ليس وحده ضعف
الوازع الديني وحب الشهوات وراء انتشار العلمانية في أوساط المسلمين ، بل
إن الأسباب الحقيقية تلقي بثقلها على الإسلاميين أنفسهم الذين جعلوا من بعض
ممارساتهم وعقائدهم مفاتيح للعلمانية وهم لا يعلمون... كيف؟
المحاور الثلاثة للمشكلة:
إن كان تحالف الإقطاعيين في أوروبا مع الكنيسة وإضفاء الشرعية على
ممارساتهم ضد الإنسانية قد دفع الناس آنذاك الى رفض الدين، فالحال عندنا لم
يعد ببعيد، فقد يجد المسلم في نفسه ريبةً من بعض العقائد التي يروج لها
بعض الإسلاميين بجانب استنكاره بعض سلوكياتهم التي تناقض الفطرة وحقيقة ما
يدعو له الدين الإسلامي، علاوةً على ذلك قد يرى مِن أهل العلم مَن ينشغل
بأمور جانبية عن قضايا مفصلية تهم الأمة وقد تدفعه مثل هذه التناقضات
والمشاهدات للبحث عن تشريع آخر يبعث في نفسه الطمأنينة غير آبه بالمتدينين
ودينهم ، فالإنسان العادي بطبيعته لا يرى الدين إلا من نافذة المتدينين،
لذا فإن الأسباب الحقيقية التي تدفع بانتشار العلمانية تكمن في فساد بعض
العقائد والأخلاق لدى بعض الإسلاميين من جهة وعدم مواكبتهم لتطورات
العالمية من جهة أخرى!
المحور الأول: التخلف
لا شك أن هناك تراجعاً كبيراً على مستوى فقه الأولويات، لذا فقد انشغل
الكثير من الدعاة والفقهاء بالأمور الهامشية، بالإضافة الى أن غالبيتهم
ليسوا على إطلاع كافي بعلوم الدنيا، ولنكون أكثر وضوحاً، فإن بعض الفقهاء
الحالين يعيشون أزمة كبيرة مع كل ما يستجد من أمر، ولعل السبب يرجع الى أن
ليس منهم من هو متخصص بعلم كالطب مثلاً أو الإعلام أو الاقتصاد ، ولو كان
هناك فقهاء أطباء أو فقهاء درسوا الإعلام، أو من تعمق في علم النفس و أطلع
على التغيرات التي تعصف بالشعوب خصوصاً في القرون الحديثة وما تفعله تلك
العولمة بهم لما كنا في حيرةٌ من أمرنا كل ما أستجد بنا أمر، ففكرة الفقيه
الجامع للعلم لم تعد صالحة في ظل التطورات الهائلة التي تعصف بالعالم ، لذا
فإن المرحلة الحالية تتطلب بشكل ضروري وجود فقهاء متخصصين في علوم الدنيا،
وإن تأخرنا في هذا الأمر أكثر من ذلك فقد ينهزم الدين الإسلامي أمام الآلة
الإعلامية الجائرة للعلمانيين والتي لا نستطيع صدها بآلاتنا البسيطة!
المحور الثاني: فساد العقائد
حينما تُشيد السجون ويرمى الناس بالمعتقلات، حينما تُسرق الثروة جهاراً
نهاراً ويبيت الناس في فقرٍ شديد، تجد من يقفز في وجه الإنسان المطالب
بأبسط حقوقه فيقول له: أنت خارجي ومن كلاب أهل النار، فيخرج بعدها مجموعة
من المتعالمين في الصحف ليضفوا الشرعية على ممارسات كل ظالم ويدعوا له
بوجوب الطاعة المطلقة، ليس عند هذا الحد فقط بل يغلقوا أبواب "نصيحة
الحاكم" في أوجه الناس ويستأثروا بها لأنفسهم، فسموّا أي نصيحة غير سرية
خروجاً على ولي الأمر! فليس التصادم بين مثل هذه العقائد والفطرة السليمة
إلا دافعاً للناس للبحث عن دينٍ آخر قد يجعل من مبادئ العدل والمساواة
فعلاً على أرض الواقع لا قولاً في كتب السلف، فإن الناس بطبيعتهم لا
يتمنوّن العيش في بيئة لا تجعل من مبادئها وقيمها حيزاً للتنفيذ!
المحور الثالث: فساد الأخلاق
قالوا بوجوب التحذير من المبتدعة فأباحوا الغيبة وهم لا يعلمون، وإن
كانت الغاية تبيان الحق من الباطل والتحذير من الابتداع في الدين إلا أن
ممارساتهم قد تجاوزت ذلك كله، فتتبعوا عثرات العلماء وسقطاتهم وطعنوا في
عقائدهم وأخلاقهم وظنوا بهم ظن السوء وصدوا الناس عنهم، وإن في بعض ما
تجرؤا به على العلماء والدعاة الأفاضل لتعف النفس الزكيه عن قول مثله، إلا
أن هناك صنفاً آخر من الناس أعظم بلاء ألا وهم من تعبدوا الله عز وجل بسب
أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وقذف زوجته عائشة رضي الله عنها بأقذر
التهم، إن تخلق المتدينين بمثل هذه الأخلاق الدنيئة الا كارثة اخرى من
شأنها تشويه الدين ودفع عامة الناس إلى المجهول، فحينما يمتهن الغيبة
والشتم من هم أولى الناس بالنهي عنها فهذا هو الخطر الأعظم، فإن لم يجد
الناس حسن الخلق عند الإسلاميين فقد يبحثون عنه في مكان آخر!
حينما تجتمع المصيبتيّن!
ليس هناك أكبر فساداً من أن يعتنق الإنسان ديناً يبيح له أن يبطن خِلاف
ما يظهره، فمن شأن هذا الاعتقاد الفاسد أن يدفع الإنسان للكذب والنفاق وكل
ما يمكن فعله ليتقي شراً، وليكون بهذا قد جمع بين فساد العقيدة وفساد
الأخلاق، ويمكن لمثل هذه العقيدة التي وأدت الصراحة والشفافية بين أطياف
المجتمع ونشرت أخلاقاً تصادم الفطرة السليمة أن تكون دافعاً كبيراً للناس
الأسوياء أن يستنكروه أو يخرجوا من دينهم الى المجهول؟
الخلاصة!
إن النفس البشرية تميل الى أن تعيش في وضع مستقر نفسياً سواء على مستوى
الدين والأخلاق أو على مستوى صراع الحضارات، وأن أي مبعث قلق يطرأ على
حياتهم من شأنه أن يخرجهم من دائرة الاستقرار النفسي، فحينما لا يقوم علماء
الدين والنفس والدعاة والمربين وغيرهم بإعادة النظر في مثل هذه العقائد
والأخلاق المزيفة وحل المشكلات المستجدة بصورة عصرية متطورة فهناك مِن
الناس مَن سيعالج مشكلته بطريقته الخاصة وقد يجد نفسه يوماً يطرق أبواب
العلمانية!
| |
طلال عيد العتيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..