وقد يكون انتشر غير هذا من الرسائل التي يدرك ذو الخبرة أنها كلها رسائل مكذوبة كذبة صلعاء.
والقرآن الكريم قد أعطانا منهجاً واضحاً في التعامل مع الخبر، أعني كل الأخبار التي تمر بنا في حياتنا.
الأخبار التي تردنا الآن والتي ستردنا فيما بعد بأي وسيلة كانت، ومن أي شخص يريد تزويدنا بها، إذ يقول الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) [الحجرات: 6].
وفي قراءة (إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا).
حسنٌ هذا الكلام، لكن كيف يكون التثبت في مثل هذه الحالة؟
تعلمت من خلال العمل مع الإخوة الزملاء الصحفيين أن لجملة: (ما هو مصدرك؟) أهمية كبرى، بل تكاد تكون الأهم في المطبخ الصحفي.
فمصادر الصحفي شيء غالٍ عنده يشبه مجموعة من الألماس يلفها في منديل من كتان ويخفيها في جيبه عن منافسيه.
لأن هؤلاء الأشخاص أو الجهات الرسمية التي يكون على صلات بها، هم من يزودونه بالأخبار التي هي صناعته ومصدر رزقه.
فالسؤال الذي يجب أن يتبادر لذهن أي مواطن وهو يقرأ مثل هذه التصريحات المهمة على لسان رجال لهم مكانتهم في الدولة، وتتعلق بقضية تهم كل المواطنين، هو أن يسألوا من أرسل لهم هذه الرسالة عبر الهاتف النقال:
(ما مصدرك؟)، (في أي قناة تليفزيونية ظهر هذا الكلام؟ أو في أي جريدة نُشر هذا الخبر؟). (أسند حديثك أو اقعد) فالإسناد مفخرة المسلمين.
ثم ننظر بعد ذلك في مدى الثقة في هذا المصدر إن كنا نعرفه جيداً.
وإذا كان ثقة لا بأس به حسن الحديث، فهذا ليس نهاية المطاف.
بل لابد من السؤال: هل هو مؤهل لأن يحمل وحده مثل هذا الخبر؟ أعني:
هل هناك تناسب بين حجم الثقة في المصدر وضخامة الخبر نفسه؟ إذ من هؤلاء الأشخاص المصادر من يمكن أن أنقل عنه خبراً يتعلّق بفوز نادٍ رياضي على آخر في كل كرة القدم، ولا أستطيع أن أنقل عنه خبراً سياسياً، لأنه لم يصل لهذا الوزن.
فإن كان الجواب: وصلني الخبر من ثقة، أو وصلني من رجل مسؤول في الجهة الفلانية لا يريد ذكر اسمه، أو من شخص محب للخير، أو نحو هذه الإحالات. فهذا الخبر برمته (خلٌ وبقل) كما يقول نقّاد الحديث النبوي عندما يسمعون خبراً مكذوباً على رسول الله عليه الصلاة والسلام. (خلٌ وبقل): أي شيء رخيص لا قيمة له.
هذه الأخبار ومحاولة ترويجها بهذه الصورة المتكاثفة، هي محاولة لتهييج الناس من خلال رفع مستوى التوقعات عندهم، ثم النزول بهم لدركات الشعور الجماعي بخيبة الأمل عندما لا تتحقق تلك التوقعات التي ليست سوى كذبة من البداية.
ثم يعقب الشعور بخيبة الأمل شعور بالغضب والاحتقان. هذا هو واقع هذه الرسائل باختصار.
هل معنى كلامي هذا أنني أعتقد أن السعوديين لا يستحقون مرتب ثلاثة شهور كبدل سكن؟
لابد أن أوضح هذه النقطة لأن من الناس من يفهم كل موقف لا يكون على هواه بأنه (تطبيل ودفاع) بدون تحليل ولا تفكير.
فالذي أعتقده أن السعوديين من أقصى شمال المملكة إلى أقصى جنوبها وحدودها مع اليمن يستحقون أكثر من مجرد بدل سكن، أعتقد أن كل سعودي صاحب عائلة يستحق أن يقيم في منزل واسع يملكه هو.
وأنا أتوقع وآمل أن تحل أزمة السكن خلال السنوات الخمس المقبلة، لأنني أرى جهوداً تُبذل في هذا المضمار ولا يمكن للكاتب الذي يحترم نفسه أن يتجاهلها لمجرد إرضاء الجماهير، أو لمحاولة القيام بدور البطل الكارتوني، فتلك أترفع عنها.
نعود لموضوع الرسائل فأقول: إن من يقف وراء هذه الرسائل هم أناس لا همّ لهم سوى إشعال نار الفتنة في هذا الوطن.
ولابد أن يكون لدينا الوعي العميق بهذه المحاولات الساعية للعبث بمشاعر المواطن، ومحاولتها رفع مستوى غضبه. فإذا صار عندنا مثل هذا الوعي فلن يقدر دعاة الفتنة أن يدفعوا بنا إلى حيث يريدون هم.
..............
خالد الغنامي
الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..