سوف تكون المتضرر الأكبر من التغيّرات المناخية، الأمر الذي سيؤدي إلى تعميق مشكلات التصحر والفقر المائي والهجرة وانخفاض الناتج المحلي على الرغم من أن المنطقة لا تُسهم بأكثر من نسبة 3% من الانبعاثات الكربونية. في المقابل سيتوفر لدى الدول الغنية ما يسمح لها بمواجهة تلك التغيّرات المناخية والتكيف معها، على الرغم من أنها هي المتسبب الأكبر في حدوثها.
ما الذي يمكن أن يفعله لكوكب الأرض المهدّد من تغيّر المناخ زعماء عاجزون عن إنقاذ أزماتهم؟ واقع الكوكب الحالي لن يكون حتماً "المستقبل الذي نريد"، وهو عنوان البيان الختامي لقمّة الأرض الأخيرة، بيان سينضمّ إلى مشاريع اتفاقيات شبه معطّلة، في حين يبقى ما يسمّى "الاقتصاد الأخضر"، غير المراهن على النفط البنّي والمعتمد على التكنولوجيا الخضراء، مشروعاً متداولاً في خطابات القمم ومعلقاً في استراتيجيات الدول، في الوقت الذي تحتاج فيه الكرة الأرضية إلى ما هو أكثر بكثير من القمم السياحية والحلول الوسط، خصوصاً إذا ما التفتنا إلى تأكيدات وكالة الطاقة الدولية على أن الوقود الأحفوري، ولاسيما النفط، سيتسبّب في انبعاث أكثر من 300 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون، تُضاف إلى انبعاثات أخرى، ناجمة بشكل أساسي عن قطاعات التصنيع الهائلة.
ثناء عطوي
نشرة أفق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..