الاثنين، 8 أكتوبر 2012

حُسن التعليل : أبيات وشواهد

من المُحسنات المعنوية ، حُسنُ التعليل ، وهذا الموضوع يقوم في أساسه على التَّظَرُّفِ والتَّفَكُّهِ ، ومن هنا كان
بحاجة إلى فطنة وبديهة ، ويقصدون بحُسنِ التعليلِ أنْ يأتي المتكلمُ للشيء الذي يتحدثُ عنه بعلةٍ ليست له ؛ تظرفاً ومبالغةً ، وقد يكونُ هذا الشيء ليس له علةً ولكن الأديبَ يأبى إلا أنْ يُعلِلَهُ ، وقد يكون له علةٌ ولكنَّ المتكلمَ يتناساها ليأتي بعلةٍ أخرى .
سألني أحدُهم وقد ظهر الشيبُ في وجهي : ما هذا ؟ فقلت :
صنعتُ لأحدِهم معروفاً ،وكان من الصالحين . فدعا لي قائلاً : بيضَّ اللهُ وجهَكَ .
فاستُجيبت دعوتُه .
من كتاب البلاغة فنونها وأفنانها للدكتور فضل حسن عباس .
طيب من يأتينا بأمثلة من القرآن الكريم أو من التراث العربي العريق على حُسن التعليل ؟

و قائلة لما رأت شيب لمتي **** أستره عــن وجهها بخضابِ
أتستر عني وجه حقٍ بباطلٍ **** و توهمني ماء بلمع سرابِ
فقلت لها كفي ملامك إنها **** ملابس حزني  حين فقد شبابي

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  والأمثلة كثيرة جدا وهذا دأب الشعراء يستعرضون أبياتهم بالتعليل ومنهم المعري إذ يقول :


وصـفــراء لـــون الـتـبــر مـثـلــي جـلـيــدةعـلـى نــوب الأيــام والعـيـشـة الـضـنـك
تــريـــك ابـتـســامــا دائـــمـــا وتــجــلــداوصبـرا علـى مـا نابهـا وهـي فــي الهـلـك
ولـــو نـطـقـت يـومــا لـقـالــت :أظـنـكــمتخالـون أنــي مــن حــذار الــردى أبـكـي
فـــلا تحـسـبـو دمـعــي لـوجــد وجــدتــهفقد تدمع الأحداق من كثرة الضحك



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولسيف الدولة علي بن حمدان التغلبي في الشمعة أبيات جميلة في حسن التعليل :


وبـــت تسـعـدنـي صـفــراء نـاحـلــةكأنهـا تـجـد السـقـم الــذي أجــد
باتـت تحاكـي زفيـري فــي تلهبـهـالكن بي كمـدا إذ مـا بهـا كمـد
فـفـي حــرارة أنفـاسـي تشـاركـنـيوفـي دموعـي علـى الخديـن تـطـرد
تذري دموعا إذا أحشاؤها اضطرمتوذاب منهـا بنـيـران الحـشـا الجـسـد
كذاك نـار بأحشائـي يفيـض لهـادمعـي وينحـل جسمـي حيـن تتقـد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أرى بدر السماء يلوح حينا *** ويبدو ثم يلتحف السحابـا
وذاك لأنـــه لـــما تبــــــدى *** وأبصر وجهك استحيا وغابا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي أيام أحمد بن طولون تساقطت النجوم، فراعه ذلك فسأل العلماء والمنجمين عن ذلك، فما أجابوا بشيء، فدخل عليه الجمل الشاعر وهم في الحديث، فأنشد في الحال:
قالوا تساقطت النجو ... م لحادث فظ عسير
فأجبت عند مقالهم ... بجواب محتنك خبير
هذي النجوم الساقطا ... ت نجوم أعداء الأمير
فتفاءل ابن طولون بذلك، ووصله.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وفي أيام كافور الإخشيدي كثرت الزلازل بمصر، فأقامت ستة اشهر




فأنشد محمد بن القاسم بن عاصم قصيدة منها :


بالحاكم العدل أضحى الدين معتليـا *** نجل الهدى وسليل السادة الصلحـا


ما زلزلت مصر مـــن سوء يــــراد بها *** لكنــها رقصت مـــن عـــدله فـــرحا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



ما أحسن الصبر في مواطنه *** والصبر في كل موطن حسن


حسبك مــن حسنه عواقبه *** عاقبة الصبـــر ما لـــها ثمـن


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



سألت الغصن لِمْ تعرى شتاءً *** وتبدو في المصيف وأنت كاسي


فقال لي : الربيع على قدوم ٍ *** خلعت على البشير به لباسي



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وقال ابن منير الطرابلسي :




قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة *** باب الدواعي والبواعث مغلـق



فسد الزمان فلا كريم يرتـجـى *** منه النوال ولا ملـيح يعـشـق


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وشيخ فى جهات الأرض يمشى *** ولحيته تقـــــابــل ركبتيه




فقـــلت له لمــــاذا أنت مــحني *** فقال وقد لــوى نحوى يديه




شبابى فى الثرى قد ضاع منى *** وها أنا منحني بحثا عليه



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



وقال البستي :




يقولون ذكر المــــرء يحيا بنسله *** وليس له ذكر إذا لم يكن نسل

فقلت لهم نسلي بدائع حكمتي *** فإن فاتنا نسل فإنا بها نسلوا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




قال المتنبي يمدح بدر بن عمار:


مابه قَتْلُ أعاديه ولكن *** يتَّقي إخلافَ ماترجو الذئاب



مابه:ليس بالممدوح حنق أوجب قتل أعدائه،إخلاف ماترجوه:عدم الوفاء به



المعنى:أي ليس بالممدوح حنق يجبره ويلزمه على القتل غير أنه لا يريد أن يخلف ولايف بالذئاب التي سيتسع رزقها من قتله للأعداء (وليمة للذئاب)




حسن التعليل في البيت:



المعروف عند الجميع أن الباعث على سفك الدماء هو هلاكهم ،ودفع مضار الأعداء،لكن المتنبي لايأخذ بهذ العلة ،ولا يراها غاية ممدوحه من قتال أعدائه،وإنما الذي بعثه على القتال هو تمكن الكرم من نفسه حتى صار يتقي يخيب رجاء الذئاب ؛إذ أنها تآمل اتساع الرزق من هذه القتلة......فقد ادعى الشاعر هنا علة _لقتال الأعداء_غير العلة الحقيقية_على جهة التظرف

والتخييل.وهذا مايسمى : "حسن التعليل"



سأذكر مثال آخر لأبي هلال العسكري :


فكأنما لطم الصباحُ جبينَه*** فاقتصَّ منه فخاض في أحشائه


فالصبح اعتدى على فرسه ،ولطمه على جبينه، فابيضت جبهته ،فأراد الفرس

أن يقتص ويثأر لنفسه ، فهاجم الصبح وخاض بقوائمه في أحشائه ،فابيضت كذلك.



فبياض وجه الفرس وقوائمه وصف لاعلة له في واقع الأمر ،لكن الشاعر علله بتلك العلة الخيالية......




نهاية :ماذكره الشعراء من علل إنما هو من وليد أخيلتهم الخصبة،

ونتاج وجدانهم الحي ،وعواطفهم اليقظة،وليست طبيعية مطابقة للواقع...

ويعمد إليها الشعراء ليوقظوا خيال القارئ،ويثيروا وجدان السامع وعاطفته

ويدخلوا السرور عليه بتلك العلل المستملحة والأساليب المستطرفة،

وهذه هي خاصة التعليل الأدبي.



أما التعليل العلمي : فمرده إلى التعقل والتدبر ،

والبحث في طبائع الأشياء،والتفكير المبنى على الاستقراء والبحث

......




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..