2012-10-28 |
يجري اليوم تدمير روحانية الحج بناطحات السحاب والاختناقات المرورية حول
المدينة المقدسة، في حين
أن ارتفاع تكاليف الحج يعني أن هذا الركن ما عاد
يتحمل تكاليفه إلا الأغنياء فقط.
اليوم أكملت حجي، ولكني قلق للغاية من أن الحج قد فقد معانيه الروحية
الحقيقية. لقد نجحت في استكمال شعائره، ولكن التكلفة الاقتصادية والبيئية
والبشرية مذهلة. كما أرثي حال هذه المدينة، التي اجتاحتها سرعة التغيير
وطمست التاريخ والتراث في طريقها.
الحج هو رحلة روحية يندمج فيها الحاج مع إخوانه المسلمين من كل البلاد،
ذلك أن تكاتف جموع الأمة يضفي خصوصية على الحج. فالحج عبادة فردية وجماعية.
لقد جئت إلى هنا مع التركيز على أمر واضح: حياتي كلها لله. وأود أن أتعهد
بأن أعيش حياة أكثر وعيا وذات معنى، وأن أهتم بأمر البشر كما أهتم بنفسي،
فالحج تجديد فردي وجماعي للإيمان.
ولكن عندما أنظر من حولن، أرى غابة كثيفة تهيمن على الأفق وتفرض نفسها على
بيت الله -الكعبة- وأنا أشعر بالخيانة من قبل القائمين على الأماكن
المقدسة.
إذا كنت أريد أن أرى ناطحات السحاب، فيمكنني القيام برحلة سريعة لدوكلاندز (Docklands)
في لندن. ما جئت هنا لأستعرض مدينة أخرى من المباني العالية، تماما مثل
لاس فيغاس أو نيويورك. في هذه الأماكن لا أجد فيها الروحانية. أنا أظن أن
الله تعالى لا يريد أن يدنس بيته المقدس بهذا الشكل
ثم إن تكلفة الحج خلال السنوات الخمس الماضية زادت بثلاثة أضعاف، مما يجعل
الحج أمرا بالغ الصعوبة بالنسبة للناس العاديين، فالفنادق الجديدة الشاهقة
من فئة الخمس نجوم المحيطة بالكعبة متاحة لأولئك الذين يمكن أن يتحملوا
مصاريفها. لقد لاحظت هذا العام أن الحج أصبح بالفعل أحد أركان الإسلام
المتاح للأثرياء، حيث ارتفعت الأسعار بشكل غير عادل وغير متكافئ.
في حين أن أحد معاني الحج هو المساواة بين جميع الناس بوضع قطعتين من
القماش الأبيض غير مخيط، مما يلغي على الفور التفاوت الاجتماعي والاقتصادي.
بينما الاتجاه الحالي هو جعل المساواة حلما بعيد المنال.
لقد جئت إلى الحج للتخلي عن الملاحقات المادية، ولكن الماديات هنا ظهرت في كامل قوتها، وليس هناك روحانية في هذا.
الحج بالنسبة لي هو دعوة من الله لزيارة بيته. غير أنه يجري تشييد البنية
التحتية في جميع أنحاء بيته من دون النظر لأي اعتبارات بيئية. سيارات جيب
والحافلات التي تستهلك الكثير من الغاز والديزل، تجوب المنطقة المحيطة
المزدحمة.
جعل مكة المكرمة خالية من السيارات يجب أن يكون في طليعة إستراتيجية
البنية التحتية للنقل العام. فالناس يقضون الكثير من الوقت عالقين في
ازدحام حركة المرور، وقد أمضيت نصف وقتي في انتظار الحافلة لتأخذني إلى
المكان المقدس، وبدلا من ذلك، كان علي أن أقضي ذلك الوقت في التأمل والصلاة
في بيت الله، فلم أشعر بأي روحانية في الاختناقات المرورية.
تعجَ منى، مزدلفة وعرفات، الأماكن الثلاث الأكثر أهمية التي تشكيل مسار
الحجاج، بزجاجات البلاستيك والأغطية والحقائب المتناثرة بما يفوق إنتاج
العديد من المدن سنويا. والبلاستيك له عواقب بيئية خطيرة على جميع الحجاج
هنا في مكة.
والضرر البيئي الناجم عن رمي الناس للنفايات في هذه
المواقع يتناقض بشكل مباشر مع تعاليم الإسلام. ولهذا، يجب أن يتخذ القائمون
على الحج خطوات جادة للحد من رمي النفايات بفرض غرامات كبيرة على الحجاج
ومنظمي الرحلات السياحية، وينبغي حظر البلاستيك.
وبناء على ما تقدم، سيصبح الحج قريبا عبادة مادية ومعرضا يظهر فيه الأثرياء ثروتهم ونبلهم.
لقد افتقدت كثيرا الحج الذي يذكرني بسيدنا إبراهيم، عليه السلام، ويساعدني على جعل حياتي كلها لله.
بقلم: أجمل مسرور (Ajmal Masroor) /
ناشط سياسي ومقدم برامج ـ بريطاني من أصل بنغلاديشي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..