قضية
المرأة جزء من إشكال إنساني قديم, لا يمكن الانفكاك عنه وذلك لأن المرأة
قسيمة الرجل في الخلق البشري ,ولكنها بطبيعتها في ضعف البنية وتفوق العاطفة
وطغيان روح الانسحاب من الصراعات جعلت الرجل ينفرد بصياغة القانون وتنفيذه
, والغائب الذي يكتب القانون نيابة عنه ستضيع عليه حقوق كثيرة ,وفي أفضل
حالاتها لن يراعى خلقها المغاير لخلق الرجل صائغ القانون عادة في عصور
التاريخ. بغياب
المرأة عن صياغة قانون الحياة واجهت ظلما من جهة العدل لاستفراد الرجل
بالصياغة والتفسير والتنفيذ, وظلما آخر من جهة العلم , فالجهل بها
وبطبيعتها وتكوينها وإشباع حاجاتها جعلها معرضة لمظالم متعاقبه تتفاوت من
عصر لآخر ومن مكان لآخر.
والنظام المكتمل للحياة يجب أن يتسم
بالعدل لا يكتبه الرجل ولا تكتبه المرأة وبعلم بالرجل والمرأة وعلاقاتهما
في الحياة , لذلك جاءت الشرائع بوحي من الله سبحانه وتعالى لحماية الحياة
وأطرافها من تفرد فئة أوجنس أو زمن تاريخي من صياغة قانون الحياة بما يراعي
مصالحه وحاجاته وأولوياته. والشرائع التي جاءت بالوحي هي "نظرية "
مكتملة جاءت بنصوص قطعية الثبوت والدلالة ,وأخرى قطعية الثبوت وظنية
الدلالة ,وربما ظنية الثبوت وقطعية الدلالة وتكون ظنية الثبوت والدلالة,
وهي شريعة جاءت بنصوص ليست مصوغة بطريقة القانون ,ولا بنظم الشعر ,ولكنها
نصوص تربط الدنيا بالآخرة والأمر بالتقوى وتحذر من الظلم وتوجب التوبة
لذلك جاء في سورة "ص" " قل هو نبأ عظيم".
ومن تأمل سورة النساء
التي جاءت بأحكام كثيرة للأسرة ,وسورة الطلاق التي تسمى " النساء الصغرى"
وحفلت بأحكام العلاقات الزوجية وجد أنهما سورتان تذكّران كثيرا بالتقوى
,لأن الحكم العدل يحققه بشر معرض للضعف وسوء النية والجهل . فالنظرية
المكتملة ربما غشى تطبيقها آفات الجهل والبغي فيكون ظلما عظيما لأنه يحيل
الى نظرية وهي بريئة منه.قضية
المرأة اليوم هو جهد بشري في كتابة النظرية وتطبيقها ,لذلك عظم الخلل في
عالمنا فهي تعطي المرأة حقوقا مدعاة وهي ظالمة لها لأنها ساوتها مع الرجل
في قضايا كثيرة والفروق فيها لصالح الرجل, وكررت الظلم أنها جعلتها أداة
لتحقيق غايات الترفيه والمتعة والتسويق, رغم أنها حققت نجاحات في حماية
المرأة من جوانب الظلم والاستغلال وحاولت تحقيق مكتسبات لها في جوانب الصحة
والتعليم وتعديل القوانين والعادات الظالمة لها. ولكن قضية المرأة في
الوطن العربي حمل لواءها في كثير من فتراتها من جعل قضية الترفيه بالمرأة
هي القضية الكبرى حتى أصبحت "قضية تحرير المرأة" في الوطن العربي هي قضية
شهوانية بشعة , أفسدت على قليل من الصادقين في تحريرها مشاريعهم وقزم
طموحاتهم.وتصدى
لهذا الجهد جمع كبير من مختلف شرائح المجتمع المسلم وكان بذلا كبيرا وشاقا
ساهم في كبح موجة التغيير القسري للمرأة, وتحقق منه نجاحات متعددة رغم
صعوبة المواجهة وسيطرة الخصم الإعلامية والقانونية بل سيطرة تامة على الحكم
ومؤسسات التنفيذ, ومع النجاحات هذه سأعرض بعض الملاحظات على ملف المرأة
وطريقة التعامل معه وربما اختلفنا في هذه الملاحظات نظريا وعمليا ولكنها
مجال للحوار والنقاش.
• عدم التفريق بين عصمة نظرية التشريع
واجتهادات البشر, وأن الخطأ يمكن أن يقع بسبب ضعف الاستنباط أو تعطيل نص أو
الاعتماد على نص لا يصح ثبوته أو أن دلالته ظنية, مما سبب خلطا في مفاهيم
عصمة التشريع بعصمة الرأي والاجتهاد, فرأي العالم والمذهب وقانون الدولة
غير معصومة وليست حجة شرعية.
• عدم الاعتراف بقضية المرأة أصلا
واعتبارها قضية مقحمة في نسيج الأمة باعتبار أن أحكام الشريعة لم تدع قضية
معلقة وننسى أن القضية جاءت بسبب الخلل في فهم التشريع أو التفريط في
التطبيق وكذلك بسبب ترابط المجتمعات وتداخل الثقافات وتكاثر النوازل مما
صنع قضايا كثيرة ومنها "قضية المرأة". • انكار القضايا الصحيحة في
قوانين وأنظمة المؤسسات الدولية والجمعيات المهتمة بالمرأة والتي تتفق مع
أدلة شرعية قطعية, والمبالغة في التشكيك في كل نظام أو قرار يخص المرأة دون
التأمل فيه ومدى توافقه مع الشرع.
• اعتماد سياسة التصدي
والتحذيردون المبادرة وجعل قضية المرأة تتمثل في مطاردة مبادرات مؤتمرات
المرأة العالمية أو اطروحات الجمعيات النسائية أو المنتجات الإعلامية من
مسلسلات وأفلام درامية ووثائقية وغياب المشاريع المتكاملة التي تساهم في
وضع أسس لعلاج مشكلات المرأة ومتطلباتها.
• غلبة روح التحذير في
الخطاب تجاه المرأة والخطاب المرتاب في حل اشكالات تخص المرأة, ورمي
الاشكال والحل باتجاه المرأة فقط واعتبار الخطاب الذي يتحدث عن حقوق المرأة
خطابا غير مرحب به باعتباره يعزز تغريب المرأة ويؤثر على خطاب التحذير.
•
عدم التصدي للعادات والأنظمة الظالمة للمرأة وتجاهل مواجهتها ,واعتبارها
ليست ذات أولوية وغلبة التصدي لمشاريع التغريب, مما مكن لمستغلي المرأة طرح
مشاريعهم ومبادرتهم في الدفاع عن المرأة وأخذ زمام المبادرة .
•
اعتبار حماية المرأة دليلا شرعيا بذاته, مما تسبب في غياب العدل تجاهها
وتجاهل الظلم والخلل الشرعي الذي نتج عن حماية موهومة كالدول التي جعلت
الأمن علامة صحة في ظل غياب العدل, والنظر للنتيجة بعيدا عن الأدلة
والمظالم المصاحبة للحماية.
• ضعف الحضور النسائي في القضايا
النسائية ومشاريعها.. وغلبة الحضور الرجالي في الجوانب الإدارية والفكرية
والتنفيذية, بل تكتب الكتب والمقالات عن خصوصيات النساء بأقلام رجالية رغم
وجود طاقات نسائية معطلة حينا وضعيفة التواجد حينا آخر, مما يؤثر على
التأثير وقوة الاقناع.
• التحكم غير المبرر في القضايا العلمية
وغلبة الصراع مع الخصوم على المنهجية العلمية فالمحرم المجمع على تحريمه
ليس كالمحرم المختلف عليه وما حرم لدليل لا يستوي مع ما حرم لمصلحة أواتقاء
مفسدة أو سدا لذريعة, وينبغي أن يعلم المجتمع المحكمات من الدين والمعلومة
بالدين من الضرورة وما هو سائغ الخلاف فيه.
• الخلل في
الأولويات الشرعية حين يترك محرم ظاهر وشره مستشر ويتم الاشتغال بقضايا
خلافية ,وربما هي عادة شعبية أو قرار إداري فتحشد له الطاقات واللقاءات,
ومحرمات لا شك فيها من أنواع الظلم أو العضل وأكل مال المرأة بلا وجه حق
ومنعها ميراثها وتزويجها من غير الكفء .. •
استمراء الخطأ الواضح القديم والسكوت عنه, وجعل الخطأ البسيط الجديد حجما
مبالغا فيه مما يؤثر سلبا على نظرة المجتمع للمحرمات .فكشف الشعر وبعض
الصدر والذراعين والساقين الذي يعرض في القنوات الحكومية منذ سنوات أشد
بكثير من عجوز غربية تلقي محاضرة في جامعة رجالية.
• حشر
المطالبين بحقوق المرأة في خندق واحد وعدم التفريق بين من همه الدليل والحق
وبين المنسلخ من منهجية الاستدلال والتعامل معهم بطريقة واحدة وأحيانا حشر
الساكت معهم مما يضخم حجم المخالف ,ويقوي موقفه, وكان الأجدر حصر
المنسلخين ,وهم قلة ومواجهة المجتمع كله ضدهم.
• المبالغة في
التشاؤم من وضع المرأة اليوم واعتبار المجتمع فاسدا وكثير الخلل والتبرج,
وربط هذا الموقف بالغيرة على المرأة, بل يعتبر من يثني على نساء البلد إما
ساذجا أو قابلا للتغريب, ومن نظر للمجتمع النسائي يسر بالخير الكثير
والتدين الصادق رغم وجود الضعف المعتاد.
• المبالغة في ذم وضع
المرأة الغربية وحشره في قضايا محددة مما يسبب صدمة غير جيدة لمن ذهب هناك
وشهد غير ذلك, وكذلك الفرح الكبير لمقولة غربية أو نتائج بحث فيه دلالة على
صحة الحكم الشرعي وكأن الأحكام الشرعية بحاجة لمن يشهد لها.
•
اعطاء اعتبار كبير لكاتب صحفي أو باحث جامعي عندما ينشرما يسيء, وكأنه
سيغير وجه المجتمع بما قال فتفرد له الردود وتعقد من أجله الاجتماعات وتضيع
الأوقات و الجهود عظيمة في مقال غير مؤثر, ومن نظر للتاريخ وجد آلاف
الصفحات سودت لتشويه الدين وأهله نسيت ونسي أصحابها ودين الله في عز ومنعة.
•
قيادة الواعظ المتحمس لقضايا علمية وفكرية وحشر الناس من ورائه والفرح
بجهده رغم غياب العلم والتخصص مما يسبب خللا منهجيا في الصراع وربما حصلت
نتائج عكسية بسبب تولي قيادة موضوع المرأة بسطاء الناس الذين يسبق حماسهم
علمهم.
• الروايات والقصص ليست منهجية صحيحة للتعامل مع قضايا
حساسة كهذه والفرح بالقصص التي تمثل أفرادا قد تصح وقد لا تصح تسبب اشكالا
في المجتمع وكان الأولى أن تعطى القصص والمواقف الشخصية حجمها المناسب. عادل أحمد الماجد |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..