فالناس تتفاوت في درجة صبرها وتحملها وأخذها للأمور، هذا متوقع، ولكن علي المسلم لابد أن يتيقن أن هذا نوع من الابتلاء، وهو - إن شاء الله تعالى– ابتلاءٌ بسيط مقارنة لما يحدث لكثيرٍ من الناس، والرفض والاستنكار الشديد وجد أنه يؤدي إلى نوعٍ من الكآبة والسوداوية في التفكير، ويُعرف أن مرض البهاق يزيد مع الاكتئاب والتوتر والقلق،
والعلماء يرون أن هنالك رابطاً ما بين الحالة النفسية وما بين هذا المرض.
فنسأل الله تعالى الصبر علي هذا الابتلاء، وعليه أن يعلم أن قبوله -ولا أقول استسلامه ورضوخه، ولكن أقول: قبوله - ومحاولة التواؤم والتكيف مع هذه الحالة وعدم الانشغال بها بقدر المستطاع سوف يقلل
- إن شاء الله تعالى – من انتشار هذا البهاق أو سوف يساعد كثيرًا في الاستجابة لبعض العلاجات التي سوف ينصحه بها طبيب الأمراض الجلدية.
إذن الذي نرجوا أن نتعلمه ، أن هذا المرض موجود وشائع وأسبابه ليست معلومة بالضبط، ولكن من أكثر النظريات التي أثيرت فيما أعلم أن الحالة النفسية تؤثر سلبًا أو إيجابًا على حالة الإنسان، وهذا يدعونا حقيقةً لأن نتواصى بمزيدٍ من الصبر، و أن نتذكر قصص
الصالحين، وقصة سيدنا أيوب، فهذه القصة فيها عبرة حسنة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:
{وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين * فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتينه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين}.
هذه هي قدوتنا وأسوتنا الصالحة السليمة في صبره على قضاء الله وقدره، وعليكم بالدعاء كما فعل سيدنا أيوب -عليه السلام–
والإنسان حين يجلس مع نفسه ويقيم الأمور بصورةٍ فيها نوع من الواقعية يجد -إن شاء الله تعالى– أنه بخير، وعليه أن يتقبل الأمر، وعليه أن يسعى أيضًا لوسائل العلاج.
الأبعاد الاجتماعية نعرفها تمامًا، ولكن الناس تعرف أن هذا المرض مرضٌ منتشر وهو مرض ليس نادر الحدوث، فهذا المرض موجود وبكثرة، وإن شاء الله لا يعيب ولا ينقص أبدًا، بل على العكس تمامًا على كل من اصيب به أن يكون راضيا، وعليه أن يكون دائمًا له
وجوده وحضوره، ولا يقلل من قيمته الاجتماعية بأي حال من الأحوال.
سوف يكون أيضًا من المفيد تناول أحد الأدوية المضادة للقلق ولعسر المزاج والإحباط، ومن الأدوية الطيبة عقار يعرف تجاريًا باسم (سبرالكس Cipralex) ويسمى علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram)،
فأرجو من يعاني أن يبدأ في تناوله بجرعة خمسة مليجرام – نصف حبة
من فئة عشرة مليجرام – ليلاً لمدة أسبوعين ثم بعد ذلك يرفع الجرعة إلى عشرة مليجرام (حبة كاملة) ليلاً، ويفضل أن يتناول الدواء بعد
تناول الطعام، ويستمر على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك يخفض الجرعة إلى خمسة مليجرام ليلاً لمدة شهر آخر، ثم يتوقف عن تناوله.
سيكون من المفيد جدًّا للمصاب أن يعيش حياته بصورةٍ فعالة، وأن يشغل نفسه في عمله وفي تواصله الاجتماعي وفي عباداته وممارسة الرياضة،
وعليه الإكثار من الاطلاع، فهذه - إن شاء الله تعالى – تجعله يتكيف ويقبل الوضع الذي هو فيه، وبالطبع عليه مراجعة طبيب الأمراض الجلدية ومواصلة العلاج معه، ونسأل الله أن يشفيه وأن يعافيه وأن يقدر ماهو خير.
وأود أن أذكرهنا بعض الكلام عن الرضا بالقدر:
يقول الله تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) وإن أي مصيبة مهما كبرت ,, هناك ما هو أكبر منها
فما أهون البهاق مع الصحة العامة؟ وما أجمل أن يستمتع
الإنسان بما عنده من النعم قبل أن يفقدها فالحمد لله على كل حال!
كما وأن الإنسان المؤمن لا يجزع لما أصابه بل يؤجر إن صبر ويبقى المرض إن لم يصبر، فلماذا لا يكون واقعيا فيصبر ويؤجر؟
وأما الجواب عن فرص الشفاء:
فإن البهاق مرضٌ مزمن وله علاج يُفيد في أحسن الأحوال ولكن ليس لأكثر من 80% عند حوالي 80% من الناس عدا بعض الاستثناءات، وتختلف الاستجابة
من شخصٍ لآخر حسب العوامل المحرضة لظهور المرض والتي منها الحالة المناعية والحالة النفسية والحالة العائلية الوراثية، وبشكل عام فإن هذه الأسباب الثلاثة قد تتساوى في نسبة إحداثها للمرض أو التأثير عليه.
هناك نظريات كثيرة في أسباب المرض والتي منها نظرية التخريب الذاتي أو المناعة الذاتية أو الانسمام العصبي أو مجهول السبب.
ومن الملاحظ أنه كلما فكر المريض بمرضه كلما زاد همه وازداد المرض، وبالعكس كلما تناسى المريض المرض بدأ المرض بالتحسن والسبب في ذلك الحالة النفسية.
يجب نفي وجود أمراض المناعة الذاتية وخاصة السكري والغدة الدرقية، ويجب السعي إلى حالة نفسية سعيدة مستقرة راضية،
ويجب بعد هذا كله البدء بالعلاج، ومن العوامل الجيدة في العلاج هي ممارسة الرياضة المفرحة لأنها تحسن كلا من المناعة والحالة النفسية. إن العلاج والمرض بأسبابه يمكن تشبيهها بلعبة شد الحبل فكلما زادت العوامل المساعدة على انتشار المرض حتى ولو كان تحت علاجٍ قوي (أضعف من الأسباب ) زاد المرض وبالعكس كلما ضعفت عوامل انتشار المرض حتى ولو كان على علاج بسيط (أقوى من الأسباب) كلما تحسن المرض. وقد مر معنا حالات استجابت بشكلٍ مذهل من تلقاء ذاتها دون علاج ولو أن هذا ليس هو الشائع.
إذن علينا دائماً أن ننظر إلى ما بقي عندنا من النعم وليس إلى ما فقدنا، فمريض القلب يتمنى أن يكون عنده أي مرض آخر غير القلب، وكذلك مريض قصور الكلية ومريض الشلل ومريض التهاب المفاصل اللاصق أو الروماتيزم أو العته أو الصدفية أو القصور الجنسي أو
السرطان أو الأمراض التي آلامها لا تطاق...الخ،
وهذا يُقاس أيضاًعلى المال،
فهناك فقراء سعداء وأغنياء تعساء، ويقاس على المناصب فهناك مسئولون وأصحاب مناصب مصابون بالكدر، وهناك أصحاب المهن الوضيعة ولكنهم سعداء بسبب رضاهم، ولو أن كل واحد من هؤلاء استمتع بما بقي عنده من النعم لعاش سعيداً.
بينما لو اجتر آلامه ولم ينظر إلا إلى ما فقد فإنه سيعيش تعيساً على الرغم من كثرة النعم الباقية عنده فيبدو وكأنه الفقر في الغنى
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فاشكر الله على ما بقي يعافِك في ما ابتلاك.
نسأل الله تعالى أن يشفي جميع مرضى المسلمين.
والله الموفق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..