نعرض هنا ملخصًا عن حياة عبد
الله القصيمى بعد أن وفق الله صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل نائب أمير
منطقة القصيم في القيام بواجبه الديني قبل واجبه الشرعي كحاكم إداري
برفضه رعاية ملتقى أدب القصيم لاستحضاره الملحد القصيمي حسب ما نشرته جريدة الجزيرة في يوم الأربعاء 17/11/1433 عدد 14615 السنة 53
برفضه رعاية ملتقى أدب القصيم لاستحضاره الملحد القصيمي حسب ما نشرته جريدة الجزيرة في يوم الأربعاء 17/11/1433 عدد 14615 السنة 53
ولا شك أن موقف سموه أسعد كل غيور ولكي تتضح الصورة
تمامًا عن حياة عبد الله القصيمي يسعدني نشر هذا الملخص في مجموعتكم المباركة
سائلاً العلي القدير أن يثبتنا على دينه وألا يجعلنا من المخاصمين والمجادلين عن
هذا الصنف من البشر لقوله تعالى : " ولا تكن للخائنين خصيمًا " وقوله
تعالى : " هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم
يوم القيامة "
وما نقلته عن القصيمي هو من خلال ما سطره يراعه ورد به
عليه معاصروه ، وليست تهمًا تلقى جزافًا فعليه ما حمل وعلينا ما حملنا
عبد
الله بن علي النجــــدي
القصيمي ولد في عام 1907م، وتوفي 1996م / 1416هـ، قدم أجداده إلى نجد مع جيش
إبراهيم باشا عندما هاجمها.
عاش حياة فقر وبؤس بعد فراق والده
لوالدته، وانقطاع أخبار والده عنه، فعمل أجيرًا، ثم بدأ رحلة البحث عن والده الذي
انتقل إلى بعض مناطق الخليج حتى حصل على مراده، والتقى بوالده بعد رحلة بحث شاقة
تكبد خلالها المصاعب والمتاعب.
ثم تلقى تعليمه هناك تحت إشراف والده
حتى فارق والده الحياة وهو لم يبلغ الحلم، ثم سافر لتلقي العلم في عدة بلدان حتى
انتهى به المطاف إلى جامعة الأزهر، ودرس فيها أربع سنوات، كان الأزهر خلالها يعيش
حركات شديدة أثرت هي كذلك على شخصية القصيمي وتكوينه.
وقد حدثت هذه الحركات في تلك الفترة التي تبنى فيها الأزهر محاربة السلفيين ودعوة مجدد
العصر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
وتوج هذا ما خطّه قلم الشيخ يوسف الدجوي أحد علماء الأزهر الذي تبنى بوضوح، ودافع بقوة عن
زيارة الأولياء، والتوسل بالمقبورين الصالحين، وندب إلى طلب الشفاعة منهم نافيًا
أن يكون هذا شركًا أكبر أو أصغر. فانبرى له القصيمي ورد عليه في كتابه الرائع
الماتع «البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية» وعرى من خلاله حجج الدجوي مما
أحدث ردة فعل عنيفة لدى القائمين على الأزهر.
(واتخذ الأزهر قرارًا قاسيًا
بحقه أَلاَ وهو فصله من الجامعة،
وأصدر البيان التالي: (صدر كتاب ينسب إلى طالب من نجد في جامعة الأزهر، ويوجد في
الكتاب شتائم وإهانات موجهة إلى أستاذ من هيئة كبار العلماء، وعلى أثر ذلك كلفت هيئة
المدرسين أحد الأساتذة بإجراء تحقيق ضد الطالب فيما تضمنه الكتاب من افتراءات
وشتائم، وقام الأستاذ بتقديم نتائج تحقيقه إلى مجلس إدارة الأزهر والتي قررت في
جلستها المنعقدة في 13/9/1932م قرارًا بفصل الطالب من انتسابه إلى الأزهر)([1])، ولكن هذا القرار لم يثن عزمه، بل واصل انتقاداته، وألف كتابين هما: «شيوخ
الأزهر والزيارة في الإسلام»، «والفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم».
(وقد حاول الشيخ رشيد رضا الدفاع عنه ومؤازرته، وقام
بطبع كتبه، بل قال: إن القصيمي اكتسح في الحقيقة هؤلاء العلماء بمعرفته الواسعة
وأخجلهم) ([2]).
(ثم استمر القصيمي في دفاعه عن الإسلام،
وتصدى للرد على محمد حسنين هيكل الذي ألف كتابًا عن حياة الرسول ×، ولم يثبت
للرسول× إلا معجزة القرآن، وناقشه القصيمي بالحجج النقلية والعقلية، و عندما تعرض
لحادثة شق الصدر التي أنكرها هيكل، أخذه العجب، وقال: إن أي جراح يملك القدرة على
فتح الصدر، فلم يتعذر ذلك على الله وملائكته؟ وهذا نموذج يدل على قوة حججه العقلية
عند المحاورة) ([3]).
(واستمر في دفاعه القوي عن السلفية،
وبين بأنها ثورة روحية لتحرير العقل البشري، ودعا الأمة الإسلامية إلى العودة إلى
التوحيد وإلى الوقوف مع المملكة العربية السعودية وإلى اعتبار مكة وطن حي
للمسلمين، بل دعا إلى دعم المملكة بكل وسائل الدعم المادية والمعنوية، وتوظيف
الأموال في مشاريع في بلاد الحرمين حتى تنال من الهيبة والقوة الاقتصادية ما
يعينها على القيام بواجباتها نحو المسلمين) ([4]).
(ثم بلغ قمته عندما رد على
الكاتب الشيعي السوري محسن العاملي، الذي ألف كتابًا بعنوان «كشف الارتياب في
اتباع محمد بن عبد الوهاب» تعرض فيه للدعوة السلفية التي أحياها المجدد شيخ شيوخ
الإسلام في عصره محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، فانبرى له القصيمي انبراء الأسود،
ورد عليه رد الفحول في كتابه الكبير «الصراع بين الإسلام والوثنية» ) ([5]).
(وقد لقي هذا الكتاب قبولاً عظيمًا عند أهل العلم حتى قال فيه إمام الحرم
المكي في ذلك الوقت قصيدة فيها ثناء عطر على الكتاب:
صراعٌ
بَين إسلامٍ وكفرٍ
|
يقوم به
القصيميُّ الشجاعُ
|
|
ألا لله
ما خط اليراعُ
|
لنصر
الدين واحتدم النزاعُ([6])
|
بل ذكر صلاح المنجد أن بعض أهل العلم
قالوا للملك عبد العزيز – رحمه الله –: «لقد دفع القصيمي مهر الجنة بكتابه هذا » ([7]).
(وشعر القصيمي - بعد كتابه هذا وما لقيه
من قبول عند أهل العلم وما أحدثه من أثر وجرح عميق عند أهل البدع – بكثير من الزهو
والفخر ؛
فألفان وخمسمائة صفحة في الدفاع عن الدين والإيمان
وتحطيم الوثنية تكفي لتجعل منه الشيخ الذي ينظر إليه بعين الرضا، ويقدم في
المحافل، ويبرز في المجامع، ويصدر في المجالس) ([8]).
ولكن هذه الهالة سرعان ما اندثرت وخفتت
وعاد القصيمي إلى وضعه، فلا هو قدم ولا هو بُجِّل، فأصيب بردة فعل عنيفة قادته إلى أن يقوم بشرح أسباب انحطاط المسلمين
! وتأخرهم ! بكتابه «كيف ذل المسلمون»، وقد ظهر من خلال هذا الكتاب مناقضته
الصريحة لمواقفه السابقة.
ثم فاجأ العالم بقنبلة مدوية مخزية، وهي
كتابه «هذي هي الأغلال» الذي ثار فيه على كل شيء عرف عن المسلمين لا فرق عنده بين
عادات وتقاليد وخرافات وعقائد، وأثار الكتاب ضجة عنيفة في العالم الإسلامي شرقًا
وغربًا، (وما إن وصل خبر الكتاب إلى الملك عبد العزيز – رحمه الله – حتى بادر
بإرسال برقية إلى الشيخ فوزان السابق ـ رحمه الله ـ يطلب فيها منه أن يعلن براءته
في الصحف من القصيمي) ([9]).
وقال علامة زمانه الشيخ السعدي – رحمه الله -: «لقد وقفت على
كتاب صنفه القصيمي سماه: «هذي هي الأغلال»، فإذا هو محتوٍ على نبذ الدين والدعاية
إلى نبذه والانحلال منه من كل وجه، وكان هذا الرجل معروفًا بالعلم والانحياز إلى مذهب السلف الصالح، وكانت تصانيفه السابقة مشحونة بنصر الحق
والرد على المبتدعين والملحدين، فصار له بذلك عند الناس مقام وسمعة حسنة، فلم يرع
الناس في هذا العام حتى فاجأهم بما في هذا الكتاب الذي نسخ به وأبطل جميع ما كتبه
عن الدين سابقًا.
وبعد ما كان في كتبه السابقة معدودًا من
أنصار الحق، انقلب في كتابه هذا من أعظم المنابذين له، فاستغرب الناس منه هذه
المفاجأة الغريبة لسوابقه» ([10]) وقال: «إن من نظر فيه وتأمله
حق تأمله عرف أنه ما كتب أشد وطأة وأعظم عداوة ومحاربة للدين الإسلامي منفرًا منه،
وأنه ما اجترأ أحد من الأجانب وغيرهم بمثل ما اجترأ عليه هذا الرجل، ولا افترى
مفترٍ على الدين كافترائه، ولا خرف أحد نظير تخريفاته، وما صرح أحد بالوقاحة
والاستهزاء والسخرية بالدين وأصوله وتعاليمه وأخلاقه وآدابه وحملته كاستهزائه
وسخريته، فإنه اشتمل على نبذ الدين ومنابذته ومنافقته ثلاثة لا تبقي من الشر شيئًا
إلا تضمنته:
1-
صريح
في الانحلال عن الدين بالكلية، وخروج تام عن عقائده وأصوله فضلاً عن فروعه.
2- هو أكبر دعاية للإلحاد. مقاومة للدين وأهله.
3- فيه من البهرجة والتزويرات التي جعلها في صورة نصر الدين ما يعد من أعظم
النفاق والكيد والمكر للإسلام وأهله +
"([11]).
وجملة ذلك أنه تلقى عن جميع أعداء الدين
ما وجهوه إلى الدين وإلى أهله من جميع ألوان الشبه التي تدعو إلى الكفر والتكذيب
بالدين، وزاد عليهم زيادات واستدرك أمورًا لم يصلوا إليها، فإن النافين للباري –
عز وجل – الجاحدين له ؛ كزنادقة الدهرية
وفرعون وأتباعه الذين حرصوا على جحد رب العالمين بالكلية وتكذيب رسله جهرًا
وعلنًا، ثم أظهره زنادقة الاتحاديين بأسلوب آخر: وهو أن الوجود كله – واجبه وممكنه
– واحد بالعين، فلا ثم رب ولا مربوب ولا خالق ولا مخلوق، الجميع شيء واحد، ثم جاء
القصيمي بأسلوب أشنع من ذلك كله حينما زعم أنه لا فرق بين الخالق والمخلوق، وأن من
فرق بينهما من الأنبياء والرسل وأهل الأديان فهو غالط ضال» ([12]).
كما ألف الشيخ إبراهيم السويح كتابًا
فيه رد على القصيمي سماه «بيان الهدى من الضلال في الرد على صاحب الأغلال» ؛ حيث قال في المقدمة: «لسنا بحاجة هنا إلى الاستدلال على فساد تصور هذا
الرجل، وكثرة تقلب آرائه» ([13]).
كما رد عليه الشيخ عبد الله بن يابس
بكتاب كبير بعنوان «الرد القويم على ملحد القصيم» بيَّن فيه كفر الرجل وإلحاده.
وكتب إبراهيم آل عبد المحسن في حوادث سنة 1366هـ من تاريخه «تذكرة أولي النهى والفرقان»
بعنوان: ذكر ردة عبد الله بن علي القصيمي.
كما ثار الأزهر وعلماؤه والجمعيات
الدينية على هذا المرتد المارق([14]).
* * *
أسبـــاب الــــــــــردة
تفاوتت
ردود الأفعال عن ردة هذا الزنديق وعن تحليل أسباب الردة، ولعل لردته أسبابًا عدة:
1- الشك والحيرة وكثرة الجدل:
يقول عبد الله بن يابس: «كان القصيمي
منذ أكثر من خمسة عشر عامًا تقريبًا يجادل في البَدَهيات الدينية، حتى اشتهر بكثرة جدله في الأمور الضرورية، وحتى كان يجادل
بعض جلساته في وجود نفسه، وحدثني صديق حميم من العلماء الأفاضل قال: كان ذلك
المخلوق القصيمي يأتي إليّ منذ خمس عشرة سنة تقريبًا، ويصرح لي بأنه تعتريه شكوك إذا جن الليل، فيسخن جسمه، ويطير
النوم من أجفانه، قال: وكان يجادلني في الله، وفي النبي ×، وكان قلبي يمتلئ بغضًا
له واحتقارًا.
قال: وكنت أجيء لزيارتكم فأجده يقرأ في صحيح مسلم مع بعض
الإخوان. فترجع نفسي قائلة لعلها وساوس وليست عقائد» ([15]).
2- الغرور
والغطرسة:
عندما ألف كتابه «البروق النجدية» امتلأت نفسه زهوًا وعجبًا
وكبرًا.
يقول الشيخ ابن يابس: «لقد صدَّر كتابه هذا بقصيدة ركيكة يمدح بها
نفسه ويطريها، ولما اطلع على هذا الكتاب شيخنا «عبد العزيز بن بشر» – رحمه الله – أدرك بنور بصيرته وعلمه أن صاحبه منحرف عن الإسلام، وكان من
إعجابه بنفسه أنه لما قرأ ديوان المتنبي كتب على طريقته:
كفى أحمدًا
أني نظرت كتابه
|
لأن يـدعي أن
الإلـه مخـاطـبه
|
|
ولــو شـامني
أنـي قـــرأت كتـابه
|
لقـال إلـــه
الكـــون إني خـــالقه
|
كما قال أيضًا:
ولـــو أن ما عندي من العلم والفضل
|
يقسـم في الآفاق أغنى عن الرسل([16])
|
قال آل عبد المحسن:
«كان هذا الرجل من أهالي خَبِّ([17]) من خُبوب القصيم، ثم إنه نشأ في
مصر واكتسب من العلوم حتى كان ينافح عن دين الله، وله ردود على أهل الضلال الذين
نابذوا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وضادوها حتى هتك أستارهم، غير أنه كان معجبًا بنفسه ؛ فعنّ له بعد ذلك أن يتوسع في العقيدة ويأتي بأمور يظهر منها علامات النفاق والخبث،
ولو ثبت على ما كان عليه في أول أمره في كتبه التي ألفها في نصرة الدين – كالفصل
الحاسم والبروق النجدية والصراع بين الإسلام والوثنية- لكان خيرًا له، وقد يُستنشق
من مؤلفاته الأخيرة رائحة النفاق، فلما كان في هذه السنة أظهر كتابه الأغلال الذي
تعرى به من دين الإسلام وخلع ربقته من عنقه وسمى شرائع الإسلام أغلالاً، غلَّت المسلمين عن التقدم، وحسَّن طريقة الكفر، وزاغ عن الهدى، ورمى الإسلام بالقصور والتأخر، وشن عليهم
الغارة وفضل طريقة الكفر والشرك على طريقة المسلمين»([18]).
والغرور والغطرسة والإعجاب بالنفس عند
القصيمي ظاهرة ولا تحتاج إلى جدال، وما خطه يراعه في مقدمات كتبه خير شاهد وبرهان،
وقد شهدت لهذه الآفات أشعاره التي يبدأ بها في كتبه ومن ذلك قوله:
لو أنصفوا
كنتُ المقدم في الأمرِ
|
ولم يطلبوا
غيري لدى الحادث النكرِ
|
|
ولم يرغبوا
إلا إليّ إذا ابتغوْا
|
رشادًا وحزمًا
يعزبان([19])
عن الفكرِ
|
|
ولم يذكروا
غيري متى ذكر الذُّكاء([20])
|
ولم يبصروا
غيري لدى غيبة البدر
|
|
فما أنا إلا
الشمس في غير برجها
|
وما أنا إلا
الدرُّ في لجج البحرِ
|
|
بلغتُ بقولي
ما يُرام من العُلا
|
فما ضرَّني
نقد الصوارم والسمرِ
|
|
أسِفْتُ على
علمي المضاع ومنطقي
|
وقد أدركَا لو
أدركا غاية الفخرِ
|
|
أرى كل قوم
يحفظون أديبهم
|
ويجزونَه
بالعزِّ والمــال والشــكرِ
|
|
خلا معشــري
مــا عندهم لأديبهم
|
ســوى الحسد
الممقوت والبغض والهجرِ
|
|
إذا قام فيهم
ناشئٌ ذو مخايل
|
تدل على العلياء
والحــسب الحرِّ
|
|
أطاحوه غضًا
قبل أن يبلغ المدى
|
وقاموا على
أعـواده الخضْر بالكسرِ
|
|
ومما شجاني أن
أراهـم إذا رأوا
|
غبيًّا
دَعِيَّ العلم والدين والشعرِ
|
|
تولَّوْه
بالألطــاف والعــطف والرضا
|
وذلوا له ذل
الحوادثِ للــدهرِ
|
|
فكم عَزَّ
فيهم من جهولٍ مبــلد
|
وكم ذَل
منــهم من عَليم ومن حبر
|
|
لــقد ضقتُ
ذرعًا بالبيان فإنني
|
رأيتُ بياني
ناقـصًا عندهم قدري
|
|
ورغبني في
الجهلِ أنــي رأيتنــا
|
يســود لــدينا كــل من لم يكن يدري
|
|
نوائـب دهرٍ
تترك الحرَّ حائرًا
|
وَلَيس بمظلوم
لديه سوى الحـــرِّ([21])
|
وقال أيضًا:
حـاشا لهـم أن
يعــدلوا بي واحدًا
|
مـن بعــد ما
وضحت لهم أنبائي
|
|
وأُعيذهــم من
أن يعيــل أديبهم
|
وأديب كــل
النــاس في النعــماء
|
|
عــابوا
علــيَّ تحدُّثي وتمدُّحي
|
بأصـــالتي
وشجــاعتي وذكــائي
|
|
إن لم يُبــح
مــدح الفتى أخــلاقه
|
بيــضًا فأي
تمـــدح وثنـــاءِ ([22])
|
فانظر - رعاك الله- إلى هذا البائس كيف
ارتد بعد إسلامه، وكيف أصبح من جلسائه أصحاب الكفر والغانية والكأس، بل وألف
كتابًا يستهزئ فيه بالتوحيد وأهله فتصدى له بعض أهل العلم والفضل وكشف زيغه ورد
ضلالته، فلله الحمد والمنة.
فالحذر الحذر من الوقوع في هذه المهلكة
التي وقع فيها، وهذه داء الغرور والإصرار عليه.
ملاحظــــــــــة:
وقد يقول قائل: إن المعتاد من الشعراء
هو الثناء على أنفسهم من خلال أشعارهم، فالرد عليه من وجوه:
1-
العبرة
بالشرع لا
بفعل العرب +
".
2-
قد
تقبل التزكية في أمور دنيوية، مثلما حدث في خبر كعب بن مالك، ولكن التزكية في أمور
شرعية غير مقبولة شرعًا.
3-
اشتهر
عند العرب أن يثني الشاعر على قصيدته لتحظى بالقبول، لا على نفسه، ولو أثنى على
نفسه فهو بحدود المعقول وإن كان ممقوتًا.
4-
عدم
الاستهزاء بالآخرين وتحقيرهم كما فعل هذا البائس.
3- الاتهام بالعمالة:
حيث أشار إلى هذا السبب عدد من
الباحثين، قال علامة القصيم الإمام السعدي – رحمه الله -: «وكثير من الناس يظنون به الظنون التي تدل
عليها القرائن، وليست بعيدة من الصواب، لظن بعضهم أنه ارتشى من بعض جهات الدعاية
الأجنبية اللادينية» ([23]).
ويقول الشيخ عبد الله بن يابس: «هذا
المخلوق أغراه المستعمر واشتراه ثم أثراه، فذهب يطعن في هذا الدين وحملته وأحكامه
في كتابه «هذي هي الأغلال»، فإن قال قائل: كيف قلتم إنهم أغروه واشتروه، ولم تسمعوا الإغراء ولم
تحضروا الشراء؟ قلنا: نعم وبالله التوفيق.
إننا ممن يعرفون الله بآياته،
ويعرفون صفاته من أفعاله في مخلوقاته، ويؤمنون بأنه تعالى وهب هذا البشر
مرآة صافية هي العقل، يعرفون بها الحق من الباطل والحالي من العاطل، وقد أدركنا
بهذا العقل كما أدرك غيرنا أن أحدًا لن يجترئ على أن يطعن في دينه ووطنه وجنسه،
ويمدح أعداء الدين من غير عوض ولا مقابل، فأدركنا أن هناك بيعًا وشراءً. وإلا
فماذا؟ !!» ([24]).
4- العقد
النفسية:
لقد عاش القصيمي معقدًا، وأثرت العقد النفسية عليه حتى
إنه كان لا ينام الليالي بسبب شكوكه وأوهامه، كما كان لحياة التشتت أثرها في حياة
القصيمي وطرده من جامعة الأزهر أحدث عنده كراهية للتدين، وكانت معاملة والده
القاسية سببًا من أسباب انحرافه، حيث قال عن والده الذي التقى به بعد طول فراق:
«ومنذ بداية تلاقينا راح يقسو علي قسوة يصعب وصفها، بل بهاب ويرهب
وصفها، يزعم أنه يريد أن يجمع كل العلوم التي يعرفها أو يتصورها
أو يسمع بها، وكل أخلاق السلوك المهذب الذي يراه هو كل الكمال، يجمع كل ذلك في
لقمة واحدة لابتلاعها مرة واحدة بلا تذوق أو مضغ، ولقد كان يرى قسوته على هذا
التفسير ثناء عليه في المجتمع.
لقد بدا وكأنه يرى العذاب والألم اللذين قاسيتُهما قبل لقائه أقل وأرحم مما يجب أن أقاسي، لهذا فهو يريد أن يوقع بي كل ما
يجب لي من العذاب والألم ؛ لأنه يؤمن جدًّا بالواجب ويحترمه، ويلتزم به بكل فئات القسوة وأساليبها» ([25]). اهـ.
كما كان لتعامل بعض مشايخه معه دور فيما
أصابه من عُقَد نفسية ؛ حيث كان يُحطّم عندما يوجه أسئلة ولا يجاب عليها، ويطلب منه الصمت وهذه قالها لي أحد
العلماء الكبار، والله أعلم.
* * *
مواقف في حياة القصيمي
لقد
مرت بالقصيمي مواقف عديدة، إليك بعضها:
الأول:
قال الشيخ ابن يابس عن أحد الثقات أنه لقي القصيمي فقال له: من أين أقبلت؟ فقال:
من عند هدى شعراوي، فقال له الراوي مستغربًا: هدى شعراوي؟ قال: نعم، قال: وما تصنع
عندها؟ قال: تعلمت منها علمًا لا يعرفه علماء الأزهر، قال: ماذا تعلمت منها؟ قال:
تعلمت منها كيف أحطم هذه الأغلال. فقال له الثقة: أي أغلال تعني؟ قال: أعني
الحجاب.
فالقصيمي يخبر أنه استقى معلوماته من
شمطاء كريهة ([26]).
الثاني: ذكر الشيخ ابن يابس: «أن عسكريًّا جاءه وكان يجالس القصيمي فقال بعدما أوغر القصيمي صدره:
أليس كل رجل يود لأبيه الخير، فقلنا:
بلى. فقال: إذًا فكيف يكون لأهل الجنة ما يشاءون والصحابة يعرفون أن آباءهم في
النار؟!
فما هذا التناقض؟ فقلنا له أأنت مؤمن؟
قال: نعم، قلنا: أتحب الله أكثر من أبيك؟ قال: نعم. قلنا له: فإذا كان الله يبغض
أباك لجحوده وكفره أتحب ما أحب ربك أم تحب أباك؟ وهنا أدرك أنه مخدوع، فقلنا له:
ألم تقرأ القرآن +
......." الآية ([27]) . وما حكى الله عن إبراهيم، فبهت وسكت، ثم أورد لنا شبهًا كثيرة كشفنا له
حجابها في ذلك المجلس. وقد ذكر لنا أن الذي ألقاها عليه هو شيخه القصيمي.
ثم ذهب هذا المسكين وتزوج بنت رجل من
الإخوان وأراد أن يخرج بها عارية إلى الشارع، فثار والدها عليه، فقال له العسكري:
إن الشيخ القصيمي يقول: إن الإسلام يأمر بذلك ولا يكرهه، فلعنه والدها ولعن
القصيمي وفرق بينها وبينه » ([28]).
الثالث: (ذهب القصيمي مع صديق له لمجلس فيه مجموعة من صغار طلبة العلم، فبدأ
القصيمي يثير شبهه فقال: ما يصح أن نقول أن القرآن حق لأنه متواتر فالتوراة
والإنجيل متواتران، ومع ذلك فإننا نقول إنهما باطلتان: فراجت الشبهة على هؤلاء
المتعالمين، فما كان من صديقه إلا أن انبرى له وقال: إن الواقع يشهد أن التوراة
أحرقت وأعدمت مرتين، والأناجيل ألفت بعد المسيح بزمن، فليستا متواترتين، وعقلاء
اليهود والنصارى يشهدون بذلك.
والقرآن يعرف الإنس والجن تواتره، فصفق
الحضور لهذا الرد المفحم، ولكن ملحد القصيم أبى عليه خبثه وحقده إلا معاودة
الاعتراض وزرع الشكوك التي ليس لها مكان إلا في عقله إن كان له عقل ؛ فقال:
إن القرآن مطعون بتواتره وكتب الشيعة
ناطقة بذلك، فقال له صديقه إن مقولة الشيعة هذه ما قيلت إلا بعد اندثار الصحابة،
وقد خرقوا الإجماع ولا اعتداد بمن خالف الإجماع)([29]) فأسكت الملحد ولم ينطق ببنت شفه.
الرابع: حصلت بينه وبين الشيخ محمد متولي الشعراوي مناقشة بحضور رئيس الوزراء المصري
وعدد من المثقفين، وتبجح القصيمي وطرح عددًا من الأسئلة الاستفزازية عن وجود الله
– جل وعلا – ثم تساءل عما يحصل في الجنة مع زوجات المسلمين طالما أن للرجال الحق
في أن يمارسوا الجنس مع عدد غير محدد من النساء، فما كان من الشعراوي إلا أن غادر
المجلس بعد ما رأى أن آيات الله يستهزأ بها، وأن خصمه ملحد لا يؤمن بالله ولا
بالجنة ولا بالنار فلا طائل من نقاشه ولا فائدة من حواره.
الخامس: موقف له مع سيد قطب – رحمه الله – حيث قال:
«أهدى إلي الرجل كتابه «هذي هي
الأغلال»، ولم أتمكن من قراءته، حتى قام بزيارتي مع صديق عزيز، وقال لي صديقي: إن
حرية الفكر في خطر، وإن مؤلف الأغلال الذي أمامك عندما ألف كتابه بكل جراءة لقي
خصومة ومعارضة شديدة من الرجعيين !! وإنه على وشك المحاكمة التي نهايتها شنقه !
فتحمست عندما قال لي صديقي ما قاله،
وتهيأت للذود عنه، ولكن عندما أخذنا بأطراف الحديث بدأت أشم رائحة في حديث القصيمي
غير نظيفة، رائحة توحي أن هناك شيئًا ما ؛ لأنه يسعى لإقناعي بأن الإنجليز قوم
مصلحون، لا مستعمرون، وأن وسائلهم في الشرق أرقى وأكرم من وسائل المسلمين عندما
استعمروا الشعوب، وكان يقصد بأنهم أرقى من المسلمين، يقصد النبي × وأصحابه، بل
تمادى في غيه وأطنب في ضلاله عندما ألمح أن القرآن أباح التخريب والتمثيل، وبعد
انصرافه هرعت إلى كتابه وهالني ما قرأته ؛ لقد تحول شعوري إلى اشمئزاز عميق، لقد بان لي أن الرجل ينافق، يطعن الدين
طعنة في صميمه، ثم يتوارى ويتحصن في الدين، لقد بان لي أن هذا الرجل يحمل دعوة
خبيثة ملتوية ضد التدين، وأظهر عداءه للإسلام، ثم قال كلامًا طويلاً([30]). واكتفيت بجزء مما قاله مع الاختصار والتصرف.
* * *
مقتطفات من أقواله
كان
بودي أن أُنزّه قارئي الكريم من أن
يؤذى سمعه وبصره بمقالات هذا الملحد، ولكن لا بد أن يطلع القارئ على بعضها حتى لا
يُظن أن القوم ساقتهم عاطفة لتكفيره أو أنهم يرددون ويتأثرون بدون ما يقرؤون، لذا اخترت لك بعضًا من أقواله من بطون كتبه مع العزو للكتاب.
حيث قال: «من المعلوم أن أوروبا يوم أن كانت مؤمنة بالكنيسة متدينة كانت في ذلك الهوان والضعف والعجز
الذي نعرفه ونقرأه، فلما أن فرت من إيمانها وتنازلت عن ذلك الأمل الأخروي ! وجعلت
الصناعة والتجارة والحياة الكبيرة القوية هي آلهتها التي وحدتها، وأبت الإشراك
بها، صعدت بالحياة» ([31]).
«إن الآلهة والعقائد والمذاهب تصاب
بالخمول والفساد والتعفن، ويتراكم التراب والحشرات إذا تقادمت دون تغيير أو تحريك
أو تنظيف» ([32]).
«إن المتدينين عجزوا أن يتصورا إلههم تصورًا يسمو كثيرًا على ما يعرفون ويشاهدون من القادرين الآخرين، فالله في
تقديرهم وتصويرهم – وإن اختلفوا في هذا وتحالفوا كثيرًا – لا يعدو أن يكون في
أفعاله وقضائه وقضاياه وحكمه على الأشياء والآخرين، وعلى سائر عبيده ورعاياه بشرًا
مقتدرًا؟!، كالذين يعرفونهم ويفكرون تفكيرهم، ولهذا فإنه – أي الإله – يغضب عندهم
ويرضى وينتقم ويثيب ويجازي ويعامل على مقتضى انفعالاته وعواطفه، ويلجأ إلى
المحسوبية وإلى الإعطاء والمنع بناء على الشفاعة، ويتحكم في هذا العالم كله، على
ما تشير به هذه الانفعالات والتطورات عنده، ثم قال: فإذا بلغوا مكانة من الإيمان
هبوا يلتمسون رضا هذا الإله على ما تصوروا، وهبوا يتملقونه وينافقونه ويصنعون ما
يحبون أنه ينيلهم رضاه وعطفه، وأرصدوا جل قواهم وأوقاتهم وأعمالهم لهذا السبيل،
ليدركوا لديه ما يشتهون ويبتغون، فشغلوا بذلك عن سلوك السبيل، وعن محاولة القيام
بالأعمال النافعة المجدية ؛ لأن تصورهم للأشياء قد أصيب بالفساد، وإذا فسد التصور
فسدت الأعمال لا محالة، وأصبح فشل هؤلاء – يعني المتدينين – كمثل أولئك الزعانف
المتملقين المنافقين الكذابين، الذين يحدثنا التاريخ كيف كانوا ينالون رضا ملوكهم
وخلفائهم وأمرائهم وكيف كانوا ينالون ذهبهم وفضتهم وضياعهم وجواريهم وكل ما يحبون
بالتملق والكذب والنفاق والعبودية والامتداح، وكل تلك المخازي الخلقية التي أثبتتها لنا كتب الأدب والتاريخ»([33]).
فانظر – يارعاك الله- كيف سمى الصلاة
والطاعة وكافه أنواع العبادة نفاقًا وتصنعًا، بل شبه الله بالملوك – تعالى الله
عما يقول علوًّا كبيرًا –، وشبه الأدعية
والأذكار بالمدائح والأشعار التي تقال عند الملوك.
وقال: «العقائد والآلهة والمذاهب هي أحق
الأشياء بالتغيير» ([34]).
وقال: «من الهزل أن الكون أو الإنسان
مخلوق بمشيئة إله أو بعدله أو برحمته أو بقدرته أو بذكائه» ([35]).
تعالى الله عما يقول الزنديق علوًّا كبيرًا.
وقال: «فكيف يكون وجود الإله أفضل لنا؟
إن وجوده يعني محاسبتنا، ومراقبتنا، ويعني الثواب والعقاب، ويعني الجنة والنار» ([36]).
وقال: «إن الأفضل لنا ألا تكون فوقنا
قوة هائلة مطلقة مثل قوة الإله تسلبنا الحرية وتحاسبنا أقصى محاسبة، وتضعنا تحت
أقوى رقابة وتخيفنا بمشيئتها، ثم تحكم علينا بالخلود في الجنة.... أو في
الجحيم.... إن وجود الإله يجعلنا محكومًا علينا أن نعيش عراة ونشعر بأننا عراة....» ([37]).
وقال: «فهل من الأفضل حقًّا للإنسان أن يكون فوقه إله.... كيف يكون الأفضل للبشر أن يكون فوقهم
طاغية – تعالى الله عما يقول علوًّا
كبيرًا – لأحد لقدراته ولغيرته ولغضبه ولحبه لذاته ولبحثه عن المجد الذاتي....» ([38]).
وقال: «إني أتشاءم بحرارة ومعاناة
وإيمان... تشاؤمي نوع من الاحتجاج ضد الكون، وضد الآلهة وضد نفسي... إني أتشاءم
لأني لا أستطيع أن أكون إلهًا....» ([39]).
وقال أيضًا: «إن الدعاء والصلاة اتهام
لله بليد ! إنك إذا دعوت الله، فقد طلبت منه أن يكون أو لا يكون... إنك تطلب منه
حينئذ أن يغير سلوكه، ومنطقه وانفعالاته... إنك إذا صليت لله فقد رشوته لتؤثر في
أخلاقه، ليفعل لك طبق هواك، فالمؤمنون العابدون قوم يريدون أن يؤثروا في ذات الله،
أو يصوغوا سلوكه.
لأن الصلاة والدعاء ليستا إهانة لله فقط
؛ إنهما أيضًا إفساد للداعي والمصلي، وإنهما تقوية له على الرشوة وعلى نفي القانون
والعدالة، والذي يتعلم رشوة الله، وينكر قوانين الأشياء، هل يمكن أن يكون في سلوكه
أو تفكيره فاضلاً أو ذكيًّا؟.... إن الذي
يصلي لله لا يريد أن يتصدق على الله بصلاته... إذن هو يرشوه، إنه يريد منه أن يغير
سلوكه، وإرادته وأن يفعل ما ليس فاعلاً.... أن يفعل إرادة المصلي ثمنًا لصلاته» ([40]).
وللقصيمي أقوال وأراء أفظع وأقبح مع ما
في هذه من فظاعة وقباحة وجراءة وإلحاد وزندقة وجميع صور الكفر والإلحاد، وقانا
الله شره، وثبتنا على دينه.
قاله وكتبه: الدكتور صالح
بن مقبل العصيمي التميمي
عضو هيئة التدريس بجامعة
الامام محمد بن سعود الإسلامية
DrSalehAlosaimi@
* * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..