الخميس، 23 أغسطس 2012

الشكوك والخرائط تطارده في موقفه من الثورات العربية الكبرى: متى يستفيق هيكل من صدمته؟


2012-8-23 | خالد حسنالشكوك والخرائط تطارده في موقفه من الثورات العربية الكبرى: متى يستفيق هيكل من صدمته؟
يبدو أن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل مصدوم من الثورات العربية، لم يستوعب زخمها وتألقها وما حققته إلى الآن، فراح
يتحدث عن "سايكس بيكو جديد" لإعادة تقسيم العلم العربي وإعادة توزيع موارده ومواقعه ضمن ثلاث مشاريع.
فما جرى في نظر هيكل ليس سوى صفقة بين العسكر والغرب لترتيب أوضاع جديدة للإطاحة بالفكرة القومية التي أزاحت الاستعمار وحررت الأوطان العربية!
وجاء في الأهرام المصرية ما نصه: (أكد الكاتب والمحلل السياسي المخضرم محمد حسنين هيكل بأن ما يشهده العالم العربي هذه الأيام ليس "ربيعاً عربياً" وإنما "سايكس بيكو" جديد لتقسيم العالم العبي وتقاسم موارده ومواقعه ضمن 3 مشاريع، الأول غربي "أوربي- امريكي" والثاني إيراني والثالث تركي، بالإضافة إلى نصف مشروع صهيوني لإجهاض القضية الفلسطينية.. منوهاً بأن الثورات لا تصنع ويستحيل أن تنجح بهذا الأسلوب باعتبارها فعل لا يتم بطريقة "تسليم المفتاح" من قوى خارجية تطلب السيطرة ولا تريد إلا مصالحها فقط ولا يصح أن يتصور أحد أنها بعد المصالح تريد تحرير شعب.
وأشار هيكل إلى أن ما نراه الآن ليس مجرد ربيع عربي تهب نسماته على المنطقة، وإنما هو تغيير إقليمي ودولي وسياسي يتحرك بسرعة كاسحة على جبهة عريضة ويحدث آثاراً عميقة ومحفوفة بالمخاطر أيضاً.
وأضاف: "ما نراه في هذه اللحظة هو مشروع قومي يتهاوى، وبقاياه تجري إزاحتها الآن، ومشروعات أخرى تتسابق إلى الفراغ، بعد أن أضاع ذلك المشروع مكانه وزمانه").
لا يزال عقل هيكل مشدود إلى الوراء إلى العهد الناصري، يكثر في تحليلاته من "النفخ" في الكلمات والأفكار الشاردة بلا أدنى اعتبار للتحولات السياسية التي تشهدها بلاد الثورات.
ربما هو مصدوم لأنه لم يتوقع حصول ثورات في بعض البلاد العربية تهز العالم وتغير مجرى التاريخ وتخضع السياسات، وربما أتت الثورات بما لم يتحملها عقله ولم تستوعبها نظراته، يتحدث بلغة قديمة ورثها من الزمن الغابر وظل وفيا لها، وبمنطق التشكيك والاهتمام وحتى الهدم، لكن لا أثر لكلامه ولا اهتمام ولا صدى، فليته سكت وتدبر التغيرات قبل أن ينسفها لأنها لم توافق هواه "القومي".
ما هو التغيير وما هي الثورة التي يرضى عنها هيكل؟ أو ربما لا يعترف إلا بما يمليه ويتوهمه ويصدع به رؤوس سامعيه ومعجبيه.
وربما ورط من لمعه وحسن إخراجه مجددا للمتابعين والمشاهدين ونعني بها قناة الجويرة الفضائية، فكم من متحدثين رفعتهم وفرضتهم على المستمع ثم أحرجوها وغردوا بعيدا عن سربها، كحالة رئيس تحرير القدس العربي عبدالباري عطوان.
وهي من السياسات الإعلامية الخاطئة التي تبنتها الجزيرة في قناتها وموقعها، تتورط في تلميع كتاب ومحللين، وتكثر منهم، وهنا الخطأ، ثم تُحرج بمطباتهم وغرائبهم وأوهامهم، وهذا موضوع آخر ليس هذا مقامه.
لا أظن أن محللا أو مفكرا أو متابعا جادا عميقا يرى في الثورات العربية الكبرى مخططا لإعادة تقسيم المنطقة والموارد، وإذا كان بعض الغرب استفاد منها، فهل هذا يطعن في معدنها ومنطلقها وأهدافها وإنجازاتها؟ وهل حدثت هذه الثورات في جزر نائية في عرض البحار والمحيطات، حيث لا يسمع بها أحد، أم حركتها تراكمات طغيان وتسلط وتلف وتبعية وفساد ما عاد يتحمله أحد.
هيكل يرى خرائط جديدة تتشكل أو بالأحرى ترسم، أين هي؟ وكيف ظهرت هذه الخرائط من تحت الأنقاض ولم ينتبه لتغييرات سياسية حقيقية تشهدها بلده مصر شدا أنظار العالم كله ولم تستوقفه التحولات المؤثرة على مستوى منظومة الحكم، والتي أربكت الولايات المتحدة ومزت الكيان الصهيوني؟
هل ما يكتشفه هيكل، لا أدري كيف، بدافع التوجس والخصومة التقليدية والإرث القديم والحساسية المفرطة من كل تغيير، هو ما يحدث فعلا على أرض الواقع؟ أم أن ما حدث ويحدث بشكل متسارع باتجاه التحول الديمقراطي لبلاد الثورات مع بعض التعثر والدخن يفوق طاقة هيكل على التحمل والإقرار، وما وجد سبيلا للتنكر لما يجري من تحولات إلا إخراج خرائط رسمها تفكيره وأقنع بها نفسه عنوة ويحاول تسويقها للناس على أنها "سايكس بيكو" جديد، وهل كل من تنكر لما يجري وما أحدثته الثورات من تغيرات يستعمل خرائط التاريخ لإنقاذ نفسه وتبرير أوهامه وانغلاقه على نظرة أحادية عفى عليها الزمن؟
لم تسلم القوى الخارجية المفتاح لأي من الثورات العربية، وإنما أزاح الثوار رؤوس الطغيان والتسلط والاستئثار بالحكم بقوة الضغط والتظاهر والاحتجاج، وضحوا وقدموا في هذا أرواجهم، والغرب ركب الموجة بعد أن فشل في معاكستها وإعاقتها وكبحها، فلم التدليس والتزييف في قراءة الأحداث؟
وأما المشاريع الثلاث التي تحدث عنها هيكل، فليس ما أتى به جديدا ولا مقلقا ولا مفزعا، فهل إذا تحرك الآخرون (أصدقاء وأعداء وخصوم) لملء فراغ معين أو تنفيذا لسياسات طموحة أو وثائية أو.. فإن هذا يبعث على التشكيك في أصالة الثورة ومنطلقها وتكذيب منجزاتها والطعن في مسارها؟
هل نقول لهذه الدول التي ذكرها هيكل: كفوا أيديكم وأنصتوا ولا تبغوا علينا سبيلا، وخلوا بيننا وبين العالم، وإذا لم يستجيبوا فهذا يعني أن الثورة ليس سوى صفقة واتفاقا جديدا على تقسيم المنطقة؟
أهذا منطق في التحليل؟ الثورات لا تتحرك في فراغ واهتمام الآخرين بها اتقاء أو تناغما أو حذرا أو تربصا فهذا دليل قوة تأثيرها وزخمها وإنجازاتها وطاقتها المتجددة.
مسألة أخيرة في مزالق هيكل ومجافاته للثورات: إذا رأى في الثورات سقوطا للمشروع القومي، كما سماه، فما ذنب الثورات؟ وإذا ضعفت الفكرة القومية ووهن عظمها وفقدت بريقها وضعفت حجتها، فهذا ليس بسبب تقدم غيرها، وإنما على أصحابها إعادة النظر في مدلولاتها وتطبيقاتها وتجديد فكرتها، وإن هي عجزت عن إحداث تغييرات كبرى في البلاد العربية، فمن يلام؟ ولماذا نتهم غيرها إذا تمكن من إنجاز وتحقيق ما فشلت فيه الأفكار السابقة التي سادت لفترة من الزمن.
فهل نطالب هيكل بمواكبة زخم الثورات وما حققته في زمن إرادة الشعوب التي لا تقهر وتجاوز مرحلة الصدمة، أم نطالب الثورات وصناعها بالتوقف حتى يرضى عنها هيكل ويثق في مساراتها؟

http://alasr.ws/articles/view/13326?ref=tw

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..