السبت، 18 أغسطس 2012

دراسة حول رؤية الهلال أو حسابه

تقرير مختصر عن دراسة حول رؤية الهلال أو حسابه

يدرك جميع المسلمين بوجوب الصوم في شهر رمضان، ولكن علماء المسلمين والمختصين يختلفون حول
طريقة تحديد بداية الشهر ونهايته، ونوع الوسائل التي نستخدمها لتحقيق ذلك. فيما يلي تقرير ملخص حول دراسة لعينة من الآراء لبعض العلماء المعاصرين المتخصصين في الشريعة وفي علم الفلك.
وتتمثل أهداف الدراسة فيما يلي:
1.    ما هي الآراء الرئيسة حول رؤية الهلال أو حسابه؟
2.    ما هي أدلتهم؟ وما مدى قوتها؟
3.    ما هي الخلاصة والتوصيات؟

السمات الرئيسة لمنهج الدراسة:

لقد اتبع الباحث الخطوات والمبادئ التالية:
أولا – جمع الكتابات المتوفرة بالعربية والإنقليزية لما يزيد عن خمسين عالما ومختصا في الدراسات الإسلامية وفي علم الفلك. وقد تضمنت العينة المقالات، والأجوبة على بعض التساؤلات، والمناقشات الثنائية.
ثانيا – اتبع الباحث الخطوات والمبادئ الأساسية التالية:
1.    اختيار الأدلة وثيقة الصلة بالموضوع من القرآن والسنة ومن مصادر علم الفلك.
2.    تجنب الرجوع إلى مثل كلمة "المواقيت" للبحث عن معنى كلمة "الأهلة" أو كلمة "منازل"، ولكن البحث في استعمالات كلمة "الأهلة" ومشتقاتها.
3.    اختيار أكثر النصوص صراحة وأقلها خضوعا لعمليات التشويه، والتحقق من المدلول الصحيح المحدد أو المعاني، دون زيادة أو حذف أو تضخيم.
4.    اختيار أكثر الأدلة مصداقية من السنة النبوية، مثل ما ورد في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم... والملاحظ أن الحديث الواحد قد يتكرر كثيرا عبر المؤلفات والمصنفات بالنص نفسه وبالسند نفسه، أو باختلاف  في السند أو في المتن، بزيادة قليلة في النص أو بحذف أو اختلاف في الصياغة.
ثالثا – لاستيعاب مدلول الآية والحديث النبوي قام الباحث بتطبيق القواعد التالية:
1.    مراجعة المدلول في كتب التفسير والشروحات إضافة إلى مراجعة معاجم اللغة العربية التي تتضمن في العادة معاني كثيرة فيتم اختيار أكثرها لصوقا بموضوع البحث.
2.    مراجعة السياقات التي وردت فيها الآيات والأحاديث النبوية، فبعض أحكامها ينطبق على حالات خاصة، وبعضها عام.
3.    مراجعة الاستعمالات المختلفة للمصطلح أو المفردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، إن وجدت.
4.    التأكد من كون المفردة جاءت بمعناها الأصلي أو كانت استعارة، أو جاءت لتشير إلى المدلول الجوهري أو المدلولات المشتقة منها.
رابعا – لاستيعاب المدلول الصحيح والشامل للمصطلح تم فحص التعريفات المتوفرة واستعمالاتها، ولاسيما التي وردت في عينة الدراسة وتم الاعتماد عليها.

استعراض الجهود السابقة:

عندما نتفحص عينة من كتابات علماء المسلمين المعاصرين (العرب وغير العرب)، والمتخصصين في الدراسات الإسلامية أو في علم الفلك نجد ثلاث مجموعات رئيسة: الذين يصرون على الاعتماد على رؤية الهلال بالعين المجردة، والذين يصرون على أن حساباتهم الفلكية هي الصحيحة، والذين يميزون بين عناصر العبادة والوسائل التي تتحقق بها. فالمجموعة الأخيرة ترى أن  الوسائل التي نحدد بها شهر رمضان مجرد وسائل تخضع للتغيير بسبب الظروف المتغيرة وبسب تطور الوسائل ذات العلاقة.

أدلة المجموعة الأولى ومناقشتها:

إن ما يميز هذه المجموعة هو إصرارها على الرؤية بالعين المجردة. ومن أدلتها قو النبي صلى الله عليه وسلم " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته  فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين. أو فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين". (البخاري ج2: 674 ومسلم ج2: 762)
وما يمكن استنباطه من الحديث بوضوح هو أن رؤية الهلال لازم لبدء الصوم أو لإنهائه، وإذا استحالت الرؤية فنكمل الشهر ثلاثين. فالشهر يتراوح بين 29 يوما إلى ثلاثين يوما، أي هناك فرصة للخطأ، في موقع محدد، بمقدار 24 ساعة، أي بنسبة 3, 3% للخطأ المعفي عنه في تحديد الشهر. وهذا يعني أن تعدد المواقع يستلزم زيادة نسبة الخطأ المعفي عنه.
ويؤكد الحديث على أن الوسيلة محسوسة، ميسرة لكل مسلم، في جميع الظروف. ويكمل الحديث الحقيقة التي وردت في قوله تعالى {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا}.(التوبة: 36)
بيد أن النص يجعل وسيلة الرؤية مفتوحة، لا يقيدها بالعين المجردة، كما يرى البعض. وبمراجعة أكثر من مائتي نص للحديث مكرر إما بإسناده أو بشيء من التغيير في النص أو الإسناد، لم يجد الباحث أي نص يقول بأن الرؤية يجب أن تكون بالعين المجردة.
وقد استعمل البعض شاهدا على دعواهم قوله تعالى {ومن شهد منكم الشهر فليصمه}، حيث فهم "شهد" بأنها تعني "رأى". وهو استشهاد مرفوض لمن يفهم العربية فهما كافيا. فهي تعني حضر، وليس رأى، لاسيما أن شهر رمضان ليس شيئا محسوسا، يمكن رؤيته بالعين.
يضاف إلى ذلك أن المنطق المستخدم للقول بضرورة الرؤية بالعين لا يمكن استخدامه في الحالات المماثلة. ومثال ذلك الأحاديث التي وردت في الذهاب إلى المسجد بلفظ "المشي". فإذا طبقنا المنطق نفسه فإن استعمال وسائل النقل الحديثة، ومنها السيارات يصبح غير جائز. ومن زاوية أخرى، إذا لم نفصل بين عنصر العبادة وبين وسيلة تحقيقها يصبح استعمال المناديل الخاصة بالطهارة غير جائزة لعدم ورودها في النص، ولابد من استعمال الحجارة والأشياء الصلبة، إلا العظم، للطهارة عند انعدام الماء.
وفي جميع الأحوال فإن هذه المجموعة تنقسم إلى قسمين: القسم الذي يمنع الاستفادة من الحسابات الفلكية، والقسم الجاهز لتصميم معادلتهم الخاصة لتطبيق الحسابات الفلكية...
وتؤكد هذه المجموعة بأن "الآهلة" في قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...} (البقرة : 189) هي جمع "هلال"، وجاءت بصيغة الجمع لتتوائم مع كلمة "مواقيت" جمع كلمة "ميقات" في الآية نفسها.
وبالرجوع إلى معاجم اللغة العربية نجد أن هذا التفسير صحيح لأن كلمة "هلال" مشتقة من كلمة "أهلّ" و"يهل" و"أهلا" لتعني الترحيب بالغائب.
ويلاحظ أن معرفة بداية الشهر تقوم بالمهمة. فاليوم بشروق شمسه وغروبها وأيام الأسبوع بأسمائها كافية لتحديد التفاصيل، مثل تحديد يوم عرفة، أي اليوم التاسع من ذي الحجة. ومما يؤيد أن الأهلة في الآية هي جمع هلال، يقول الخطابي كانت العرب تستعمل كلمة الهلال لتعني الشهر.(الخطابي 1: 130)
وعموما فإن قضية رؤية الهلال تثير تساؤلات حول مصداقية الرائي أو الرائين. فهناك دائما فرصة للخطأ، وافتقاد العناية أو الأمانة. ولهذا ينبغي علينا التنبه إلى ضرورة الاهتمام التزام  الرائين بالأخلاق الإسلامية وتنوع خبراتهم، وتنوع اختصاصاتهم.
ويجب أن نكون أكثر حذرا في حالة الشاهد الواحد، فالهلال لا يختبئ في مغارة، ولكن يظهر في السماء، ويمكن لمجموعة كبيرة رؤيته إذا تم تنبيههم إليه. ولضمان صدق الرؤية يمكن الاستعانة بالحسابات الفلكية باستعمال المعادلات التي لا تتعارض مع الإسلام. فالعلاقة كما يقول الدكتور سلمان شيخ بين الرؤية والحسابات الفلكية هي علاقة تكاملية.

أدلة المجموعة الثانية ومناقشتها:

تبني هذه المجموعة معادلتها على ما يجري في الطبيعة وعلى بعض القرارات البشرية، مثل: اتفاق علماء الغرب على أن النقطة المركزية للكرة الأرضية هي النقطة الوهمية التي تمر على جزر كيريباتي في منتصف المحيط الهادي، وأن نقطة الصفر في التوقيت تبدأ عند خط جرينتش الوهمي. وتقول معادلتهم: اعتبار يوم المحاق (اختفاء القمر تماما) هو الخط العالمي للتأريخ IDL (الذي يمر بجزر كيريباتي).
وتستشهد هذه المجموعة بمجموعة آيات:
                1.            قوله تعالى: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم}.(التوبة: 36)
                2.            {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (36: 39- 40)
                3.            {يسألونك عن الأهلة...} مع تفسير كلمة "أهلة " إلى منازل.
من الواضح لمن يعرف العربية أن الآيات السابقة لا تسند الادعاء بأن معادلتهم في الحسابات الفلكية هي المعادلة التي تمثل أوامر الله ورسوله، كما تدعي هذه المجموعة.
وتقول هذه المجموعة: "الإسلام كامل ومتقن كما يؤكد الله العظيم. لهذا فإن الإسلام أيضا يمتلك النظام القادر على بناء تقويم يحدد التواريخ ويتسق مع منازل القمر، وقادر على التنبؤ بالتواريخ المستقبلية والماضية." والسؤال: هل جاء الإسلام لمخلوقات لا تستطيع الاستفادة من التقاويم واسعة الاستعمال، مثل التقويم الميلادي؟ وأي التقاويم أكثر فائدة للإنسان القمرية أو الشمسية التي، إضافة إلى تحديد التاريخ، تتنبأ بالفصول السنوية؟
وفيما يتعلق بالنظام المتقن فإنه يختلف بحسب نوع المخلوق الذي يستفيد منه أو يتعامل معه. فالمخلوقات المكلفة تتكون من العنصر الروحي، والعقلي، والعاطفي، والجسدي. لهذا فإن النظام المتقن المناسب لها يجب أن يتميز بالمرونة، ويمنح فرصة لحرة الاختيار وللتفاعل الحركي المتزن بين المبادئ الثابتة والواقع المتغير.
ومن جهة أخرى، فإن النظام المتقن للجمادات هو النظام الذي يعمل بطريقة حسابية، ثل 1+1 = 2. وأي نظام لا يحسب حساب لهذا الاختلاف فإنه يساوي الفوضى ومرفوض تماما.
وعموما يلاحظ أن بعض الاستدلالات عند المجموعتين السابقتين، يعكس أحيانا نقصا في المعلومات الكافية عن الأدلة المستشهد بها من الكتاب والسنة ونقصا في المعرفة الكافية للغة العربية. والمثال البارز لذلك الفهم لكلمة "النسيء" فقد كان فهما واستعمالا خاطئا.
ويقول أحدهم من المجموعة الأولى "...أما بالنسبة للمحاصيل فالعرب كانت تستخدم النسيء لإعادة التقويم القمري إلى النظام المواسم الشمسية. وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم النسيئة."
وأحد المجموعة الثانية يقول مخاطبا محاوره"... يضاف إلى ذلك فإنه لكي نكمل العدد الأدنى من الأيام، أنت مضطر لاقتراض يوم من شهر رجب. ولأن رجب من الأشهر المحرمة فأنت ومن يبدأ جمادى الثاني يوم الاثنين ترتكبون النسيئة، والنسيئة زيادة في الكفر، حسب القرآن الكريم (سورة براءة: 37) وذلك لتأخير رجب من يوم الاثنين إلى يوم الثلاثاء."
ويبدو أن أحدهم يستدل بما يتعلق بربا النسيئة، والآخر يستدل بقوله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم... إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحرموا ما حرم الله...}(9: 36- 37)
إن الآية كما هو معلوم لا علاقة لها بتأخير يوم عمدا أو خطأ، ولا علاقة لها بعملية التنسيق بين التقويم القمري و"المواسم الشمسية".
وكما هو معلوم فإن الآية لا علاقة لها بعملية الموائمة بين التقويم القمري والمواسم الشمسية (الفصول الأربعة) ولا علاقة لها بتأخير يوم عمدا أو غير عمد.
فالآية بصريح العبارة تتحدث عن معرفة الكافرين بالأشهر التي يحرم فيها القتال، ولكنهم يؤجلون حرمة محرم إلى صفر عاما بعد عام. (تفسير ابن كثير)
وكما هو معلوم فإن النسيئة في ذاتها لست محرمة. فقد تكون الأعمال التي تستحق الثناء؛ وقد تكون جائزة. ومثاله أن تسمح لمن يشتري منك شيئا بدفع قيمته مؤجلا، دون دفع أي زيادة، أو أن يؤجل المسلمون صيام أول يوم في رمضان غير متعمدين، لعدم تمكنهم من رؤية الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان.

أدلة المجموعة الثالثة ومناقشتها:

إن رأي المجموعة الثالثة واضح ومرن وعملي. يعطي رأيهم فرصة للتفاعل المتقن بين المبادئ ذات العلاقة والواقع. والأولوية في هذا الرأي لدرجة التوفر ولدرجة الفائدة. ويميز بين عناصر العبادة والوسائل التي تعين في تحققها. ومثال ذلك يعتبر الصيام ف شهر رمضان شرطا أو عنصرا من صيام الفرض، ولكن طريقة تحديد الشهر تعد وسيلة تخضع للتغيرات بسبب تغير الظروف، وبسبب تطور الوسائل ذات العلاقة.
وكذلك الأمر بالنسبة لشرط صلاة الفرض أنها تؤدى في أوقات محدودة (مدى من الزمن)، ولكن طريقة تحديد الوقت وسيلة. ويمكن تحديد الوقت بتتبع حركة الشمس في اليوم، وبالساعة الرملية، وبالساعة اليدوية...
وتمنح هذه المجموعة النص الذي يحد شهر رمضان وزنه، ولكن بدون إضافة إليه تقيده بالرؤية بالعين. وتنمح أهمية للحسابات الفلكية، ولكن ليس على حساب الرؤية الموسعة (بمنظار، بالحسابات المبنية على احتمال الرؤية ). وتمنح أهمية للشاهد أو الشهود، ولكن بدون تساهل في التحقق من مصداقية الشهادة.

الحقائق الفلكية:

وقد تم التوصل إلى الآراء الرئيسة وأدلتها الشرعية، حان الوقت لاستعراض الحقائق الفلكية. وبمراجعة الحقائق الفلكية ذات العلاقة بالموضوع، تم التوصل إلى الحقائق التالية:
أولا- إن الوقت والتاريخ ليس سوى نتيجة للعلاقة المنتظمة بين الشمس والأرض والقمر. وهي كواكب تدور في مساراتها بشكل منتظم كما أبدعها الخالق سبحانه وتعالى.
ثانيا- الأرض ليست مسطحة، ولكنها كروية تتحرك حول الشمس، ويتحرك القمر حولها، حسب نظام ثابت. ولهذا فإن القمر لا يراه من في الأرض جميعا في الوقت أو المساء نفسه. ويقول أفضل بأن للقمر ما بين أربعة أو خمسة مطالع عند اقتصار الرؤية على العين المجردة. فقد أثبت علم الفلك تعدد المطالع، وليس اتحادها ذلك الرأي الذي كان مبنيا على كون الأرض مسطح.
ثالثا- نعم هناك مشرق واحد ومغرب في الموقع الواحد. أما في الكوكب الواحد وعبر الكواكب فليس هناك مشرق واحد و مغرب. يقول تعالى: {رب المشرق والمغرب}(المزمل: 9) و{رب المشرقين ورب المغربين}(الرحمن: 17) و{فلا أقسم برب المشارق والمغارب}.(المعارج: 40) فالشرق والغرب أمر نسبي. فما يكون في الغرب بالنسبة لك، قد يكون في الشرق بالنسبة لي. أما المصطلح العالمي أو الموحد فقد فرضته الحضارة المسيطرة في العالم، وهي الحضارة الغربية. وهي من صناعة البشر.
رابعا- لقد زود الله المخلوقات المكلفة (الجن والإنس) بوسائل محسوسة يسهل الحصول عليها لتحديد الوقت والتاريخ، مثل: 1) اليوم بنهاره وليله، 2) الأسبوع بأيامه السبعة ذات الأسماء المميزة، 3) الشهر القمري الذي يتراوح بين التسع وعشرين والثلاثين يوما، والسنة التي تتألف من اثني عشر شهرا. وهذه الوحدات الزمنية الأساسية يمكن تقسيمها إلى وحدات أصغر مثل الساعة والدقائق والثواني... ويمكن مواءمتها وتنسيقها بطريقة تيسر استعمالها وتجعلها قادرة على التنبؤ بالوحدات الزمنية المستقبلية للاستفادة منها في التخطيط للمستقبل، وذلك بالاتفاق على نقطة الصفر الزمانية (مثل توقيت قرينيتش) ونقطة الصفر المكانية(مثل جزر كيريباتي أو مكة المكرمة أو خط من خطوط الطول والعرض الوهمية المتفق عليها...)
خامسا- جميع معادلات الحسابات الفلكية تتكون من خليط من مما يجري في الطبيعة (العلاقة المنتظمة بين الشمس والأرض والقمر) ومما يتفق عليه العلماء (أي صناعة بشرية). وتظهر الصناعة البشرية أو الخيار البشري فيما يلي:
1.    تحديد نقطة الصفر المكاني.
2.    تحديد نقطة الصفر الزماني.
3.    تحديد المدة الزمنية الموحدة للشهر. فالشهر يتراوح ويتغير بين مثلا 29 يوما وكذا ساعة، ودقيقة، وثانية.
لهذا لكل خبير آراءه، وهناك احتمال للخروج بمعادلات "إسلامية" لا حصر لها، تتعدد أسماؤها. فهناك معادلة تعتمد جزر كيريباتي نقطة الصفر المكانية، وتوقيت قرينتش نقطة الصفر الزمانية. وهناك من يرى ضرورة اختيار موقع لتتم فيه الرؤية بالعين المجردة. وهناك من يجعل مكة المكرمة نقطة الصفر المكانية... وتقوم مهمة نقطة الصفر المكانية بتحديد الشرق والغر الموحد دوليا. وتقوم نقطة الصفر الزمانية بتحديد التوقيت العالمي الموحد.
سادسا- مهما حاولنا في التقويم الموحد فإنه سيخالف ما يجري في الطبيعة حتى مع استعمال التقنية (المناظير المقربة والحسابات)، وسيخالف القيود الشرعية (عدم تجاوز نسبة الخطأ 24 ساعة في الشهر أي 3, 3%) فالهلال الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة في موقع محدد (مطلع) لا يمكن رؤيته إلا بالمناظير المقربة في مواقع أخرى، ويستحيل رؤيته في مواقع ثالثة، وذلك لكروية الأرض.
سابعا- وتتمثل المخالفة في تجاوز حجم نسبة الخطأ الأربع وعشرين ساعة. فقد تتأخر الرؤية في بعض المواقع إلى 72 ساعة، في بعض المواقع، مثل المناطق القطبية في الشمال والجنوب، وذلك اعتمادا على الموقع المختار للرؤية من الكرة الأرضية.
وصحيح أن المناطق القطبية تندرج تحت الحالات الاستثنائية، ولكن نسبة الخطأ ينبغي أن لا تتجاوز 24 ساعة، في أكثر من ثلثي مساحة الكرة الأرضية، أي لا ينقص عن خطوط العرض درجة 60 شمال وجنوب.
وأخيرا دعني أسترجع الأسئلة الرئيسة التي تم توزيعها لتيسير عملية تصنيف الآراء، وللتنبيه إلى أدلة الآراء المتطرفة، وقوبلت بالتجاهل أو الغضب، أو – نادرا- بإجابات مباشرة. وقد تم تصميم هذه الأسئلة بعد قراءة المئات من الصفحات، وتتمل فيما يلي:
1.    هل هناك آية أو حديث يقول بصراحة أن رؤية الهلال يجب أن تتم بالعين المجردة؟
2.    هل هناك أي آية أو حديث يقول بأنه يجب الاعتماد على معادلة محددة في الحساب الفلكي؟
3.    هل هناك موقع واحد على الكرة الأرضية يحدث فيه المحاق، وهو عند جزر كيريباتي، في وسط المحيط الهادي؟
والإجابة المتوقعة على جميع الأسئلة السابقة هي: لآ.

وفي ضوء الآراء الشرعية السابقة وأدلتها ومناقشاتها يمكن للمسلم أن يستخلص منها بأنه لا يمكننا إجبار المسلم على الصيام والاحتفال بالعيدين أو يحج حسب أي من التقاويم، مهما بذلنا فيها من جهد، سواء جاءت باسم التقويم الإسلامي أو الهجري أو... ولهذا فإنه إذا كان في الإمكان الانتفاع بمخترعات إخوتنا غير المسلمين والمسلمات، وبمنتجاتهم، طالما أنها لا تتعارض الإسلام، فإنه يمكننا الاستفادة من التقويم الميلادي، وتوقيت قرينتش في أنشطتنا اليومية. أما بالنسبة لأنشطتنا الدينية ولعباداتنا فنحتاج إلى تقويم مستقل، يخضع للتعاليم الربانية، مؤمنين بأن هناك دائما حكمة ربانية، وإن فاتنا إدراكها.

الخلاصة والتوصيات:

                1.            النظام الشمسي أكثر شمولية وفائدة وأكثر عونا على بناء نظام ثابت، يعين على التنبؤ بالتاريخ والفصول الأربعة. فقد اختاره الله الحكيم العليم نظاما يعين المزارعين والمسافرين وللتعرف على أوقات الصلوات. وشاءت رحمة الله أن يختار النظام القمري للصيام وللحج. فهو أكثر رحمة من النظام الشمسي لهذا الغرض، فلا يأتي شهر الصوم بصورة مستمرة في فصل محدد، مثل الصيف دائما أو الشتاء دائما، سواء لمن يعيشون في النصف الشمالي من الكرة الأرضية أو النصف الجنوبي. فهذا الخيار يعكس رحمة الله بعباده، سواء من جهة طول نهار الصوم أو درجة حرارته.
                2.            التعدد في هذه المسألة أكثر رحمة من الوحدة المفروضة المبنية على نظرية وهمية، وذلك لأن التقنين يتعارض مع الطبيعة، سواء طبيعة الإنسان أو القوانين الطبيعية.
                3.            تحديد مدى من الزمن أكثر رحمة من تحديد وقت محدد لأداء العبادات. ولعله لهذا منح الله عباده مدى من الوقت (من - إلى) للصلاة المقبولة، وفرصة للخطأ في حدود 24 ساعة، أي نسبة 3. 3 لتعيين شهر الصوم وأيام الحج.
                4.            وجعل الله حركة الشمس معينا على التعرف على أوقات الصلوات المفروضة، وذلك لأنه سهل، ليس على الفلكي فقط، ولكن يمكن لكل إنسان أن يستفيد منه في التعرف على أوقات صلواته وجدولة أنشطته اليومية. ومن جهة أخرى، اختار الله لعباده التعرف على بداية شهر رمضان ونهايته ويوم الحج بحركة القمر في منطقة محددة. فالإنسان، حتى بدون مساعدة الفلكيين، يستطيع الاستفادة من هذا النظام القمري في تحديد يوم الصيام والإفطار وأيام الحج للاستعداد له.

ولما سبق فإنه في إمكان الفلكيين المسلمين تقسيم الكرة الأرضية إلى أقسام بناء على رؤية الهلال بالعين أو بالمناظير المقربة أو احتمال الرؤية بعد مغيب الشمس. واستعمال المنظار ونظرية احتمال الرؤية يقلل من عدد المطالع، وبالتالي يقلل من عدد التقاويم المطلوبة للتقويم الذي يخدم الأغراض الدينية، أي تحديد مواعيد العبادات الإسلامية السنوية.

وكما هو معلوم لكثير من علماء المسلمين أن الإسلام لا يحرم الاستفادة من الوسائل والأدوات التي صنعها إخوتنا وأخواتنا من غير المسلمين، مادامت لا تتعارض مع الإسلام. فالمعايير الحقيقية في هذا المجال لدرجة السهولة والإتقان. فالمسلمون، في الواقع، غارقون في المعلومات والأنظمة والمنتجات الصناعية التي أوجدها غير المسلمين. وأي تقويم قمري أو شمسي يخدم أنشطتنا اليومية ومعاملاتنا بطريقة أفضل فإنه يمكننا الاستفادة منه لأنشطتنا الدنيوية. أما للأغراض الدينية فيجب أن يكون لنا تقويمنا المستقل الذي يستند إلى التعاليم الإسلامية. وإذا أمكن مواءمة التقاويم غير الدينية ليخدم أغراضنا الدينية فلا بأس، ولكن ليس العكس.

وكما تمت الإشارة إليه سابقا فإن التقويم الإسلامي الديني يتألف من عناصر أو أدوات ميسرة لجميع المخلوقات المكلفة، في جميع الظروف. فإن التقويم الرباني يتألف من: اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، مع نسبة خطأ مضمونة في حدود أربع وعشرين ساعة في الشهر. وتغطي على الأقل ثلثي سطح الكرة الأرضية، بعد استخراج المناطق القطبية الشمالية والجنوبية التي تخرج عن خطي العرض الشمالي والجنوبي بدرجة 60.

وأما بالنسبة لليوم الحاسم في الحج، وهو يوم عرفة فليس هناك بديل للتقويم الخاص بمنطقة مكة المكرمة، وذلك لأنه لا يوجد جبل عرفة إلا واحد. وهو القريب من مكة المكرمة.

وتؤكد لجنة التقويم الهجري (HCC) بأن تحديد الرؤية للهلال لا يتم بطريقة جازمة مانعة كما ينبغي، ولكن يعتمد على عوامل متعددة، بما في ذلك السجلات المتوفرة في العالم. ولهذا يقترح الباحث أن يركز علماء الفلك المسلمون جهودهم على تطوير ما يتعلق بالقمر في علم الفك، وذلك بدلا من محاولة أسلمة المعلومات والنظريات المتوفرة.


د. سعيد إسماعيل صيني

29/9/1433هـ
الموافق 17/ 8/ 2012م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..