الحديث
عن التغريب في بلادنا الإسلامية حديث ذو شجون، تتعدد رواياته، وتتجدد أساليبه، وله
خطة معينة في كل بلد، وشعارات معروفة تناسب البلد الذي يغزوه، والهدف منه واضح لكل
ذي عينين، وهو: مسخ عقيدة الأمة
وهويتها، وجعلها تابعة للغرب في الشهوة والانفلات،
حذو القذة بالقذة.
لفت
انتباهي في رسائل مجموعة قاسم البريدية أمس رسالة قيمة للشيخ عبدالرحيم السلمي،
يتحدث فيها عن التغريب، وعن أسبابه ومظاهره، وطرق مواجهته.
تحدث
الشيخ عبدالرحيم حتى ظننت أنه يتكلم
بلساني، ويعبر عن ما بداخلي، ومشروع التغريب أصبح له تاريخ قبيح ومرير، منذ أن غزى
نابليون مصر العزيزة، وحتى تاريخنا المعاصر.
ولكن
نبتة التغريب نبتة غريبة عن أرضنا، ومن أراد أن يزرعها ليحصل على ثمرتها الخبيثة فلن
يحصل من وراءها على طائل، وسينفق ماله، ويضيع عمره، ثم يرجع خاسئاً وهو حسير.
فالأرض
التي سقتها دماء الصحابة الطاهرة، واستنارت بدعوة خاتم المرسلين، واستظلت بشريعته عصية
على موجات التغريب، وقد ضرب الله مثلا فيه سخرية مريرة بمن يحاول الصد عن سبيل
الله، حين قال تعالى: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم)، أرأيتم ذالكم الرجل
الساذج الذي ينفخ ويتعب نفسه ليطفئ نور الشمس! إنه مثل ذلك الرجل الساذج الذي يريد
أن يطفئ نور الشريعة بأهواء التغريب!
ولا
أريد أن يفهم من كلامي هذا التقليل من خطر التغريب، بل هو خطر عظيم يجب أن تواجهه
الأمة بكل قوتها، وتقاتله وتصاوله بسيوف الحق، ولكني أحببت أن أقدم بمقدمة للمفتونين
بالأفكار الغربية، أنهم لن يجنوا من أفكارهم إلا الخسران، ثم سينتظرهم في الآخرة
عذاب، هو أشد وأبقى.
والغريب
في الأمر أن التغريبيين يقودون حملة شعواء للاقتداء بالغرب في كل شيء، إلا ما كان
في النظم الغربية التي تدعم حق الإنسان بالمشاركة في السلطة وحفظ حق الإنسان
وكرامته، وعدم الإقصاء لرأيه.
فإنهم
من أكثر الناس مخالفة لهذه النظم الذي تميز بها الغرب، ويقومون بالعدوان على
خصومهم، وإقصاءهم، وإسكات أصواتهم.
أما
التغريب الذي ينشدونه فهو يدور حول إثارة الشهوات، ومحاربة الحجاب الذي يصدهم عن
استكناه مفاتن المرأة! ودعوة المرأة إلى الاختلاط بالرجل، لتكون له زميلة في
الدراسة، وصديقة في العمل!
وهذه
هي اللبرالية الاجتماعية التي يسعى التغريبيون بكل ما أتوا من قوة أن يفرضوها على
المجتمع، ولن تجد لكاتب صحافي مناصر لأطروحات التغريب دعوة للمشاركة السياسية،
وانتخاب مجلس الشورى، وعدالة اجتماعية، ومحاربة للفساد بكل أشكاله. مع إن هذه من
البدهيات والأساسيات التي يقوم عليها المجتمع في الغرب.
والذي
أريد أن أقوله لك –أيها القارئ الكريم- إن التغريب في المملكة يدور حول الشهوات
أولاً.. ثم الشهوات ثانياً وأخيراً، فهذا هو ميدان تحريره الذي فيه يعتصم وإليه
يحتكم! وهو –كما ترى - تغريب منكوس أخذ من الغرب أسوأ مالديه، وترك أحسن ما عنده!
وتبادر
في ذهني الآن سؤال، وهو: لماذا كان التغريب عندنا دائر على الشهوات لا غيرها؟
وكذلك
كان التغريب في مصر عندما بدأ، كانت قضيته الكبرى تحرير المرأة، وإخراجها من بيتها
ونزع حجابها، وخذ مثلا رفاعة الطهطاوي الذي سافر كشيخ معمم مع المبتعثين المصريين
لفرنسا، لم يلفت نظره هناك نظامهم، ولا عدالتهم، بل الذي استثارة شيء واحد وهو أن
المرأة عندهم غير محتشمة، ولا ترد يد لامس! وبنى على هذا التصور أن فرنسا لم تتقدم
إلا بسبب نزع المرأة لحجابها وتبرجها، ولذلك على مصر إن أرادت أن تتقدم أن تتبرج
نسائها وتختلط بالرجال!
ولعل
القارئ الآن يضحك من هذا الاستنتاج العجيب، ويتعجب من العقول التي تؤمن به، ولكن
هكذا هي الشهوة إن استحكمت على عقل الإنسان، فإنها تعميه عن رؤية الحق الواضح
البيّن، ويصبح صريعا لشهواته، يدور معها حيث دارت، ولايقف حتى توبق عليه دنياه
وآخرته.
ولعله
اتضح الآن الجواب عن سؤال: (لماذا كان التغريب يدور حول الشهوات؟)، بكل يسر سأقول:
إن التغريبيين مجرد شهوانيين ليس عندهم مشروع يقدمونه لنهضة الأمة، بل هم قوم
امتلكتهم الشهوة وسيطرت على عقولهم، ويريدون أن يفتحوا الباب على مصراعيه لشهواتهم
، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما!
هذا
ما قاله الله تعالى في كتابه المجيد، ولكأن الآية أنزلت اليوم، وقرأها علينا محمد
صلى الله عليه وسلم، وأتمنى من القارئ أن يعود إلى سياق هذه الآيات في سورة
النساء، لينظر عن ماذا كانت تتحدث، ثم لينزل هذه الآيات على مشروع التغريبيين
عندنا، ليرى هل تجاوزوا أطروحات مَن سبقهم مِن المنافقين قيد أنملة؟!
الشهوة
هي الشهوة في كل عصر ومصر، وهي غريزة في الإنسان المتقدم والمتخلف، ولكن العجيب أن
الشهوانيين لدينا يسوقون شهواتهم بدعوى التقدم والتحرر والنهضة!
وأوجه
رسالتي للجميع أن يتكاتفوا لمنع هذا الخطر
الداهم، وقد طرح الشيخ السلمي في رسالته الرصينة نقاطا تبيّن سبل مواجهة التغريب،
وهي جديرة بالتأمل، وبالتطبيق من الجميع.
والعبء
الأكبر يقع على عاتق المشايخ والنخب، ولا بد من توحيد الجهود والاجتماع لصد هذا
الشر.. والله المسئول أن يسلم بلادنا من كيد الكائدين، ومكر الشهوانيين.
وإلى
لقاء قريب..
عبدالله الحسني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..