الحمد لله العليم الحكيم, خلق الخلق بعلمه وحكمته ورحمته, وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وكليمه, صلى
الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه, وبعد:
ذاكَ
وادي الأراكِ فاحبس قليلاً ... مُقَصِّراً في ملامتي أو مُطيلا
إذا ذكر أهل الشام الحجاز؛ هاجت شجونهم,
وفاضت عيونهم, وحميت دفائن صدورهم, وسفرت ذخائر ستورهم.
يا حبَّذا ريح الجنوب
إذا غدت ... بالفجر وهي ضعيفة الأنفاسِ
قد حُمِّلَتْ برْدَ
الثرى وتحمّلت ... عَبَقاً من الجثجاث والبَسباس
كيف لا وقد درج عليها خير الخليقة وسيد
البريّة صلوات الله وسلامه عليه وبركاته؟!
وبعد أيضاً: فهذا السؤال: أين يقع الجبل الذي
كلم الله على سفحه موسى الكليم عليه السلام, هل هو في الصحراء المصرية المسماة حالياً
سيناء وعليه درجت أدبيات العرب المعاصرين واليهود والأقباط؟ أم هو في الصحراء
الحجازية المسماة في الصحف الكتابية فاران؟
وقبل الإجابة نمهد بمدخل له صلة بهذا الموضوع حتى تتضح المسألة من أطرافها,
والمرجع الأصيل بلا تردد هو للوحي المحفوظ القرآن
الكريم والحديث النبوي المحمدي ثم لا مانع بعدهما بذكر ما في صحف أهل
الكتاب بلاحرج.
مدخل:
«البشارة بإيلياء»:
من الأسماء التي رمز بها الكتاب المقدس إلى محمد صلى الله عليه وسلم (إيلياء)
وهذه الكلمة وفق حساب الجُمَّل العبري والعربي تساوي (53) (أ= 1، ي= 10، ل= 30) وهو
ما تساويه كلمة أحمد (أ= 1، ح= 2، م= 40، د= 4) ولعل هذا الترميز هو من وضع نساخ التوراة
حتى يضعوا على أعين الناس غشاوة دون رؤية الاسم الصريح الذي بشرت به الآية في سفر ملاخي
عليه السلام فرمزوا له بهذا الحساب، أو أنه من الموافقة العددية فقط.
وحساب الجُمَّل هو حساب عددي عن طريق الحروف
الأبجدية (أبجد هوز حطي كلمن صعفص قرشت ثخذ ضظغ)
فالحروف العشرة الأولى آحاد والعشرة التالية عشرات والتي تليها مئات، وآخر حرف هو الغين
ويساوي (1000) وفائدة ذلك تثبيت التاريخ وسهولة حفظه،
أما اليهود فبنوا عليه أمورًا غيبية.
كذلك فقد رمز بعض علماء بني إسرائيل في التوراة إلى اسم محمد صلى الله عليه
وسلم بكلمتين هما (ماد ماد) (لجوى جدول) وقد حل الدكتور البارع أحمد حجازي السقا شفرة
هذا الحساب الجُمّلي، وأثبت بالبرهان الرياضي أن كل كلمة منهما لا تـخرج عن لفظ (محمد)
وقال بعد إثباته ذلك: «وما يزال هذا الحساب مستـخدمًا لدى اليهود العبرانيين والسامريين
إلى الآن، وقد حكى مؤلف كتاب (ثورة الإسلام وبطل الأنبياء) ص319، أنه في (21 أغسطس
1933م) نشر العالم المحقق أحمد زكي باشا المشهور بتدقيقه وسعة اطلاعه في جريدة البلاغ
(4 يوليو 1934م) أنه استطاع أن يصل إلى نسخة قديمة من
التوراة وذكر فيها اسم محمد رسول الله، وروي أن شلبي السامري عنده نسخة منقولة عن أقدم
نسخة من التوراة تحتفظ بها طائفة السامريين المتوطنة في مدينة نابلس... وهي
مجلد يحتوي (615) صفحة من القطع الصغير». وانظر: البشارة بنبي الإسلام في التوراة والإنجيل،
د. أحمد السقا (1/ 136ــ 140).
لقد كان أحبار اليهود يحتفون بحساب الجُمَّل كما في خبر الحبر الذي سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الحروف المقطعة في أوائل السور ثم جمعها بحساب الجمّل متكهنًا
بمدة دولة الإسلام! فأخزاه الله وكذّب كهانته ومد في عمر أمة الإسلام, وستدوم
قطعاً بطائفتها المنصورة لساناً وسناناً حتى قبيل قيام الساعة حين لا يبقى في الأرض
من يقول: الله الله، فهم شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة.
والحاصل أن هذه البشارة الملاخية تكلم عنها
ذلك السفر القصير وعن عصيان بني إسرائيل، وعن إيليا أو إيلياء القادم ــ وهو غير النبي
إلياس عليه السلام الذي كان قد توفي قبل هذا الكلام بسبعة قرون (فبحسب العهد القديم
فإيليا (إلياس) كان في القرن التاسع قبل الميلاد) فيذكر ملاخي عليه السلام عن الله
عز وجل أنه يقول: «ها أنا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي.
ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به (فأسعد
الناس بالحق هم أتباعه حتى من اليهود الذين أسلموا كابن سلام رضي الله عنه) هو ذا يأتي قال رب الجنود، من يحتمل يوم مجيئه، ومن يثبت عند
ظهوره؛ لأنه مثل نار المحمص، ومثل أشتان القصار» (ملاخي 3: 1ــ 3).
وآخر نص على الإطلاق في العهد القديم هو قول ملاخي عليه السلام فيما يذكر عن الله تعالى:
«اذكروا شريعة موسى عبدي الذي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام،
هاأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيئ يوم الرب اليوم العظيم والمخوف فيرد قلب الآباء
على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن» (ملاخي 4: 4ــ 6) فما أحسنها
من خاتمة للعهد القديم فمن حفظ وصايا موسى عليه السلام ومنها اتباع نبي الإسلام فهو
السعيد حقًا، قال تعالى: "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على
فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على
كل شيء قدير" [المائدة: 19].
إذن فقد سمى النبي ملاخي عليه السلام النبي القادم إيليا بعد أن ذكرهم بوصية
موسى على جبل حوريب, والتي ذكر فيها موسى عليه السلام النبي القادم مثله من بين إخوة
بني إسرائيل «أقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه» (تثنية 18:
18، 19) وقد تقدم الكلام عن هذه البشارة الموسوية.
قال المفسر صاحب (تحفة الجليل): «إن إيلياء الرسول
المذكور في آخر سفر ملاخي هو ملغوز، وهذا هو حبر العالم الذي يأتي في آخر الزمان»( عن الفاروق
بين المخلوق والخالق، عبد الرحمن باجي البغدادي، ص654). _وهناك بشارة في العهد الجديد
في إنجيل متى بإيليا وسأبسطها فيما يُستقبل إن شاء الله_
وإيليا بذاته هو الذي سأل عنه رسلُ اليهود من الكهنة واللاويين يوحنا المعمدان
ــ يحيى عليه السلام ــ «من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقرأني لست أنا المسيح فسألوه إذا
ماذا، إيليّا أنت؟ فقال لست أنا، النبيُّ أنت؟ فأجاب لا» (يوحنا: 19ــ 21) فلما خيب
أملهم بأنه ليس إيليا الملك النبي المنتظر ــ قالوا لعله النبي المبشر به فخيبهم مرة
أخرى لأن الأول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم,
والثاني المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
ويظهر أن الكتاب المقدس لديهم قد مر تحريفه بأطوار
عدة ولكن بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وانتشار حجج الإسلام زاد التحريف كثيرًا
حتى في الأزمان المتأخرة، فالناظر في النسخ التي نقل عنها الإمامين ابن تيمية
وابن القيم في القرن الثامن الهجري يجد بينها وبين النسخ الجديدة المطبوعة فروقًا مما
يدل على استمرار التزييف والتحريف على مر العصور.
هذا والنبي إيليا له مقام عظيم عند اليهود فهم
يعتقدون أنه رفع إلى السماء وسينزل في آخر الزمان ليمهد لمسيحهم المنتظر, كما يطلقون
اسم إيليا على مسيحهم المنتظر نفسه، ويقصدون بإيليا الأول: إلياس عليه السلام، أما
الثاني فهو الملك المنتظر، ومن طقوسهم في عيد الفصح أن
يجعلون له على المائدة كأس نبيذ ولا يشربونه.
ومن الاستطراد المليح نقول: أما تسمية بيت المقدس بإيلياء فأول من سماها بذلك
الرومان، كما ذكرت ذلك الباحثة بيان نويهض في كتابها (فلسطين) ص90، وذكرت أن (القدس)
مرت بتسميات أولها (يبوس) على اسم أول من بناها وهم اليبوسيون، ثم (أورشليم) ومعناها
مدينة السلام، وقد عرفت هذه التسمية من قبل العبرانيين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد
ــ وقيل بل سماها العرب قبلهم بهاــ وتسمى كذلك (أورسالم) ثم تحول الاسم إلى (قديش)
ثم (إيليا كابيتولينا) وهو اسم مركب فجزؤه الأول (إيليا) على اسم الإمبراطور الروماني
إيليوس، ويقال إنهم سموها تيمنًا بالبشارة بإيليا، والثاني (كابيتولينا) على اسم معبد
جوبيتير الكبير، ثم سميت التسمية الأخيرة (القدس) أو (بيت المقدس) قلت: وفي ظني أنه
اسم إسلامي.
والآن
نجيب عن السؤال الكبير: هل الجبل الشريف الذي ارتبط بموسى الكليم عليه السلام وكلامه لرب
العالمين طور سيناء موجود في الحجاز أم في الصحراء المصرية المعروفة في هذا الزمان
بصحراء سيناء؟
لقد تكرر ذكر حوريب في العهد القديم والمراد بحوريب
هي سيناء, وفيها جبل الطور, ويسمى جبل حوريب وجبل الرب والجبل الشوكي وجبل طور سينين
وجبل الطور. وهو الجبل الذي أعطي موسى التوراة عليه فيسمى جبل الطور وجبل حوريب، (والعرب
لا تطلق الطور إلا على الجبل المخضر بالأشجار كما ذكره ابن كثير)
أما عن
مكان جبل الطور فاختلف الناس فيه على قولين:
الأول: أنه في جنوب صحراء سيناء حالياً,
وسموا هناك جبلاً باسم جبل موسى وبنوا عنده دير سانت كاترين، وهو المعتمد عند الكثيرين.
أما الفريق الثاني _وهو أسعد بالبراهين وأقرب لواقع الحال وظواهر الأدلة_ فيرى
أنه في شمال غرب جزيرة العرب, وأنه ربما يكون هو الجبل
المعروف حاليًا باسم جبل اللوز وهو في الأراضي السعودية المقابلة لميناء نويبع المصري
(أي في الضفة الشرقية لخليج العقبة) ولهم في ذلك حجج قوية منها:
1ــ أن مسمى شبه جزيرة سيناء حديث, وكثير
من المؤرخين ذكروا أن اسم سيناء سمي بعدما اعتقد اليهود في الزمان القريب أن جبل الطور
هو الجبل الواقع جنوبها، وعلى هذا فيسقط الاستدلال بالمسمى الحديث إذا كان الغرض إسقاطه
على مصطلحات وأماكن وردت في آيات مقدسة.
2ــ أن بلاد مدين ــ حسب التعبير القرآني
ــ ومديان ــ حسب التوراتي ــ تقع في جزيرة العرب في الجزء
الشمالي على الساحل الشرقي للبحر الأحمر ــ ولا تزال الآثار والمغارات موجودة
هناك بنقوشها ورسومها ــ وحيث أن موسى عليه السلام انطلق بأهله منها إلى مصر بعد السنوات
العشر وفَجَأَهُ الوحيُ وهو في طريقه في الوادي المقدس طوى عند الشجرة المباركة، فلعل الطور يقع عند تلك البقعة المقدسة, وهي بالطبع ليست في
جنوب سيناء؛ لأنها ليست على طريقه إلى مصر فلماذا يتكلف الذهاب إلى هناك؟! وبما
يُستأنس به أن الله تعالى ذكر جبل الطور عند ذكره للشجرة المباركة, بل إنها من جانبه
"آنس من جانب الطور ناراً" (القصص:
29) فقد تكون اللام للعهد, أي أنه طور سيناء المبارك الشريف, وبهذا فالشجرة على جبل الطور, وعلى ذلك فتكون الشجرة المباركة
على شاطئ الوادي المقدس الذي يشق جانب الطور, أو على الأقل يكون الطور إحدى ضفتيه والشجرة
على ذلك الجبل الشريف "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" [القصص:
46] "من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة" [القصص: 30]، قال ابن كثير:
«جانب الطور الأيمن هو الذي كلمه الله تعالى عليه، وسأل فيه الرؤية، وأعطاه التوراة
هناك». تفسير القرآن العظيم (5/ 308).
3ــ أن سيناء تعني البركة, وطور سينين يعني
جبل البركة، والله تعالى وصف الشام بالبَرَكَة "إلى
المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" [الإسراء: 1]، وشمال غرب جزيرة العرب معدود من
الشام فثمّ أرض مباركة، ووادي طوى وصف بالقدسية "بالواد
المقدس طوى" [النازعات: 16]، والشام وصفت بالأرض
المقدسة "ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" [المائدة: 21]،
وعليه فالأقرب أن الوادي المقدس يقع في شمال الحجاز.
4ــ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال توجهه
لغزوة تبوك ــ في شمال الحجاز ــ أخبر أصحابه أن نبي الله موسى عليه السلام مدفون هناك
عند الكثيب الأحمر ــ كما في السير ــ قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «فلو كنت ثمّ (أي: هناك) لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر»
رواه البخاري بدون ذكر تبوك (1253)، فلو كان بنو إسرائيل قد تاهوا داخل سيناء ومعهم
نبي الله موسى عليه السلام ــ الذي مات في فترة التيه ــ فكيف سيمر عليه النبي صلى
الله عليه وسلم، ففي قوله: «إلى جانب الطريق» أي
طريق ذهابهم إلى تبوك, وإلا فلماذا يذكر موسى عليه السلام بخصوصه دون غيره؟ ويعزِّزُ
ذلك حديث الإسراء: «مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائمًا يصلي في قبره» رواه
مسلم (2375)، وأحمد (3/ 120)، إذن فقبر موسى عليه السلام
يقع في المنطقة بين مكة والقدس لأنه نصَّ على المرور، فالتيه إذًا كان في شمال الحجاز.
ويعضد ذلك ما جاء في بعض روايات التوراة
(والتوراة هي الأسفار الخمسة الأُوَل من العهد القديم) وفيها أن موسى كان في برية فاران (الحجاز) وكان يرسل من هناك الجواسيس
إلى الأرض المقدسة. ومعلوم أن موسى عليه السلام كان يحج البيت الحرام كما في
صحيح مسلم (167) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما في ذكر نبي الله صلوات الله
وسلامه لأخيه موسى عليه السلام لما مرّ بوادي الأزرق وأخبر عن موسى عليه السلام
بقوله :"كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً
من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية". وحج موسى عليه السلام إنما كان بعد الخروج من مصر لأنه لم يبعث إلا وهو في طريقه لها، ثم
لما خرج بقومه في التيه حتى مات، فدل هذا على أنه قد حجَّ في فترة التيه، وعلى هذا
فالبلد الحرام قريب منه وليس بعيد في صحراء سيناء.
وهذا القول أي أن طور سيناء في شمال الحجاز وأن التيه كان فيه يفسر لنا كثرة القبائل اليهودية في شمال الحجاز من وادي القرى
إلى خيبر وفدك وتيماء إلى المدينة بل حتى اليمن, لأنها أرض مقدسة بنص توراتهم وتحوي
رفات نبيَّيهم موسى وهـارون عليهما الســلام وكثيرًا من أجدادهم، كذلك تفسر
لنا اضمحلال لغتهم العبرانية في شمال الحجاز وإبدالها بالعربية, لأنهم بقية الأسباط
التي آثرت البقاء أولاً أو عادت إلى أرض التيه بعد تدمير أورشليم الأول والثاني، كما
يفسر لنا وجود مقبرة كانت خاصة بهم في مكة وهي التي
أمر الحجاج بن يوسف بإلقاء جثة ابن الزبير فيها بعد قتله وصلبه رضي الله عنه،
فلعل بني إسرائيل كانوا يحجّون الكعبة مع موسى عليه السلام أو غير ذلك، كما يفسر لنا زهد الدولة اليهودية الحالية في سيناء، وتسليمها لمصر,
ولو كانوا متحققين من صحة مكان الطور في جنوبها لم يسلموها, أو على الأقل لاستثنوا
ذلك الجزء.
5ــ في رحلة الهروب من فرعون وقومه واجه بني إسرائيل حاجز بحري "فاضرب
لهم طريقاً في البحر يبساً" [طه: 77]، وليس قبل خليج
العقبة مانع طبيعي بحري يحول بين مرور موسى عليه السلام وقومه! لذلك فشلت جميع
الأبحاث التي بحثت في خليج السويس على مر عقد من الزمان عن أي صلة بتلك الحادثة العظيمة
وغرق جيش بكامله في البحر وفي التوراة الحالية: «مركبات فرعون وجيشه ألقاها في البحر،
فتغرق أفضل جنوده المركبية في بحر سوف تغطيهم اللجج» (خروج 15: 4، 5)، ولم تكن قناة السويس قد شقت حينها فلم يبق إلا خليج العقبة،
ويعكّر على ذلك بُعْدُ خليجِ العقبة عن مصر, إلا إذا كان سيرهم أيامًا.
6ــ وهذه فريدة _إن ثبتت_ يقال: إنه بعد
تصوير منطقة خليج العقبة بالأقمار الصناعية ذهلوا من وجود هضبة مرتفعة بشكل غير مألوف
بين أقرب نقطتين بين يابسة صحراء سيناء ــ شاطئ نوبيع ــ والضفة المقابلة ومسافتهما
قرابة سبعة أميال ــ وهي نقطة مرور الحجاج المصريين ــ فوجدوا أن تلك الهضبة الواصلة
بين الضفتين ترتفع من قعر البحر حتى تقترب من سطح البحر بمسافة (800) قدم فقط، والعمق
على يمين ويسار ذلك الممر يتجاوز (5000) قدم وبشكل حاد وليس تدريجي كالمعهود في سائر
البحار, فلعلها الممر الذي أيبسه الله لهم وفلق البحر "فانفلق فكان كل فرق كالطود
العظيم" [الشعراء: 63].
وهذه النقطة تحتاج إلى مزيد إثبات وتحرير إذ قد ذكرها بعضهم وأورد لها صوراً
ولكن لم أتحقق بعد منها, كذلك السابعة:
7ــ يقال: قد وُجدت كثير من آثار العربات الفرعونية في قاع خليج العقبة وليس
في خليج السويس.
8ــ يوجد على الضفة الشرقية لخليج العقبة جبل متميز
عن ما حوله من الجبال وهو أعلاها في الارتفاع، ويتميز بلون قمته السوداء المخالفة لكل
ما حولها من الجبال، ويسمي العامة هذا الجبل بجبل اللوز، ويعتقد الكثير ــ حتى من اليهود
ــ أنه جبل طور سيناء.
9ــ يوجد في تلك المنطقة مكان يرى الكثيرُ من الآثاريين أنه المكان الذي وضع فيه معبودهم العجل الذهبي قال الله
تعالى: "واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار ألم يروا أنه
لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً اتخذوه وكانوا ظالمين" (الأعراف: 148) ولا زالت النقوش
واضحة على تلك الحجارة, وفيها رسوم مرسومة بشكل يشابه النقوش الموجودة في مصر لأبقار
الجواميس _علماً أن الجواميس غير موجودة ولا معهودة في
جزيرة العرب_ وقد قامت الحكومة السعودية بوضع سياج حول تلك الآثار سداً
لذريعة الشرك، ومنها صخرة على هضبة جبلية وفيها فالق عظيم ــ أي أنها منشطرة من الأعلى
لنصفين ومتحدة من الأسفل ــ وهي بجانب ذلك الجبل قال تعالى في شأنها: "وإذ استسقى
موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم"
[البقرة: 60] وفي حديث الفتون الطويل عن ابن عباس رضي الله عنهما: «وجعل بين ظهرانيهم
حجرًا مربعًا وأمر موسى فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا في كل ناحية ثلاثة
أعين، وأعلم كل سبط عينهم التي يشربون منها فلا يرتحلون
من مَنقَلةٍ إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس» النسائي
(11326)، وحكم عليه ابن كثير بالوقف دون الرفع (5/ 293)، ولا زالت آثار جريان الماء
في نواحي الصخرة ــ ولا يمنع أن تكون من المطر ــ وفي سفر الخروج «ها أنا أقف هناك
على الصخرة في حوريب، فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب» (خروج 17: 6).
وتذكر
الأسفار أن موسى عليه السلام رعى غنم حميِّهِ في جبل سيناء، فيستحيل أن يقطع بغنمه
البحر ويمشي بغنمه مسافة (250) كيلاً «وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن
مديان فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب» (خروج 3: 1) وانظر
سورة القصص (27_30) كما أن موضع عبادة العجل في حوريب كذلك, وهم قد عبدوه بعد اجتياز
البحر «صنعوا عجلاً في حوريب وسجدوا لتمثال مسبوك» (مزمور 106: 19)، وقبل أن يذهب إلى
مصر «حينما تُـخرج الشعب من مصر، تعبدون الله على هذا الجبل» (3: 12)، وفي سفر أعمال
الرسل: «فهرب موسى بسبب هذه الكلمة وصار غريبًا في أرض مديان حيث ولد ابنين، ولما كملت
أربعون سنة ظهر له ملاك الرب في بريّة جبل سيناء في لهيب نار عُلَّيْقةٍ... فهلم الآن
أرسلك إلى مصر» (أعمال 17: 30ــ 34)، ولعل ذلك السواد في قمة جبل اللوز له علاقة بما
جاء في سفر التثنية «وفي اليوم الذي وقفت فيه أمام الرب إلهك في حوريب... فتقدمتم ووقفتم
في أسفل الجبل، والجبل يضطرم بالنار إلى كبد السماء بظلام وسحاب وظباب، فكلمكم الرب
من وسط النار وأنتم سامعون...» (تثنية 4: 10ــ 12) وفي
القرآن العظيم شهادة إجمالية لهذا, قال تعالى: "واختار موسى قومه سبعين
رجلاً لميقاتنا" وقال تعالى: "يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من
السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم
ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وءاتينا موسى سلطاناً
مبيناً" (النساء: 153) ".
وهناك فقرة في سفر
التثنية تؤكد أن الطور في شمال الحجاز «هذا هو الكلام الذي كلم به موسى جميع
إسرائيل في عبر الأردن في البريّة في العربة قبالة سوف بين فاران ولابان وحضيروت وذي
ذهب» (تثنية 1: 1) فهي على امتداد غور الأردن، وهي بين فاران ــ جبال مكة المكرمة ــ
ومناطق أخرى, ولا يستقيم هذين في صحراء شبه جزيرة سيناء
حاليًا بحال! ولاحظ كلمة العربة ولعلها محرفة عن العربية، أي أرض العرب وهي الحجاز
هنا, _أما حضيروت فلعلها حضرموتشمال اليمن, ولابان لعله جبل أبان أو أبانات
وهو شرق المدينة النبوية وهو بهذا الاسم منذ العهد الجاهلي كما في أشعارهم, أما ذي
ذهب فلعله معدن بني سليم منذ العهد الجاهلي وهو المسمى حالياً مهد الذهب وفيه منجم
للذهب في هذا الزمان, وفي هذا النص التوراتي ذكر الحجاز بحدوده الواسعة أو ماقرب
منه مع ذكر قلبه المقدس فاران الحجازي_
وفي نفس النص ذكر تحديد المسافة بين
جبل الرب (الطور) وبين القدس (قادش) «أحد عشر يومًا من حوريب على طريق جبل سعير إلى
قادش» (تثنية 1: 2)، وجبل سعير في القدس، وهذه المدة هي ما يحتاجها من قدم من شمال
الحجاز للقدس بالسير المعتاد, أما من أتى من جنوب صحراء سيناء فيلزمه شهر لمسيره
ذلك!
وقال المؤرخ اليهودي يوسيفوس: «جبل سيناء
هو أعلى جبل في منطقة مديان» وهو المعروف حاليًا بجبل اللوز، ونعت في سفر الخروج بالجبل
الشوكي وهو لقب وليس اسم. كما أن في المنطقة آثار المذبح الذي بني بحجارة غير منحوتة
كما في (خروج 20: 25) كذلك توجد الأعمدة الحجرية «وبنى مذبحًا في أسفل الجبل واثني
عشر عمودًا لأسباط بني إسرائيل الاثني عشر» (خروج 24: 4) كمـا أن في ذات الجبل مغارة،
كما ذكر عن إيليا أنه بات فيها (ملوك (1) 19: 8، 9) كما توجد آثار نقوش رسم المنارة
(الكأس اليهودي المشهور).
وعلى كل حال فالمقصود ليس التبرك بتلك البقعة,
فلو كانت مشروعة لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرًا
إلا نهانا عنه، ولم يمت حتى أكمل الله لنا به الدين، فالحمد لله على ذلك، وإنما المقصود بيان أن الكثير من المسلّمات الكتابية لدى اليهود والنصارى
تحتاج إلى تمحيص وتدقيق ومراجعة، حتى لو كانت من بدهيات الأمور، ولما كثر الركام على
ديانتيهم أشرقت شمس الإسلام لتجيب أسئلتهم الحيرى وتشرح صدورهم الحرجة وتضيء لهم طريق
العلم والنور والهدى.
وبالجملة
فالمسلمون هم أولى الناس
بموسى عليه السلام كما قال أخوه محمد صلى الله عليه وسلم لما رأى اليهود يصومون عاشوراء
شكرًا لإنجاء موسى عليه السلام وقومه: «نحن أولى الناس بموسى منكم» رواه البخاري، وقال:
«أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة... ليس بيننا نبي» متفق عليه.
فمن أراد أن يلحق بركب الأنبياء والمرسلين والصالحين
فليبدأ من هنا حيث الذكر الحكيم والكتاب العزيز الذي "لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" [فصلت: 42].
وصل اللهم وسلم وبارك على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
والحمد لله أولاً وآخراً.
إبراهيم الدميجي
1/ ذو الحجة /1433
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..