مع كل أسف لا يزال هناك فئام من الناس يقاوم التغيير ويكره التميز
ويعادي التفوق ويخاف خوفاً عميقاً من أن يلحظ تغيراً يمكن أن يحدثه الآخرون
من حوله، منظر الضعف
يريحه ويسعده، وأوراق الخريف أحب إليه من زهور
الربيع، ومنظر التخلف والركون للماضي يطمئنه على أن العالم بخير، يعيش يومه
كأمسه، حبيس أفكاره التي لا تعرف من الحياة إلا الماضي، لاتستشرف مستقبلاً
ولا ترقب تطوراً، يعيش على هامش الحياة. يقول مصطفى صادق الرافعي: «أشدُّ
سجون الحياة فكرةٌ خائبة يسجن الحي فيها نفسه، لا هو مستطيع أن يدعها ولا
هو قادر أن يحققها».
إن شبح التغيير لا يخيف العامة من الناس أو البسطاء
من الموظفين فحسب، بل طال حتى أهل العلم والمعرفة من أساتذة الجامعات
وخاصة فيما يتعلق بالتقنيات الحديثة في مجال التواصل وتبادل المعرفة. إن
التغيير سنة كونية إذ لا بد منه للاستمرار ودفع عجلة الحياة للتقدم
للمستقبل، لذا وهذا ما أكده «روزابت موسى كانتر» فهو «عملية تحليل الماضي
لاستنباط التصرفات الحالية المطلوبة للمستقبل»، ويشمل التحرك من حالة حاضرة
إلى حالة انتقالية حتى نصل إلى الحالة المنشودة في المستقبل. وتبدأ
العملية بإدراكنا للحاجة للتغيير، وإن كان إيراد مثل هذا الموضوع مهما في
كل حين ووقت إلا أن طرقه في هذه الحقبة من الزمن يعد أمراً ملحاً لما يشهده
العالم من تغيرات سريعة على جميع الأصعدة وفي شتى المجالات.
ولتجلية
الموضوع بشكل أدق وأوضح لا بد من الوقوف على أهم وأبرز الأسباب التي من
خلالها يتم مقاومة التغيير ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها..
ولعل أبرز
أسباب مقاومة التغيير، التمسك بالعادات والتقاليد، يقول الله تعالى (وكذلك
ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على
أمة وإنا على آثارهم مقتدون* قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم
قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) الزخرف 23-24. ومنها الخوف من المجهول وما
يمكن أن يحمله من مفاجآت، وعدم وضوح صورة التغيير والجهل بحقيقته وأهدافه
وإجراءاته وجوانبه الأخرى، وفقدان الثقة بالمؤسسة أو المنظمة مما يجعل
البعض يتوهمون بأن مضار التغيير في أحسن الأحوال ستكون أكثر من منافعه.
ومنها الاعتقاد والتصور الخاطئ بين بعض العاملين القدامى بأن المعرفة
الفنية الموروثة كافية لسير العمل وصالحة لكل زمان ومكان، ومنها الخوف على
المصالح المادية أو المعنوية أو الشخصية، والتوهم بأن التغيير سيكون سبباً
في فقد بعض الامتيازات أو المكاسب. ومن الأسباب أيضاً عدم الاقتناع
بالتغيير المراد إجراؤه أو ببعض جوانبه لخبرة سابقة أو معلومات متراكمة، أو
عدم وجود أسباب مقنعة للتغيير، أو الخوف من عدم القدرة على التكيف مع
متطلبات هذا التغيير، فقد يحتاج إلى الإعداد والتدريب وربما زيادة في أوقات
العمل المخصصة.
ومن الأسباب كذلك النزعة إلى الواقع الحالي والرضا
والقناعة بما هو عليه، وكثرة التجارب الفاشلة من التغيير وهذا ما يصيب
الموظف بالإحباط والقناعة بعدم جدوى التغيير، ومنها سوء العلاقة والتفاهم
بين الطرفين، والحسد والعناد، وكثرة متطلبات التغيير وانعكاساتها على
الموظف، وأخيراً الطبيعة البشرية التي نشأ عليها الموظف منذ طفولته.
ومن
صور العلاج المقترحة لهذه الظاهرة، التخطيط للتغيير، فالتخطيط هو رأس كل
نجاح وسنامه، وإطلاع العاملين على مشروع التغيير وأهدافه، وتوضيح ضرورة
وأهمية التغيير بشكل عام وما يمكن أن يحمله من إيجابيات بالنسبة للمنظمة
والعاملين. ومن أساليب العلاج أيضاً تحديد الموظفين المقاومين للتغيير
والجلوس والتحدث معهم حول ماهية التغيير وما يمكن أن يحقق لهم من نتائج
ومدى انعكاساته المرغوبة للعاملين، وإشراك العاملين في التغيير في مراحله
المختلفة لأن ذلك يبدد مخاوفهم من ناحية ويؤكد أهميتهم ودورهم الفعال في
اتخاذ القرارات التي تؤثر عليهم وعلى العمل من ناحية أخرى، وبذلك يحل
التعاون والمشاركة مكان المقاومة، وتأهيل العاملين للتغيير من خلال إكسابهم
وتدريبهم على بعض المهارات التي يحتاجها التغيير.
ومنها عرض بعض
النماذج الحية من الواقع والتي حققت نتائج مادية ومعنوية من جراء التغيير،
وتوفير الأمن الوظيفي للموظف وإشعاره بأن هدف التغيير هو زيادة وجودة
المنتج وليس للاختبار والتقييم، ورصد الحوافز والمكافآت للمتفاعلين مع
التغيير.
ويجب ملاحظة أن التغيير يجب أن لا يشمل الموظفين فقط، بل تكون
البداية بإدارة المنظمة والتي يجب أن يلحظ الموظف منها التغيير في أدائها
وتعاملها وقوانينها وتشريعاتها وتكون بذلك قدوة للموظفين. كما يجب التدرج
في التغيير ووضع خطة مرحلية ليكون أدعى لتقبل الموظفين له، مع تقبل النقد
البناء من جراء عملية التغيير والعمل على التصحيح، واختيار الوقت المناسب
لعملية التغيير، وإجراء التقييم المستمر لعملية التغيير للوصول إلى أفضل
الممارسات وتحقيق النتائج المرجوة، واحترام وجهات نظر المقاومين للتغيير
وفتح باب النقاش والحوار الهادئ للوصول إلى نتائج يرتضيها الجميع.
منصور المنصور
الإدارة التربوية والتخطيط- دراسات عليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..