في
البداية، دعوني أعترف، أنني لم أكن يوماً من أنصار الرئيس محمد مرسي، ولم
أمنحه صوتي في الجولتين، ليس لأنني “فلول” كما قد يتهم البعض، ولكن لأني ـ
ولا زلت ـ غير مقتنع به كرئيس لي، مع احترامي الكامل له كشخص.وصحيح أيضاً أنه بقدر فرحي بعدم فوز الفريق شفيق ـ رغم أني أعطيته صوتي في الجولة الثانية ـ إلا أنني كنت حزيناً للغاية لفوز الدكتور مرسي، وهي بلا شك حالة شيزوفرنيا عمت مصريين كُثر، بدوا متخبطين ما بين عقولهم ومشاعرهم وتصورهم لمستقبل بلدهم، كدولة مدنية، لا فرق بين طائفة وأخرى، ولا إعلاء لمواطن على حساب آخر.
كل هذا لم يمنع من تقبل النتيجة، وتمني أن يستطيع الرئيس الجديد، أن يخيب ظني، يوفي بوعوده وشعاراته، التي أسرف فيها، وما أكثرها.. ودعوني هنا أستعير عبارة إمامنا الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي التي قالها للرئيس المخلوع يوماً :”إذا كنا قدرك، أعانك الله علينا، وإذا كنت قدرنا فأعاننا الله عليك”.
وبالمناسبة، لم تكن الغلطة المطبعية التي وقعت فيها صحيفة حزب الحرية والعدالة، قبل أيام، حين استبدلت اسم الرئيس الجديد محمد مرسي، باسم الرئيس “محمد حسني مبارك”خلال تغطيتها لحفل جامعة القاهرة الأخير، إلا “فضيحة” لا تبررها أبداً العبارة المعتادة “جلّ من لا يسهو” كما يروّج بعض المتأسلمين ـ وما أكثرهم ـ هذه الأيام.. أو ربما تكون “نبوءة” غير مقصودة، لا تحمل خيراً لا لمصر، ولا للرئيس نفسه.
المتحولون إعلامياً، وفي كافة فضائياتنا المصرية، كانوا ليلة إعلان النتيجة الرسمية، يشيرون بتحفظ إلى أن الفائز هو الفريق أحمد شفيق، وكان بعضهم يشارك “الإخوان” نفس الخطأ، بإعلان النتيجة مقدماً دون انتظار للحقيقة، سواء لهذا أو لذاك، ومع إعلان فوز مرسي، انقلبت الآية، وبدأنا نشهد أسوأ حملة جماعية لتغيير اللون واللسان والجنس في مصر المحروسة.
حملة البخور الإعلامية، والمتحولون فكرياً الذي اصطفوا خلف الرئيس الجديد، ومعهم بالطبع تنظيم عتيد يتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، يجتهدون في إبراز مواهبهم في النفاق السياسي، الذي تجلى في محاولة تشبيه الرئيس محمد مرسي، بسيدنا يوسف، والاستشهاد بأن كليهما، مع الفارق بين مقام النبوة ومجرد شخص كانوا يطلقون عليه لأيام خلت اسم المرشح “الاستبن” دخل السجن، وبعدها تولى حكم مصر!.
آخرون.. أرادوا أن يكونوا أكثر “نفاقا” فحاولوا تشبيه كلمات الرئيس الجديد عن العدل، بأننا أمام عمر بن الخطاب جديد، وهذه كارثة إضافية، لو صدقها مرسي، فسيكون قد وضع نفسه على أول طريق لـ”الفرعنة” أو أننا سنكون أمام صناعة فرعون جديد، لا نختلف كثيراً عن أقوام الجاهلية، الذين كانوا يصنعون آلهتهم من التمر، وعندما يجوعون يأكلونها.
التاريخ يقول، إننا شعب يجيد صناعة الفراعنة، يعبدهم، ويصفق لهم، ويطلق البخور في حضرتهم، وعندما ينقلب عليهم يأكلهم، وفي أقل من 18 يوماً فقط.. تماماً كما فعلنا مع الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أوقعه غباؤه في أن يصدق كل التصفيق والتمجيد طيلة ثلاثين عاماً، في بداية حكمه قال إن “الكفن مالوش جيوب” ولا أشك ساعتها إن الرجل كان صادقاً، ولكن هواة “الفرعنة” وما أكثرهم، هم من زيّنوا له الخلود والتخليد، حتى صدّق نفسه، ولا شك أنه حتى الآن لا يصدق ما حدث له.
بالتأكيد، كل الآلاف الذين صفقوا له، وكل الملايين الذين قالوا :”اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفوش” ساهموا في صناعة إله “العجوة” في جاهليتنا المعاصرة والحديثة، وهم أيضاً الذين بعد أن سقط، طالبوا بإعدامه، وأكلوه حيّاً، بعد أن أضاع كل الفرص، وبدل أن يدخل التاريخ كبطل من أبطال حرب أكتوبر، دخل القفص، في واحدة من التراجيديات المصرية النادرة والفريدة.
الخوف كل الخوف، أن تنجح نفس الجوقة التي تطالعنا بوجوهها البهيّة الآن، في جعل الرئيس مرسي ـ الذي لا أشك في نواياه الوطنية ـ إلهاً من نفس النوع الجاهلي، بنفس التطبيل وحملات المديح العشوائي ومسح الجوخ، وجعل الرجل في مصاف الملائكة والأنبياء، ما ينبئ بالأسوأ، في حال استجاب لبريق السلطة وإغراء الكرسي، ونسي نفسه.. مثلما نسي مبارك أنه رئيس الصدفة، ولم يتعظ من مقتل سابقه الراحل أنور السادات أمام عينيه.
ساعتها سنجد أنفسنا أمام نسخة مستنسخة من “هُبلٍ” آخر، انتخبناه بأيدينا، وبنينا له “المقام” وصرفنا عليه النذور، وجلسنا نطوف حول قصره “سبع لفات”..
أخشى يومها أننا سنكون أمام فخامة الرئيس..
محمد مرسي.. مبارك؟!.
ـــــــــــــــــ
يوليو 6, 2012 - آراء حرة
بقلم: محمد هجرس** – مصر
** كاتب وصحافي مصريبقلم: محمد هجرس** – مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..