1433/06/07 الموافق 28/04/2012 - الساعة 01:52 م
تناول هذا البحث الأحاديث المتعلقة ، بجلود الميتة ، وكانت على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : يبيح الانتفاع بها ، ويشترط الدبغ.
القسم الثاني : يبيح الانتفاع بها مطلقاً ، ولو لم تدبغ.
القسم الثالث : يمنع الانتفاع بها مطلقاً ، سواء دبغت أم لا.
ذكرت هـذه الأقسام الثلاثة ، مع الكلام عليها ، وبينت الراجح منها ، على ضوء كلام العلماء ، من أهل الحديث.
وبسبب هذه الأحـاديث المختلفة ـ من حيث الظـاهر ـ اختلفت أنظـار العلمـاء فـي حكم الانتفاع ، بجلود الميتة.
واختلفوا أيضاً في الجلود التي تطهر بالدبـاغ ، هل هي خـاصة بالمأكول ، أو عـامة ، يشمل جلود الحيوانات كلها.
بينت مذاهب العلماء في ذلك ، مع حجـة كل مذهب ، مبيناً الراجح منهـا ، والرد على المرجوح ، على ضوء الأحاديث التي مرت بنا.
المقدمة :
إن الحمد
لله ، نحمـده ، ونستعينه ، ونستهديـه ، ونستغفـره ، ونعـوذ بالله مـن
شــرور أنفسنا ، ومن سيئـات أعمالنا ، من يهـده الله فلا مضل له ، ومـن
يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمــداً عبده
ورسولــه ، أرسلـه بالهــدى ، ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، ولو كره
الكافرون.
أما بعد :
فمن نعـم الله على المسلمين ، أن بين لهم
، حكم ما يحتاجون إليه ، في حيـاتهم ، ومـن المعروف أن المسلم يستمد كل ما
يحتــاج إليه ، من الكتــاب والسنة ، ففيهما العقيدة ، والأخلاق ،
والعبادات ، والمعاملات ، وكل ما يحتاج إليه المسلم.
وقـد هيــأ الله تعـالى لهذين المصدرين ،
علمـاء ، أعلاماً ، هـداة مهتدين ، أهـل تقى ، وعلم ، وفهم ، وما تركوه
لنا ، لدليل قاطع ، على ذلك.
وهذه الثروة الفكرية المستمدة ، من الكتاب والسنة ، لا يملك أحد من البشر مثلها.
وهذا من فضل الله تعالى ، على هذه الأمة.
قال تعــالى : {
هــو الذي بعث في الأميين رســولاً منهـم يتلــوا عليهـم آيـته ويزكيهم
ويعلمهـم الكتــب والحكمـة وإن كـانوا مــن قبل لفي ضلال مبين. وءاخرين
منهم لمــا يلحقــوا بهم وهو العزيز الحكيم . ذلك فضــل الله يؤتيــه مــن
يشــاء والله ذو الفضــل العظيم . } الجمعة/2
فأيُّ فضلٍ مثل هذا الفضل الذي خص الله به العرب ، دون بقية الأمم؟
وأيُّ فضلٍ مثل هـذا الفضل الـذي لا يمكن الحصـول ، والوصــول إليه ، عــن طريق الابتكار ، والاختراع ، والعلوم التجريبية.
فالمسلم يمشي في هذه الحيــاة ، على بينة وبصيرة مـن أمره ؛ لأنه قد بُين له كل مـــا يحتاج إليه.
وسأتناول في هذا البحث حكماً شرعياً ، يحتاج إليه المسلم ، في حيـاته ، وهذه الحاجة تختلف ، من عصر إلى عصر.
هذا الحكم هو : حكم الانتفاع بجلود الميتة.
وقـــد أصبح استعمال الجلود ، في عصرنــا
، أمراً لا يستغني عنــه أحد ، إذ النـــاس تستخدم الجلود ، في أنواع شتى ،
كــــالأرائك ، والمحافظ ، والملابس ، والأحذيــة ، وغير ذلك.
وأصبحت صناعة الجلود ، تتنافس فيها الدول ، وكل حريص على إتقان صنـــاعته ، ليجذب الناس إليها.
أما الميتة فقد جاء تحريمهــا في الكتـــاب ، قـــال تعالى : { حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ...الآية } . المائدة / 3
لكن جاءت السنة النبوية ، واستثنت منها الجلود ، فخصصت هذا العموم.
غير أن هذه الأحاديث ، كانت مختلفة ، على ثلاثة أقسام.
منهــا المبيح بالانتفـــاع مطلقاً ، ومنهــا المبيح لكن بشـرط الدبغ ، ومنهــا المــانع من الانتفاع بها مطلقاً ، دبغت أم لا.
ذكرت في هذا البحث هذه الأحاديث ، مع دراسة طرقها ، وبيان الــراجح منها ، على ضوء كلام أهل الجرح والتعديل.
وبسبب هذا الاختلاف بين الأحاديث ، اختلف
أهل الاجتهــاد في حكم الانتفــاع بجلود الميتة ، فبينت مذاهب العلمـــاء
في ذلك ، مع ذكر حجة كـل واحد ، مع الردّ عليهــا ، على ضوء تلك الأحاديث
التي مرت بنا.
وعندمـا يطلع القـارئ ، علـى تلك
الأقـوال ، سيظهر لـه ، أدلــة كل فريق ، وبالتــالي سيظهر له الصواب منها ،
وهذه فائدة مهمة ، إذ سيعطي هذا البحث للقارئ ، تصوراً عن اختلاف العلماء ،
في المسألة الواحدة ، هذا الاختلاف المبني على أدلة ، وأصول وقواعد ، مشوا
عليها ، بغض الطرف ، عن مدى قوة الأدلة ، وضعفها.
وسميته : دراسة: أحاديث جلود الميتة رواية ودراية ، وجعلتــه : في مقدمــة ، وستة مباحث ، وخاتمة.
المقدمة : وفيها الإشـــارة إلى ما تفضل الله به على المسلمين ، في إرشادهم وبيـان ما
يحتاجون إليه ، في حياتهم.
المبحث الأول : وفيه مطلبان :
المطلب الأول : شرح مفردات عنوان البحث.
المطلب الثاني : المنهج الذي سلكته في هذا البحث.
المبحث الثاني : الأحاديث التي اشترطت الدباغ.
المبحث الثالث : الأحاديث التي أباحت الانتفاع مطلقاً.
المبحث الرابع : الأحاديث التي منعت الانتفاع بها مطلقاً.
المبحث الخامس : مذهب العلماء في حكم الانتفاع بجلود الميتة.
المبحث السادس : الأشياء التي تحصل بها الدباغة.
الخاتمة : تضمنت أهم ما توصلت إليه.
ثم ذكرت الصادر والمراجع التي اعتمدت عليها.
دراسة : أحاديث جلود الميتة
رواية ودراية
المبحث الأول : وفيه مطلبان :
المطلب الأول : شرح مفردات عنوان البحث.
1 ـ أحاديث : جمع حديث ، وهو في اللغة ضد القديم.
والمراد به عند المحدثين : مـــا أضيف إلـــى النبي صلى الله عليه وسلم من قول ، أو فعل ، أو تقرير ، أو صفة خَلْقية ، أو خُلُقية.
وعلى هذا لا يدخل المــوقوف ، والمقطوع ، في " الحديث " وإنمـا يطلق عليهما لفظ " الخبر ".
وذهب الجمهـــور من أهــل الحــــديث ،
إلى التسوية بينهما ، في الدلالة ، فيطلق لفظ " الحديث " على مـا أضيف
للرســــول صلى الله عليــه وسلم ، وعلــى مــا أضيــف للصحابي ، والتابعي ،
وكذا الخبر أيضا .1
2ـ جلود: مفردها جلد. بكسر الجيم ، وسكـون اللام ، ويقال : جَلَد ، بفتحهما ، وأنكره
ابن السكيت ، هي الجلود المعهودة . ومن أسمــــــائه أيضـــاً الإهاب ، والمَسْك ، كما سيأتي بيان ذالك .
3 ـ الميتة : الموت ضد الحياة ، تقول :
مات يموت فهو ميت ، وميت ، يجـوز تشديد الياء وتخفيفها ، وخص بعضهم التشديد
بمن سيمـــوت ، أم التخفيف يطلق علـــى من فارق الحياة.
والصحيح أنه لا فرق بينهما . 2
والميتة في الشرع :هي اسم لكل حيوان ، خرجت روحه ، بغير ذكاة.
4 ـ الرواية : المراد بالرواية رواية
السنة النبـوية ، بحيث يكــون الراوي تتــوفر فيه الشروط المطلوبة، التي
ذكرها العلماء ، من كونه مسلماً بالغاً عاقلاً، يؤدي ما تحمله.
قال ابن الأكفاني ـ كما في قواعد التحديث ـ :
" علم الحديث الخاص بالرواية : علم يشتمل
علــــى نقل أقـــوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وأفعاله ، وروايتها ،
وضبطها ، وتحرير ألفاظها " .3
5 ـ الدراية : هي فهم الحديث سنداً ومتناً.
قال ابن الأكفاني أيضاً ـ كما في قواعد التحديث ـ :
" وعلم الحديث الخــاص بالدرايــة :
علــم يُعرف منـه ، حقيقةُ الرواية ، وشروطها ، وأنواعُها ، وأحكـامها ،
وحــــال الــرواة ، وشروطهم ، وأصنــــافُ المرويات ، وما يتعلق بها "4 .
وهذا البحث تناول الأمرين معاً ، إذ ذكرت الروايـــات ، من مصادرها الأصلية ، مع الكلام على الإسناد ، والمتن ، كما سيأتي.
المطلب الثاني : المنهج الذي اتبعته في هذا البحث.
1 ـ جمعت الأحاديث التي وردت في جلود
الميتة ، من مصـادرها الأصلية ، وجعلتها في ثلاثة مباحث ، وذلك لأن تلك
الأحاديث ، كانت تدور حول ثلاثة أمور.
منها يجوِّز الانتفاع ، بجلود الميتة مطلقاً ، ومنها يجوِّز الانتفــاع بشرط الدبغ ، ومنها يمنع الانتفاع بها مطلقاً.
وقد ناقشت تلك الأدلة ، معتمداً فــي ذلك
، على كتب الجرح والتعديــل ، ومــن خلال هذه الدراسة ، ,المناقشة ، توصلت
إلــــى الـراجح ، والصحيح مـــن تلك الأدلة ، كما سيأتي بيان ذلك.
2 ـ قدمت الأدلة أولاً ، ثم ذكرت بعدها
في مبحث خـاص ، أقـــوال الفقهاء ، والسبب الذي دعاني لتقديم الأدلة ، مع
مناقشتها ، على أقوال الفقهاء ، ما يلي :
أ ـ كل من صنف في أحاديث الأحكـــام ،
قدم الأدلة أولاً ، ثم أعقبهـا ، بذكر مـــذاهب العلماء ، كالحــافظ
العراقي ، في كتـــابه " طرح التثريب " ، والإمام الشوكاني ، في كتابه "
نيل الأوطار " ، والإمام الصنعاني ، في كتابه " سبل السلام " ، وغيرهم.
ب ـ تقديم الأدلة ، ومناقشتها ، يعطي القـــارئ تصوراً عن سبب اختلاف أهـــل العلم في المسائل الفقهية ، وهذه فائدة مهمة للقارئ.
3 ـ ثم ذكرت أقوال الفقهاء ، في حكم
الانتفـــاع ، بجلــود الميتة ، وجعلتها في مبحث خاص ، وقد أشرت إلى دليل
كل مذهب مع الرد عليه ، ولم أذكـــر الأدلة بالتفصيل ؛ لأني قد قدمتها في
أول البحث.
كما بينت حكم الانتفاع ، بجلود الميتة ، المستوردة ، من بلاد النصارى ، وغيرهم.
4 ـ ذكــرت مــا يحصل بــه الدبغ ، في مبحث خـــاص ، وبينت حكــم تنظيف الجلود الميتة ، في المصانع الحديثة.
5 ـ شرحت المفردات الغريبة ، فــي هـذا البحث ، معتمــداً في ذلك على كتب اللغة ، والنهاية في غريب الحديث ، وغيرها.
كما ضبطت الكلمات ، والجمل ، التي تحتاج إلى ضبط.
المبحث الثاني : الأحاديث التي أباحت الانتفاع بجلود الميتة.
ذكرت في هذا المبحث الأحاديث التي أباحت الانتفاع بجلد الميتة ، بعد دبغها ، وهي أربعة أحاديث :
1 ـ حديث ابن عباس ، وهو الأصل في هذا المبحث. 2 ـ حديث ابن عمر.
3 ـ حديث أم المؤمنين عائشة . 4 ـ حديث سلمة بن المحبّق.
فتكلمت على طرق هذه الأحاديث، سنداً ومتناً ، معتمداً في ذلك على أقوال أهل العلم.
الأصل في هذا : حديث عبد الله بن عباس مرفوعاً : " أيُّما إهابٍ دُبغ ، فقد طَهُر ".
وفي رواية : " إذا دُبِغَ الإهابُ" 5، فقد طَهُرَ ".
سمع هذا الحديث من ابن عباس ، عبد الرحمن بن وعلة ، وعليه مدار الطرق كلها.
وسمعه من ابن وعلة ، غير واحد من أهل الحديث ، منهم :
زيد بن أسلم ، وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني ، ويحيى بن سعيد الأنصاري.
أما زيد بن أسلم ، فقد رواه عنه :
ابن عيينة ، ومالك ، وهشام بن سعد ، والثوري ، وسليمان بن بلال.
أما طريق ابن عيينة ، رواها الشافعي ، في مسنده.
عنـه عن زيد أنـه سمع ابـن وعلة ، سمع ابن عبـــاس رضي الله عنهمــا ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " أيما إهاب... الحديث " .6
قلت :
وكل من رواه من طريق " ابن عيينة " رواه بلفظ " أيما " ، وهـم : مسلم ، ولم يذكر لفظه ، وإنما قال بعد أن أخرجه :
بمثله ، أي بمثل حـديث يحيى بن يحيى عن سليمــان بن بلال ، التي رواها أولاً وهي بلفظ " إذا دبغ الإهاب ... " .7
والترمذي 8، والنسائي9 ، وابن ماجه .10
كلهم من طُرقٍ عن ابن عيينة، عن زيد ، بمثله.
وأحمد 11عن ابن عيينة ، به ، مثله.
وأبو عوانة12 من طرق عن ابن عيينة ، به ، مثله.
وأما رواية مالك أخرجها الإمام الشافعي.
عنه عن زيد بن أسلم به ، بلفظ " إذا دبغ الإهاب فقد طهر".13 وأخرجها الإمام مالك في الموطأ14 .
وأما رواية " الثوري " أخرجهـا أبو داود ، عنه ، عن زيد ، به ، مثل رواية مالك15 .
وأما رواية سليمان بن بلال ، أخرجها مسلم.16
من طريق يحيى بن يحيى ، عن سليمان ، به ، مثل رواية مالك .
أما روايـة أبي الخير مرثد بن عبد الله ، أخرجها مسلم ، ولها قصة من طرق عن أبي الخير ، عن ابن وعلة ، به ، بلفظ " دباغه طهوره " .17
والنسائي ،18 وله قصة أيضاً.
وأبو عوانة ،19 وله قصة أيضاً.
وأما رواية يحيى بن سعيد ، أخرجها أبو عوانة من طرق ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، به ، بلفظ " أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طهر "، وله قصة .20
قلت:
في هذا الحديث أمران:
الأمر الأول : أن هـذا الحديث رواه ابـن عيينة ، بلفظ " أيما إهاب " ، و " أيما " مـن ألفاظ العموم ، فهو يقتضي أنّ أيّ جلدٍ دبغ ، فقد طهر .
أما مالك ، وغيره ، فقد رواه ، بلفظ " إذا دبغ الإهاب ".
وهذه الرواية تختلف عن الرواية الأولى ، كما هو واضح.
الأمر الثاني : أن كل من أخرج هــذا الحديث ، أخرجه مــن طريق " عبد الرحمن بن وَعْلة " ، فهو مدار الحديث.
وهذه الطرق ، رواتهـا ، ثقـــات ، ما عدا
" ابن وعلة " فقد تُكلم فيه ، وهو من رجال مسلم ، وأصحاب السنن الأربعة ،
ولخص الحافظ ابن حجر حاله ، كما في التقريب ، بأنه " صدوق " . 21
وعليه يكون هــذا الحديث ، بهـذا الإسناد
، حسناً لذاته ، لكن له شـــواهد تقويه ـ كمــا سيأتي بعد قليل ـ فيكون
صحيحاً لغيره ، والله أعلم.
وقد جاء لحديث ابن عبـــاس هذا ، عدةُ شــواهد ، منها حديثُ ابن عمر ، وعــائشة ، وسلمة بن المحبّق.
* أمـــا حديث ابـن عمـر ، أخرجه
الدارقطني : " عن أبي بكر النيسابوري قال حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد قال
حدثنا حفص بن عبد الله قال حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن أيوب ، عن نافع ،
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما إهاب دبغ ، فقد طهر " ثم قال : إسناده حسن .22
قلت :
في إسناده " محمد بن عقيل بن خويلد بن معاوية ، الخزاعي ، النيسابوري".
قال الحافظ ابن حجر :
" صدوق ، حدّث من حفظه ، بأحاديث ، فأخطأ في بعضها " .23
وعليه يكون الحديث ، بهذا الإسناد ، حسناً لغيره ، لشواهده.
- وأما حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، أخرجـه النسائي ، عن الحسين بن محمد قال حدثنا شَريك ، عن الأعمش ، عن عُمَــارة بن عمُير ، عـن الأســود ، عــن عائشة ، قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة ! فقال : " دِباغُها طهورُها ".
وأخرجه أيضاً :
مـن طُرق ، عـن شَريك ، عـن الأعمش ، عـن إبراهيم ، عـن الأسود ، عـن عـائشة ، مرفوعاً ، بلفظ : " دباغها ذكاتُها ".
وجاء في بعض الطرق ، بلفظ " ذكاة 24الميتةِ دباغُها ".
قلت : مدار هذه الطرق على " شريك بن عبد الله ، النخعي ، الكوفي ".
قال الحافظ ابن حجر :" صدوق ، يخطئ كثيراً ، تغير حفظه ، منذ ولي القضاء بالكوفة " .25
لكن الحديث جاء من طرق أخرى ، كما سيأتي.
وأخرجه النسائي أيضاً ، وابن عبد البر.
كلاهما من طرق ، عن إسرائيل ، عـن الأعمش ، عـن إبـراهيم ، عـن الأسـود ، عـن
عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذكاة الميتة دباغها ".26
قال الحافظ ابن عبد البر ـ بعد روايته ـ :
" خالف شريكٌ ، إسرائيلَ ، في إسناده " . 27
وأخرج حديث " إسرائيل " الإمام الطحاوي أيضاً :
عن محمد بن علي ومهند قالا : ثنا إسرائيل به ، يلفظ " دباغ الميتة طهورها ".
قال الطحاوي : هذا لفظ محمد.
وأما مهند فقال : " دباغ الميتة ذكاتها " .28
وقد روي هذا الحديث من طريق آخر ، أخرجه الإمــام مالك :
عن يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط ، عـن
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن أمه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه
وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر أن يُستمتع بجلود الميتة ، إذا دبغت " .29
قلت :
في إسناده " أم محمد " وهي مبهمة غير معروفة.
قال المنذري :
" وأم محمد بنت عبد الرحمن ، لم تنسب ، ولم تسمّ ". 30
فيكون الحديث ، بهذا الإسناد ، ضعيفاً ، لكنه يتقوى ، بما قبله ، فيكون حسناً لغيره.
وقد رواه من طريق مالك:
أبو داود 31، وابن ماجه 32، وابن حبان .33
وقد جاء عند ابن حبان " عـن أبيه " وهـو تصحيف ، والصـواب " عـن أمه " ، كلهم مثل رواية مالك.
والمراد من قوله : " أمر ... " أمر الإباحة ، وليس الوجوب. 34
* وأما حديث سَلَمَة بن المحبّق الهُذَلي :
أخرجه أبو داود :
عن حفص بن عمر ، وموسى بن إسماعيل ، قالا
: ثنا همام ، عن قتادة ، عن الحسن، عـن جَوْن بن قتادة ، عـن سلمة بن
المحبق ، أن رسـول الله صلـى الله عليه وسلم فـي غزوة تبوك ، أتى على بيت ،
فإذا قِرْبة معلقة ، فسأل الماء ! فقالوا : يا رسول الله إنها ميتة.فقال : " دباغها طهورها " .35
والنسائي 36، والطيالسي37 ، وأبــو بكر بن أبي شيبة38 ، والحاكم39 .
كلهـم مـن طُـرق ، عـن هشـام ، عن قتادة ، به ، بنحــوه ، ولـم يـذكر الطيـالسي سبب الحديث.وأخرجه أيضاً ابن حبان.
من طريق همام ، عن قتادة به ، بلفظ " ذكاة الأديم دباغه " .40
وأحمد من طريق همام وهشام ، به ، بلفظ " ذكاة الأديم دباغه " .41
وأخرجـه أيضاً من طريق همام فقط ، وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق همام42 .
وأخرجـه أيضاً الإمام أحمد ، من طـريق
شعبة ، عن قتـادة ، عـن الحسن ، عن رجل قد سمَّاه ، عـــن سلمة بن المحبق
أن النبي صلــى الله عليه وسلم ... ثم ذكـر القصـة ، وذكر الحديث بلفظ "
الأديمُ طهورُه دباغُه " .43
قلت : هذا الرجل هو " جون بن قتادة " ، وعليه مدار الحديث.
قال الحافظ ابن حجر :
" لم تصح صحبته ، ولأبيه صحبة ، وهو مقبول " .44
أي يكون مقبولاً إذا توبع ، أما إذا لم يتابع فهو ضعيف.
لكن يمكن أن يكون هذا الحديث بهذا الإسناد حسناً لغيره ، وذلك لشواهده.
أما تصحيح الحافظ ابن حبان ، والحاكم ، فهذا من تساهلهما. والله أعلم.
المبحث الثالث : الأحاديث التي أباحت الانتفاع بجلود الميتة مطلقاً.
ذكرت في هذا المبحث حديث ابن عباس فقط ،
وبينت أنــه روي علــى ثـلاثة أوجه ، وتكلمت عليها بالتفصيل ، سنداً ومتناً
، مع بيان صحة هذه الأوجه ، كما هو مبين في موضعه.
الأصل في هذا حديث " عبد الله بن عباس " رضي الله عنهما ، كما سيأتي.
لكن اختلفت الروايات.
فمنهـا يـذكر الدبـاغ ، ومنهـــا لم
يذكره ، ومـن أجل ذلك جعلتـه فـي مبحث خـاص ، وتكلمت على كلا الروايتين ،
مقدماً الرواية التي جاء فيها الدباغ.45
مـن الأحاديث التي أباحت الانتفــاع ،
بجلود الميتـة ، حـديث الزهري ، عـن عبد الله بن عباس ، قـال : تصدق على
مـولاة ، لميمونة ، بشاة ، فماتت ، فمرّ بهـا رسول الله صلى الله عليه وسلم
، فقال : " هلاّ أخذتم إهابَها ، فدبغتمُوه ، فانتفعتم به " ؟46
فقال : إنها ميتة.
فقال : " إنما حرّم أكلها " .47
فهذا الحديث أخرجه غير واحد من العلماء ، في تصانيفهم ، من طريق الزهري.
وقد رواه غير واحد ، عن الزهري ، واختلفوا فيه ، عليه ، سنداً ، ومتناً.
إذ رواه بعض الرواة عن الزهري ، وجعلوه من حديث ابن عباس.
وبعضهم جعله من حديث ميمونة.
وبعضهم رواه عن الزهري ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسلاً.
فهذه ثلاثة أوجه ، روي فيها هذا الحديث ، من حيث الإسناد.
أما اختلافهم في المتن.
فبعض الرواة زاد " الدباغ " ، وبعضهم لم يذكره.
أما اختلافهم في الإسناد فهو كالتالي:
أولاً : رواه الحميدي في مسنده 48، وأبو بكر بن أبي شيبة 49، وأحمد في المسند . 50
ولفظ الحديث لأحمد.
ثلاثتهم عن سفيـــان بن عيينة ، عن
الزهري ، عــــن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابــن عباس ، عن ميمونة أن
النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بشاة ، لمولاةٍ لميمونة ، ميتةٍ. فقال : " ألا أخذوا إهابها ، فدبغوه ، فانتفعوا به ".
فقالوا : يا رسول الله ! إنها ميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما حرّم أكلها ".
قال سفيان : هذه الكلمة ، لم أسمعها إلا من الزهري " حرم أكلها ".
قال أبي ، قال سفيان : مرتين ، عن ميمونة.
هذا لفظ أحمد.
ورواه أبو بكر ، والحميدي ، مثله ، مـع
تغيير طفيف ، فـي بعض الكلمــات ، وجــاء عندهما : " أن هذه الشاة ، أعطيت
لمولاة ميمونة ، من الصدقة ".
وزاد الحميدي ـ بعد روايته الحديث ـ :
" فقيل لسفيان : فإن معمراً ، لا يقول فيـه " فدبغوه " ، ويقــول : كــان الزهري ينكر الدباغ.
فقال سفيان : لكني قد حفظته ، وإنمـا أردنـا منه هذه الكلمة التي لم يقلها غيره ، " إنما حرّم أكلها ".
وكان سفيان ربما لم يذكر فيه " ميمونة " فإذا وقف عليه ، قال : فيه " ميمونة ".
وأخرجــه مسلم في صحيحه 51: من طريق أبي
بكر بن أبي شيبـة ، ويحيى بن يحيى ، وعمرو النـاقد ، وابن أبي عمر جميعاً
عن سفيان به ، مثله.
قال مسلم : قال أبو بكر وابن أبي عمر في حديثهما : عن ميمونة ـ رضي الله عنها ـ .
وابن ماجه52 : من طريق أبي بكر ، عن سفيان ، به ، مثله.
وأخرجه الطبراني في معجمه53 : من طريق الحميدي ، عن ابن عيينة ، به مثله.
ولم يتفرد سفيان بذلك ، بل تابعه سليمانُ بن كثير.
قال الحافظ ابن عبد البر :
" وكذلك رواه سليمان بن كثير ، عن الزهري
، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، عن ميمونة قالت : أُعطيت مـولاة لي ، من
الصدقة ، فذكر الحديث ، وزاد : ودباغُ إهابِها طهورُها " .54
كما أن غير واحد من الرواة ، وافق ابن عيينة ، في ذكر الدباغ.
قال الحافظ ابن عبد البر :
" والدباغ موجود في حديث ابـن عيينة ، والأوزاعي ، وعقيل ، والزبيدي ، وسليمان بن كثير.
وزيادة من حفظ مقبولة.
وذكر الدباغ أيضاً ، موجود في هذه القصة ، من حديث عطاء ، عن ابن عباس " .55
قلت :
ذكر الإمــام الحــافظ أبـــو داود: أن الأوزاعي ، وعقيلاً ، ويونس لم يذكروا الدبـاغ ،
قال رحمه الله :
" لـم يــذكر الأوزاعي ، ويــونس ،
وعقيــل ، فــي حديث الزهري الدبــاغ ، وذكـره الزبيدي ، وسعيد بن عبد
العزيز ، وحفص بن الوليد ، ذكروا الدباغ " .56
قلت :لكن قد جــاء ذكر الدبـاغ في حديث " عقيل " أخرجـه الحافظ الدارقطني57 .
والبيهقي58 فلا يسلم ، للحافظ أبي داود ، في هذا.
وأمــا الأوزاعي فلم يذكــر الدبــاغ.
أخرج روايتــه الإمـام أحمد عن محمد بن
مصعب59 ، ثنا الأوزاعي ، عـن الزهري ، عـن عبيد الله ، عن ابن عباس قال:
مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ بشاة ميتة ـ :
فقال : " ألا استمتعتم بجلدها ؟ ".
قالوا : يا رسول الله ! إنها ميتة.
قال : " إنما حرم أكلها " .60
فلا يسلم للحافظ ابـن عبد البر في هذا ،
والصواب مع أبي داود ، إلا إذا جاءت رواية أخرى ، فيها ذكر الدباغ ، فحينئذ
، يسلم له ، ما قاله.
وأخرج رواية الأوزاعي الحــافظ الطبراني : مــن طريق إسحـــاق بن راشـد ، عـــن الأوزاعي ، به ، بلفظ :
" إنما حرّم عليكم لحمُها ، ورخّص لكم في مَسْكها"61 ".62
وأخرجها أيضاً ابن حبان ، في صحيحه : من طريق الوليد بن مسلم ، به ، مثله63.
قلت :" حديث " عطـــاء " الذي أشار إليه ،
الحـــافظ ابـن عبد البر ، فـي كــلامه المتقدم ، أخرجه مسلم : بسنده عن
سفيان ، عن عمرو ، عـــن عطاء ، عن ابــن عبـــاس ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مرّ بشاة مطروحة ، أعطيتهـــــا مولاة لميمــونة ، من الصدقة.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أخذوا إهابها ، فدبغوه ، فانتفعوا به "64 .
وأخرجه أيضاً النسائي : من طريق سفيان ، عن عمرو ، به ، نحوه65 .
وتابع عمراً يزيدُ بن أبي حبيب ، كما جاء
عند أبي عوانة : روى بسنده عن يــزيدَ بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ،
قال سمعت ابن عباس يقول: ثم ذكر الحديث66 .
لكن ابن جريج خــالف فيه ابــنَ عيينة ، إذ جعل الحديث ، من مسند ميمونة ولم يذكر الدباغ.
أخـرج روايتــه مسلم ، في صحيحه : مـن
طريق ابـن جريج ، قال أخبرني عمرو بن دينار ، قـال أخبرني عطاء منذ حين ،
قال أخبرني ابن عباس ، أن ميمونة أخبرته :
أن داجنة كانت لبعض نساء رسول الله صلى عليه وسلم ، فماتت !
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخذتم إهابها ، فاستمتعتم به "67 .
وأخرجه أيضاً النسائي : من طريق ابن جريج به ، مثله68 .
قلت :
رواية " ابن جريج " تخالف رواية " ابن عيينة " في أمرين :
1 ـ ابن جريج جعل الـحديث ، من مسند ميمونة ، أمـا " سفيان " فقد جعلـه مـن مسند
ابن عباس.
2 ـ ابن جريج لم يذكر الدباغ ، أما سفيان فقد ذكره.
وتُقدَّمُ روايةُ " سفيان بن عيينة " على رواية " ابن جريج " ؛ لأنه احفظ لــحديث
ابن دينار من ابن جريج ، وهذا ما ذهب إليه أئمة الجرح والتعديل.
قال عبد الله بن أحمد قال أبي ـ كما في شرح العلل ـ :
" سفيان أثبت الناس في " عمرو بن دينار " ، وأحسنه حديثاً "69 .
ثانياً : من رواه عـن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، مرفوعاً ، ولم يذكر " الدباغ " فيه.
من رواه على هذا الوجه :
يونس ، وصالح بن كيسان ، ومالك ، ومعْمَر بن راشد.
- أما رواية " يونس ".
أخرجها الإمام البخاري ، في صحيحه : عن
سعيد بن عُفير ، قــال حدثنا ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، قال حدثني
عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ، قال : وجد النبي
صلى الله عليه وسلم ميتة ، أُعطيتهــا مولاة لميمـونــة ، من الصدقة ،
قــال النبي صلى الله عليه وسلم " هلاّ انتفعتم بجلدها " ؟
قالوا : إنها ميتة ! .
قال : " إنما حرم أكلها " . 70
وأخرجها أيضاً الإمام مسلم71 ، وأبــو عوانة72 : كلاهما عــن ابـن وهب ، عن يونس ، به ، مثله.
* وأما رواية " صالح بن كيسان ".
أخرجها أيضاً الإمـــام البخاري في صحيحه
: عن زهير بن حرب ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حـدثنا أبي ، عـن صــالح ،
قــال حدثني ابن شهاب ، به ، مثل رواية يونس تماماً .73
وأبو عوانة أيضاً .74
* وأما رواية " مالك ".
فهي في الموطأ .75
ومن طريقه رواها الشافعي في مسنده .76
والنسائي .77
* وأما رواية " معمر بن راشد " ، عن الزهري.
أخرجهــا الإمــام عبد الرزاق : بلفظ "
مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاةٍ ، لمولاةٍ لميمونة ، فقــال :
أفلا استمتعتم بإهابها ؟
قالوا : فكيف وهي ميتة ؟ يا رسول الله ! قال : إنما حرم لحمها ... " . 78
ورواه أحمد في المسند ، وأبو عوانة79 ، كلاهما من طريق عبد الرزاق، عن معمر.
ورواه أبو داود : من طريق : يزيد ، عن معمر .80
قلت :
لا خلاف بين رواية معمر " إنما حرم لحمهـا " ، وبين رواية ، يونس ، ومالك " إنما حرم أكلها ".
قال الحافظ ابن عبد البر :
" واتفق معمر ، ومالك ، ويونس ، على قولـه " إنما حرم أكلها " إلا أن معمراً قـال :
" لحمها " ، وذلك سواء ، ولم يذكر واحد منهم الدباغ " .81
ثالثاً : من رواه عن الزهري، عن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسلاً.
هذه الرواية المرسلة ، رواها محمد بـن الحسن ، في روايته الموطأ.
قال رحمه الله :
أخبرنا مالك ، قال أخبرنا ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله أنه قال :
مر رسـول الله صلى الله عليه وسلم بشـاة ـ كان أعطـاها مـولاة ، لميمونـة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ ميتة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هلا انتفعتم بجلدها ! قالوا : يا رسول الله إنها ميتة.
قال : "إنما حرم أكلها " .82
قال الحافظ ابن عبد البر ـ بعد ذكره الحديث مسنداً متصلاً ـ :
" ورواه القعنبي ، وابـن بُكير ، وجويرية
، ومحمد بـن الحسن ، عـن مالك ، عن ابن شهـــاب ، عـن عبيد الله ، عـن
النبي صلى الله عليـه وسلم ، مـرسلاً ، والصحيح فيـه
اتصالُه ، وإسنادُه " .83
بعد هذا الاستعراض ، لهذا الحديث ، تبين أن أوجه الاختلاف فيه ، كالتالي :
1 ـ روي عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2 ـ وروي عن ابن عباس ، عن ميمونة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3 ـ وروي عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرسلاً.
4 ـ وروي مرة ، يـذكر فيـه " الدبـاغ ".
5 ـ وروي مرة ، لم يذكر فيه " الدباغ ".
وبسبب هــذا الاختلاف في هذا الحديث سنداً ، ومتناً ، لم يعتمد عليه بعض العلمــاء ، وجعلوا هذا الاضطراب ، من ابن عيينة.
قال الإمام الحافظ محمد بن يحيى النيسابوري ـ كما في التمهيد ـ :
" لست أعتمدُ في هذا الحديث ، على ابن عيينة ، لاضطرابه فيه.
قال : وأما ذكر الدباغ فيه ، فلا يوجد إلا من رواية ، يحيى بن أيوب ، عن عقيل.
ومـن رواية بقية ، عـن الزبيدي ، ويحيى ،
وبقية ، ليسا بالقويين ، ولم يذكر مـــالك ، ولا معمر ، ولا يونس ، الدباغ
، وهو الصحيح في حديث الزهري ، وبه كان يُفتي.
قال : وأما من رواية غير الزهري ، فذلك محفوظ صحيح ، عن ابن عباس " .84
وذهب بعض العلماء إلى أن الاضطراب من الزهري ، ومـــن الذين ذهبـــوا إلى ذلك الحافظ ابن عبد البر ، كما يفهم من كلامه.
قال رحمه الله :
" ... والقول الذي قاله النيسـابوري ، عـن ابن عيينة ، من اضطرابه ، عن الزهري ، في هذا الحديث ، قد قاله غيرُه ، عن ابن شهاب.
واضطراب ابن شهاب ، في هذا الحديث ، وفي حديث ذي اليدين ، كثير جداً.
وهذا الحديث ، من غير روايـة ابن شهاب ، أصحُّ.
وثبوتُ الدبـاغ ، فـي جلـود الميتة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من وجوه كثيرة صحاح ثابتة " .85
إذا تأملنا هذا الاختلاف ، وجدناه ينحصر في أمرين :
الأمر الأول : هل هو من مسند ابـن عباس ، أو من مسند ميمونة ، أو عـن عبيد الله مرسلاً.
وهذا الاختلاف لا يؤثر على صحة الحديث ،
فابن عبــاس رواه عن ميمونة أولاً ، ثم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
فصار يحدث به ، عنه.
وإن قلنــا إنــه لم يسمعـه ، مــن النبي
صلى الله عليــه وسلم ، فـلا يضر أيضــاً ، لأن المحذوف صحــابية ، وهو
ميمونة رضي الله عنهــا ، فسواء ذكرها أو لم يذكرها فلا يؤثر على صحة
الحديث ، كما هو مقرر في علوم الحديث.
وأما رواية عبيد الله ، عن النبي ، مرسلاً ، فلا تؤثر على صحـة الحديث ، كما مرّ بنا قول الحافظ ابن عبد البر.
الأمر الثاني : ذكر ابن عيينة " الدباغ "
، وغيـــره من تلاميذ الزهري ، لم يذكره ، ففي هذه الحــــالة ، تُقدَّم
روايـــة الأحفظ ، واختلف الأئمة ، فيمن يقدم ، مــن تــلاميذ الزهري ، عند
اختلافهم.
ذهب بعض الأئمة إلى تقديم ابن عيينة ، وذهب آخرون إلى تقديم مالك .
لكن في هذه الحالة ، ترجح رواية مـــالك ، لأنه قد وافقــه عليها الحفــاظ ، وهي التي اختارها الإمام البخاري ، وخرّجها في صحيحه.
لكن زيادة الإمام الحميدي ، التي مرت بنا
، عندما روجع سفيان ، بذلك ، أجــاب بأنه حفظ " الدباغ " من الزهري ، مرجح
قوي ، بأن رواية ابن عيينة ، صحيحة أيضاً.
وقد صحح رواية سفيان بن عيينة ، الإمامُ النسائيُّ ، وجعلها أصحَّ من غيرها.
قال رحمه الله : " أصحُّ ما في هذا الباب
، في جلود الميتة ، إذا دبغت حديث : الزهري ، عــن عبيد الله بــن عبد
الله ، عــن ابن عبــــاس ، عن ميمونة " .86
قلت : فكلا الروايتين صحيح ، فرواية ابن
عيينة ومن تابعـه صحيحة ، كما حكم بذلك الإمام النسائي ، ورواية مـــالك
ومن تابعه صحيحة أيضـاً ، وإنمــا اختلف في أيهمــا أصح. والله أعلم.
ومن الأحاديث التي اشترطت الدباغ ، ما أخرجه الإمام البخاري ، في صحيحه.
عن محمد بن مقاتل ، قال أخبرنــا عبد
الله ، قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خــالد ، عن الشعبي ، عــن عكرمة ، عن
ابن عبـــاس رضي الله عنهمـا ، عــن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أنها قالت : ماتت شاة ، فدبغنا مَسْكها ، ثم ما زلنا ننبذ فيه ، حتى صار
شَناً ".87
وجعل الحافظ المزي هذا الحديث ، وحديث ابن عباس الذي مرّ بنا وهو :
أن النبي صلــى الله عليه وسلــم مرّ على شــاة ميتة ، فقـــال : " ألا انتفعتم بإهابها ... الحديث ".
حديثا ً واحداً ، كمــا يفهم من كلامه في تحفة الأشراف .88
أمـا الحـــافظ بن حجر ، فقد جعلهما ، حديثين مستقلين.
قـال رحمه الله:" ولابن عباس حديث آخر ،
في المعنى ، سيأتي في الأيمان والنذور ، من طريق عكرمة ، عنه ، عن سودة
قالت : " ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ".
إلى أن قال : وهــذا غير حديث الباب جزمـاً ، وهو مما يتأيد به ، من ذكر " الدباغ "
في الحديث " .89
وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد ، من حديث
ابن عباس، مطولاً: من طريق سِمَاك ، عن عكرمة ، عــن ابن عباس أنــه قال :
مـاتت شـاة ، لسودة بنت زَمْعة.
فقالت : يا رسول ! ماتت فلانة ـ يعني الشاة ـ .
فقال : " فلولا أخذتم مسكها " ؟
فقالت : نأخذ مسك شاة قد ماتت ؟ !
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنمــــا قال الله تعـــالى { قل لا أجد في ما أوحي إلـيّ محرّمـاً علــــى طـــاعمٍ يَطْعمــه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحـم خنزير } الأنعام 145.
فإنكم لا تطعمونه ، أن تدبغوه ، فتنفعوا به ".
فأرسلتْ إليها ، فسلخت مِسْكها ، فدبغته ، فاتخذت منه ، قِرْبة حتى تخرّقتْ عندها " .90
المبحث الرابع : الأحاديث التي منعت الانتفاع ، بجلود الميتة ، مطلقاً.
ذكرت في هذا المبحث ، حديث ابن عُكيم ،
وتكلمت على طرقه ، وبيان درجته ، وما وجه إليه من اعتراضات ، وهي ستة ، وهل
يصلح أن يعارض الأحاديث التي مرت بنا ، كما هو مبين في موضعه.
الأصل في هذا : حديثُ عبد الله بن عُكيم قــال : قرئ علينا كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن بأرض جهينة ، " أن لا تستمتعوا من الميتة ، بشيء ، إهابٍ ، ولا عَصَب ".
أخرجه أبـو داود الطيالسي : بسنده عـن
شعبة ، عـن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عــن عبد الله بن عكيم ،
قال قرئ علينا كتــاب رسول الله ثم ذكره91 .
وأخرجه أحمد : من طُرق ، عن شعبة ، به.
بلفظ " أن لا تنتفعوا " ، وزاد في أوله " وأنا شاب " .92
وأخرجه أيضاً أصحاب السنن.
رواه أبــو داود93 ، والنسائي94 ، وابن ماجه95 ، كلهم من طُرق : عن شعبة ، به ، مثله.
وتابع شعبة ، الأعمشُ ، والشيبانيُّ ، أخرج هـذه المتــابعة الترمـذي :
عن الأعمش والشيباني ، عن الحكم ، به ، مثله .96
وتابعهم ، منصور ، عن الحكم ، أخرج هذه المتابعة النسائي :
عن منصور ، عن الحكم ، به ، مثله .97
وتابع ابن أبي ليلى ، هلالُ الوزّان ، والقاسم بن المُخَيْمِرَة.
أخرج هذه المتــابعة النسائي98 ، والإمام أحمد99 ، بمثل رواية ، شعبة.
و أخرج متابعة القاسم ، البيهقي : عـن
يزيد بن أبي مريم ، ثنا القاسم بن مخيمرة ، ثنا عبد الله بن عُكيم ، ثنا
مشيخة لنا من جُهينة، أن النبي صلى الله عليه وسلـم كتب إليهم أن لا
تستمتعوا " مـن الميتــة بشيء " .100
وقد رواه خـــالد الحذاء ، عــن الحكم ،
وخــالف فيه شعبةً ، ومنصوراً ، والأعمش ، والشيباني ، إذ قيّد مجيء
الكتــاب ، قبل وفاة الرســول صلى الله عليه وسلم ، بشهر ، أو شهرين ،
وشعبةُ ومن تابعه أحفظُ ، وأتقن ، من خالد.
أخرج الإمــام أحمد : عن خلف بن
الــوليد ، قـال حدثنا عباد يعني ابن عباد ، قال ثنا خالد الحذاء ، عن
الحكم بـن عتبة ، عــن ابن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عكيم الجهني قال :
أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قبل وفاته بشهر ، أو شهرين "
أن لا ... " الحديث .101
ورواه أيضاً عن عبد الوهـــاب بن عبد
المجيد الثقفي ، عن خــــالد ، عن الحكم ، عن عبد الله بن عكيم ، قــــال :
كتب إلينــا رســـول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل وفــاته بشهر ، ... "
.102
لكن هذه الرواية منقطعة ، لأن الحكم لم يرو عن عبد الله بن عكيم.
ورواية الجزم بـ " شهر" رواها أبو داود:
من طريق عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد ، عن الحَكَم بن عُتْبة ، أنه انطلق
هو ونــاس معه ، إلـى عبد الله بــن عكيم ، رجــل من جهينة.
قـــال الحكم : فدخلوا وقعدت على الباب ،
فخرجــوا إلي فأخبروني ، أن عبد الله بــن عكيم، أخبرهم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، كتب إلى جهينة قبل موته بشهر ، أن لا ينتفعوا من الميتة
بإهاب ، ولا عصب " .103
فهذه الرواية فيها أمران :
الأمر الأول : أن المنطلق الحكم بن عتيبة.
الأمر الثاني : أن الذي أخبر الحكم لم يسمّ.
لكن ذكر الحافظ ابن حجر ، أن المنطلق هو ابن أبي ليلى ، وليس الحكم.
قال رحمه الله ـ بصدد ذكره كلام العلماء على هذا الحديث ـ :
" وبعضهم ـ يـــريد بعض العلمـــاء ـ
بـــأن ابــن أبي ليلى راويه ، عن ابن عكيم ، لم يسمعه ، منه ، لمــا وقع
عند أبي داود عنه ، أنه " انطلق وناس معه ، إلى عبد الله بن عكيم ، قال :
فدخلوا وقعدتُ ، على الباب ، فخرجوا إليّ ، فأخبروني ".
فهـذا يقتضي أن فــي السند مــن لم يسمّ ،
لكن صح تصريح عبد الرحمن بن أبي ليلى بسماعه ، من ابن عكيم ، فلا أثر لهذه
العلة أيضاً " .104
فالظاهر أن نسخة الحافظ ابن حجر ، موجود
فيها ، أن المنطلق ، هــو ابن أبي ليلى ، وليس الحكم ، ويؤيد ذلك أن
الحازمي ذكره ، كما ذكره الحافظ ابن حجر ، إذ جاء في روايته أن المنطلق هو
ابن أبي ليلى وليس الحكم105 .
وكذلك ذكره ابن الملقن ، كما ذكره الحافظ ابن حجر106 .
أما توهيم الشيخ ناصر الألباني، للحافظ
ابن حجر في هذا ، فلا يسلم له ، ما دام الأمر يحتمل تعدد النسخ ، إلى جانب
موافقة الحازمي ، وابن الملقن له .107
قلت : لم يتفرد خالد الحذاء التحديد بـ "
شهر " وقد تابعه أبــــانُ بن تغلب ، كما جــاء عند ابن حبان : روى بسنـده
عن أبان بن تغلب ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن ، به ، مثله .108
وجاءت رواية ، عند الحــافظ الطبراني ، تفيد أن حديث ابن عكيم ، نــاسخ للأحاديث التي أباحت ، الانتفاع ، بجلود الميتة.
إذ روى : مـن طريق فضالة بن المفضَّل بن
فضــالة ، قـال حدثني أبي ، قــال حدثنــا يحيى بن أيـوب ، عن أبي سعيد
البصري ، أن شعبة بن الحجاج ، حدثه عن الحكم بن عتيبة ، عن ابن أبي ليلى ،
عن عبد الله بن عكيم قال :
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ونحـن بأرض جهينــة ، أني كنت رخصت لكم في جلود الميتة ، فلا تنتفعوا من
الميتة ، بجلد ولا عصب " .109
ثم قــــال : لم يرو عــن أبي سعيد البصري إلا يحيى بن أيوب ، تفرد بــه فضــالة بن المفضل عن أبيه.
قلت : هذه الزيادة " إني قــد رخصت لكم " غير ثابتة ، وقــد تفرد بهـا " فضــالة " ، وهــو متروك. 110
فهذا الاختلاف في المتن ، جعل بعض
العلماء يُعلُّه، كما سيـأتي بيان ذلك ، بعـد قليل. أما من ناحية السند فقد
اضطرب فيه ، إذ ورد في بعض طرقه ، أنه سمع مشيخة من جهينة حدثوه ، كما جاء
عند ابن حبان ، إذ روى : عن ابن أبي ليلى ، عن عبد الله بن عكيم ، قال :
حدثنا مشيخــة لنــا من جهينة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم " أنْ لا تستمتعوا من الميتة بشيء ".
وبسبب هذا الاختلاف ، أُعِلّ هذا الحديث ، بعلل ، وهي :111
أولاً : أن هذا الحديث مرسل ، لأن عبد الله بـن عكيم ، ليس بصحـابي ، وما حدّث به عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو كتاب.
قال أبو حاتم :
" لم يسمع عبد الله بن عكيم ، من النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو كتابه " .112
وكذلك حكم عليه بالإرسال الإمامُ الخطابيُّ ، والبيهقي .113
قلت : لم يختلف أحـد ، من أئمة هذا الشأن
، أن ابـن عكيم تابعي 114 ، لكن هــذا لا يــؤثّر على صحة حديثه ، وذلك
لأن الكتابة نوعٌ من أنواع التحمّل ، التي قال العلماء بصحتها.
قال القاضي عياض ـ بعد أن ذكر معناها ، والكلام عليها ـ :
" وقد استمر عمل السلف ، ممـن بعدهم ، مـن المشـايخ بالحديث ، بقبولهم : كَتَبَ إليّ فلان ، فقال : أخبرنا فلان.
وأجمعوا على العمل بمقتضى هذا التحديث، وعدّوه في المسند ، بغير خلاف ، يُعرف في ذلك ، وهو موجود ـ في الأسانيد ـ كثير " .115
أمـا ردّ الشيخ ناصر 116على الحـــافظ ابن حجر ، عندما ذكر الحــافظ ابن حجر ، حكْمَ العلماء بالإرسال عليه ، فلا يسلم ، له لأمرين :
الأول :
أن الحافظ ابن حجر ، ذكر كلام العلماء الذين حكموا عليه ، بالإرسال ، وقد
حكم عليه بالإرســــال غيرُ واحد من العلماء ، كالخطـــابي ، البيهقي ،
وابن شاهين ، والرافعي . 117
ثم ذكر الحــافظ ابن حجر خلاصة ، مــا أجـــــاب به الشـــافعية ، وغيرهم ، عن هذا الحديث ، فقال :
" ومحصل ما أجاب به الشافعية وغيرهم ، عنه ، التعليل ، بالإرسال.
وهو : أن عبد الله بن عكيم لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ... " .118
فالحافظ ابن حجر ، ذكر حكم العلمــاء ،
ولم يرض بهذا التعليل ، بدليل آخـر كلامه ، في التلخيص ، وما ذكره أيضــاً ،
في فتح الباري ، إذ يرجـّحُ الجَمْعَ ، بين حديث ابـن عكيم ، وبين
الأحاديث المبيحة .119
الأمر الثاني :أن ابن عكيم ، عندما حدّث ، بهذا الحديث ، حدّث به ، على أكثر، من صيغة ، فمن ذلك :
قوله " حدثنا أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ".
ومنها قولُه " حدثنا مشيخة لنا " كما مرّ بنا ، في رواية ابن حبان.
فهذه الصيغة ، هي التي حكم عليها ، العلماءُ ، بأنها مرسلة.
وهــذا ما ذهب إليه الإمـــام يحيى بن معين ، إذ قال :
" حديث عبد الله بن عكيم " جاء كتـاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تنتفعوا من الميتة ، بإهاب ، ولا عصب ، في حديث ثقات الناس :
حدثنا أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ، ألا تنتفعوا ".
قال الحافظ البيهقي ـ بعد ذكره كلام يحيى المتقدم ـ :
يعني به أبو زكريا رحمه الله ، تعليلَ الحديثِ بذلك " .120
ثانياً : مـن العلل التي أعـلّ بهـا هـذا
الحديث ، الاضطرابُ في سنده ، فمرة قـال ابـن عكيم : جــــاءنا كتاب رسـول
الله ، ومــــرة : قرئ علينا ، ومرة حدثنا مشيخة لنا ...
وبسبب هذا الاضطراب ترك الإمام أحمد الاحتجاج به.
قال الإمام الترمذي ـ بعد روايته للحديث ـ :
" وسمعت أحمد بن الحسن ، يقول : كان أحمد بن حنبل ، يذهب إلى هذا الحديث ، لما ذكر فيه ، قبل وفاته بشهرين ، وكان يقول :
كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم تـرك أحمد بن حنبل ، هذا الحديث ، لما اضطربوا في إسناده ، حيث روى بعضهم :
فقال : عن عبد الله بن عكيم ، عن أشياخ لهم من جهينة " .121
قــال الحــافظ ابن عبد البر ـ بعد ذكر
روايته من طريق القــاسم بن مخيمرة ، عن ابن عكيم ، قال : حدثنا مشيخة لنا :
" وهــذا اضطراب ، كمــا ترى يوجب التوقف ، عن العمل بمثل هذا الخبر "
122
قلت : وجّه الحافظ ابن حبان ، هذا الاختلاف ، وبيّن أن هذا ليس اضطراباً.
فابنُ عكيم سمع الكتاب يُقرأ مرة ، وسمعه
مرة أخرى ، من مشايخ جهينة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما دام الأمر
كذلك ، فلا اضطراب" .123
قلت : وهذا التوجيه ، ارتضاه الحافظ ابن حجر ، كما يفهم من كلامه ، في الفتح.
لكن الإمام يحيى بن معين رجح رواية "
حدثنــا أصحابنـا " ، على الرواية الأخرى ، ـ كما مر بنا قوله ـ وعليه تكون
روايته مرسلة 124. والله أعلم.
ثالثاً : من العلل التي أعلّ بها أيضاً ، أنه كتاب.
وأجيب : بأن الكتابة وجه ، من أوجه التحمل ، كما مر بنا.
قال الحافظ ابن حجر : " وبعضهم بكونه ، كتاباً ، وليس بعلة قادحة ".
رابعاً : وأعلّ أيضاً بالانقطــاع ، لأن عبد الله بن عكيم ، تـابعي ، وليس بصحــابي ، فهو لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً.
وأجيب : بـــأن هذا ليس بعلة ، لأنـه لم
يقل " قـــال رســـول الله " ، حتى يــؤثر على روايته ، وإنما تحمل هذا ،
عن طريق الكتابة ، ومرّ بنا أن الكتابة أحد أوجــه التحمل المقبولة ، عند
العلماء.
قال الحافظ ابن حجر : " وأعله بعضهم بالانقطاع ، وهو مردود ".
خامساً : وأعلّ أيضاً بأن ابن أبي ليلى ، لم يسمعه من ابن عكيم.
إذ جاءت رواية ـ كما ذكرها الحــافظ ابن
حجر ، والحازمي ، وابن الملقن ـ أن ابــن أبي ليلى انطلق هــو وجماعة إلى
ابن عكيم ، فدخلوا عليه ، وجلس هو على البــاب ، وعند مــا خرجــوا أخبروه
بالحديث. وهذا يقتضي عدم سماعه منه ، وأن الذي أخبره مجهول.
وأجيب : بأنه قد صح من طريق الثقاتِ ، سماعُ ابن أبي ليلى ، من ابن عكيم.
فلا أثر أيضاً لهذه الرواية على صحة الحديث.
أمــــا الروايــة التي جـــاء فيها ، أن
المنطلق هــو الحكم ، وهــي الموجودة في النسخ المطبـــوعة ، الآن ، فلا
تؤثر أيضــاً ، لأن الحديث خرجه الأئمة ، في مصنفاتهم من طريق الثقات ،
بسند متصل ، كما مرّ بنا.
سادساً : كما أَعله بعضُ العلماء في الاضطراب بالمتن ، إذ روي مرة بشهر ، ومرة بشهرين ، ومرة بأربعين يوماً ، ومرة بثلاثة أيام.
وأجيب : بأن هذا الاضطراب ، لا يؤثر علـى
صحــة الحديث ، إذ رواه أكثر الرواة ، مطلقاً من غير تقييد ، وإنما رواه
مقيداً ، خـالدٌ الحذاءُ ، وأبانُ بن تغلب ، كما مرّ بنا. فتُرجّح
روايــــة الأكثر ، وهـم شعبة بن الحجاج ، ومن وافقه ، كمنصور والشيباني ،
والأعمش ، وهي التي أخرجها، الأئمة ، في مصنفاتهم.
بعد هذا الاستعــراض : يتبين أن حديث عبد الله بن عكيم، لا يساوي الأحــــاديث التي تبيح الانتفاعَ، بجلود الميتة.
قـال الإمام النسائي : " أصحُّ ما في هذا
البـــاب ، في جلود الميتة ، إذا دُبغت ، حديثُ الزهري ، عن عبيد الله ،
عن ابن عباس ، عن ميمونة ".
وقال القاضي أبو المحاسن :
" وحديثُ ابن عباس ، عن ميمونة، في أمـره
إياهم ، بدباغ جلد الشاة التي ماتت لهم ، وقـــــوله لهم عند ذلك "
إنمــــا حـرم أكلها " ، أولى منه ـ يريد من حديث ابن عكيم ـ لصحة مجيئه ،
واستقامة طريقه ، وعدل رواته " . 125
كمــا أن الصحيح الذي رواه الثقـات، أن الحديث ،غير مقيد ، ومن رواه مقيداً بشهر ، أو شهرين ، خالف رواية الأكثر.
فهذا الحديث لا يصلح ، أن يكون ناسخاً ، للأحاديث ، التي مرت بنا ، لأمرين :
الأمر الأول : أن حديث ابن عكيم ، لا يســــاوي الأحـــاديث المبيحة ، مــن حيث ثقة
رواتها ، وكثرتهم.
الأمر الثاني : لا يـوجد في حديث ابن عكيم ، ما يدل على أنه ناسخ ، والنسخ لا يثبت
بالاحتمال ، كما هو معروف. والله أعلم.
المبحث الخامس : مذاهب العلماء ، في حكم الانتفاع ، بجلود الميتة.
مرت بنا الأحاديث التي تتعلق بجلود الميتة ، وأنها كانت على ثلاثة أنواع.
النوع الأول : أباح الانتفاع بها ، بعد دباغتها.
النوع الثاني : أباح الانتفاع بها ، مطلقاً ، لأن بعض تلك الأحاديث ، لم يذكر الدباغ ،
كما مر.
النوع الثالث : حرّم الانتفاع بها مطلقاً.
وبسبب هذه الأحاديث اختلف العلمـــــــاء
في حكمهــــا على مذاهب ، وسأبين في هذا المبحث ، رأي أهل العلم ، في حكم
الانتفاع ، بجلود الميتة، مبيناً الرأي الراجح منها، على ضوء الأدلة التي
مـرت بنا 126 ، كما ذكرت حكم الانتفاع بجلود الميتة المستوردة ، من بلاد
غير المسلمين.
المذهب الأول : ذهب الإمام الزهري ، وتبعه الليث بن سعد.
إلى جواز الانتفاع بجلود الميتة ، من غير دبغها.
وهناك رواية أخرى ، عنهما ، أنهما يشترطان الدبغ ، كما سيأتي.
قال ابن عبد البر :
" وهو قولٌ روي عن ابن شهـاب ، والليث بن
سعد ، وهو مشهور ، عنهما ، على أنه قد روي عنهما ، خلافُه ، والأشهرُ
عنهما ما ذكرناه " .127
قلت :
فتوى الزهري أخرجها عبد الرزاق.
قال : قال : " معمر : وكـــان الزهــــري ينكر الدباغ ، ويقول : يُستمتع به ، على كل حال ". 128
وهناك رواية عن مالك ، في جواز الانتفاع بها ، من غير دبغ ، لكن اعتبرها الحـافظ ابن عبد البر شاذة .129
حجتهم : الأحــاديث التي مرت بنا ، إذ لم يذكر في بعضها ، الدباغ ، وأيضاً جاء في بعض الروايات " إنما حرّم أكلها ".
والجلد إنما ينتفع به ، ولا يؤكل.
الردّ عليهم : مـــا استدل به ، من عموم
بعض الروايـــات ، مثل قـــوله " ألا انتفعتم بإهابهـا " ، ولم يذكر الدباغ
، فالجواب : أن هذه الرواية جاءت مطلقة ، أما الروايات الأخرى ، جاءت
مقيدة ، الانتفاعَ ، بالدبغ ، فيحمل المطلق على المقيد130 .
وقد ناقشهم الحافظ ابن عبد البر ، فقال ما خلاصته :
فيقال لهم : هل جلد الميتة ، لا يموت بموت الشاة ، كالصوف واللبن ، أم لا ؟
فإن أجاب بأنه لا يموت ، فهذا جهل ، إذ يلزمه ، أن يقول مثل ذلك ، في اللحم.
فالجلد كاللحم ، لا فرق بينهما ، في جريان الدم فيهما.
أما إن قال : يموت بموت الشاة ، كما يموت اللحم.
قيل له : فإن الله تعــالى حرّم الميتة ،
وهذا التحريم على الإطلاق ، فالأصل في الميتة عمومُ التحريم ، ولم يخص
إهابها بشيء ، يصح ، ويثبت ، إلا بعد الدباغ.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ذكاة الأديم طهور ، وقوله : " دباغه أذهب خبثه ونجسه ". دليلٌ على أنه قبل الدبغ ، نجس غير طاهر.
وما كان كذلك فلا يجوز الانتفاع به مطلقاً ، استعمالاً ، أو بيعاً .131
المذهب الثـاني : ذهب الإمام أحمد ، في رواية ، إلى تحريم الانتفاع ، بجلد الميتة ، قبل الدبغ ، وبعده.
وهناك رواية أخرى عنه ، أنه يطهر منها ، جلد ما كان طاهراً ، في حال الحياة132 .
ويروى ذلك عن عمر ، وابنه عبد الله ، وعائشة133 ، رضي الله عنهم.
حجتهم : حديث عبد الله بن عكيم ، الذي تقدم ، وهو ناسخ للأحاديث المبيحة.
الردّ عليهم : مرّ بنا أقوال العلماء ،
في حديث ابن عكيم ، وأنه لا يصلح ، لأن يكون ناسخاً ، لأنه لا يساوي
الأحاديث المبيحة ، من حيث الصحة.
وإن قلنـا إنه يساويهـــا ، فالمراد بالإهـــاب ، الجلدُ قبل الدبغ ، أما إذا دبغ ، فلا يسمى إهاباً.
وبذلك يجمع بين الأحــاديث ، وهو الطريق الصحيح بين الأحـاديث المتعـارضة. كما مر بنا.
كما أن الإمام أبا عبد الله ، ترك حديث ابن عكيم ، عندما رأى اختلاف الرواة فيه.
قال الإمام الترمذي : ـ بعد روايته حديث ابن عكيم ـ :
" ... وسمعت أحمد بن الحسن ، يقول : كــان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث ، لما ذكر فيه ، قبل وفاته بشهرين ، وكان يقول :
كان هذا آخر أمـر النبي صلى الله عليه
وسلم ، ثم ترك أحمد بن حنبل ، هذا الحديث ، لما اضطربوا في إسناده ، حيث
روى بعضهم ، فقال : عن عبد الله بن عكيم ، عن أشياخ لهم من جهينة " .134
واحتج من ذهب ، مذهب الإمام أحمد ، بحجج ، منها :
أن الله تعالى حرّم الميتة ، تحريماً عاماً ، ولم يخص منها شيئاً.
قال تعالى : { حرِّمت عليكم الميتة ... }.
الجواب : أن الآية ، وإن كــانت عامة ، لكنهــــا خُصتْ ، بالأحـــــاديث الصحيحة ، الثابتة ، التي مرت بنا.
ومنها :
أن الله تعالى أمــر موسى ، أن يخلع نعليه ، لأنها كــــانت ، من جلد حمار ميت ، كما قــال أبي بن كعب.
الجواب : وأجيب عن ذلك ، بأن هذا دليل ، على أنهما ، كانا غير مدبوغين ، لذلك أُمِر ، بخلعهما.
على أن في شريعتنا ، قولُه صلى الله عليه وسلم : " أيما إهاب دبغ فقد طهر ".
ومنها أيضاً : أن حديث ابـــن عباس اختلف
فيه ، إذ يروى مرة ، عن ابن عبــاس ، عن ميمونة ، ومرة عن ابن عباس ، عن
سودة ، ومرة عن ابن عباس.
واختلف أيضاً ، لمن كانت الشاة ، مرة لميمونة ، ومرة لسودة.
والجواب : هذا اختلاف لا يؤثر على صحة الحديث.
قال الحافظ ابن عبد البر ـ بعد ما حكى اعتراضهم المتقدم ـ :
" هذا كله ليس باختلاف ، يضر ، لأن الفرض صحيح ، والمقصود واضح ، ثابت.
وهو أن الدباغ ، يطهِّر إهاب الميتة ، وسواء كانت الشاة لميمونة ، أو لسودة ، أو لمن شاء الله تعالى.
وممكن أن يكون ذلك كله ، أو بعضه.
وممكن أن يسمع ابن عبــاس ، بعد ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما حكاه عنه ، ابنُ وعلة ، قوله " أيما إهاب دبغ فقد طهر ".
وذلك ثـابت عنـــه صلى الله عليه وسلم ،
وإذا ثبت ذلك ، فقد ثبت تخصيص ، الجلد ، بشرط الدباغ ، مـن جملة تحريمِ
الميتة ، والسنةُ هي المبينة عن الله تعالى مرادُه ، من مُجْملات خطابه "
.125
المذهب الثالث : ذهب فقهاء الحجــاز ، والعراق ، والشـــام ، إلى أن جلود الميتة ، تطهر بالدباغ.
قال الإمام الترمذي : ـ بعد ذكره لحديث " إذا دبغ الإهاب " ـ :
" والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، قالوا في جلود الميتة ، إذا دبغت فقد طهرت ولا أعلم فيه خلافاً ... " .136
وممن اشترط الدبغ أيضاً ـ في رواية ـ الإمامُ الليث بن سعد.
قال ابن وهب : " وسمعت الليث بن سعد يقول
: لا بأس بالصلاة في جلود الميتة ، إذا دبغت ، ولا بــأس بالنعال ، مـن
الميتة ، إذا دبغت ، ولا بأس بالاستقاء بها ، والشرب منها ، والوضوء فيها
".
قال الحافظ ابن عبد البر ، معلقاً على فتوى الليث :
" فهذه الرواية عن الليث ، يذكر شرط الدباغ ، أولى ما تقدم عنه " .137
لكنهم اختلفوا على مذاهب أيضاً :
المذهب الأول : ذهب الحنابلة ، والأوزاعي ، وابن المبـــارك ، وأبو ثور ، وإسحاق ابن راهويه ، وهو مذهب الحنابلة :
إلى أن الذي يَطْهُر بالدباغ ، هو جلد ما يُؤكل لحمُه فقط.
أما الذي لا يؤكل لحمه ، كالسباع ، والبغال ، وغيرها ، فلا تطهر جلودُها بالدباغ.
حجتهم : قــالوا إن المراد بالأهُب في
الأحــاديث ، أهب ما يـؤكل لحمه ، لأنهــا هي المعهودة ، وأما باقي
الحيوانات ، فلا تدخل في الحديث ، لأنه غيرُ معهودٍ ، الانتفاعُ بجلودها.
فيدخل في هــذا العموم ، جلود
الحيوانــات ، التي لو ذكيت ، لاستغني عن الدباغ .138 وأيضــاً : قـد ورد
فـي بعض طرق الحديث ، " ذكاة الأديم ، دباغه " ، فشبه الدبــاغ بالذكــاة ،
ومن المعروف أن الذكـــاة ، تعمل في مـأكول اللحم ، ولا تعمل في غيره ،
كالذبح .139
كمــا أن الأهب تطلق على ما يؤكل لحمه ، أما ما لا يؤكل لحمه ، كالسبــاع ، فتسمى جلوداً ، كما قال ذلك ، النضر بن شميل . 140
وقالوا أيضاً : إن الأحاديث الواردة ، جاءت في مأكول اللحم ، فيجب أن تقصر عليها لأن الحديث ، ورد من أجلها.
أما الذي لا يؤكل لحمه ، فهو داخل ، في عموم تحريم الميتة .141
وأيضاً : قد ورد عــــن النبي صلى الله
عليه وسلم ، أنه نهى عن جلود السباع ، روى النسائي 142، وأبو داود 143،
والترمذي 144، وأحمد 145، من حديث سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي
المليح بن أســــــامة ، عن أبيه ، أن رســـول الله صلى الله عليه وسلم "
نهى عـن جلود السباع ".
قــــــــال الترمذي : ولا نعلم أحداً ، قال عن أبي المليح ، عن أبيه ، غيرُ سعيد بن أبي عروبة.
ثم ذكر الرواية المرسلة : عن شعبة ، عـن يزيد بن الرشْك ، عن أبي المليح ، عـــــن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه نهى عن جلود السباع " ، ثم قال : وهذا أصح.
قلت : قد صحح غير واحد من العلماء الرواية الأولى ، وهي عن أبي المليح عن أبيه.
وأجيب عــن هـذا : أن العبرة بعموم اللفظ ، وليس بخصوص السبب ، فالأحــاديث التي أباحت الانتفاعَ ، بجلود الميتة عامةٌ.
كمــا أن الحيوان الذي لا يُؤكل لحمه ،
هو طـــاهر ، يُنتفع به ، قبل الموت ، فالدبــاغُ لجلده بعد الموت ، قائمٌ
له ، مقام الحياة .146
أما احتجاجهم : بأن الأهب ، لا تطلق إلا
على ما يؤكل لحمه ، فغير صحيح ؛ إذ جاء في لغة العرب ، ما يثبت إطلاق ذلك ،
على مأكول اللحم ، وغيره.
حكى ذلك أبو منصور الأزهري ، بدليل قول عنترة العبسي :
فشككتُ بالرّمْحِ الطويلِ إهابَه ليس الكريمُ على القَنا بمحرّم .147
أما الحديث الذي استدلوا به ، في تحريم جلود السباع ، فقد أجيب عنه ، بما يلي :
1 ـ إنما نهى الرسول عن استعمالها ، قبل الدبغ.
2 ـ أو نهى عن استعمالها ، لأنها غالبـــــاً ، تستعمل مع شعرهــــا ، والشعر لا يطهر
بالدباغ ، ولــــذلك نهى عنها ، وهذا على رأي الشافعية ، إذ عندهم شعرُ الميتة ،
وصوفها ، نجسٌ.
3 ـ أو نهى عنها ، لأنها مراكبُ أهلِ السَّرف والخُيلاء .148
المذهب الثـــــاني : ذهب الإمــام
الشافعي ، إلى أن جلود الميتة كلها ، بما فيها جلود السباع ، تطهر بالدبـاغ
، ما عدا الخنزير ، والكلب ، وما تولد منهما.
كما أن الجلد يَطهر ، ظاهراً ، وباطناً ، بالدباغ ، فيُنتفع بها ، في كل شيء.
أمــا الذكاة لمــــــا لا يُــؤكل لحمه ،
فلا تعمل الذكاةُ ، في جلودهـا ، بخلاف الحنفية ، والمالكية ، فإنها تعمل
عندهم ، كما سيأتي بيان ذلك.
حجتهم : الأحـاديث التي مرت بنا ، إذ وردت بصيغة العموم ، من غير تفريق ، بين مأكول اللحم ، وبين غيره.
وهذا ما فهمه عبد الله بن عباس ، عندما سأله ابنُ وعلة.
قال : سألت عبد الله بن عباس عن أسقيةٍ ، نجدها بالمغرب ، في مغازينا ، فيها السمن والزيت ، لعلها تكون ميتة ، أفنأكلُ منها ؟
قال : لا أدري ! ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أيما إهاب دبغ فقد طهر ".
قال الحافظ ابن عبد البر ـ بعد ذكره فتوى ابن عباس ـ :
فهذه الآثـار كلها ، عن ابن عباس ، تدل على أنه فهم من الخبر، معنى عمومِ الانتفاع به ، وحَمل الحديثَ ، على ظاهره ، وعمومه.
وإنما سئل عن الشرب فيهـــا ، ونحو ذلك ،
فأطلق الطهــارة عليها ، إطلاقاً غير مقيّد بشيء ، ولم تختلف فتوى ابن
عباس ، وغيره : أن دباغ الأديم طهوره.
وكذلك لم يختلف ، قول ابن مسعود ، وأصحابه ، في ذلك " .149
أمــا جلد الخنزير والكلب ، فإنما استثنـاهما ، لأن نجــاستهما مغلّظة ، فهي مستمرة ، حياً ، وميتاً . 150
قلت : يدخل في فتوى ابن عباس ، الصناعات الجلدية ، بأنواعها ، فـي عصرنـــا ، التي تستورد من النصارى ، وغيرهم.
المذهب الثالث : ذهب الإمـــام أبـو حنيفة ، إلى أن جلود الميتة ، بما فيها جلود السباع ، تطهر بالدباغ ، ما عدا جلد الخنزير.
قال محمد بن الحسن ـ بعد أن روى حديث مولاة ميمونة الذي مرّ بنا ـ :
" وبهذا نأخذ ، إذا دبغ إهــاب الميتة ،
فقد طهر ، وهو ذكاته ، ولا بأس بالانتفاع به ، ولا بأس ببيعه ، وهو قول أبي
حنيفة ، والعامة من فقهائنا " .151
حجته :عموم الأحاديث التي مرت بنا ، واستثنى الخنزير ، لنجاسته المغلظة.
الردّ عليهم : سيأتي الردّ عليهم بعد قليل ، مع الرد على أصحاب المذهب الرابع.
المذهب الرابع : ذهب داود ، وأهل الظاهر ، إلى أن الجلــود كلها ، تطهر بالدبـاغ ، من غير استثناء ، ظاهراً وباطناً.
وذهب إلى هذا أيضاً سحنون ، من المالكية ، أن جلد الخنزير ، إذا دبغ فلا بأس به.
روى الحافظ ابن عبد البر بسنده عن معن بن عيسى ، عن مــــــالك أنه قال : لا ينتفع بجلد الخنزير ، وإن دبغ.
قال : وقال لي سحنون : لا بأس به .152
قال ابن عبد البر ـ بعد ذكره قول سحنون ـ :
" هو قول محمد بن الحَكَم ، وقول داود بن علي ، وأصحابه ".
ثم ذكر حجتهم في ذلك ، وهو حديث ابن عباس ، الذي مر بنا ، وهو " أيما مَسْك دبغ فقد طهر ".
ثم قال : " حملوه على العموم ، في كل جلد " . 153
حجتهم : عموم الأحاديث ، فهي شاملة لجميع الجلود ، بما فيها الخنزير.
الردّ عليهم :
وقد رُدّ عليهم بما يلي :
1 ـ أن هذه الأحاديث ، وإن كــانت عامة ،
فهي مخصوصة بغير الكلب ، والخنزير ، لأن نجــاستهما ثابتة ، ولازمة لهمــا
، في الحيــاة وبعدها ، فالمـراد من هذا العموم ، الجلود المعهود الانتفاع
بها.
2 ـ كمـــا أن الحيـــاة ، أقــوى من
الدباغ ، بدليل أن الحياة ، سببٌ ، لطهـــارة الجلد ، والدباغ إنما يُطهِّر
الجلدَ ، فإذا كانت الحيـــاة لا تطهرهما ، فالدبـــاغ أولى ، كمـــا أن
النجاسة تزول بالمعالجة إذا كانت طارئة ، كثوبٍ تنجّسَ ، أما إذا كانت
لازمةً للعين ، فلا يمكن معالجتها ، كالروث ، ومثله الكلب .154
3 ـ كما أن هذا العموم ، مخصوص بالعادة ، إذ لم يكن من عادتهم ، اقتنـاء الخنزير ، حتى يموت ، لكي يدبغوا جلده.
وكذا الكلب ، إذ لم يكن من عادتهم استعمال جلده .155
المذهب الخــامس : أما الإمام مالك ، وأصحابه ، فلهم منهج خــاص ، يختلف عـــن العلماء.
إذ عندهم أن الدباغ ، لا يُطَهِّر جلدَ
الميتة ، سواء كانت مأكولة اللحم ، أو غير مأكولة اللحم ، كالسباع ، وإنما
يبيح الانتفاع بها ، في الأشياء اليابسة ، كالغربلة ، والجلوس عليه.
أما الصلاة عليه ، أو الأكل فيه ، فلا يجوز.
قال الحافظ ابن عبد البر :
" وكــان مـالك ، وأصحـابه ، حاشا ابــن
وهب ، يــرون أن يُنتفع ، بجلود الميتة ، إذا دبغت ، في الجلـوس عليها ،
والعمل ، والامتهــان في الأشيــاء اليــابسة ، كالغربلة ، وشبهها.
ولا تباع ، ولا يتوضأ فيها ، ولا يصلى عليها ، لأن طهارتها ، ليست بطهارة كاملة.
ومن حجتهم :
أن الله تعالى حرّم الميتة ، فثبت
تحريمها بالكتاب ، وأبـــاح رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستمتاع ،
بجلدها ، والانتفاع به ، بعد الدباغ " .156
قلت :
الأصل عندهم ، تحريم الميتة ، الذي ثبت
في الكتـــاب ، لكن جاءت السنة ، واستثنت جلودهــا ، فيقتصر على هذا
الاستثنــاء ، وهو الانتفاع بها ، في أمـــور محددة ، وهم بذلك، قد خالفوا
بهذا، أكثر أهـل العلم ، بالحجاز ، والعراق ، من أهل الفقه والحديث.
كما أن ذكاة السباع عندهم ، عاملة أكثر من الدباغ ، فمن ذكى السباع حلّت جلودهـا ، واستعملت في كل شيء.
قال الحافظ ابن عبد البر :
" جعْلُ التذكيةِ في السباع لجلودها ،
أكملُ طهارةً من دباغهـا ، وهذا على ما ذكر من أصولهم ، في أن الذكاة ،
عاملة في السباع ، لجلودها.
وإن طهارة الدباغ ، ليست عندهم ، طهارةٌ كاملة ، ولكنهــا مبيحة ، للانتفاع ، وهـــذا هو المشهور ، من مذهب مالك ، وأصحابه " . 157
أما الإمـام الشــافعي ، فــلا تعمل الذكاة ، فـــي الحيوانــات التي ، لا يؤكل لحمهــــا ، كالسباع.
قال الإمام البغوي : " وكل حيوان ، لا يؤكل لحمه ، فذكاته كموتــه ، عند بعض أهـل العلم ، وبه قال الشافعي.
وذهب قوم إلى أن جلده ، بعد الذكاة ، طاهر ، وهو قول مالك ، وأصحاب الرأي " .158
الراجح من هذه المذاهب :
مــن خلال هــذه الــدراسة ، للأحـــاديث التي مرت بنا ـ يتبين أن أرجحهــا ، وأولاها بالقبول ، هو المذهب الثالث.
الذين قالوا : يُنتفع بجلود الميتة ، بشرط دبغِها ، وهذا الانتفاع عام.
وعلى هذا ، نكون قد استعملنا ، الأحاديث الواردة ، في هذه المسألة، كلها ، ولم نهمل أحداً منها.
وذلك كما يلي :
يُحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفــاع ، إذا كــان قبل الدباغ ، وفي هذه الحـــالة ، يسمّى إهاباً ، أما بعد الدبغ ، فيسمى جلداً.
ويحمل حديث ابن عبــاس ، الذي جاء مطلقاً ، في بعض الروايــات الصحيحة ، على الأحاديث الصحيحة المقيّدة.
ونكـــون بهذا قد جمعنا بين الأحاديث كلها ، وهذا هو الطريق الصحيح في الأحـاديث المتعارضة.
وقد مشى على هذا الجمع ، غيرُ واحد ، من أهل العلم .159
قال الحافظ ابن عبد البر :
" ... وعلينا أن نستعمل الخبرين ما أمكن استعمالهما ، وممكن استعمالهما :
بأن نجعل خبر ابن عكيم ، في النهي عن جلود الميتة ، قبل الدباغ.
ونستعمل خبر ابن عباس وغيره ، في الانتفاع بها ، بعد الدباغ.
فكــان قــــوله صلى الله عليه وسلم : " لا تنتفعـوا من الميتة بإهاب " ، قبـل الدبــاغ ، ثم جاءت رخصة الدباغ ". 160
وقال الحافظ الحازمي :
" وطريق الإنصاف فيه أن يقال :
إن حديث ابن عكيم ، ظاهر الدلالة ، في النسخ ، لو صح ، ولكنه كثير الاضطراب.
ثم لا يقاوم حديث ميمونة في الصحة ... إلى أن قال :
وإذا تعذر ذلك فالمصير ، إلى حديث ابن عباس ، أولى ، لوجوهٍ من الترجيحات.
ويحمل حديث ابــن عكيم ، علـى منع الانتفاع به ، قبل الدباغ ، وحينئذ يسمى إهـاباً ، وبعد الدباغ ، يسمى جلداً ، ولا يسمى إهاباً.
وهذا معروف عند أهل اللغة ، ليكــون جمعاً بين الحكمين ، وهــذا هــو الطريق ، في نفي التضاد عن الأخبار " .161
قلت :عــامة أهل العلم ، قـــالوا إن
الدبغ ، مطهر لجلـــود الحيوانات الميتــة ، التي يـــؤكل لحمها ، حتى
الذيـن أفتــــوا ، بجــواز استعماله ، مـــن غير دبغ ، لهم فتـوى أخرى ،
تشترط الدبغ.
وكذلك الذيــن أفتوا ، بعدم جــواز
الانتفاع ، بجلود الميتة مطلقاً ، لهم فتــوى أخرى ، بجواز الانتفاع ، بعد
الدبغ ، وإنما اختلفوا فيما لا يؤكل لحمه .162
قال الإمام أبو البركات عبد السلام بن تيمية الحراني :
" وأكثر أهل العلم، على أن الدباغ ،
مطهِّر في الجملة ، لصحـة النصوص به ، وخبرُ ابن عكيم ، لا يقاربُها ، في
الصحة ، والقوة ، لينسخَها " .163
قيل ليحيى بن معين :
أيمـا أعجب إليك مـــن هذين الحديثين ، " لا ينتفــع من الميتة بإهاب ولا عصب ، أو دباغها طهورها " ؟
قال : " دباغها طهورها أعجب إلي " . 164
قلت : أما في عصرنــــا ، فإن المصانع
التي تقــوم بتنظيف الجلود ، وإعدادهــــا ، لتكـــون ملابس ، أو أحذية ،
أو غير ذلك ، من الاستعمـــــالات الكثيرة ، فإن ذلك يغني عـــن دبغها ،
لأن الهدف من الدبــاغ ، هـــو إزالةُ ما تجمَّد علــــى الجلد ، مــن دمٍ ،
وهــذه المصانع ، تزيلُ ذلك ، بل هي أفضل ـ بكثير كما لا يخفى ـ في
التنظيف ، من الدباغ.
فالملابسُ الجلدية ، مما يأتي من بلاد
غير المسلمين ، هي طاهرة ، يجوز استعمالها ، وبيعها ، والصلاة فيهــا ،
بشرط ألا تكونَ مـــن جلد الخنزير ، أو الكلب ، علـى رأي الجمهور. والله
أعلم.
المبحث السادس : الأشياء التي تحصل بها الدباغة.
الأصل في هذا ، حديثُ العاليةِ بنت
سُبَيْع ، أنها قالت: كان لي غنم ، بأحُد ، فوقع فيها الموتُ ، فدخلتُ على
ميمونة زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرتُ ذلك لها.
فقالت لي ميمونة : لو أخذتِ جلودها ، فانتفعت بها.
فقــلت : أو يحلُّ ذلك ؟
قالت : نعم ! مرّ على رسـول الله صلى
الله عليه وسلم ، رجــــالٌ من قريش ، يجرون شاة لهم ، مثل الحمار ، فقال
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لو أخذتم إهابها ".قالوا : إنها ميتة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُطهِّرُها الماءُ ، والقَرَظ ".
فهذا الحديث أخرجه النسائي 165، وأبو داود166 ، وأحمد167 ، وابن حبان .168
كلهم مــــن طُرق ، عن كثير بن فَرْقد ، أن عبد الله بن مالك بن حذافة حدثه ، عن أمه العالية.
فهذا الحديث فيه عبد الله بن مالك بن حذافة.
قال الذهبي :
" تابعي ، ما روى عنه سوى كثير بن فرقد ، ففيه جهالة " . 169
وقال الحافظ ابن حجر :
" حجازي ، سكن مصر ، مقبول ، من الرابعة ، س ، د " .170
وعليه يكون الحديث ، بهذا الإسناد ضعيفا ، وذلك لحال " عبد الله بن مالك ".
لكن يمكن أن يتقـــوى هذا الحديث ، بحديث
ابن عباس ، الذي مر بنـا ، فــي المبـحث الثالث ، فيكون حسناً لغيره ، إذ
جاء في إحدى روايـاته ، زيادة " القرظ والمــــاء " ، التي أخرجها الإمام
الدارقطني في سننه.
روى بسنده عن محمد بن سهل وإبراهيم بن
هـانئ ، قــــالا حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، قال حدثنا يحيى بن أيوب ،
عن يونس وعقيل ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله
عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال : " هلا انتفعتم بإهابها ؟ "قالوا : يا رسول الله نها ميتة! قال : " إنما حرم أكلها ".
زاد عقيل : " أو ليس في الماء والدباغ ما يطهرها ؟ ".
وقال ابن هانئ : " أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها ؟ " .171
ثم رواه من طريق محمد بن إسحاق ، قال حدثنــا عمرو بن الربيع ، بهذا الإسنــــاد ، مثله.
وقال : زاد عقيل في حديثه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أليس في الماء ، والقرظ ، ما يطهرها ، والدباغِ ".
وأخرجه البيهقي في سننه ، من طريق الدارقطني .172
قلت : والحديث حسنه الحافظ زكي الدين ،
وأقره ابن الملقن173 ، ورجال إسناده ثقات ، ما عدا يحيى بن أبي أيوب
المصري ، فهو صدوق ، ربما أخطأ ، كما قال الحافظ ابن حجر . 174
والمراد بالقرظ : ورق شجر السّلَم 175 ، يدبغ به.
وقيل : هو شجر عظام ، لها شوك غلاظ ، كشجر الجوز176 .
اختلف العلمــــاء ، فيمـا تحصل بـه ، الدباغة ، بعد اتفــاقهم على أن القرظ، والمـاء ، تحصل به ، طهارة جلود الميتة.
1 ـ ذهب المــالكية والشافعية : إلى أن
الدباغ يحصل بأي شيء ، يُزيل عفونة الجلد ، كالقرظ ، وقشر الرمّان ، ولو
كان نجساً ، كذرق الطيور.
ولا يكفي في الدبغ ، عندهم ، تشميس الجلد
، أو وضـــع التــــراب عليه ، لأن ذلك لا يُذهب خبثه ، بدليل أنه لو نقع
في الماء ، لفسد ، وظهرت رائحته177 .
2 ـ وذهب الحنابلة إلى أن الدبــغ يحصل بأي شيء ، بشرط أن يكــــون طاهراً ، ولا يكفي عندهم التشميس أو التتريب .178
3 ـ وذهب الحنفية إلى أن الدباغة تحصل بكل شيء ، حتى بالتشميس أو التتريب.
قال ابن عابدين : " وما يمنع النتن على نوعين :
حقيقي ، كالقرظ والشب والعَفْص 179، ونحوه.
وحكمي ، كــــالتتريب ، والتشميس ، والإلقــــاء فــي الريح ، ولو جف ولم يستحل لم يطهر " .180
قلت : فالجلودُ التي تُنظّف، في المصانع
المخصصة، لدباغة جلود الميتة ، وتنظيفها ، كافٍ ، بل هي أبلغ في إزالة
العفونة ، وتطييب الجلــــد ، وليس الدباغ مقتصــراً على القرظ ، كما جاء
في الحديث ، بل يأخذ حكمَ القرظ ، كلُّ شيء، يعملُ عملُه.
قال الحــافظ ابن القيم : " فكل شيء عَمِل عمل القَرْظ ، كان حكمه في التطهير ، حكمَ القرظ " .181
وقال الحافظ ابن عبد البر :
" الدباغ يشترط أن يكون منشّفاً للرطوبة ، منفياً للخبث ، مزيلاً للرائحة " .182
كما أن الدابغ الذي قام بدباغة الجلد ، لا يشترط أن يكون مسلماً ، لأنه لا يحتـــاج إلى نية ، فيصح الدبغ من الوثني.
قال ابن قدامة :
" ولا يفتقر الدبغ إلى فعل ، لأنها إزالة
نجــــاسة ، فأشبهت غسْل الأرض ، فلــو وقع جلدُ ميتةٍ ، في مَدْبغة ،
بغير فعلٍ ، فاندبغَ ، طَهُر ، كما لـو نزل مــــاءُ السمـاء ، على أرضٍ
نجسة ، طهّرها " .183
وقـــال الشيخ عثمـــــان بن أحمد النجدي ـ تعليقاً على قول صاحب منتهى الإرادات :
" ويباح دبغ جلدٍ ، نَجُس ، بموت ، واستعماله بعده ـ :
" شمل المأكول إذا ذكاه من ليس بأهلٍ ،
للذكاة ، لأنه ميتــــــة ، فينجس جلده ، ويباح دبغه ، أشبه ما لو مات بغرق
، أو حرْق ، أو وقوعٍ في نحو بئر. والله أعلم 184" .
فالجلود المستوردة ، من أهل الكتــــاب ،
وغيرهم مــن الوثنيين ، هي طــاهرة ، وإن كانت في الأصل ذبائحهم ، في حكم
الميتة ، لأن تنظيفها بالمصـــانع الحديثة ، تطهير لهـا ، فلا يبقى فيهـــا
شيء ، من الترسبات ، أو الـــــروائح الكريهة ، كمـــا لا يخفى. والله
أعلم.
الخاتمة :
بعد هذه الدراسة توصلتُ إلى ما يلي :
1 ـ الدقة والتحري عند سلفنا الصالح ، في النقل ، وفي الفهم.
2 ـ أهمية معرفة علوم الحديث ، لكي يميز الباحث ، الحديث الصحيح ، عن غيره.
3 ـ على كل من يشتغل ، بالفقه ، أن يكون ملماً ، بالسنة وعلومهــا ، لكي تكون فتواه
على وفق النصوص.
4 ـ الأحاديث المتعلقة ، بجلود الميتة ، كانت تدور ، حول ثلاثة أمور ، كما مر بنا.
5 ـ حديث ابن عكيم ، لا يساوي الأحاديث المبيحة ، من حيث الصحة والقوة.
6 ـ الرأي الراجح ، من مذاهب العلماء ، جواز الانتفاع ، بجلود الميتة ، بعد دبغها ،
عدا جلد الكلب ، والخنزير.
7 ـ جواز تخصيص الكتاب ، بالسنة.
8 ـ تذكية الحيوانات غير المأكولة ، كالسباع، تجعل جلودها طاهرة ، ولا تحتاج إلى
دباغ ، عند المالكية والحنفية.
9 ـ الجلود المستوردة من البلاد التي لا تذبح على الطريقة الإسلامية ، أو كان أهلها ،
وثنيين ، هي طاهرة ، بعد دباغتها ، وإن كانت في الأصل ، في حكم الميتة.
10 ـ المنظفات التي تستعمل في هذه العصور
، تقوم مقام القرظ ، لأن الهدف من الدباغ ، إزالة العفونة ، وإزالة
الترسبات ، وهذه المنظفات ، تزيل ذلك على أحسن وجه.
هذا والله تعالى أعلم.
وآخر دعــوانا أن الحمد لله رب
العــالمين ، وصلى الله علـى هــذا النبي الأمي ، الذي أرسله الله تعالى
هادياً ، ومعلماً ، ومشــرعاً ، وعلى آله وأصحابه ، وأتباعه إلى يـوم
الدين.
*أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الطائف.
الهوامش والمراجع
ـــــــــــــ
1 انظر منهج النقد في علوم الحديث ص26 ـ 27 .
2 انظر لسان العرب مادة : موت.
3 قواعد التحديث : ص25 .
4المرجع السابق.
5الإهاب : مصدر أهب ، والإهاب : الجلد من البقر ، والغنم ، والوحش ، ما لم يدبغ ، انظر لسان العرب مادة : أهب.
وقال في المغرب : 1/50 " الإهاب : الجلد غير المدبوغ ، والجمع أُهُب ، بضمتين ، وبفتحتين : اسم له ". وانظر أيضاً النهاية.
أما إذا دبغ ، فإنه يسمى جلداً ، كما سيأتي بيان ذلك.
6مسند الشافعي ـ الباب الثالث في الآنية والدباغة ـ 1/26 حديث 57 .
7كتاب الحيض ـ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ ـ 1/278 .
8كتاب اللباس ـ باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت ـ 4/221 حديث 1728 .
9كتاب الفرع والعتيرة ـ باب جلود الميتة ـ 7/173 .
10كتاب اللباس ـ باب لبس جلود الميتة إذا دبغت ـ 2/1193 حديث2609
11المسند : 1/219 .
12مسد أبي عوانة : 2/212 .
13مسند الشافعي : 1/26 حديث 58 .
14كتاب الصيد ـ باب مـا جاء في جلود الميتة ـ 2/498 حديث 17.
15كتاب اللباس ـ باب في أهب الميتة ـ حديث 4123 .
16صحيح مسلم : 1/277 حديث رقم عام 361 .
17 المصدر السابق : 1/278 حديث 106 و 107 .
18كتاب الفرع والعتيرة ـ باب جلود الميتة ـ 7/173 .
19مسند أبي عوانة : 2/212 .
20المصدر السابق : 2/13 .
21التقريب : ترجمة 4039 .
22سنن الدارقطني ـ باب الدباغ ـ 1/48 حديث 128 .
23التقريب : ترجمة 6164 .
24المراد بالذكاة الذبح ، يقال : ذكّى الذبيحة تذكيةً ، إذا ذبحها. انظر المغرب : مادة ذكى ، ومختار الصحاح أيضاً.
25التقريب : ترجمة 2787 .
26التمهيد : 4/160 .
27المخالفة في رواية " شريك " الأولى ، وهي عن عمارة بن عمير عن الأسود عن عائشة.
أما الثانية : فليس بينهما مخالفة ، بل هي مثلها.
وإسناد النسائي كلهم أئمة ثقات.
28 شرح معاني الآثار : 1/470 .
29كتاب الصيد ـ باب مــا جاء في جلود الميتة ـ 2/498 حديث 18.
30مختصر سنن أبي داود ـ كتاب اللباس ـ باب في أهب الميتة ـ 60/65 حديث 3961 ).
5 31كتاب اللباس ـ باب في أهب الميتة ـ 4/46 حديث 4124 .
32كتاب اللباس ـ باب لبس جلود الميتة إذا دبغت 26/1194 حديث 3612 .
7 موارد الظمآن ص 61 رقم 3612 .
33 انظر بذل المجهود : 17/6 .د
34كتاب اللباس ـ باب في أهب الميتة ـ 42/66 حديث 4125 .
35كتاب الفرع والعتيرة ـ باب جلود الميتة ـ 37/173 ـ 174.
36مسند الطيالسي : 24/571 حديث 1339 .
37كتـاب العقيقة ـ باب في الفراء مــن جلود الميتـة إذا دبغت ـ5 8/381 حديث4834 .
38المستدرك على الصحيحين ـ كتاب الأشربة ـ 46/146 وصححه ، وأقره الذهبي في تلخيصه : 4/ 146 .
39موارد الظمآن ص61 حديث 124.
8 40 المسند : 3/476 .
41المسند : 5/6 .
42الموضع السابق : حديث 4835 .
43الأديم : قال في المغرب ـ تحت مادة أدَمَ ـ " الأدَم : بفتحتين ، اسم لجمع " أديم " ، وهو الجلد المدبوغ ، المُصلح بالدباغ ".
أما الأدمة : فهي باطن الجلد الذي يلي اللحم ، والبشرةُ ظاهرُها ، انظر لسان العرب مادة أدم ، ومختار الصحاح أيضاً.
44المسند : 5/6 .
45 التقريب : ترجمة 986 .
47قال ابن الملقن : " يجوز أن تقرأ " حرّم " بضم الحاء ، وكسر الراء المشدودة ، و " حرم " بفتح الحاء ، وضم الراء المخففة ، وهما
روايتان " البدر المنير : 1/601.
1:48/50 حديث 315 .
49- كتاب العقيقة ـ باب في الفراء من جلود الميتة إذا دبغت ـ 8/379 حديث 4825 .
50- 6/329 .
51 كتـاب الحيض ـ بـــاب طهــارة جلـود الميتة بالدباغ ـ 1/276 حديث رقم عام 363
52كتاب اللباس ـ باب لبس جلود الميتة إذا دبغت ـ 2/1193 حديث 3610 .
53 23/427 رقم 1036.
54التمهيد 9/50 .
55التمهيد 4/155 .
56السنن 4/66 .
57السنن : 1/41 ـ 44 حديث 1 ـ و2 .
58السنن : 1/20 .
59قال في التقـريب : " صدوق كثير الغلط " ، ترجمة 6302 .
60المسند : 1/329 ـ 330 .
61المسْك : بفتح الميم ، وسكون السين المهملة ، وهو الجلد.
وخصه بعض العلماء ، بجلد السخلة أولاً ،
ثم كثر استعماله ، فصار يطلق على كل جلد ، ويجمع على مُسُك ، ومُسُوك. انظر
لسان العرب مادة : مسك.
وذكر الحافظ إبراهيم الحربي رحمه الله أن
المَسك ، هو الإهاب مطلقاً ، فلم يقيده بجلد السخلة ، أو غيرها. انظر
غريب الحديث له : 2/565 .
62المعجم الكبير : 23/428 حديث 1034 و1040 .
63كتـاب الطهارة ـ باب جلود الميتة ـ 2/288 حديث 1279 .
64كتاب الحيض ـ بـــاب طهارة جلود الميتة بالدباغ ـ 1/277 حديث رقم عام 364 .
65كتاب الفرع والعتيرة ـ باب جلود الميتة ـ 7/172 ـ 173 .
66مسند أبي عوانة : 1/211 .
67كتاب الحيض ـ باب طهارة جلود الميتة بالدباغ ـ 1/277 حديث رقم عام 364 .
68كتاب الفرع والعتيرة ـ باب جلود الميتة ـ 7/172 .
96 2/ 493 .
70كتـــاب الزكاة ـ باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ـ 3/ 355 حديث1492..
71 1/276 حديث 101 .
72 1 /210 .
73كتاب البيوع ـ باب جلود الميتة قبل أن تدبغ ـ 4/ 413 حديث 2221 ، وحديث 5531 .
174/210 .
175كتاب الصيد ـ باب ما جاء في جلود الميتة ـ 2/ 498 حديث 16.
176/ 27 حديث 59 .
77كتاب الفرع والعتيرة ـ باب جلود الميتة ـ 7 / 172.
78كتـــاب الطهارة ـ باب جلود الميتة إذا دبغت ـ 10/62 ـ حديث 184.
79 1/365 .
80 1/210 .
81 كتاب اللباس ـ باب في أهب الميتة ـ 4/66 حديث 4121 .
82 التمهيد : 9/50 .
83باب دباغ الميتة ص 342 .
84التمهيد : 9/49 .
85التمهيد : 9/50 .
86التمهيد :9/51 .
87انظر شرح العلل : 2/ 479 .
88السنن : 7/175 .
89الشَّن والشَّنة : القِرْبة البالية ، والجمع شِنَان . النظر مختار الصحاح : مادة شنن.
90 5/35 حديث 5774 ، وقارن بالنكت الظراف : 5/35 .
91فتح الباري : 9/659 وانظر أيضاً الفتح 11/569 .
92المسند : 1/327 .
93 2/623 حديث 1389 .
94 المسند : 4/310 .
95كتـــــاب اللباس ـ بــاب مــن روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة ـ 4/67 حديث 4127 .
96كتاب الفرع والعتيرة ـ باب ما يدبغ من جلود الميتة ـ 7/175 .
97كتـاب اللباس ـ باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ـ 2/1194 حديث 3613 .
89كتاب اللباس ـ باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت ـ 4/222 حديث 1729 .
99كتــاب الفرع والعتيرة ـ باب ما يدبغ به جلود الميتة ـ 7/175 .
100كتــاب الفرع والعتيرة ـ بــاب ما يدبغ به جلود الميتة ـ 7/175 .
101المسند : 4/310 ـ 311 .
102السنن الكبرى ـ كتــــاب الطهارة ـ بـــاب المنع من الادهـان في عظام الميتة... ـ 1/25 .
103المسند : 4/310 .
104المصدر السابق.
105كتاب اللباس ـ باب من روى أن لا ينتفع بـإهاب الميتة ـ 4/67 حديث 4128 .
106فتح الباري : 9/659 ، والتلخيص الحبير : 1/47 ـ 48 .
107انظر الاعتبار ص56 ، إذ روى بسنده عن الحكم عن عبد الرحمن أنه انطلق ، هو وناس ... الحديث.
108انظر البدر المنير : 1/592 .
109قال في إرواء الغليل : 1/77 " ووقع للحـافظ هنا ، وهم عجيب ، فإنه أدخل في هذه الرواية ، بين الحكم ، وابن عكيم ، عبد الرحمن ،
سالكاً في ذلك ، على الجادة ، وبنى على ذلك ، انقطاع الحديث ، بين عبد الرحمن ، وابن عكيم ".
ثم ذكر كلام ابن حجر في التلخيص.
110باب جلود الميتة : 4/93 حديث 1277 .
111 المعجم الأوسط : 1/105 ـ 106 حديث 104 .
112 قال أبو حاتم : لم يكن أهلاً أن يرو عنه.
وقال العقيلي : في حديثه نظر.
وقيل كان يشرب المسكر ، ويلعب بالشطرنج في المسجد. ميزان الاعتدال : 3/349 ترجمة 6711 .
113انظر البدر المنير : 1/595 وما بعدها ، والفتح : 9/659 .
114علل الحديث : 1/52 حديث 127 .
115انظر التلخيص الحبير 1/47 .
116انظر المراسيل ص103 وما بعدها.
117الإلماع ص86 .
118إذ قال في إرواء الغليل ص78 " فإعلال الحافظ إياه ، بالإرسال ، في التلخيص ، مما لا وجه له في النقد العلمي الصحيح ".
119انظر البدر المنير 1/590 ـ 591 .
120 التلخيص الحبير : 1/48 .
121انظر فتح الباري : 9/659 .
122السنن الكبرى : 1/15 ، وقارن بالتمهيد 4/164 .
123جامع الترمذي : 1/222 .
124( التمهيد 4/164 ).
125انظر صحيح ابن حبان: 4/ 95 ـ 96 .
وفتح الباري : 9/659 .
126وهذا ما رجحه القاضي أبو المحاسن يوسف بن موسى في كتابه المعتصر من المختصر : 1/269 .
127 المعتصر من المختصر : 1/269 .
128سأقتصر على قول إمام كل مذهب ، ولا أذكر أقوال أصحابه ، كما لا أذكر تفريعاتهم ، حتى لا يطول البحث ، ويخرج عن هدفه.
129التمهيد : 4/154.
130المصنف باب جلود الميتة إذا دبغت ـ 1/63 رقم 185 .
131التمهيد : 4/154 .
132انظر شرح النووي على صحيح مسلم : 4/54 .
133انظر التمهيد : 4/161 ـ 162 .
134انظر المغني لابن قدامة : 1/89 ، وشرح صحيح مسلم : 4/54 .
135قلت : ما روي عنهم ، وعن غيرهم ، من الصحابة ، يحمل ذلك ، على التنزه.
قال الحافظ ابن عبد البر : " وأما ما
روي عن عمر ، وابن عمر ، وعائشة ، في كراهية لباس ، ما لم يكن ذكياً ، من
الفراء ، فيحمل
ذلك عندنا على التنزه ، والاختيار ، والاستحباب ، لأنه قد روي عنهم خلاف ما تقدم.
وتهذيب الآثار عنهم ، أن تحمل على ما ذكرنا ". التمهيد 4/168 .
وانظر فيه 168 وما بعدها رأي عمر وابنه وعائشة ، إذ روي عنهم ، جواز الانتفاع بعد الدباغ .
136جامع الترمذي : 4/222 .
137التمهيد : 4/168 .
138جامع الترمذي : 4/221 .
139التمهيد 4/173 .
140 انظر التمهيد : 4/178 ـ 179 .
141انظر المبدع في شرح المقنع : 1/72 .
142انظر التمهيد : 4/170 ، والمجموع : 1/206 .
143انظر فتح الباري : 9/659 ، والتمهيد : 4/182 .
7144/176 .*
145حديث رقم 4132 .
146حديث رقم 1770 .
147 5 /74 .*
148 انظر الفتح : 9/659 ، والتمهيد : 4/183 .
149انظر المجموع للنووي، 1/260 ، والتمهيد : 4/170 .
150انظر تهذيب السنن : 63 /71 ، وبذل المجهود : 17/17 .
151التمهيد : 4/175.
152انظر المجموع : 1/255 .
153الموطأ للإمام مالك ، برواية محمد بن الحسن ص242 .
154التمهيد : 4/177 .
155التمهيد : 4/178 .
156انظر المجموع : 1/260 ـ 261 ، وانظر التمهيد أيضاً : 4/178 وما بعدها.
157المعلم بفوائد صحيح مسلم : 21/382 .
158التمهيد : 4/175 .
159 التمهيد : 42/180 ، وانظر المنتقى للإمام الباجي : 3/114 .
160شرح السنة : 2/102 .
161كابن حبـان في صحيحه 4/95 ، والخطابي
في معالم السنن : 6/68 ، وابن القيم في تهذيب السنن : 6/68 ، والحــافظ
ابــن حجر في الفتح : 9 / 659 وغيرهم كثير.
162التمهيد : 4/165 .
162الاعتبار ص57 ـ 58 .
163انظر شرح السنة للبغوي : 2/99 .
164المنتقى من أخبار المصطفى : 1/39 .
165الاعتبار ص57 ـ 58 .
166كتاب الفرع والعتيرة ـ باب ما يدبغ به جلـود الميتة ـ 7/174 .
حديث رقم 4126 .
6167/334 .*
168حديث رقم 1291 .
169الميزان : 2/499 ، ترجمة 4587 .
170التقريب ترجمة 3566 .
1171/40 حديث 1 . 1/20 .
172انظر البدر المنير : 1/603 وما بعدها.
173التقريب : ترجمة 5030 .
174انظر النهاية في غريب الحديث : مادة " قرظ ".
175المغرب : مادة " قرظ ".
176انظر المجموع : 1/263 و 264 .
177انظر المغني : 1/95 ، والمبدع في شرح المقنع 1/73 .
178الشب : قال في لسان العرب تحت مادة ـ شبب ـ : حجر معروف ، يشبه الزاج ، يدبغ به الجلود.
العَفْص : نوع من أنواع الشجر ، يطلق على الشجر وعلى الثمر أيضاً ، انظر لسان العرب مادة ـ عفص.
179رد المحتار على الدر المختار : 1/136 .
180تهذيب السنن : 6/66 ، وانظر المجموع للنووي : 1/263 .
181التمهيد : 4/183 .
182المغني : 1/96 .
183حاشية منتهى الإرادات : 1/130 .
__________________________
* أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الطائف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..