1433/12/26
الأحلام:
جزء من حياة الإنسان, وقد تؤثر على حياته في اعتقاده
وسلوكه, وقد يعيش
معها أحياناً أخرى بإيجابية نافعة, أو بسلبية مقعدة, بل ومهلكة, وقد
يستخدمها لتحقيق طموح أو طموحات, وقد لا يأبه بها, وقد يبني عليها الإنسان
أسلوب حياته ومعاشه.
وتتوالى الأسئلة؟.
ماهية تلك الأحلام؟ وهل لها حقيقة؟.
وكيف يتعامل معها الإنسان ؟.
وهل هناك أحلام لها تأثير في الواقع؟.
وهل يستطيع الإنسان أن يتكيف معها؟.
وما مدى صحة أحلام اليقظة؟.
وهل صحيح أن هناك أحلاماً هي بداية لمشاريع نافعة؟.
وكيف تكون؟.
هذه مجموعة من الأسئلة التي ننطلق منها للحديث مع الأحلام.
ويمكن أن يجاب على هذه الأسئلة من خلال محورين أساسيتين:
الأول: ما يراه الإنسان في منامه.
الثاني: ما يحكم به الإنسان في اليقظة, أو يتخيله قريباً, أو في مستقبله.
ونناقش هذين المحورين من عدة زوايا لنصل إلى التعامل الإيجابي معها, ونحذر من الوقوع في السلبيات المنتشرة في عالم اليوم.
***
أما المحور الأول: فهو محور طويل, لعلي أختصر الحديث عنه في الفقرات الآتية:
1-
الحلم, أو الرؤيا في المنام حقيقة واقعة لا يستطيع أحد إنكارها, ولكن يجب
أن يتعامل معها وفق المنهج لشرعي الذي سأبين بعض معالمه في بقية الفقرات.
2- يمكن إجمال ما يراه الإنسان في منامه في تقسيمه ثلاثة أقسام:
أ-
ما يراه الإنسان من كثرة المشاهد وبخاصة المرعبة والمزعجة التي لا أول
لها ولا آخر, فهذه التي تسمى: (أضغاث أحلام), وهذه تنتج غالباً من كثرة
الأكل, أو عمق التعب الجسدي, أو كثرة الهموم, أو مشاهدة أفلام مرعبة قبل
النوم, أو كثرة الأحاديث والكلام في مسائل مزعجة.. ونحو ذلك فيرى الإنسان
في منامه تلك المناظر المتناقضة والمرعبة.
والموقف
من هذه الأضغاث: عدم الاكتراث بها, والتنبه إلى أسبابها فمن كان يكثر من
الأكل قبل النوم, فلا يكثر, ومن كان يشاهد أفلاماً مزعجة فيتركها ..
وهكذا.. ومن ثم لا تضره شيئاً بإذن الله تعالى.
ب-
ما يراه الإنسان كمشهد مرعب مخيف في نفسه أو أحد أقاربه بصورة مؤثرة في
النفس, فهذا هو ما يسمى: (الحلم) والحلم من الشيطان وهو غير مؤثر في
الواقع, ولكن الشيطان أراد أن يزعج هذا الإنسان كما أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم.
والموقف
من هذه الأحلام المخيفة أن يتعوذ الإنسان من شرها, وأن يتفل عن يساره,
وإذا قام وتوضأ وصلى ركعتين فهذا أكمل فإن فعل ذلك فلا يضره هذا الحلم.
ج- والثالث: ما يراه الإنسان في منامه مشهداً واضحاً بيناً ليس فيه تخليط ولا رعب, فهذه هي (الرؤيا).
والرؤيا:
- جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
- وهي لا تخلوا إما أن تكون مبشرة بخير قادم فيحمد العبد ربه على ذلك, وإما أن تكون محذرة من شر قادم فيحذره المسلم لئلا يقع فيه.
- وعلى المسلم أن لا يسأل عنها إلا من هو خبير في تأويل الرؤى وعلى علم, ويشهد له بالسلوك الحسن, لئلا تؤول تأويلاً غير صحيح.
- ولا يعرضها إلا على من يحب لئلا يحسد على خير قادم له.
- أن لا ترده عن عمل خير دل عليه القرآن والسنة.
وبناء على ذلك كله:
1-
يمكن للمسلم أن يصوغ حياته صياغة صحيحة في التعامل مع ما يراه في منامه
وفق التقسيم السابق حتى لا يتلاعب به الشيطان ولا يكون فريسة سهلة قد يصل
به الأمر إلى أن يغير حياته وسلوكه ويتقلب تقلباً مزعجاً, وقد يؤدي به هذا
السلوك إلى أوهام وأمراض معقدة تؤثر عليه, وعلى أسرته بل على مشاريعه
كلها.
2-
تتبع كل ما يراه الإنسان في منامه, وتتبع المعبرين ليعبروها له, ولو
كانوا أعواماً, أو جهلة, أو مشعوذين, أو دجالين, عن طريق الهاتف, أو
الفضائيات, ونحو ذلك, وهكذا تصبح حياة هؤلاء لعبة لهؤلاء المتلاعبين, وقد
يخسر عقيدته, وإيمانه بربه, ويعقلونه بالبشر, أو بالأوهام, والخزعبلات,
وقد يمتصون أحواله, ويؤثرون على تجارته, وعلى أسرته, فضلاً عن طموحه
ومشاريعه, ودراسته..إلخ.
3- عدم الإيمان بالرؤى جملة وتفصيلا, وهذا مخالف لما دلّ عليه يوسف عليه السلام, ورؤيا عزيز مصر الذي أوّلها يوسف عليه السلام.
4- عدم التمييز بين المعبرين, وعدم التفريق بين المعبر والمشعوذ, ومن المعلوم أن المعبر له شروط منها:
أ- الثقة فيه في الجملة.
ب- العلم الشرعي.
ج- العلم بقواعد تعبير الرؤى.
د- السلوك الحسن.
5- ومن الأخطاء السؤال عن كل ما يشاهده في منامه حتى يصبح فريسة للشيطان فينتظر الصباح لكي يسأل عما شاهده.
6- بناء الحياة ومشاريعها على ما يراه في منامه فيقبل ويدبر بناء على ذلك.
7-
بناء الفرح والحزن على ما يراه في منامه دون أي مبرر إلا أن شاهد منظراً
مفرحاً أو مزعجاً, ونسي هذا المسكين عظم التوكل على الله جل وعلا.
8-
بل وصل بالبعض إلى بناء بعض الأحكام الشرعية على ما يراه في منامه فرأى
الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له قولاً فيتجه للعمل به.. ونحو ذلك فضلاً
أن يسمع هاتفاً يهتف بمسألة.
***
هذه
جملة من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الذين يتعاملون مع الأحلام
والرؤى, مما يجب أن يتنبه له المسلم, وأن لا يقع في المحظورات فتفسد عليه
حياته, وتنغص معيشته, وتبعده عن الايجابيات التي ينبغي أن يعيش معها.
المحور الثاني: ما يحلم به الإنسان في اليقظة, أو يتخيله قريباً منه, أو في مستقبله.
وهو مجال الحديث في هذه الحلقة.
وندخل
في هذا الموضوع المترامي الأطراف من خلال الزوايا الآتية, لكي نستثمر تلك
الأحلام استثماراً إيجابياً, ولا نعيش في خيال لا يستقر على الأرض.
الأولى:
أن أحلام اليقظة (كما تسمى) جزء من حياة الإنسان وقد تكون أحلاماً يمكن
تطبيقها في عالم الواقع, وقد تكون أحلاماً خيالية لا يمكن تطبيقها أو
العمل للوصول إلى تطبيقها, وقد تكون أحلاماً مرتبة منظمة مقصورة, وقد تكون
متداخلة لا أول لها ولا آخر, وقد تكون متفقة مع قدرات الإنسان ومواهبه
وإمكاناته وقد لا تكون كذلك.
أقول: هذه الأحلام لا يخلو منها إنسان, وإنما ينبغي أن يتعامل معها وفق منهج واقعي, واضح لديه, ويسيرها حسب قدراته وإمكاناته.
إن
التعامل معها وفق هذا المنهج قد يكون دافعاً لتحقيق طموحات كبيرة, ولذا
ليس من الواقعية التعامل معها بلا منهج واضح, فتصبح كالأسلاك المتشابكة
التي لا يستطيع فصل بعضها عن بعض.
الثانية:
الأحلام بالمفهوم الواقعي السابق لها رصيد من التأصيل الشرعي سواء في
الكتاب, أو السنة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك ما جاء في
رؤيا يوسف عليه السلام: (إني رأيت أحد عشر كوكباً, والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين),
ففي هذا إشارة إلى شيء في المستقبل سيتم وعلى يوسف –عليه السلام- أن يعمل
للوصول إليه, وفعلاً تم الأمر فسجد له أبوه وأمه وإخوته الأحد عشر عندما
جاءوا إليه بعد رحلة حياته الطويلة.
وكذلك ما جاء التوجيه فيه في قصة قارون في قوله تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك),
ففي هذا التوجيه الرباني أن السعي يكون فيما ينفع الإنسان في الآخرة وهذه
إشارة على النظر إلى المستقبل الذي يجب أن يسعى إليه الإنسان.
والنبي
صلى الله عليه وسلم وهو القدوة كرّس هذا المعنى بأقواله وأفعاله, ففي
طريقه للهجرة, وعند لحوق سراقة به عليه الصلاة والسلام, يقول صلى الله عليه
وسلم لسراقة: " كيف بك إذا لبست سواري كسرى ".
تعظم
هذه الكلمة عندما نتصور واقع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات
فهو شخص مطارد, وبعيد عن بلده وعشيرته, ومع ذلك يتصور المستقبل البعيد
الذي ينتظر هذا الشخص –رضي الله عنه- فهو يصنع له حلماً بعيد الأمر, لكنه
يضعه قريباً بين يديه ليعمل له.
وبناء على ما سبق –وغير كثير- ينبغي للمسلم العاقل الجاد أن يتصور الحلم الذي يريد بالمواصفات الواقعية.
الثالثة: بناء على ما سبق يمكن أن نضع أهم النقاط التي يصبح بها الحلم إيجابياً:
1-
أن يكون هذا الحلم يمكن تطبيقه في الواقع: مثل أن يحلم الإنسان بأن يكون
عالماً أو طبيباً أو مهندساً كهربائياً ومعمارياً وإدارياً أو
تاجراً كبيراً من كبار التجار, ووزيراً ناجحاً....إلخ, وهذا يمنع أن يكون
خيالياً خارجاً عن إمكانية التطبيق.
لكن
لو حلم أن يكون عالماً, أو أن يكون طبيباً ماهراً, ونحو ذلك فهذا يمكن
التطبيق, والعمل للوصول إليه ليس أمراً مستحيلاً, وإنما يحتاج إلى تهيئة
الوسائل لتحقيق هذا الحلم, والجدية منذ البداية.
2- اتخاذ الوسائل الواقعية التي يستفيد منها للوصول إلى هذا الحلم والابتعاد عن الخيالية في تلك الوسائل, أو المبالغة فيها.
3-
التدرج في الطريق لتحقيق الحلم المراد, وعدم القفز إلى درجات كبيرة, أو
القفز على منجزات الآخرين, فالتدرج خطوة مهمة تتطلب الرؤية الصحيحة للحلم
المراد تحقيقه, ووضوح في الخطوات التي يراد السير عليها.
4- تقويم المسيرة بين فترة وأخرى حتى لا يسير الشخص بطريق خاطئ, أو ينحرف في سيره, أو تزل قدمه, أو يتراجع لأدنى عقبة تمر عليه.
5-
الاستفادة من تجارب الآخرين ورؤاهم حتى لا يبدأ الإنسان بمشروعه من حيث
بدأوا بل من حيث انتهو, فيختصر الخطوات ويصل إلى المراد بأقصر طريق.
الرابعة:
إن من أهم فوائد هذه الأحلام الواقعية بتلك المواصفات أنها تشكل حافزاً
من أهم الحوافز للعمل والإنتاج, ولذلك تعظم الأعمال لدى فئة تستشعر عظم
المسؤولية في هذه الحياة, أو تستشعر ما ينتظرها في الحياة الأبدية
(الآخرة).
وبعكسه ذلك الذي يجبن حتى عن الأحلام المشروعة يعيش في همة ضعيفة بين أعمال قليلة, أو حتى تكون أعمالاً خاطئة كما قال الشاعر:
ومن يتهيب صعود الجبال ** يعش أبد الدهر بين الحفر
ولذا على المسلم العاقل الجاد أن يتصور تلك الفائدة العظيمة ليسعى بجد واجتهاد لتحقيق أحلامه القريبة والبعيدة.
الخامسة: من أهم عوامل تحقيق الأحلام, واختصار الوقت لتحقيقها أمور منها:
1- التجرد لله سبحانه وتعالى, وتصفية النية من جميع الشوائب, فتكون الأعمال والأحلام خالصة لله سبحانه.
2-
صحة الأعمال وسلامتها فلا يتخذ المرء أعمالاً غير سليمة, أو غير صحيحة
شرعاً أو واقعاً, أو فيها ظلم للآخرين أو تعدٍ على حقوقهم, بل يجب أن تكون
سليمة صحيحة.
3- القراءة والبحث فيما يريد الوصول إليه, وتنمية ثقافته وتوسيع دائرة معارفه تعينه بإذن الله على تحقيق الآمال والأحلام.
4-
الاستفادة من الخبرات المماثلة حتى لا يبدأ الشخص أو المؤسسة من الصفر بل
يبدأ من حيث انتهى غيره, وهذا عين الحكمة والعقل فالخبرة رصيد ضخم من
العلوم والمعارف والخبرات تفيد الإنسان وتعينه على تخطي العقبات والصعاب.
حقق الله الآمال وسدد الخطى...
بقلم الاستاذ الدكتور : فالح بن محمد الصغير
( المشرف العام على شبكة السنة النبوية وعلومها )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..