بعثت
زيارة الرئيس مرسي إلى السعودية فــي 12 يوليو 2012، برسالة مهمة للسعودية
وغيرها من دول الخليج، خاصة بإدراكه أهمية "ثبات" العلاقات الاسترايتجية
بين مصر والسعودية، في المرحلة الحالية، وذلك رغم انتمائه لتنظيم الإخوان
المسلمين، الذي تصوره هذه الدول على أنه مصدر تهديد لأمنها.
حيث كان لكل من الدول الخليجية الست، مخاوفها الخاصة، وبدرجات متفاوتة، من فوز الإخوان بالرئاسة في مصر، حيث ارتبطت مخاوف السعودية مثلا، من وصول الإخوان للسلطة في مصر، بما يعنيه ذلك بالنسبة لإخوان السعودية الذين تتعامل معهم الرياض على أنهم جماعة تتبنى فكر منافس لفكر الجماعات الوهابية التي تتحالف مع الأسرة الحاكمة، فضلا عما تركه وقوفهم الى جانب احتلال صدام للكويت من أثر سلبي. كما تعد تصريحات الفريق ضاحي خلفان رئيس جهاز شرطة دبي، الأكثر تعبيرا عن هذه المخاوف، حيث حذر في حديث له مع جريدة الوطن الكويتية، من خطر تصدير الثورة من قبل إخوان مصر تحديدا إلى دول الخليج، كما كادت التصريحات التي غرد بها على حسابه في تويتر، بعد الإعلان الرسمي عن فوز مرسي، أن تؤدي الى أزمة حقيقية بين مصر والإمارات.
- مخاوف حقيقية أم مصطنعة؟
تثير التصريحات التي ينشرها ضاحي خلفان ضد الإخوان المسلمين، والتي باتت أشبه بالحملة المنظمة، تساؤلاً حول ما إذا كانت المخاوف التي تعبر عنها حقيقية، وما إذا كانت ستنعكس على علاقات هذه الدول مع كل من مصر وتونس، بحيث تعجز عن التعامل معها ببراجماتية تخدم المصالح الخليجية، كما هو الحال في علاقتها مع إيران.
فى هذا الاطار يسمح تحليل ردود الفعل الخليجية على فوز الرئيس مرسي، بالتمييز بين تيارين سائدين في هذه الدول حول كيفية التعامل مع مصر، التيار الأول يدرك أن هناك "مخاطر" محددة يحملها نجاح مرشح الاخوان في انتخابات الرئاسة في مصر على أمن النظم الخليجية، خصوصاً فيما يتعلق بأثر الانتشار spill Over effect بالنسبة لنشطاء الإخوان في بعض الدول الخليجية، والذين يمكن أن يتحولوا إلى محرك للإصلاح والتغيير فيها في وقت لا ترغب فيه هذه الدول فى القيام بذلك، وهو ما قد يعبر عن احدى صور "تصدير الثورة" التي مثلت هاجسا لهذه الدول منذ الثورة الإيرانية، ولكن هذه المرة المخاوف مرتبطة بتصدير صعود قوى الإسلام السياسي الإخواني إليها. وتختلف درجة تأثير هذا التيار من دولة خليجية لأخرى، بحسب درجة انفتاحها السياسي، وبحسب حجم الحرية السياسية التي يتمتع بها الإخوان كقوة سياسية.
حيث ناقشت العديد من أعمدة الرأي المنشورة في جريدة الشرق الاوسط وفي صحف الخليج والاتحاد خطابى مرسي في ميدان التحرير وجامعة القاهرة، وكيف أنهما طمأنا الغرب ونسيا دول الخليج، حتى أن بعض ما كتب في جريدة الحياة، اتجه لمطالبة الرئيس الجديد بتطمين دول الخليج حول سياسته اتجاه إيران تحديدا، وتحدث البعض الآخر عن أن "انتخاب مرسي الخارج من صفوف الاخوان المسلمين لن يبدل رأينا بهذه الجماعة وتاريخها"، وأن الوضع الحالي جعل دول الخليج في "ورطة" حول كيفية التعامل مع مصر.
بينما يرى التيار الثاني، ويراهن على أن يكون مرسي رئيسا للدولة المصرية، وبالتالي يرعى مصالح هذه الدولة، ويلتزم بالثوابت التي حكمت علاقتها مع دول الخليج، وهي تحديدا عدم التدخل في الشئون الداخلية لدولة الخليج، أو الضغط من أجل الإصلاح، والتعامل مع أمن هذه الدول في مواجهة أي تهديد إيراني كجزء من الأمن المصري، وأن تتبنى مصر موقفا مساندا للمواقف الخليجية، تجاه الأزمة السورية، وتجاه البرنامج النووي الايراني.
- المخاوف الثلاثة
إن الحديث عن مخاوف دول الخليج من نجاح الإخوان في مصر، وبدرجة أقل في تونس والمغرب، يكشف عن بعد آخر للعلاقات بين الإخوان ودول الخليج. حيث كان هناك دوما تصور سائد بين المهتمين بالخليج، من أن الخليج هو "الحاضن" لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، ولكن من الواضح أن العلاقة بين الإخوان ودول الخليج أكثر تعقيدا. حيث لا يعني احتضان دول الخليج لقيادات الإخوان، أثناء فترة "الغضب العربي" على الإسلاميين، وسماحها لهم بإنشاء جمعيات وتنظيمات تتبنى الفكر الإخواني، عدم وجود مخاوف لدى تلك الدول من الإخوان.
حيث تفيد مراجعة تاريخ هذه العلاقة في دول الخليج الست، أنها لم تكن دولاً مرحبة بصورة مطلقة بوجود الإخوان المسلمين فيها ككيان منظم، يمارس أنشطته دون قيود. وقد اختلف حجم القيود المفروضة عليهم من دولة لأخرى، نتيجة لاعتبارات خاصة بدرجة انفتاح النظام السياسي، ونوع الثقافة السياسية السائدة في المجتمع، ودرجة تنوع القوى السياسية النشطة فيه. وبالتالي، تقدم الدول الست نماذج مختلفة للتعامل مع الإخوان، فإلى جانب قطر التي تم في 1999 تفكيك تنظيم الإخوان المسلمين فيها، هناك تضييق واضح على نشاطهم الدعوي من قبل الإمارات وعمان والسعودية. بينما تقدم كل من البحرين والكويت، خبرتين مختلفتين، حيث سمحتا للإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية، من خلال جمعية المنبر الإسلامي، ومن خلال الحركة الدستورية الإسلامية على التوالي.
ويمكن تحديد ثلاثة مخاوف لدى دول الخليج من الإخوان اتضحت ملامحها بعد الثورات العربية، ينصرف التخوف الأول إلى تعزيز أزمة الشرعية التي تعاني منها دول الخليج، والتي أصبح واضحا أن مصدرها ليس الشيعة فقط، فهناك مخاوف لدى النخب الحاكمة الخليجية بدرجات متفاوتة من اهتزاز شرعيتها، لصالح الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد تشكل "هلال إخواني" يرتكز على نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات في مصر وتونس، وغيرهما من الدول العربية، بما في ذلك تلك التي لم تشهد ثورات، كما في حالة الكويت، حيث أصبح هذا الهلال يمتد من شمال أفريقيا وصولا إلى الكويت، ويحظى بدعم ما من أطراف محددة في بعض الدول الخليجية. ورغم أن شرعية هذه النخب ترتكز في جزء منها على اعتبارات تاريخية مختلطة مع اعتبارات قبلية ودينية، حيث لا يمكن تصنيفها على أنها نظم علمانية، إلا أن الخطاب السياسي المتقدم للإخوان والذي ينتقد غياب الأطر المؤسسية لهذه الشرعية، يمثل تحديا مهما لها.
ومتابعة رد فعل دول الخليج على تشكل هذا الهلال الإخواني، تسمح بالحديث عن دول أيدته، مثل قطر، وهو ما يمكن تفسيره باعتبارات خاصة برغبتها في التحكم في عملية التغيير التي تشهدها بعض الدول في المنطقة، من خلال دعم قوى محددة، وربما يرجع اختيارها لدعم القوى الإخوانية إلى عدة عوامل معقدة ومتداخلة منها أن الإخوان القوى الأكثر تنظيما في معظم الدول العربية التي شهدت ثورات خلال العام الماضي، مما يجعل الرهان عليهم رهانا غير خاسر بالاضافة الى طبيعة علاقة قطر بالولايات المتحدة وترحيب الاخيرة بصعود الاخوان بل ودعمها لهذا الصعود. كما أن هناك دولاً نظرت لصعود الإخوان نظرة "ريبة"، كما في حالة السعودية والإمارات، فعلى سبيل المثال، تحدث ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي، في مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي الذي عقد في إطار مجلس التعاون، في البحرين في 18 من يناير 2012، عن أن الإخوان تهديد يعادل في أهميته التهديد الإيراني لأمن الخليج. بينما هناك دول أخرى لم تول الموضوع اهتماما، لأنها حسمت علاقتها مع الإخوان فيها، وهو ما تعبر عنه حالات عمان والبحرين والكويت.
وينصرف التخوف الثاني إلى امكانية تحول الإخوان إلى "محرك" لعملية التغيير السياسي في هذه الدول، ويرتكز هذا التخوف على عاملين. يتعلق العامل الأول بأن دول الخليج لم تحسم بعد مسار التغيير السياسي فيها، في الوقت الذي انتشرت في المنطقة الثورات كأداة للتغيير السياسي، وتفيد خبرة البحرين برفض هذه الدول بشكل أو بآخر التغيير الذي يقوده الشعب، حيث لا تزال تتمسك بالتغيير الذي تقوده النخبة الحاكمة، وهذا يتعارض مع تحركات الإخوان في الخليج، ولعل الكويت تقدم نموذجا هنا، حيث يقود الإخوان المعارضة السياسية هناك للمطالبة بانتخاب رئيس وزراء شعبي، بدلا من رئيس الوزراء الذي يعينه الأمير.
وينصرف العامل الثاني، إلى رغبة إخوان الخليج في الاستفادة من صعود الإخوان في الدول الأخرى، من خلال إعادة طرح فكرة أن الإضرار بالإخوان في أي دولة يستدعي تحرك الأخوان في الدول الأخرى لمساندتهم، وهذا ما تدلل عليه تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي في مارس 2012، التي أغضبت الفريق ضاحي، والتي كان هدفها إثارة قضية أعضاء حركة الإصلاح الإخوانية في الإمارات الذين تم سحب جنسياتهم، أكثر منها إثارة قضية السوريين.
ويتعلق التخوف الثالث بالتوجهات الخارجية للإخوان، والتي قد تحدث تحولا استراتيجيا في المنطقة، يضر بمصالح دول الخليج، خصوصاً ما يتعلق من تلك التوجهات بالعلاقة مع إيران، ونفوذها في المنطقة. وقد سعى الرئيس مرسي لاحتواء هذه المخاوف، في محاولة للحفاظ على الطابع الاستراتيجي للعلاقات مع الخليج، في المرحلة الحالية على الأقل، حيث صرح في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة، "نحن لا نصدر الثورة. المصريون لا يصدرون الثورة، ولا نتدخل في شئون أحد ولا نسمح في الوقت نفسه أن يتدخل أحد في شئوننا"، وحديثه في أكثر من مناسبة عن أهمية أمن الخليج لمصر، كما أكد رئيس مجلس الشورى أحمد فهمي، المنتمي لحزب الرئيس، الحرية والعدالة، على أن "أمن منطقة الخليج عموما خط أحمر لا تقبل مصر ولا تسمح بتجاوزه، وأن الأمن القومي لدول الخليج لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري".
تظل علاقة دول الخليج بمصر وغيرها من دول الثورات، التي وصل فيها الإخوان للسلطة، متأثرة بدرجة كبيرة باستراتيجيات الإخوان، وما إذا كانت ستتجه لتحدي شرعية النظم الخليجية في محاولة لدفع عملية التغيير السياسي، وربما قيادته، تأثرا بصعود الإخوان المسلمين في دول الثورات، أم أنها ستمارس أنشطتها باعتبارها إحدى القوى الاجتماعية، أو السياسية، والتي تعمل في ظل نظام سياسي، تختلف طبيعته عن النظم التي جنى فيها الإخوان ثمار التغيير السياسي. وقد يمثل هذا الخيار الأخير تحدياً كبيراً للإخوان، خصوصاً في الدول التي يتمتع فيها الإخوان بشعبية، دون أن يحصلوا على نفوذ سياسي يعادل تلك الشعبية. وبالتالي، من المتوقع أن تعيد دول الخليج تقييم علاقاتها مع دول الثورات باستمرار، في ضوء سلوك الإخوان في داخلها.
بقلم: ايمان رجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
حيث كان لكل من الدول الخليجية الست، مخاوفها الخاصة، وبدرجات متفاوتة، من فوز الإخوان بالرئاسة في مصر، حيث ارتبطت مخاوف السعودية مثلا، من وصول الإخوان للسلطة في مصر، بما يعنيه ذلك بالنسبة لإخوان السعودية الذين تتعامل معهم الرياض على أنهم جماعة تتبنى فكر منافس لفكر الجماعات الوهابية التي تتحالف مع الأسرة الحاكمة، فضلا عما تركه وقوفهم الى جانب احتلال صدام للكويت من أثر سلبي. كما تعد تصريحات الفريق ضاحي خلفان رئيس جهاز شرطة دبي، الأكثر تعبيرا عن هذه المخاوف، حيث حذر في حديث له مع جريدة الوطن الكويتية، من خطر تصدير الثورة من قبل إخوان مصر تحديدا إلى دول الخليج، كما كادت التصريحات التي غرد بها على حسابه في تويتر، بعد الإعلان الرسمي عن فوز مرسي، أن تؤدي الى أزمة حقيقية بين مصر والإمارات.
- مخاوف حقيقية أم مصطنعة؟
تثير التصريحات التي ينشرها ضاحي خلفان ضد الإخوان المسلمين، والتي باتت أشبه بالحملة المنظمة، تساؤلاً حول ما إذا كانت المخاوف التي تعبر عنها حقيقية، وما إذا كانت ستنعكس على علاقات هذه الدول مع كل من مصر وتونس، بحيث تعجز عن التعامل معها ببراجماتية تخدم المصالح الخليجية، كما هو الحال في علاقتها مع إيران.
فى هذا الاطار يسمح تحليل ردود الفعل الخليجية على فوز الرئيس مرسي، بالتمييز بين تيارين سائدين في هذه الدول حول كيفية التعامل مع مصر، التيار الأول يدرك أن هناك "مخاطر" محددة يحملها نجاح مرشح الاخوان في انتخابات الرئاسة في مصر على أمن النظم الخليجية، خصوصاً فيما يتعلق بأثر الانتشار spill Over effect بالنسبة لنشطاء الإخوان في بعض الدول الخليجية، والذين يمكن أن يتحولوا إلى محرك للإصلاح والتغيير فيها في وقت لا ترغب فيه هذه الدول فى القيام بذلك، وهو ما قد يعبر عن احدى صور "تصدير الثورة" التي مثلت هاجسا لهذه الدول منذ الثورة الإيرانية، ولكن هذه المرة المخاوف مرتبطة بتصدير صعود قوى الإسلام السياسي الإخواني إليها. وتختلف درجة تأثير هذا التيار من دولة خليجية لأخرى، بحسب درجة انفتاحها السياسي، وبحسب حجم الحرية السياسية التي يتمتع بها الإخوان كقوة سياسية.
حيث ناقشت العديد من أعمدة الرأي المنشورة في جريدة الشرق الاوسط وفي صحف الخليج والاتحاد خطابى مرسي في ميدان التحرير وجامعة القاهرة، وكيف أنهما طمأنا الغرب ونسيا دول الخليج، حتى أن بعض ما كتب في جريدة الحياة، اتجه لمطالبة الرئيس الجديد بتطمين دول الخليج حول سياسته اتجاه إيران تحديدا، وتحدث البعض الآخر عن أن "انتخاب مرسي الخارج من صفوف الاخوان المسلمين لن يبدل رأينا بهذه الجماعة وتاريخها"، وأن الوضع الحالي جعل دول الخليج في "ورطة" حول كيفية التعامل مع مصر.
بينما يرى التيار الثاني، ويراهن على أن يكون مرسي رئيسا للدولة المصرية، وبالتالي يرعى مصالح هذه الدولة، ويلتزم بالثوابت التي حكمت علاقتها مع دول الخليج، وهي تحديدا عدم التدخل في الشئون الداخلية لدولة الخليج، أو الضغط من أجل الإصلاح، والتعامل مع أمن هذه الدول في مواجهة أي تهديد إيراني كجزء من الأمن المصري، وأن تتبنى مصر موقفا مساندا للمواقف الخليجية، تجاه الأزمة السورية، وتجاه البرنامج النووي الايراني.
- المخاوف الثلاثة
إن الحديث عن مخاوف دول الخليج من نجاح الإخوان في مصر، وبدرجة أقل في تونس والمغرب، يكشف عن بعد آخر للعلاقات بين الإخوان ودول الخليج. حيث كان هناك دوما تصور سائد بين المهتمين بالخليج، من أن الخليج هو "الحاضن" لجماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، ولكن من الواضح أن العلاقة بين الإخوان ودول الخليج أكثر تعقيدا. حيث لا يعني احتضان دول الخليج لقيادات الإخوان، أثناء فترة "الغضب العربي" على الإسلاميين، وسماحها لهم بإنشاء جمعيات وتنظيمات تتبنى الفكر الإخواني، عدم وجود مخاوف لدى تلك الدول من الإخوان.
حيث تفيد مراجعة تاريخ هذه العلاقة في دول الخليج الست، أنها لم تكن دولاً مرحبة بصورة مطلقة بوجود الإخوان المسلمين فيها ككيان منظم، يمارس أنشطته دون قيود. وقد اختلف حجم القيود المفروضة عليهم من دولة لأخرى، نتيجة لاعتبارات خاصة بدرجة انفتاح النظام السياسي، ونوع الثقافة السياسية السائدة في المجتمع، ودرجة تنوع القوى السياسية النشطة فيه. وبالتالي، تقدم الدول الست نماذج مختلفة للتعامل مع الإخوان، فإلى جانب قطر التي تم في 1999 تفكيك تنظيم الإخوان المسلمين فيها، هناك تضييق واضح على نشاطهم الدعوي من قبل الإمارات وعمان والسعودية. بينما تقدم كل من البحرين والكويت، خبرتين مختلفتين، حيث سمحتا للإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية، من خلال جمعية المنبر الإسلامي، ومن خلال الحركة الدستورية الإسلامية على التوالي.
ويمكن تحديد ثلاثة مخاوف لدى دول الخليج من الإخوان اتضحت ملامحها بعد الثورات العربية، ينصرف التخوف الأول إلى تعزيز أزمة الشرعية التي تعاني منها دول الخليج، والتي أصبح واضحا أن مصدرها ليس الشيعة فقط، فهناك مخاوف لدى النخب الحاكمة الخليجية بدرجات متفاوتة من اهتزاز شرعيتها، لصالح الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد تشكل "هلال إخواني" يرتكز على نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات في مصر وتونس، وغيرهما من الدول العربية، بما في ذلك تلك التي لم تشهد ثورات، كما في حالة الكويت، حيث أصبح هذا الهلال يمتد من شمال أفريقيا وصولا إلى الكويت، ويحظى بدعم ما من أطراف محددة في بعض الدول الخليجية. ورغم أن شرعية هذه النخب ترتكز في جزء منها على اعتبارات تاريخية مختلطة مع اعتبارات قبلية ودينية، حيث لا يمكن تصنيفها على أنها نظم علمانية، إلا أن الخطاب السياسي المتقدم للإخوان والذي ينتقد غياب الأطر المؤسسية لهذه الشرعية، يمثل تحديا مهما لها.
ومتابعة رد فعل دول الخليج على تشكل هذا الهلال الإخواني، تسمح بالحديث عن دول أيدته، مثل قطر، وهو ما يمكن تفسيره باعتبارات خاصة برغبتها في التحكم في عملية التغيير التي تشهدها بعض الدول في المنطقة، من خلال دعم قوى محددة، وربما يرجع اختيارها لدعم القوى الإخوانية إلى عدة عوامل معقدة ومتداخلة منها أن الإخوان القوى الأكثر تنظيما في معظم الدول العربية التي شهدت ثورات خلال العام الماضي، مما يجعل الرهان عليهم رهانا غير خاسر بالاضافة الى طبيعة علاقة قطر بالولايات المتحدة وترحيب الاخيرة بصعود الاخوان بل ودعمها لهذا الصعود. كما أن هناك دولاً نظرت لصعود الإخوان نظرة "ريبة"، كما في حالة السعودية والإمارات، فعلى سبيل المثال، تحدث ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي، في مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي الذي عقد في إطار مجلس التعاون، في البحرين في 18 من يناير 2012، عن أن الإخوان تهديد يعادل في أهميته التهديد الإيراني لأمن الخليج. بينما هناك دول أخرى لم تول الموضوع اهتماما، لأنها حسمت علاقتها مع الإخوان فيها، وهو ما تعبر عنه حالات عمان والبحرين والكويت.
وينصرف التخوف الثاني إلى امكانية تحول الإخوان إلى "محرك" لعملية التغيير السياسي في هذه الدول، ويرتكز هذا التخوف على عاملين. يتعلق العامل الأول بأن دول الخليج لم تحسم بعد مسار التغيير السياسي فيها، في الوقت الذي انتشرت في المنطقة الثورات كأداة للتغيير السياسي، وتفيد خبرة البحرين برفض هذه الدول بشكل أو بآخر التغيير الذي يقوده الشعب، حيث لا تزال تتمسك بالتغيير الذي تقوده النخبة الحاكمة، وهذا يتعارض مع تحركات الإخوان في الخليج، ولعل الكويت تقدم نموذجا هنا، حيث يقود الإخوان المعارضة السياسية هناك للمطالبة بانتخاب رئيس وزراء شعبي، بدلا من رئيس الوزراء الذي يعينه الأمير.
وينصرف العامل الثاني، إلى رغبة إخوان الخليج في الاستفادة من صعود الإخوان في الدول الأخرى، من خلال إعادة طرح فكرة أن الإضرار بالإخوان في أي دولة يستدعي تحرك الأخوان في الدول الأخرى لمساندتهم، وهذا ما تدلل عليه تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي في مارس 2012، التي أغضبت الفريق ضاحي، والتي كان هدفها إثارة قضية أعضاء حركة الإصلاح الإخوانية في الإمارات الذين تم سحب جنسياتهم، أكثر منها إثارة قضية السوريين.
ويتعلق التخوف الثالث بالتوجهات الخارجية للإخوان، والتي قد تحدث تحولا استراتيجيا في المنطقة، يضر بمصالح دول الخليج، خصوصاً ما يتعلق من تلك التوجهات بالعلاقة مع إيران، ونفوذها في المنطقة. وقد سعى الرئيس مرسي لاحتواء هذه المخاوف، في محاولة للحفاظ على الطابع الاستراتيجي للعلاقات مع الخليج، في المرحلة الحالية على الأقل، حيث صرح في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة، "نحن لا نصدر الثورة. المصريون لا يصدرون الثورة، ولا نتدخل في شئون أحد ولا نسمح في الوقت نفسه أن يتدخل أحد في شئوننا"، وحديثه في أكثر من مناسبة عن أهمية أمن الخليج لمصر، كما أكد رئيس مجلس الشورى أحمد فهمي، المنتمي لحزب الرئيس، الحرية والعدالة، على أن "أمن منطقة الخليج عموما خط أحمر لا تقبل مصر ولا تسمح بتجاوزه، وأن الأمن القومي لدول الخليج لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري".
تظل علاقة دول الخليج بمصر وغيرها من دول الثورات، التي وصل فيها الإخوان للسلطة، متأثرة بدرجة كبيرة باستراتيجيات الإخوان، وما إذا كانت ستتجه لتحدي شرعية النظم الخليجية في محاولة لدفع عملية التغيير السياسي، وربما قيادته، تأثرا بصعود الإخوان المسلمين في دول الثورات، أم أنها ستمارس أنشطتها باعتبارها إحدى القوى الاجتماعية، أو السياسية، والتي تعمل في ظل نظام سياسي، تختلف طبيعته عن النظم التي جنى فيها الإخوان ثمار التغيير السياسي. وقد يمثل هذا الخيار الأخير تحدياً كبيراً للإخوان، خصوصاً في الدول التي يتمتع فيها الإخوان بشعبية، دون أن يحصلوا على نفوذ سياسي يعادل تلك الشعبية. وبالتالي، من المتوقع أن تعيد دول الخليج تقييم علاقاتها مع دول الثورات باستمرار، في ضوء سلوك الإخوان في داخلها.
بقلم: ايمان رجب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..