لا
يخفى على الكثير
منا اهتمام جامعات العالم، بما فيها جامعات المملكة، بتصنيف شنغهاي لأفضل
الجامعات العالمية. لكن عامة الناس، وبل وحتى الكثير ممن ينتمون للكادر
الأكاديمي، لا يكترثون “لمعايير” التصنيف. ولا أجد أفضل من مقال الدكتور
عبدالعزيز الجارالله بصحيفة الجزيرة (28/8/2012) بعنوان: “شنغهاي واقع
الجامعات الجديد”، لإثبات الجهل بمعايير تصنيف شنغهاي. فمقال الدكتور
الجارالله احتفى بنتائج تصنيف شنغهاي الجديد لعام 2012، وكأنها لم تكن
نتيجة متوقعة للسياسات المُخجِلة التي انتهجتها جامعة الملك سعود وجامعة
الملك عبدالعزيز والتي أدت إلى الفضيحة التي
فجَّرتها مجلة ساينس في نهاية عام 2011. وفي مقال آخر للدكتور الجارالله،
نشرته صحيفة الجزيرة بعد أربعة أيام من مقاله الأول، بعنوان: “شنغهاي وموقف
الجامعات السعودية”، يناقش الدكتور الجارالله خيار الجمع بين السعي للرقي
في تصنيف شنغهاي والاهتمام بنشر التعليم الجامعي، متجاهلا للمرة الثانية
الركن الأساس للتصنيف والذي بموجبه يستحيل لأي جامعة في العالم أن تقفز
“مئات” المراتب في خلال سنوات قليلة، إلا في حالات استثنائية جدا، كما
سيتضح من مقالي هذا الذي يهدف إلى استقراء مستقبل ترتيب جامعتي الملك
عبدالعزيز والملك سعود في تصنيف شنغهاي
في ظل حقيقة معايير التصنيف، وفضيحة ساينس.
بالنسبة
لمعايير التصنيف، يمكن اختصارها في جملة واحدة: “مركز الثقل” في تصنيف
شنغهاي هو “جودة” النشر العلمي للجامعة مقارنة بحجمها (عدد أعضاء هيئة
التدريس). فعدد الأبحاث، بغض النظر عن جودتها، لا يمثل سوى نسبة صغيرة من
وزن التصنيف، وكلما كبر حجم الجامعة، كلما تطلب ذلك منها نشاطاً علمياً
عالي “الجودة” لترتقي في تصنيف شنغهاي. فلا غرابة إذن أن تكون جامعة الملك
سعود في ذيل القائمة في أول ظهور لها في تصنيف شنغهاي
قبل عدة سنوات. فجامعة الملك سعود ضخمة جداً، وجودة أبحاثها، مقارنة بجودة
أبحاث الجامعات العالمية، منخفضة، وأية حوافز تشجيعية للنهوض بمستوى النشر
العلمي، مهما بلغ حجمها، لا بد أن تستغرق سنين طويلة قبل أن تؤتي أكلها.
في
ضوء هذه الحقيقة، سعت الإدارة السابقة لجامعة الملك سعود (والتي تبعتها
لاحقاً إدارة جامعة الملك عبدالعزيز) إلى انتهاج سياسة “شراء الوهم”، والتي
رسمتها بكل دهاء وكالة جامعة الملك سعود للبحث العلمي. هذه “السياسة”،
والتي صعدت بتصنيف
جامعة الملك سعود بسرعة البرق، إعتمدت على ركن أساسي: شراء انتماءات
وظيفية لعلماء عالميين من أصحاب النشاط العلمي رفيع المستوى، عن طريق
توقيعهم لعقود صورية، لا تُلزمهم بالإقامة في المملكة سوى أياماً معدودة،
لكنها كفيلة بحمايتهم من الناحية القانونية عندما يدَّعون انتمائهم الوظيفي
لجامعة الملك سعود، وإن كان صورياً. أي أنَّ هؤلاء العلماء، عندما
يُدرِجون اسم جامعة الملك سعود في أبحاثهم كأحد المؤسسات التي ينتمون إليها
وظيفياً لا يخرقون أية قوانين، وإن كان عَمَلَهم غير أخلاقي، فهم ليسوا
إلا “بائعي أوهام”، وهذا ما أشار إليه د.
عبدالقادر الحيدر بكل وضوح في مقال له في صحيفة الاقتصادية: (راجع النقطة
رقم 3)
http://www.aleqt.com/2011/06/06/article_546183.html
http://www.aleqt.com/2011/06/06/article_546183.html
أما
تقرير مجلة ساينس المنشور في ديسمبر 2011، فقد كان في الأساس بمثابة
محاكمة “أخلاقية” لأولئك العلماء، لأنهم رضوا بتضليل الرأي العام السعودي
والعالمي، حينما مَكَّنوا الجامعتين من استغلال ثغرات في تصنيف شنغهاي
لخَلق إيحاء كاذب بأنَّ الجامعتين تستفيدان من نشاطهم العلمي. لكن يبقى أنْ
نرى أثر تقرير
مجلة ساينس على “بائعي الأوهام”، بعد أنْ كشفت سترهم في تقريرها. هل
سيُصرِّون على بيع الوهم (على فرض استمرار الجامعتين بعروض الشراء)؟ أم أن
الدرس الذي لقَّنتهم إياه مجلة ساينس كان كفيلاً بتأديبهم؟ الإجابة ننتظرها
من تصنيف شنغهاي في الأعوام المقبلة. فتصنيف شنغهاي لهذا العام يعتمد على
أرقام العام “الماضي”، لذلك لا غرابة أنْ نجد تصنيف جامعتي الملك سعود
والملك عبدالعزيز قد ارتفع، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان ارتفاع تصنيف الجامعتين كارتفاع السيل رغم توقف المطر، لا يلبث أن ينحسر!
الإثنين - 10 سبتمبر 2012 |
فيصل محمد عبدالله السالم
فيصل محمد عبدالله السالم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..