الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

قيادة المرأة السعودية للسيارة , وقفة للتأمل !!

  ترتوي الأرضُ بدماء المسلمين. ويألف الفضاء صوت أنينهم وتأوهاتهم. ويستوطن الدمع مآقيهم. يُقتّل إخوتنا
حولنا وتُهشّم عظامهم وجماجمهم في الشوارع والمعتقلات. ومع ذلك سأكتب عن قيادة السيارة!! فاعذروني!
تحيط بنا التهديدات والمخاطر وتستفحل بين ظهرانينا آفات الفساد، والظلم، والفقر، والبطالة، والتخلف العلمي والتقني.. ومع ذلك سأكتب عن «قيادة السيارة»!! فاعذروني!.
أليست هذه هي قضيتنا الأزلية وهمّنا الأول؟ أو هكذا بدت وصُوّرت. وما أنا إلا من غزية إن غوت.. غويتُ وإن ترشد غزية أرشد!!
إن سياقةَ المرأة للسيارة قضيةٌ تتأرجح منذ أمد في بحر المجتمع السعودي.. تغوص وتطفو.. تتجاذبها التيارات والأطراف وتجتهد في إبقائها عائمة. حتى لا ترسو يوما على بر.
ملفٌ شغلنا وشتتنا وصرفنا عما ينفعنا. أشعرنا بالخزي والإحراج حتى مع أنفسنا!
بداية أؤكد أنني لا أؤيد القيادة أو بتوصيف أدقّ: أتمنى ألا تقود المرأة السعودية السيارة. ولكن لم يعد هذا الموقف في تصوري كافيا أو منصفا في مثل هذا التصعيد وفي ظل المتغيرات التي نعيشها. والمسألة على هامشيتها وثانويتها في الأصل. إلا أن المختلفين حولها قد جعلوا منها قضية مفصلية، ودفعوا بها في اتجاه التأزيم والاشتعال الدائم. ولعل أكثر ما يؤلمني أمران:
أولاً: افتقادنا الرقي والاعتدال والمنهج الإسلامي الصحيح عند الحوار والاختلاف. حيث تحول النقاش في هذه المسألة الاجتهادية القابلة لتنوع الرؤى والأفكار إلى محاكمات ومنازعات وتراشق بأقذع التهم والشتائم. فمتى نتعلم أدب الحوار ونزن الأمور في موازينها الصحيحة ونكف عن التهويل والتشاحن وسوء الظن؟ لماذا لا نتفهم مخاوف ذلك المُعارض للقيادة ونحترم إخلاصه وحرصه على ما يراه حماية للفضيلة وتغليباً للسلامة والحيطة، دون وصفه بالتطرف والرجعية واستعباد المرأة؟
وفي المقابل إلى متى نظل نقذف بكل مؤيد أو داع للسياقة في خانة أعداء الدين والوطن ودعاة الفسق والانحلال؟ لماذا لا نفترض فيهم أيضا الخير ومحاولتهم تحقيق بعض ما يرونه مصلحة للمرأة والمجتمع -خاصةً من لم يلجأ منهم للغرب ويستقو بهم علينا- لنتمكن حينئذ من الالتقاء معهم بنوايا صافية وأذهان قادرة على الأخذ والعطاء، والتقبّل والإقناع.
ثانياً: الطريقة التي أدرنا وعالجنا بها هذه القضية. أعوامٌ طويلة ما زلنا نراوح مكاننا، والموضوع بقي عالقاً دون حزم أو تقدّم أو إيجاد مخرج مناسب. صراعٌ يتجدد ويثور بين فينة وأخرى دون الوصول لنتيجة يمكنها أن تمنح بدائل أو معالجات واعية وإيجابية. الممانعون لهم مبرراتهم وأسبابهم للاعتراض. وتمسكوا كثيراً بمنهج الرفض القطعي والمدافعة، ويبدو أن هذا الأسلوب نجح حتى اللحظة ولكن إلى متى تُراه سيصمد؟ فالمطالبات متلاحقة ومتزايدة. والسياسي ما زال يستجيب لرأي الأغلبية الرافضة، ولكن ليس من الحكمة أن يركن «المعارضون» لمثل هذا الموقف الحكومي الضعيف، والذي لا يُؤمَن أن تتغير مواقفه في أي وقت تجاوباً مع أي ضغوط داخلية أو خارجية. فيتم السماح للمرأة بالسياقة وحينها تصبح المسألة واقعا مفروضا -كغيره من القرارات التي نُفّذت قسرا- فيُطبّق بكل سلبياته وأخطائه، وقد كان بالإمكان تجنبه أو على الأقل الاستعداد والتهيؤ له بصورة يتم معها تلافى الكثير من مفاسده المتوقعة.
المؤيدون اكتفوا بالإلحاح والمطالبات بالقيادة. مقتنعون أنهم يقدّمون بذلك قدرا كافيا من خدمة المرأة. لذا فلا ألومهم على التوقف عند هذا الحد.
ولكني أوجّه النقد للممانعين. وأرى سلبيتهم جليّة في عدم تقديم أي مشاريع أو اتخاذ خطوات تعزّز وتدعم موقفهم وتحمي -قرارهم الرافض- من التصدع.
كثيرٌ من النساء متضررات بمنعهن. ولا ينبغي هنا أن نكابر وننكر هذا. فعوضاً عن المطلقات والأرامل هناك نساء يعانين ظلم الوليّ وتقصيره وانشغاله وأنانيته. وبالتالي يقع عليهن الضرر! ولا تزداد الأوضاع بدخول السائق الخاص للمنزل إلا سوءاً!
أتساءل ما الذي قُدمّ لأمثال هؤلاء؟ لماذا لا يتنادى العلماء والدعاة وكل من يتبنى الطرح المعارض بمطالبة الدولة والضغط على الجهات الحكومية والوزارات المختلفة (التعليم - العمل - الصحة - النقل..) لتقديم الحلول والمعالجات الجذرية التي تلبّي للمواطن عامة والمرأة خاصة تطلعاتهم وتوفر احتياجاتهم وتيسر عليهم شؤون حياتهم (تعميم النقل المدرسي - تأسيس وتوسيع شبكات المواصلات العامة ووسائل النقل الحديثة - تطوير البنى التحتية ومشاريع الجسور.. الطرقات.. - الدراسة والتخطيط للوظائف النسائية وقربها من مكان السكن..). لماذا لا تتضاعف الجهود الدعوية لتوعية الرجل وتذكيره بدوره ومسؤوليته تجاه أسرته والأمانة الملقاة على عاتقه؟
لماذا لا يتم تجنيبنا هذا التطاحن والمهاترات المستمرة. بالمطالبة بوضع آلية لقياس رأي المجتمع يتمخض عنها إجراء استفتاء شعبي يحسم هذا الأمر ويحترم نتائجه الجميع. أنا وإن كنت على يقين أن الأغلبية لا تزال تعارض قيادة المرأة للسيارة إلا أن ما يجدر بنا الاعتراف به والانتباه له أن أعداد المؤيدين أيضا في تزايد ويجب أن نأخذ هذا في الحسبان ونبدأ التعامل معه كحقيقة تقتضي المرونة والفكر الرشيد.
إن قضيتنا اليوم لها أبعادها الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. فما المانع من تشكيل لجان عليا تضم الثقات والأكفاء من الشرعيين والخبراء والمختصين لدراسة هذا الملف بكافة جوانبه ووضع التصورات والتوصيات حوله. بما يجمعنا ويستجيب لطموحاتنا.
ختاماً: مع استمرار الانقسامات وموجات التخوين والتعصب -فلا المطالبون استسلموا وسلّموا. ولا الممانعون ضمنوا نصراً وعاشوا بمأمن- أظن أنه لا بد من التفكير الجاد وإعادة صياغة وتقييم المواقف. فنحن نستحق ووطننا أيضا يستحق وقف هذا النزف والاحتراب.


ريم سعيد آل عاطف





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..