الأحد، 19 أغسطس 2012

نحن مما تكتبه بريئون

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمدٍ الهادي إلى صراط مستقيم، الذي بشر بجنة أُعدت للمتقين، وأنذر نارا أُعدت للمكذبين الضالين، وعلى آله وصحبه الغر
الميامين. وبعد:
أساء كثيرا لنفسه محمد بن عبداللطيف آل الشيخ- هداه الله- بكتاباته ومقالاته، فقد تكلم في شؤون هامة عظيمة، في العلم والعلماء، مقيماً ومنتقدا ومقترحا وموجها، وفي الحُسبة وأهلها مقيدا لولايتها، ومتهما لأهلها، ومحرضا لهدم بنيانها، وفي الأمم والحضارات فأشاد بمن ذمهم الله، وذم من امتدحهم الله، وفي المرأة وحقوقها، وفي الجهاد وأهله، وفي المؤسسات الخيرية والدعوية إلى الله، في قائمة من المسائل الهامة تطول.فدعا في كثير من كتابته تماما إلى ما دعا له أعداء الإسلام، مصدقا لكذبهم، ومؤيدا ومعينا لإفكهم.ولست في هذه العجالة مهتما ببسط مواضع الزلل من كلامه، ومستقصيا لمواضع التدليس والتضليل في مقالاته، فقد تصدى لذلك بعض أهل العلم والعقل والغيرة، فأجادوا وأفادوا، ولكن هذه إشارات وتنبيهات لرسائل أراه يبثها وينشرها، ويرمي زرعها في قلوب قُرائه، تبدو أحيانا بينة في بعض السطور، وتُفهم كثيرا من خلال معاني الألفاظ ومقاصدها. والمسلمون يميزون الطيب من الخبيث، ولا تنطلي عليهم الحيل والدسائس، ويحزنهم ويغمهم ما يكتبه، والذين في قلوبهم مرض أو جهل يفرحون ويتغامزون بما يبتكره ويزخرفه.
رسالته الأولى التي يدندن دوما حولها هي تنقص العلماء وجرحهم، والتقليل من صدقهم وعلمهم، فهم عنده لا يفقهون الواقع والاقتصاد، ولا المصالح والمفاسد، ويضيقون ويتشددون، ويفسقون ويكفرون، ويتعجلون الفتوى ويتراجعون، وفتاواهم محل للسخرية والتندر، وقد قصروا في الرد على المفسدين والبُغاة، وهو في ذلك يبني ويؤسس بنيان نقده للعلماء على زلة العالم، أو خطأ لمتعالم، وفي الغالب على فهمٍ منه لأقوالهم ضعيف وناقص، ثم يدعو ويُحرض على نقدهم، ومعارضتهم، والتشكيك في صحة فتاواهم، فهم بشر يخطئون، وهكذا يلغي المكانة العالية التي جعلها الله لهم، وما أمر به من سؤالهم والرد إليهم، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}.والأحاديث في مدحهم وتقديمهم وحبهم صحيحة كثيرة، فسبحان الله هل يريد أن يكون قولُه وغيره كقولهم، ورأيه للناس كرأيهم ونظرهم، هذا- إن شاء الله- لن يكون ما دام الناس يميزون بين الصالح والطالح والطيب والخبيث. وكثيرا ما يقول وهذه مسائل الخلاف، مهونا من شأن مسائل عظام، ومزينا للأخذ بالشاذ والضعيف من الأقوال، وأبعدها عن الدليل والصواب. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59)}) سورة النساء.) ووجَّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان بأمته رؤوفا رحيما - الأمة أن تتقي وتجتنب ما تشابه فقال: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) فكيف بمخالفة جمهور العلماء ومخالفة الأعلم والأتقى، واتباع الشاذ والغريب الذي ليس له حظ من الدليل المقبول والنظر الصحيح إلا ما تمليه الشهوات والرغبات. قيل شعرا:


وليس كل خلاف جاء معتبرا
إلا خلاف له حظ من النظر

فله ولمثله نقول: دعوا مسائل العلم لأهل العلم، ولا تقفوا ما ليس لكم به علم، فليس كل خلاف له اعتبار، فالخلاف منه خلاف قوي ومقبول، ومنه ضعيف وشاذ، ومنه ساقط ومردود، والعبرة في ذلك بالدليل والبرهان من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغيرها من الأدلة التي يعرفها العلماء.
والرسالة الثانية التي يبهرجها، التعظيم والتبجيل للغرب الكافر، فيمتدح حضارته وعقله، وما اخترعه وصنعه، وينتقص العرب المسلمين لأنهم ما صنعوا ولا اخترعوا، وعندهم عقدة في الشرف كما أفاده بذلك ياباني بوذي، وحضارتهم حضارة فقه ولغة فقط، ويعيبون علماء الطب والرياضيات والفيزياء، بل ويكفرونهم، إلى آخر ما تنقص به نفسه وقومه، وهذا افتراء وجهل، فالمسلمون عنوا بالعلوم الدينية وقدموها، لأنهم يعرفون حق الله تعالى ويفقهون مكانة الآخرة من الأولى، ثم إن علومهم الدنيونية هي التي مهدت للغرب حضارته المادية في الرياضيات والفيزياء والطب والكيمياء، وما عابوا ابن سينا والرازي ونحوهما لعلومهم الدنيوية، ولكن لخوضهم في الإلهيات، وقولهم فيها بالمنكرات، عجبٌ أمره ألم يعلم أن الله اختار العرب على سائر الأمم، وقريشا على العرب، فهم خير أمة أخرجت للناس، وأن الأمي المسلم الموحد هو أعلم وأفضل عند الله من الدكتور الكافر، ولو اكتشف الكهرباء، وصنع الطائرات، لأن الجانب الذي يعلمه خير وأرجح من الجانب الذي يعلمه الكافر، يقول تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } ويقول تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)} أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44)} اقرا القرآن وتدبر، والسنة وتفقه، ثم اقرا التاريخ وتأمل، وإني أرجو أن يتبين له ولغيره من المرتابين الشاكين الفرق بين حضارة الإسلام وما قدمته، ودولة الكفر وما قدمته، وليكن الميزان عادلا يقيس للفريقين الحسنات والسيئات التي تسببوا بها للناس في دنياهم وآخرتهم.
ورسالته الثالثة زخرفها في مقالات عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأساء كثيرا - هداه الله - للذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وهم الذين امتدحهم الله ورسوله، وجعلهم حصنا يدفع بهم عن المسلمين فساد الخُلق والدين، فسعى لهدم هذا الكيان الذي بناه آباؤه والصالحون، فكان غيظا للكافرين والمنافقين والفاسقين، وأمانا للمؤمنين والمسلمين، فكال فيها التهم جُزافا للحُسبة والمحتسبين، فبالغ وهول، وعمم السيئة وأظهر، وكتم الحسنة وأخفى، ونفر وبغض، واستعدى عليهم الدولة والناس، خاض بلا تعقل وإنصاف، يبصر به المصالح التي حُصلت والمفاسد التي دُرئت بسببهم، وبلا علم ودراية بما قرره أهل العلم من أصناف ولاياتهم، وما حملهم ولي الأمر من الولايات والواجبات، وهل كثر وظهر الفساد وتكلمت الرويبضة إلا لما ضعفت ولايتهم، وبعض ما قاله: دورهم لا يتعدى الشهادة عند القاضي، ولا أدري من أين أتى بهذا، اقرأ ما قرره أهل العلم من أصناف ولاياتهم، اقرأ الأحكام السلطانية، اقرأ ما قرره الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في فتاواه المطبوعة، واسأل فإنما شفاء العي السؤال. وكعادته في كتابته يبني ما يقرره من الخطأ والباطل على زلات تصدر من بعض المحتسين والتي هي كالقطرة في بحر حسناتهم.
ورسالته الرابعة الاستهزاء والاتهام للجهاد وأهله، وهو ذروة الإسلام، وأهله هم المفلحون الفائزون، يُعلي الله بهم كلمته، ويُغيظ بهم أعداءه، وينصر بهم أولياءه، وينشر بهم دينه ورحمته، وهل كان الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - إلا مجاهدا بالحجة والبيان، لكل جاهل وضال، وبالسيف والسنان، لكل مستكبر متعال، والقرآن الكريم، كلام رب العالمين مليء بالآيات التي تدعو وتحرض عليه، قال تعالى:{قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} وقال تعالى:{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وقال تعالى:{إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} وامتدح أهله وأثنى عليهم ورفع درجتهم، فهم والقاعدون لا يستوون.
فعجبٌ هذه الجرأة والحكم الجائر على كل من جاهد في سبيل الله محبة وشفقة ونصرة لإخوانه المسلمين في أفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام التي احتلها الكافر الظالم المعتدي فقتل النساء والأطفال، وهدم المساجد والمنازل، وعذب وانتهك حقوق الأسرى والسجناء، فهم جميعا متهمون بالجهل والإرهاب، وأنهم يعودون يكفرون ويفسدون، فهل لديك برهان وإحصاء، تعرف به عدد مَن قُتل منهم شهيدا - إن شاء الله - ومن عاد لأهله وبلده يبني ويصلح، ومن شذ فسلك طريق التكفير والإفساد. هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، بل تعدى وتجاوز ما قرره كل الناس مع اختلاف دياناتهم وبلادهم حتى حرم على أهل تلك البلاد المحتلة أن يجاهدوا ويدفعوا المحتل عن أنفسهم وأهلهم وبلدهم.
وفي مقال سماه المؤامرة يتعجب ويسخر ممن يتهم الغرب بالتآمر على العرب والمسلمين، ويبرئهم من الحال التي آل إليها المسلمون من التخلف والفقر والضعف والاختلاف، أليس الله تعالى يخبرنا أن الكفار بنا يمكرون، وأن لهم مكرا كُبارا تكاد من هوله الجبال الراسيات تزول، وأخبرنا أنهم لا يزالون لنا يقاتلون، ليردونا عن ديننا الذي ارتضاه لنا، ويودون لو نكفر كما هم يكفرون. ألم تقرأ وتسمع عن المئات، وربما الآلاف من المؤتمرات التي عُقدت، ولا تزال تُعقد للغدر والمكر والحرب على الإسلام وأهله. نعم ليس مكرهم بنا عذر لنا، ولكن العجب أن نبرئهم مما وصفهم الله به، ويعرفه الصغير من قبل الكبير والعامة قبل الخاصة. بل احذر ثم احذر أن تكون من أدوات مكرهم وحربهم للأمة الإسلامية.هذه بعض من رسائله وقائمتها المعلنة تطول، وسيقول فريق يسعى لتشكيك المسلمين بدينهم وحضارتهم وتاريخهم - وأرجو ألا يكون منهم - تصادرون الآراء وتقصون الآخر المخالف، وتقصرون الحق فيكم والباطل في غيركم، وما شابهها من المقولات الساذجة السامجة، فنقول: إن الحق البين الواضح الذي تطمئن له قلوب المؤمنين ولا ترتاب، هو ما وافق ما قاله الله ورسوله، وأجمع عليه المسلمون، وأعلم الناس بذلك هم العلماء، الذين يدعون إلى الله على بصيرة، ونور، ويخافون على الناس الغواية والنار، ويريدون لهم الهداية والجنة، فيجاهدون مَن سعى لفساد الدين والأخلاق، جهلا منه وغرورا، أو مكرا ونفاقا، ببيان باطله، وفضح سفسطته وتفلسفه، فخطر هؤلاء على الأمة لا يقل عن خطر البُغاة المفسدين، بل لا أكون مبالغا إن قلت: إن البغاة نتاج وثمرة لهم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(22)}سورة المجادلة.

كتبه: صلاح الدين بن محمد بن عبدالرحمن آل الشيخ
خطيب جامع الأمير بندر بن محمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..