المسيرات الحاشدة
التي خرجت في شوارع الكويت منذ أيام لم تكن وليدة لحظة أو انتفاضة تلقائية لحادث
جلل, ولم يكن المرسوم الذي أصدره أمير الكويت بتقليص حق التصويت لمرشح واحد بدلا
من أربعة سوى شرارة الانطلاق لمظاهرات لم يكن لها مثيل في تاريخ الكويت.
سيقدم العديد من
أبناء الكويت التضحيات في سبيلهم لنيل حريتهم كاملة, وليتخلصوا إلى الأبد من
ديمقراطية عرجاء شوهت هذه التجربة وأعطتها بعدا معطلا للتنمية والتطور! من غير
تضحيات كل ذلك قد يكون مجرد أحلام أشخاص لا حيلة لهم سوى التلصص على دول الجوار
بحثا عن الحرية والتغريد والتنفيس في تويتر!
متابع المجموعة مقالة مهمة من زميل لنا بالمجموعة، من الواضح إلمامه الكبير بالساحة الكويتية ..أنصح بقراءتها..
عبدالعزيز قاسم
كسعودي مهتم
بالسياسة, لا أجد فعلا ما يشبع هذا الاهتمام في بلدي, لذا أتابع بدقة الشأن
الكويتي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات, وأحرص كثيرا على معرفة ما يدور في الساحة
السياسية للبلد الجار. وكحالم بالديمقراطية في بلادي, تشكل الكويت نموذجا ممتازا للمقارنة,
من ناحية تشابه الثقافة الاجتماعية والشكل الوراثي للحكم والوفرة الاقتصادية التي
تعيشها. وهي الدولة الوحيدة في الخليج التي تمتلك هذا الزخم الديمقراطي والمشاركة
الشعبية والحريات العامة التي لا تجدها في أي بلد آخر.
وكمتابع لردود الأفعال حول هذه الاحتجاجات وجدت نوعا من التسطيح وعدم المعرفة الدقيقة لما يحدث هنالك, لذا سأحاول أن أعطي تصورا
عما يحدث في الكويت وكيف تطورت الأحداث حتى وصلت إلى ما وصلت إليه هذه الأيام عبر
لمحة تاريخية مختصرة.
لمحة تاريخية
أعطى الدستور الكويتي
الذي وضع عام 1962 للشعب الكويتي الحق في اختيار نواب عنه يشاركون في وضع القوانين
ومراقبة كافة الملفات التنفيذية للدولة واستجواب وزراء الحكومة ورئيسها بل وطرح
الثقة فيهم أو إعلان عدم التعاون مع الحكومة بأسرها, وكان في تلك الحقبة التاريخية
مكسبا شعبيا ضخما.
كان هذا الدستور
بمثابة عائق كبير للأسرة الحاكمة وأبنائها لبسط سيطرتهم السلطوية والمالية في ظل
أسر خليجية حاكمة تتمتع بصلاحيات سياسية وامتيازات مالية غير محدودة, فسعت السلطة
في الكويت على إجهاض الدستور بشتى الطرق, بدءا بتزوير الانتخابات عام 67 ووصولا
لإيقاف العمل به عامي 76 و86 إلى أن طرحت عام 90م فكرة "المجلس الوطني"
بديلا عن "مجلس الأمة" حيث تعين الحكومة 25 عضوا وينتخب 50 من الشعب. لكنها
لقيت رفضا ومقاطعة شعبية واسعة.
جاء الغزو العراقي
للكويت عام 90 ليشكل لحظة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث, وفي مؤتمر جدة الشعبي
أكدت كل الأطياف الشعبية الكويتية التفافها حول حكامها ووافقت السلطة على عودة
العمل بالدستور بعد التحرير, وتم ذلك فعلا عندما تم انتخاب المجلس النيابي السابع
للكويت عام 92 بعد انقطاع دام ست سنوات.
شكل ارتباط منصبي
ولاية العهد ورئاسة الوزراء حصانة تلقائية لرئيس الوزراء من الاستجواب و التجريح
كون أنه الأمير التالي للدولة, وحتى عام 2003 عندما فصل المنصبين لظروف الشيخ سعد
العبدالله الصحية وأصبح الشيخ صباح الأحمد رئيسا للوزراء كان هناك نوع من التحرج
لاستجوابه لأنه المرشح الأقوى لولاية العهد كما أن يتمتع بأقدمية
و"هيبة" تمنع تجريحه.
عندما توفي أمير
الكويت الشيخ جابر الأحمد عام 2006 ونودي الشيخ سعد أميرا للبلاد, سعى الشيخ صباح
فورا كونه رئيسا للوزراء لتفعيل قانون توارث الإمارة وعزل الشيخ سعد لظروفه
الصحية, ونجح بمساعدة رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي في تجاوز إشكاليات قانونية
ودستورية, أدت بدورها لموافقة مجلس الأمة على تنحية الشيخ سعد ومبايعة الشيخ صباح
الأحمد أميرا للبلاد.
كتب محمد عبدالقادر
الجاسم حينها: (لقد تم
"تجريح" منصب الإمارة سواء بسبب اللجوء إلى العزل أو بسبب الإصرار على
عدم التنحي. لذلك فإن منصب الإمارة لن تكون له "حصانة اجتماعية" أيا كان
الحاكم, والحصانة الوحيدة هي الحصانة الدستورية التي تجعل ذات الأمير مصونة لا
تمس. ولأن الأمير القادم هو الشيخ صباح كما يفترض فإنه وبحكم وضعه
"الشخصي" سوف يحافظ على ما تبقى من "التراث", فهو آخر شيوخ "الهيبة". غير انه من المحتوم أن
الأمير الذي يخلفه سوف يكون في وضع مختلف جدا!!
الأمر الآخر المهم جدا هو أن استخدام الأسرة الحاكمة لقانون توارث الإمارة لعزل أميرها اسقط كل الحواجز المعنوية التي كانت تعيق تفعيل بقية مواد الدستور مثل استجواب رئيس الوزراء واتخاذ قرار عدم التعاون معه, وليس هناك ما يمنع من استجواب وزراء "السيادة" فمثل هذا القرار كان "في السابق" من المحرمات السياسية رغم انه مباح دستوريا. واعتقد انه لن يمر وقت طويل حتى تشهد الساحة السياسية أول استجواب لرئيس الوزراء القادم).
الأمر الآخر المهم جدا هو أن استخدام الأسرة الحاكمة لقانون توارث الإمارة لعزل أميرها اسقط كل الحواجز المعنوية التي كانت تعيق تفعيل بقية مواد الدستور مثل استجواب رئيس الوزراء واتخاذ قرار عدم التعاون معه, وليس هناك ما يمنع من استجواب وزراء "السيادة" فمثل هذا القرار كان "في السابق" من المحرمات السياسية رغم انه مباح دستوريا. واعتقد انه لن يمر وقت طويل حتى تشهد الساحة السياسية أول استجواب لرئيس الوزراء القادم).
وبالفعل كانت أزمة
الدوائر الانتخابية عام 2006 السبب في تقديم أول استجواب لرئيس وزراء كويتي وهو
الشيخ ناصر المحمد, وأدى ذلك لحل مجلس الأمة قبل مناقشة الاستجواب. في المجلس
المنتخب عام 2006 شكل الشيخ ناصر حكومتين قبل حله عام 2008 بسبب الخلافات المستمرة.
في المجلس المنتخب عام 2008 قدمت أربع استجوابات لرئيس مجلس الوزراء قدمت على
إثرها الحكومة استقالتها مرتين قبل مناقشتها وتم حل مجلس الأمة عام 2009.
جاء مجلس الأمة 2009
ليشهد صعود أول رئيس مجلس وزراء في الكويت لمنصة الاستجواب, بعد الموافقة على
تحويلها لجلسة سرية, وكان ضمان الحصول على أغلبية برلمانية في صف الشيخ ناصر
المحمد الدافع للصعود مرتين بعد ذلك وبالتالي فشل مسعى المعارضة للحصول على 25
نائبا مع إعلان عدم التعاون مع رئيس الحكومة, و كان الرقم 22 هو أعلى ما تمكنوا من
الحصول عليه بعد أحداث ديوان الحربش في يناير 2011.
في هذه الأثناء, فجرت
جريدة القبس قنبلة تضخم أرصدة عدد من النواب في مجلس الأمة ممن يصنفون بموالاة
الحكومة فيما سمي بقضية "الإيداعات", كانت هذه القنبلة بمثابة الشرارة
لانطلاق الحراك الشعبي المطالب بحل المجلس المشبوه وإقالة رئيس الحكومة واتهامه
بالرشوة وإفساد العمل السياسي, تم تنظيم العديد من الندوات الجماهيرية الحاشدة في
ساحة الإرادة التي أعلن في أحدها النائب مسلم البراك عن قضية
"التحويلات" الخارجية من أموال الدولة لحسابات شخصية لناصر المحمد في
العديد من دول العالم واستقال على إثرها وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح.
وعقب انتهاء ندوة 17
نوفمبر 2011, قامت مجموعة من المتظاهرين بمعية عدد من النواب باقتحام مجلس الأمة,
شكلت هذه الفضائح والحراك الشعبي الضخم ضغطا كبيرا أدى لاستقالة الشيخ ناصر المحمد
وتعيين الشيخ جابر المبارك رئيسا للوزراء, وأدى إلى قيام الأمير بحل ثالث مجلس أمة
في عهده والدعوة لانتخابات مبكرة في فبراير 2012.
بعد الزخم الشعبي
المعارض, جاءت انتخابات فبراير بأغلبية من 35 عضوا معارضا في ضربة موجعة للحكومة, سمحت
هذه الأغلبية للأقلية بأول استجواب علني لرئيس مجلس الوزراء, وبدأت لجان تحقيق في
"الإيداعات" و"التحويلات", عاب الكثيرون على الأغلبية غرورها
و"استبدادها" والتفاتها لكثير من القضايا الجانبية.
بعد خمسة أشهر من
الانتخابات, قررت المحكمة الدستورية حل مجلس 2012 وعودة مجلس 2009 المنحل بسبب خطأ
إجرائي في مرسوم الحل. شكل الحكم صفعة للأغلبية المعارضة الذي ارتضت قبول الحكم
بعدما بدأت مرتبكة ورافضة للحكم في البداية.
قررت الحكومة الطعن
في قانون الانتخابات الذي أوصل أغلبية معارضة إلى المحكمة الدستورية للنظر في
دستوريته, أملا في قبول الطعن وتعديل القانون لمصلحتها, وجدت هذه الخطوة معارضة
شديدة من أغلبية 2012 ورفعت سقف خطابها مطالبة بالحكومة الشعبية والإمارة
الدستورية, لكن المحكمة الدستورية ردت الطعن وأكدت على دستورية القانون.
قاطعت المعارضة جلسات
مجلس 2009 العائد بقوة القانون وطالبت بحله وإجراء انتخابات وفق النظام الحالي,
استجاب الأمير للمطلب الأول وتسربت أنباء عن نيته إقرار مرسوم ضرورة يعدل قانون
الانتخابات بحيث يعطي الحق للمواطن بترشيح نائب أو اثنين بدلا من أربعة نواب منعا
لاستغلال تبادل الأصوات والتحالفات.
في 3 أكتوبر قام
الأمير بإصدارة مراسيم ضرورة تتعلق بالميزانية وقانون الذمة المالية, اعتبرت
المعارضة هذه المراسيم بمثابة جس نبض لمرسوم تعديل الانتخابات, وقامت بتنظيم ثلاث
ندوات وجه المتحدثون خطابهم مباشرة لسمو الأمير منتقدين ما أسموه بالحكم الفردي ونيته
تعديل قانون الانتخابات كان آخرها وأعلاها سقفا كلمة النائب المعارض مسلم البراك
في ساحة الإرادة وإعلانه الرفض القاطع بجملة "لن نسمح لك"!
كانت هذه الندوات بداية
عهد جديد في خطاب المعارضة التي تحاشت في الماضي انتقاد تصرفات الأمير بشكل واضح
وشخصي واكتفت بمناشدته إقالة رئيس الوزراء, أو يتم انتقاده ضمنيا عندما تنتقد
"السلطة" أو"الأسرة", لم ترض لغة الخطاب الكثير من وسائل
الإعلام الخاصة فبدأت عملية من التحريض والردح والتأكيد على الولاء للأمير
والبراءة ممن يتطاول على المساس بذاته المصونة دستوريا.
خاطب الأمير يوم
الجمعة الشعب الكويتي وأمر الحكومة بتعديل القانون بحيث يحق للمواطن ترشيح نائب واحد
عن دائرته, أعلنت أغلب القوى السياسية رفضها للمرسوم ومقاطعة الانتخابات القادمة, وتنادت
مجموعات شبابية للنزول يوم الأحد اعتراضا على المرسوم.
يشكل
الإسلاميون (الإخوان المسلمون وأغلب التيار السلفي) بالإضافة إلى شريحة
القبائل رأس الحربة في المعارضة السياسية هنالك, بينما يتأرجح موقف
الليبراليين "الوطنيين" (ذوي الأغلبية الحضرية) إزاء السلطة بين الشد
واللين خاصة بوجود العديد من الوجهاء والتجار ذوي المصالح, أما أشد الناس
حماسة لسياسات السلطة فهم الشيعة (باعتبارهم أقلية) وعدد كبير من الشرائح
الحضرية التي ترى في الصعود القبلي تهديدا لها ولقيمها.
ماذا بعد؟
لا أحد يعلم ما هو
يحمله المستقبل من مفاجآت. لكن الأكيد أن الكويت اليوم ليست هي الكويت الأمس. والأكيد
أن الفضائح المليونية, والتمايز في تطبيق القانون, وتفرد السلطة في إصدار التشريعات,
وقبل ذلك استفزاز شرائح المجتمع من قبل الإعلام الفاسد ولّد لدى المواطنين
الكويتيين جروحا غائرة وخصمت كثيرا من رصيد الأسرة الحاكمة لدى الكويتيين.
الأكيد أيضا أن لهذا
اليوم ما بعده, وأن الربيع العربي قد بدأ يهب على شواطئ الخليج, معلنا أن الجوع
والفقر ليس المحرك الوحيد للشعوب, وعلى الحكومات والأسر الحاكمة أن تدرك ذلك جيدا وأن
تدرك أيضا أن النفط كان وسيلة فعالة لتغطية عيوبها في الماضي وليس الآن.
قبل أسبوعين حفظت
النيابة العامة قضية الإيداعات لعدم كفاية الأدلة! وبررت التحويلات المليونية
للحسابات الخاصة بأنها لتحقيق مصلحة الكويت العليا! وفي قادم الأيام سيحقق مع عدد
من النواب بتهمة المساس بذات الأمير, وينتظر بعضهم الآخر أحكاما بالحبس بتهمة
اقتحام مجلس الأمة.
متابع المجموعة مقالة مهمة من زميل لنا بالمجموعة، من الواضح إلمامه الكبير بالساحة الكويتية ..أنصح بقراءتها..
عبدالعزيز قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..