الجمعة، 31 أغسطس 2012

التوبة من الربا

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اشتريتُ شقَّة عنْ طريق البنك، والآن قد تبتُ بعد أن أدركتُ خطورة هذا الفِعل؛ وعليه قررتُ وزوجي بَيْع
المنزل، وسداد أقساط القرض.
فهل يجب التخلُّص مِن الشقة المُشتراة من القَرْض الربوي؟ علمًا بأن ذلك سيترتب عليه تسديدُ مبلغ من الضرائب؛ كما ينص عليه القانون، وسأكون معفيةً من الضرائب ابتداء من السنة الثامنة!
أردنا اكتراء بيت، وبعد البحث اكتَشَفْنا أنَّ الكراء أصبح بعقدٍ زمنيٍّ محددٍ، ويمكن لصاحب السكن أن يطلبَ الإخلاء متى انتهت المدةُ، فهل احتفاظي بالمنزل مع التوبة جائزٌ؟ علمًا بأن الذي تعامَل بالرِّبا يكون رِزْقُه إلى قلة، وأنا أخاف مِن ذلك.

أرجو أن تساعدوني، جزاكم الله خيرًا.

الجواب
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فالحمدُ لله الذي مَنَّ عليكِ بالتوبة، ولُزُوم طريق الحق، ونسألُ الله أن يمنَّ عليكِ بالتوبة النَّصوح، ونسأله - سبحانه وتعالى - أن يُثبِّتَكِ على ذلك حتى الممات.
لا يخفى عليكِ أن الرِّبا مِن أكبر الكبائر، وأشد المحرَّمات، ولا يجوز أبدًا اللجوءُ إليه إلا في حالة الضَّرورة المُلجِئة، وليس شراءُ البيوت مِن تلك الضرورات التي تُبيح الاقتراض بالرِّبا؛ ولذلك يجب عليكِ الإكثارُ مِن شُكر الله بالعمل الصالح أن وفَّقَكِ للتوبة، وأكْثِري مِن الاستِغْفار، ولْتعزِمي عزْمًا أكيدًا على عدم العود، ومِن تَمام التَّوبة سدادُ باقي القرْض الربوي؛ كي تتخلَّصي منه نهائيًّا من الرِّبا، حتى لو اضطُرِرتِ لبيع الأشْياء الزَّائدة عن حاجتِكِ، فإنْ لَم يكنْ ذلك في استطاعتِك، فلا بأس عليكِ؛ فالتائبُ مِن الذنب كمَن لا ذنب له، والتوبةُ النَّصوحُ هي التوبةُ العامَّةُ الشاملةُ للذنوب كلِّها، التي يعقدها العبدُ لله، لا يريد بها إلا وجْهَه، والقُرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله.
أمَّا الإقامةُ في ذلك البيت المشترَى بالقرض الرِّبوي، فلا شيء فيها؛ لأنَّ القَرْض بعد قَبْضِه يَدخُل في ذمَّة المُقترِض، ويصير دَيْنًا عليه، وسواءٌ في ذلك القَرْضُ الرِّبَوِيُّ وغيرُه؛ إلاَّ أنَّه في القَرْض الرِّبوي يَأثَم المقترِض؛ لتَعَامُلِه بالرِّبَا.
فالمحذورُ هو دفعُ الزِّيادة الربويَّة التي فوق الدَّين، فأنتم أوْكَلتُم الرِّبا؛ أيْ: أعطيتموه، ولم تأخذوا ربًا يجب التخلُّصُ منه.
وإن استطعتِ ألَّا تدفعي الفوائدَ، فافعلي، وإن لَم تسْتَطِيعِي التخلُّصَ مِنْ دفْع هذه الزِّيادة - كما هو الغالب أنَّ تلك الزِّيادات الرِّبوية تُدفَع بقوَّة قوانين البلاد - فادْفعيها مُضطرةً إلى ذلك، نادمةً تائبةً، عازمةً على عدَم العوْد إلى ذلك، ولا يُكَلِّف الله نفسًا إلا وُسعها، ولا يجب عليكم بيعُ المنزل.
وقد سُئِلَ العلامةُ ابْنُ عُثَيْمين في لقاءات "الباب المفتوح" عن حكم الانتفاع بإيجار البيت الذي بُنيَ مِن قرضٍ ربويٍّ، فأجاب - رحمه الله -: "ليس فيه بأسٌ؛ يتوبُ إلى الله - عز وجل - ويُخرِجُ الرِّبا الذي أخذه؛ لأنَّه في الحقيقة مظلومٌ، هو مأخوذٌ عليه زيادةٌ، وليس هو آكِلًا للرِّبا، بل هو مُوكِلٌ، ومُوكِلُ الرِّبا ليس عليه إلَّا أن يتوبَ فقطْ؛ لأنَّه ما دَخَلَ عليه الرِّبا حتَّى نقول: أَخْرِجْهُ".

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي



تاريخ الإضافة: 30/8/2012 ميلادي - 12/10/1433 هجري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..