وكيل الزراعة: ما يحدث في جنوب الرياض أمر خطير
| ||
|
أصبحت مياه الصرف الصحي المتاخمة لمنطقة الحائر،
جنوب العاصمة الرياض، منظرا مألوفا واعتياديا للمارين على هذه المياه التي أصبحت تشكل نهرا جاريا يكرس لانتقال الأمراض، وأصبح المغذي الأول للمزارع الواقعة على ضفافه الملوثة بمياه الصرف الصحي والمستنقعات، من خلال استغلال بعض المزارعين - بعلم منهم أو بغير علم - لهذه المياه الآسنة لسقي منتجاتهم الزراعية، وتصديرها إلى السوق المحلية من غير حسيب ولا رقيب. عندما تكون مياه الصرف الصحي جزءا من غذائك، فهو أمر لا يمكن أن يتصوره عقل مجرد تصور، عندما تكون تلك المحاصيل التي تذهب لموائد المستهلكين من الخضراوات والورقيات، هي نفس المنتجات التي تغذت على مياه الصرف الصحي.
بعض قاطني تلك المزارع لم يؤكد أنه بالفعل يستفيد من هذه المياه لغرض سقي المحاصيل الزراعية، ولكن «الشرق الأوسط» وجدت في المنطقة للاطلاع على تلك المزارع التي ظهر جليا أن من يديرها هم من العمالة الوافدة و«المتخلفين».
استطاعت «الشرق الأوسط» خلال جولتها في المنطقة المعنية، رصد الممارسات المتبعة من قبل العمالة الوافدة الذين يقطنون المزارع المجاورة وهم أصل المشكلة، حيث اتضح أن المزارع قائمة منذ زمن طويل قياسا بحجم نخيلها وأشجارها التي لا تزال تستثمر حتى الوقت الحاضر، ويقوم على رعايتها عمالة متخلفة لا يعلم أحد من أين أتوا.
تنوعت المحاصيل في هذه المزارع والماء واحد، وهي تشكل واحة خضراء مليئة بالورقيات والخضار والتمور التي تعتمد على خراطيش ممدودة بمكائن مخبأة تحت جذوع الأثل والأشجار، كي لا تكون واضحة للعيان، وبالتالي استغلال المياه الجارية القريبة منها وضخها إلى المزارع.
«الشرق الأوسط» أجرت اتصالا هاتفيا بالدكتور عبد الله العبيد وكيل وزارة الزراعة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية، لإخباره بما في جعبتنا من معلومات ومسوحات ميدانية قمنا برصدها على أرض الواقع، والتأكد بنفس الوقت ما إذا كانت هناك تحركات قائمة أو جارية لوقف هذه الممارسات التي من شأنها تلويث بطون جيل كامل إذا لم يتم ردع هذه الممارسات المميتة، على أقل تعبير.
وصف وكيل وزارة الزراعة لشؤون الأبحاث والتنمية الزراعية، لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يجري حاليا في مزارع جنوب الرياض بـ«الخطير جدا»، مشيرا إلى أن وزارته لا ترضى بهذه التجاوزات غير الإنسانية.
وطالب الدكتور عبد الله العبيد بتفعيل قرار حاسم للرقابة على هذه المزارع ممثلة بلجنة رقابية بين وزارة الزراعة ووزارة الشؤون البلدية والقروية، لضبط تلك الممارسات ومنع هذه المناظر، متمنيا أن تقوم هذه اللجنة بالدور المناط بها على أكمل وجه، من دون أي مجاملة لأحد، ووضع آلية مناسبة للعقوبات، مفيدا بأن هناك لجنة تم تشكيلها مؤخرا تتابع وتراقب أنابيب الري المقيدة فقط لأشجار الزينة.
ولم يخفِ الدكتور العبيد أن التقصير وارد في أي عمل وفي أي مكان، وأن هناك أعمالا تدور بالخفاء بعيدا عن الجهات المعنية، مرجعا ذلك إلى ضعف سيطرة الجهات الرقابية على تلك الأماكن، وعدم التوصل إلى مكامن الخلل الحقيقي، مرجعا ذلك إلى وجود العمالة المتخلفة السائبة في المزارع المحيطة بمجرى الوادي.
وقال وائل المروت وهو تاجر خضار بالجملة، إنه ليس باستطاعتهم تمييز المحاصيل التي ترد إليهم في محلات الجملة، وبالتحديد في سوق العزيزية بالرياض، وهو المكان الذي يستقبل محاصيل جنوب العاصمة، إلا بعد مرور يوم كامل على بقائها في المحل، وذلك عند تحول اللون في بعض أجزاء النبتة إلى سواد بارز في أطرافها وأغصانها، وقال: «عندها نعرف أن مصدر تغذيتها ملوث وغير صحي، ونقوم بإعدامه مباشرة».
وأضاف المروت: «بعض ما نستورده من ورقيات وخضار، هي في الغالب من مصادر متعددة، سواء من مزارع جنوب الرياض، وعندها لا نعرف الصالح من الطالح سوى تنقيتها من بعض أجزائها التي فسدت أثناء نقلها إلى السوق».
اعتبر وائل أن العمالة السائبة والمتخلفة هي «المحرك الرئيسي في سوق الخضار بالرياض، الأمر الذي يجعلهم غير مبالين بما نأكل نحن أبناء الوطن، لأن همهم الوحيد هو زيادة الرصيد والربحية المضاعفة، مشكلين بذلك أحزابا وتكتلات تكاد تنهش التاجر السعودي الصغير أو المبتدئ، وبالتالي طرده من السوق وهذه حقيقة»، حسب وصفه.
وتعتبر الرياض أكبر مدينة تطل على وادي حنيفة، وقد نتج عن التوسع العمراني الكبير الذي تشهده الرياض في العقدين الأخيرين زيادة في معدلات استهلاك المياه، ومن ثم زيادة في كميات مياه الصرف الصحي المتسربة إلى الوادي، خاصة مع عدم اكتمال شبكة الصرف الصحي للمدينة، إضافة إلى ما يضخ إلى جنوب الوادي من مياه صرف صحي مباشرة من محطة منفوحة، الأمر الذي أدى إلى تأثر نوعية المياه التي تختزن في رسوبيات الوادي في بعض أجزائه وخاصة القريبة من مدينة الرياض فأصبحت مياهها الجوفية ملوثة كيميائيا وجرثوميا.
وفي دراسة أجرتها الدكتورة نوره آل الشيخ من جامعة الملك سعود، عن نوعية المياه الجوفية في وادي حنيفة وفروعه ودرجة تأثرها بمياه الصرف الصحي، أثبتت أن بعض أجزاء وادي حنيفة تعاني من تلوث مياهه الجوفية جرثوميا وكيميائيا، وارتفاع منسوبها بشكل واضح، مفيدة بأنها قد تؤدي هذه المياه الملوثة في حالة استخدامها في الشرب أو ري المحاصيل التي تؤكل مباشرة كالورقيات إلى أخطار صحية كانتشار الأمراض الوبائية والمعدية مثل التهاب الكبد الوبائي، والبلهارسيا والتيفود وغيرها.
وأكدت الدراسة جريان المياه في الأجزاء الجنوبية من وادي حنيفة طوال العام نتيجة صرف مياه الصرف الصحي المعالجة من محطة منفوحة، وكذلك المياه المنصرفة من شبكة تخفيض منسوب المياه الأرضية في مدينة الرياض.
وتقدر كميات المياه التي تصرف في الوادي حاليا بأكثر من 650 ألف متر مكعب يوميا، منها نحو 450 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة، ونحو 200 ألف متر مكعب من المياه المصروفة من شبكات تخفيض منسوب المياه الأرضية في مدينة الرياض.
وتهدر معظم هذه المياه في الصحراء بينما يعاد استخدام نحو 200 ألف متر مكعب يوميا في الزراعة في الوادي وفروعه. مما يهدد نوعية المياه الجوفية المختزنة في رسوبيات وادي حنيفة نتيجة تسرب الملوثات إليها، وعدم قدرة الوادي على معالجة هذه المياه.
وبينت الدراسة أن ارتفاع نسبة التلوث الجرثومي تتركز في منطقة العيينة ثم الجبيلة، وقد يكون السبب في ذلك استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في عملية الري، وكذلك وجود بعض المجمعات والمشاريع السكنية الكبيرة في المنطقة.
ويلي ذلك بالترتيب منطقتي الدرعية ووادي حنيفة، الحاير، العمارية، عرقة وذلك نظرا لقرب معظمها من الرياض، واستخدام مياه الصرف الصحي في عملية الري، أما منطقة وادي لبن فقد أظهرت النتائج خلوها من أي تلوث جرثومي وقد يكون السبب عدم استخدام مياه الصرف الصحي في الري في هذه المنطقة.
ونظرا لوجود التلوث الجرثومي والكيميائي في المياه الجوفية في وادي حنيفة وفروعه، التي توصلت إليها هذه الدراسة، فإنه لا بد عند استخدام هذه المياه الملوثة في عملية الري أن يكون هنالك معرفة بالحدود القصوى المسموح بها في مياه الري جرثوميا وكيميائيا وتقييم الآثار التي قد تترتب على استخدام هذه المياه وتحديد نوع المحاصيل التي يمكن ريّها بهذه المياه وخاصة فيما يتعلق بالمحاصيل التي تؤكل مباشرة، كالخضراوات والورقيات الخضراء، التي تزرع حاليا في بعض مناطق وادي حنيفة وفروعه.
ومن أهم التوصيات التي أشارت إليها الدراسة، ضرورة نشر الوعي بين السكان في منطقة الدراسة بعدم استخدام المياه الجوفية في عملية الشرب لتلوثها وخطرها على صحة المستهلك، ومنع استخدام هذه المياه الجوفية الملوثة جرثوميا وكيميائيا في ري المحاصيل التي تؤكل مباشرة، مثل الورقيات، منعا باتا، ومراقبة ذلك في المزارع بشدة لخطره على صحة المستهلك.
كما شددت تلك الدراسة على ضرورة معالجة مياه الصرف الصحي بدرجة كافية قبل ضخها في وادي حنيفة، وقبل ضخها إلى المزارع واستخدامها في عملية الري، مع الإسراع في عملية تمديد شبكة الصرف الصحي في مدينة الرياض لتغطي جميع الأحياء فيها للحد من عملية تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية.
واعتمدت الدراسة على العمل الحقلي، حيث تم تحليل 42 عينة من مياه الآبار المنتشرة على طول الوادي لمعرفة خصائص هذه المياه الكيميائية والجرثومية وهل هي ملوثة أم لا، بالإضافة إلى مدى تأثرها بتسرب مياه الصرف الصحي من مدينة الرياض.
وهذه الدراسة تحاول التعرف على علاقة تلوث هذه المياه بأعماق الآبار وقربها من مدينة الرياض. كما تناقش استخدام هذه المياه سواء للشرب أو للري.
ولما لتلوث المياه الجوفية في الوادي من أضرار صحية على الإنسان في حالة استخدام هذه المياه للشرب أو لري المحاصيل الزراعية التي تؤكل مباشرة، فإن هنالك حاجة ماسة لدراسة هذه المشكلة وتحديد الأجزاء التي تعاني من تلوث مياهها الجوفية في الوادي.
لذا فإنه من الضروري معرفة نوعية مياه الوادي في الوقت الراهن، وتحديد المناطق الأكثر تلوثا في مياهها الجوفية وأعماقها ونوع التلوث، جرثوميا كان أم كيميائيا، وعلاقة ذلك بالقرب أو البعد عن مدينة الرياض.
يذكر أن وادي حنيفة ينحدر من حافة جبل طويق شمالا ويعبر هضبة نجد حتى يصب في السهباء جنوبا، ويصب فيه أكثر من أربعين واديا، أشهرها غربا الأبيطح والعمارية وصفار والمهدية ووبير ونمار والأوسط ولحا، ومن جهة الشرق الأيسن والبطحاء.
السبـت 06 جمـادى الثانى 1433 هـ 28 ابريل 2012 العدد 12205
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..