نصيبي
المأزوم, أنني مُسْتَرقٌ للحرف, يسرق جهدي ووقتي وشطرًا من مالي. أمتطيه
فيسبح بي في آفاق المعارف،ومضان الآراء، وأتعلم منه ما لم أكن أعلم. وإذ
رغبت عن سرج السابح، فقد استهواني خير جليس في الزمان.
هذه الخُلطة المستحكمة، جعلتني خبيرًا بالكُتابِ، كـ[بني لِهب]، مُصَدَّقًا فيهم، كـ[حَذَامِ].
وكم يسوؤني ما يقترفه الألَفُّ الأعزل من الكتاب، وبخاصةٍ حين تهتاجه الظواهر أو الوقوعات، ثم لا أجرؤ على أطره، ولا على إرشاده، خشية أن ينال من عرضي المصون، إذ ما أكثر السفهاء الذين لا يتحرجون من الوقيعة في أعراض الآخرين، ولا يبالون من النيل من أعراضهم، التي لم يصونوها، وكأن الشاعر عناهم بقوله:-
[ ينيلك منه عرضًا لم يصنه:
ويرتع منك في عرض مصون]
والكف عن هذا الصنف اللَّجوج،استجابة لأمر الله خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفً وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ [الأعراف:199].
وأنهر الصحف تتدفق بالزبد، وبما ينفع الناس. كما أن المواقع والمنتديات تفيض بالغث والسمين، وقد تتحول [التغريدات] فيها، لتكون من أنكر الأصوات، وأبشع الأقوال، وأكذب الحديث. ومثلي يمر بهذا، ويسمع ذاك، وكأن أحدًا لم يقل، وكأني لم أسمع، وقد لا أجد ما أحمل نفسي عليه، لأعتزل القوم، حتى يخوضوا في حديث غيره. ومن ذا الذي يستطيع اعتزال الحرف، بعد ما دخل معه مرحلة الإدمان، والذين جربوا عشق الحرف، هم وحدهم الذين يعرفون سلطانه، وكم من صاحب شوق غالب شوقه،وحاول الخلوص من وضر المشاهد، فما زادته تلك المغالبة إلا ارتكاسًا في الوحل:-
[ وذو الشوق القديم وإن تعزَّى:
مشوقٌ حين يلقى العاشقينا]
والإعلام اليوم لم يكن كإعلام الأمس، لا من حيث الكم، ولا من حيث الكيف، ولا من حيث الوسائل. كنا نسعى إليه في مضانِّه،وقد يَغِبُّ قبل الوصول إليه. وهو اليوم ينساب إلينا في مضاجعنا كالخدر، تحمله أجهزة ليست بأقل قدرة من ذلك العفريت الذي عنده علم من الكتاب،مكَّنه من وعد سليمان - عليه السلام - بأن يأتيه بعرش [بلقيس] قبل أن يرتد إليه طرفه، وقد فعل.
ووسائل الإعلام اليوم توافيك بأي حدث - صوتا وصورة - حيَّا على الهواء، فترى ما يدمي القلب، ويجرح المشاعر. تلكم هي وسائل الإعلام اليوم،تأتيك بالمعلومة في لحظات، وإن لم تزوِّدْها، وهذه الإمكانيات ضاعفت المعاناة، وألقت على كواهلنا ما لا طاقة لنا به، وكم تبلغ المعاناة بأحدنا حد التأوه،و الجأر بالدعاء:- وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة: 286]. والمتَيَقَّن أن هذا الجيل التعيس،قد حُمِّل من فيوض القول بما لا طاقة له به،و إن كان قد ألِفَ ذلك، كما هي حال الجهنميين الذين لبثوا في قعر جَهَنَّم أحقابا،لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابا.
فنحن والحرف كالماء والسمك، وشياطينه كشياطين الجن، يأتون أحدنا من بين الأيدي ومن الخلف، وعن اليمين، وعن الشمال، ومن الفوق، وقد يغتالونه من تحته.
وكم أعود من صلاة الفجر، ثم ألقي بنفسي على الأريكة، وأستدني جهازًا كالألواح، لأطل من خلاله على سائر الصحف العربية، التي لم تصل بعد إلى القُراء الذين هم في مَرْمَى الحجر من مصدرها، فأختار ما أشاء من صفحات، أو مقالات، أو تحليلات، ثم أدع ذلك، لألحق بالمواقع والمنتديات. حتى إذا أشرقت الأرض بنور ربها، تلقيت من شركة التوزيع ما اشتركت به أو ما أُهدي لي من الصحف المحلية، فلا أجد بدًا من فليْها صفحة صفحة، وفيما بين اللَّوح والصحيفة،أُلِمُّ بقنوات التلفاز، أتابع الأخبار، واستمع إلى بعض التحليلات والتعليقات، وحين أمل من ذلك كله، تستدرجني مكتبتي، لاقف أمام رفوفها، أجيل نظري في كعوب الكتب، فأسحب هذا، وأعيد ذاك، أقرأ جادًا أو متسليًا في حقول المعارف التي لا تحصى، وحين أتخلص من تيك وتلك، أجد نفسي تخُب وتضع في أروقة الجامعة، وفي قسم الأدب فيها، أحَدِّث هذا، واستمع إلي ذاك،وكل أستاذ جاءَ يحمل آراءه وآراء من قرأ له أو لقيه، فتمضي سحابة اليوم، وأنا رهين الحرف المرقوم، والحرف السابح على صهوة الأثير.
رجل تتهاداه المواقع بهذا القدر،يكون خبيرًا بأدواء الإعلام، ومقترفات الكتاب، وجديرًا بأن ينادي بصوت مبحوح،لترشيد الكلمة، وتسديد القول. فما عاد يطيق الطفح الرخيص، ولا الإفك العظيم،وما أكثر المفترين والمضلِّين والمرجفين.
ومن أدواء المشاهد أن الكُتَّاب الذين يقلبون لنا الأمور، تحكمهم أهواء، وتصِّرفهم شهوات،وتذلَّهم مصالح، وتضلهم شائعات،وقد تتضخم عندهم [الأنا]، وتستفحل عندهم شهوة الظهور، فيسرفون في الحب إن أحبوا، وبالكره إن كرهوا، ويحرفون الحقائق، ويزيفون القول، وينافحون عن الباطل، ويغمطون الحق، ولا يتحرج أحدهم مِنْ أن يكون للخائنين خصِيما. وكل هذا التناجي الآثم، والمراء الباطل، يسطو على جهد المتلقي ووقته وشيئًا من درهمه أو ديناره، وقد يفسد علاقات المتلقي مع المفترى عليهم، فيزل لسانه بكلمة جائرة، حتى إذ فُزِّع عن الحقيقة،لم يعد باستطاعة المتسرع أن يستعيد قوله، ولا أن يستدرك تعدياته. وهل أحد يستطيع رد الدَّر إلى الضرع بعد احتلابه؟. إن على حملة الأقلام أن يأطروها،وأن يراعوا بالقراء العهد الذي أخذ عليهم:-
وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] و إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10] و وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ [الحج:24].
إن من الكتاب من هو [حُطَيْئي ] لا تراه إلا هجاءً، يفتري الكذب، ثم لا يجد حرجًا من الرد المفحم عليه،بل يكاد ينتشي، لأنه استطاع أن يجري سمعته على ألسنة الآخرين،وهو إذ لا يستحي، فإنه يصنع ما يحلو له،ثم لا يبالي بما يقال عنه. وإذا أكثر مساسه بالكذب، قل إحساسه بالإهانات،ولا يزال هذا النوع يكذب،حتى لا يراه الناس إلا كذّابًا،وإن صدق.
ومن الكتاب من يوظفون أقلامهم للنيل من جهة أو قطاع خدمي، أو تعليمي، أو احتسابي، أو غير ذلك. ثم لا يتحرجون من تضخيم الوقوعات، وتعميمها، والزيادة عليها، كمسترقي السمع. ولقد يَمنح بتجنيِّه حصانة لهذا القطاع، واستمراء للافتراء عليه. وحين يلمس المتلقي هذه الشهوة، يصرف نظره عن المتابعة والتصديق. ومتى فقد الكاتب مصداقيته، أصبح ضرره أكبر من نفعه، ووجد المستهدفُ مشروعية الإحالة إلى هذه المفتريات.
والراصد لفيوض القول، يقف على طائفة من الكتاب، جندت نفسها لخدمة [ أجِنْدة] أو [أيديولوجيات] ليست في العير ولا في النفير، وقد يستعدي هذا الصنف من الكتاب على عشيرته من هم أقدر منه تعبيرًا،وأندى صوتًا، فيكون كـ[براقش] التي جنت على أهلها بنباحها. ولقد يكون من مصلحة المُحِق أن يكف عن المناكفة، لحفظ السمعة، وعدم استدراج الخصوم للنيل من مثمنات الأمة ومقدساتها. وحجة المحجم قوله تعالى:- وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهِ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].
ثم إن المسلم ليس بالطعان ولا باللعان. ومن الكتاب من يستعذب إثارة الرأي العام ومقاربة الحِمى. ولقد قلت،ولما أزل أقول: إن الرأي العام هو الفتنة النائمة، وإيقاظها مناقضة للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن،ومن غلَّب جانب الإثارة، وتوتير الأعصاب، فَقَد الموالين، فضلًا عن كسب الأعداء. وأين هذا الصنف من أساليب الدعوة الرشيدة، التي تثير الانتباه، وتستميل المتلقي، وتقنع المتردد، وتحوِّل العدو إلى ولِيِّ حميم؟.
وما أحوج كتاب الرأي إلى إتقان لغة التفاوض، وضوابط الحوار الحضاري، وتمكين المستهدف من التلقي المُطَمْئِن. فلنتق التنفير، ولنجنح إلى التأليف، وإشاعة الثقة، وبعث الطمأنينة في نفوس الخصوم، إذ ما دخل الرفق في شيء إلا زانه.
ثم لنطّرحْ الإطلاقات العامة،والاتهامات الجائرة، وحصائد الألسُن، وجرائر الأقلام. فكم من كلمة قالت لصاحبها:- دعني.
وكم من حكيم قال:- تحدث حتى أراك.
وكم من حصائد ألسنة أكبت صاحبها على منخريه في النار
د. حسن بن فهد الهويمل
..............................
الجزيرة السعودية
هذه الخُلطة المستحكمة، جعلتني خبيرًا بالكُتابِ، كـ[بني لِهب]، مُصَدَّقًا فيهم، كـ[حَذَامِ].
وكم يسوؤني ما يقترفه الألَفُّ الأعزل من الكتاب، وبخاصةٍ حين تهتاجه الظواهر أو الوقوعات، ثم لا أجرؤ على أطره، ولا على إرشاده، خشية أن ينال من عرضي المصون، إذ ما أكثر السفهاء الذين لا يتحرجون من الوقيعة في أعراض الآخرين، ولا يبالون من النيل من أعراضهم، التي لم يصونوها، وكأن الشاعر عناهم بقوله:-
[ ينيلك منه عرضًا لم يصنه:
ويرتع منك في عرض مصون]
والكف عن هذا الصنف اللَّجوج،استجابة لأمر الله خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفً وأَعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ [الأعراف:199].
وأنهر الصحف تتدفق بالزبد، وبما ينفع الناس. كما أن المواقع والمنتديات تفيض بالغث والسمين، وقد تتحول [التغريدات] فيها، لتكون من أنكر الأصوات، وأبشع الأقوال، وأكذب الحديث. ومثلي يمر بهذا، ويسمع ذاك، وكأن أحدًا لم يقل، وكأني لم أسمع، وقد لا أجد ما أحمل نفسي عليه، لأعتزل القوم، حتى يخوضوا في حديث غيره. ومن ذا الذي يستطيع اعتزال الحرف، بعد ما دخل معه مرحلة الإدمان، والذين جربوا عشق الحرف، هم وحدهم الذين يعرفون سلطانه، وكم من صاحب شوق غالب شوقه،وحاول الخلوص من وضر المشاهد، فما زادته تلك المغالبة إلا ارتكاسًا في الوحل:-
[ وذو الشوق القديم وإن تعزَّى:
مشوقٌ حين يلقى العاشقينا]
والإعلام اليوم لم يكن كإعلام الأمس، لا من حيث الكم، ولا من حيث الكيف، ولا من حيث الوسائل. كنا نسعى إليه في مضانِّه،وقد يَغِبُّ قبل الوصول إليه. وهو اليوم ينساب إلينا في مضاجعنا كالخدر، تحمله أجهزة ليست بأقل قدرة من ذلك العفريت الذي عنده علم من الكتاب،مكَّنه من وعد سليمان - عليه السلام - بأن يأتيه بعرش [بلقيس] قبل أن يرتد إليه طرفه، وقد فعل.
ووسائل الإعلام اليوم توافيك بأي حدث - صوتا وصورة - حيَّا على الهواء، فترى ما يدمي القلب، ويجرح المشاعر. تلكم هي وسائل الإعلام اليوم،تأتيك بالمعلومة في لحظات، وإن لم تزوِّدْها، وهذه الإمكانيات ضاعفت المعاناة، وألقت على كواهلنا ما لا طاقة لنا به، وكم تبلغ المعاناة بأحدنا حد التأوه،و الجأر بالدعاء:- وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ [البقرة: 286]. والمتَيَقَّن أن هذا الجيل التعيس،قد حُمِّل من فيوض القول بما لا طاقة له به،و إن كان قد ألِفَ ذلك، كما هي حال الجهنميين الذين لبثوا في قعر جَهَنَّم أحقابا،لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابا.
فنحن والحرف كالماء والسمك، وشياطينه كشياطين الجن، يأتون أحدنا من بين الأيدي ومن الخلف، وعن اليمين، وعن الشمال، ومن الفوق، وقد يغتالونه من تحته.
وكم أعود من صلاة الفجر، ثم ألقي بنفسي على الأريكة، وأستدني جهازًا كالألواح، لأطل من خلاله على سائر الصحف العربية، التي لم تصل بعد إلى القُراء الذين هم في مَرْمَى الحجر من مصدرها، فأختار ما أشاء من صفحات، أو مقالات، أو تحليلات، ثم أدع ذلك، لألحق بالمواقع والمنتديات. حتى إذا أشرقت الأرض بنور ربها، تلقيت من شركة التوزيع ما اشتركت به أو ما أُهدي لي من الصحف المحلية، فلا أجد بدًا من فليْها صفحة صفحة، وفيما بين اللَّوح والصحيفة،أُلِمُّ بقنوات التلفاز، أتابع الأخبار، واستمع إلى بعض التحليلات والتعليقات، وحين أمل من ذلك كله، تستدرجني مكتبتي، لاقف أمام رفوفها، أجيل نظري في كعوب الكتب، فأسحب هذا، وأعيد ذاك، أقرأ جادًا أو متسليًا في حقول المعارف التي لا تحصى، وحين أتخلص من تيك وتلك، أجد نفسي تخُب وتضع في أروقة الجامعة، وفي قسم الأدب فيها، أحَدِّث هذا، واستمع إلي ذاك،وكل أستاذ جاءَ يحمل آراءه وآراء من قرأ له أو لقيه، فتمضي سحابة اليوم، وأنا رهين الحرف المرقوم، والحرف السابح على صهوة الأثير.
رجل تتهاداه المواقع بهذا القدر،يكون خبيرًا بأدواء الإعلام، ومقترفات الكتاب، وجديرًا بأن ينادي بصوت مبحوح،لترشيد الكلمة، وتسديد القول. فما عاد يطيق الطفح الرخيص، ولا الإفك العظيم،وما أكثر المفترين والمضلِّين والمرجفين.
ومن أدواء المشاهد أن الكُتَّاب الذين يقلبون لنا الأمور، تحكمهم أهواء، وتصِّرفهم شهوات،وتذلَّهم مصالح، وتضلهم شائعات،وقد تتضخم عندهم [الأنا]، وتستفحل عندهم شهوة الظهور، فيسرفون في الحب إن أحبوا، وبالكره إن كرهوا، ويحرفون الحقائق، ويزيفون القول، وينافحون عن الباطل، ويغمطون الحق، ولا يتحرج أحدهم مِنْ أن يكون للخائنين خصِيما. وكل هذا التناجي الآثم، والمراء الباطل، يسطو على جهد المتلقي ووقته وشيئًا من درهمه أو ديناره، وقد يفسد علاقات المتلقي مع المفترى عليهم، فيزل لسانه بكلمة جائرة، حتى إذ فُزِّع عن الحقيقة،لم يعد باستطاعة المتسرع أن يستعيد قوله، ولا أن يستدرك تعدياته. وهل أحد يستطيع رد الدَّر إلى الضرع بعد احتلابه؟. إن على حملة الأقلام أن يأطروها،وأن يراعوا بالقراء العهد الذي أخذ عليهم:-
وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83] و إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر:10] و وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ [الحج:24].
إن من الكتاب من هو [حُطَيْئي ] لا تراه إلا هجاءً، يفتري الكذب، ثم لا يجد حرجًا من الرد المفحم عليه،بل يكاد ينتشي، لأنه استطاع أن يجري سمعته على ألسنة الآخرين،وهو إذ لا يستحي، فإنه يصنع ما يحلو له،ثم لا يبالي بما يقال عنه. وإذا أكثر مساسه بالكذب، قل إحساسه بالإهانات،ولا يزال هذا النوع يكذب،حتى لا يراه الناس إلا كذّابًا،وإن صدق.
ومن الكتاب من يوظفون أقلامهم للنيل من جهة أو قطاع خدمي، أو تعليمي، أو احتسابي، أو غير ذلك. ثم لا يتحرجون من تضخيم الوقوعات، وتعميمها، والزيادة عليها، كمسترقي السمع. ولقد يَمنح بتجنيِّه حصانة لهذا القطاع، واستمراء للافتراء عليه. وحين يلمس المتلقي هذه الشهوة، يصرف نظره عن المتابعة والتصديق. ومتى فقد الكاتب مصداقيته، أصبح ضرره أكبر من نفعه، ووجد المستهدفُ مشروعية الإحالة إلى هذه المفتريات.
والراصد لفيوض القول، يقف على طائفة من الكتاب، جندت نفسها لخدمة [ أجِنْدة] أو [أيديولوجيات] ليست في العير ولا في النفير، وقد يستعدي هذا الصنف من الكتاب على عشيرته من هم أقدر منه تعبيرًا،وأندى صوتًا، فيكون كـ[براقش] التي جنت على أهلها بنباحها. ولقد يكون من مصلحة المُحِق أن يكف عن المناكفة، لحفظ السمعة، وعدم استدراج الخصوم للنيل من مثمنات الأمة ومقدساتها. وحجة المحجم قوله تعالى:- وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهِ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].
ثم إن المسلم ليس بالطعان ولا باللعان. ومن الكتاب من يستعذب إثارة الرأي العام ومقاربة الحِمى. ولقد قلت،ولما أزل أقول: إن الرأي العام هو الفتنة النائمة، وإيقاظها مناقضة للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن،ومن غلَّب جانب الإثارة، وتوتير الأعصاب، فَقَد الموالين، فضلًا عن كسب الأعداء. وأين هذا الصنف من أساليب الدعوة الرشيدة، التي تثير الانتباه، وتستميل المتلقي، وتقنع المتردد، وتحوِّل العدو إلى ولِيِّ حميم؟.
وما أحوج كتاب الرأي إلى إتقان لغة التفاوض، وضوابط الحوار الحضاري، وتمكين المستهدف من التلقي المُطَمْئِن. فلنتق التنفير، ولنجنح إلى التأليف، وإشاعة الثقة، وبعث الطمأنينة في نفوس الخصوم، إذ ما دخل الرفق في شيء إلا زانه.
ثم لنطّرحْ الإطلاقات العامة،والاتهامات الجائرة، وحصائد الألسُن، وجرائر الأقلام. فكم من كلمة قالت لصاحبها:- دعني.
وكم من حكيم قال:- تحدث حتى أراك.
وكم من حصائد ألسنة أكبت صاحبها على منخريه في النار
د. حسن بن فهد الهويمل
..............................
الجزيرة السعودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..