ذهلت وأنا أستمع في الأسبوع الماضي على
هامش افتتاح مركز الملك عبدالله لحوار الأديان في فيينا،
لأحد القسس المتداخلين، وهو
يعرّض بفتوى لشرعي سعودي، ويقول: "كيف يكون الحوار معكم، وهذه الفتوى صدرت قبل
أيام من أحد علمائكم"، وإذ ردّ د.فهد السلطان ببلاغته عليه، إلاّ أن الموقف جعلني
أتساءل: "ألهذا الحدّ نحن تحت مجهر الإعلام الغربي ومفكريه وقساوسته، لدرجة أن
فتوى من شرعي من الطبقة المتوسطة، تتداول بهذا الشكل لديهم، ولمّا يمض عليها سوى أيام!!".
كان حفلاً أممياً ذلك الذي حضرناه في فيينا،
إذ احتشدت مئات الشخصيات التي تمثل الديانات والثقافات في العالم، وغمرتني مشاعر سعادة
كبيرة، وأنا أرى وطني يحسّن صورة الإسلام والمملكة في أعين الغرب عبر هذا المركز الحضاري،
وقد نمذج إعلامه القميء –عمداً أو بغير قصد- إسلام بن لادن والقاعدة وأبو حمزة المصري،
في روع مجتمعاتهم، والحمد لله جاءت خطوة خادم الحرمين الشريفين بتلكم الحوارات في مدريد
ونيويورك، لتسحب البساط من ذلك الإعلام، وتوضح إسلامنا المعتدل الذي نفاخر به العالم،
وبالتأكيد سينعكس المركز إيجابا في اتجاهات عديدة، على رأسها إخوتنا المسلمون الذين
يعيشون في الغرب وقد تفاءلوا جداً به.
معالي الأستاذ فيصل المعمر، كان من لطيف
القدر بالنسبة له، ترك وزارة التربية والتعليم بكل مشاكلها التي لا تنتهي، وتفرغه للحوار
الذي أبدع فيه محلياً، وبات اسمه مرادفاً للحوار الوطني، وها هو ينقله إلى مستوى عالمي.
وأتذكر أنني طلبت منه في مقالات عدة ترك بصمة له في التعليم، نتذكرها له كتربويين ومجتمع،
ولكن لم يسعفه الوقت، بيد أن مطالبتي له تتجدد هنا في مركز حوار الأديان، ولذا أدعوه
هنا بالبدء فوراً بترتيب البيت الداخلي والإسلامي أولاً، وقبل مباشرة القوم بالحوار.
لدينا في السعودية جماعات وهيئات ومراكز
عديدة تقوم من عشرات السنين بالحوار مع المسيحية والأديان الأخرى، في رابطة العالم
الإسلامي مثلاً، هناك لجنة الحوار الإسلامي المسيحي، ولدينا المنتدى الإسلامي العالمي
للحوار برئاسة د.حامد الرفاعي، ولدينا كراس في بعض جامعاتنا السعودية كذلك، والمطلوب
من أخينا المعمر أن يبدأ بترتيب البيت الداخلي، ويعمل على توحيد هذه الهيئات، تحت مظلة
مركز الملك عبدالله لحوار الأديان، كي لا يتشتت صوتنا المحلي.
بالتأكيد إن لكل جهة أهدافها، ومنطلقاتها،
ونظرتها لبعض القضايا العالقة، ولكن توحيد رؤيتنا، وأهدافنا من الحوار، خطوة أولى مهمة،
وأنا هنا لا أطالب بإلغاء تلكم المراكز والهيئات، بقدر ما أطالب بانخراط عملها ضمن
المركز، والإفادة من رجالاتها الذين أمضى بعضهم في تجربة الحوار أكثر من أربعين عاماً
كما في الرابطة مثلاً، ومن الخطل ترك تلك التجربة دون أن نفيد منها.
الخطوة التالية أمام معالي الصديق المعمر،
بعد توحيد الهيئات والمراكز في وطني، التنسيق مع الجهات الإسلامية التي تباشر الحوار
مع الأديان الأخرى، لدينا أهمّها في الأزهر الشريف، هناك أيضاً في لبنان وقطر والأردن،
وبعض الدول العربية والإسلامية، ولينطلق معاليه بالتنسيق مع أهم تلك المراكز وأكثرها
فاعلية؛ لتشكيل مجلس أعلى مشترك، هدفه الأول، توحيد الموقف إسلاميا مع تلكم الديانات،
أثناء الحوار.
شخصياً، متيقن بأن التقريب بين تلك الأديان
ضربٌ من المستحيل، فطيلة تلكم السنوات التي تربو على أكثر من نصف قرن أمضاها الأزهر
– صاحب الفقه الأكثر انفتاحاً- لم تجدِ، ونتذكر التصريح الشنيع للبابا الحالي حيال
الإسلام. الصوت الأقوى –يا سادة- ليس لدعاة الحوار في كل تلكم الأديان، وهذا ما يدعونا
لتركيز الجهود في الفترة المقبلة، على توحيد أصواتنا مع أولئك القوم، في الأهداف المشتركة
العامة، تجاه قضايا العلمنة والإلحاد، والشذوذ والإجهاض، وبلورة موقف قوي يستطيع التأثير
في القرارات الأممية حيال تلكم الموضوعات المشتركة.
يظل الأهمّ من ذلك برأيي، وهو ما أدعو معالي
الأستاذ المعمر إلى أن يجعلها البصمة التاريخية التي تذكرها له الأجيال، السعي بكل
قوتنا إلى استصدار قرار أممي يجرّم الإساءة للأديان ورموزها، وأعرف بأن تلك المهمة
صعبة جداً وطويلة، في ظل تترّس العلمانيين بقانون حرية التعبير، ولكنها مهمة ليست مستحيلة،
إذ استطاع اليهود استصدار قانون يجرّم، ليس لمن يشكّك في المحرقة فقط، بل في عدد ضحاياها،
فضلاً عن قانون معاداة السامية.
وإذ شعرت بالفخر والزهو وأنا أرى الصديق
الدكتور حمد الماجد يوقع عن الإسلام في حفل الافتتاح، ضمن كوكبة القسس والحاخامات وزعماء
الديانات والثقافات، لأدعوه الاستعانة بإخوته الشرعيين، والإنصات لهم لتحديد أولويات
أهدافه، إذ من الواضح أن مجلس الإدارة يعجّ بذوي الأهداف الخفية، كالحاخام اليهودي
الذي مرّر رسائل مبطنة في كلمته، وليس سهلاً أبداً، بيد أن لدينا (أرطبوننا)، فالماجد
خرّيت ذكي، وسيخدم الإسلام وقضاياه بما ينبغي.
مركز الملك عبدالله لحوار الأديان، سندرك
أثره بعد حين، ونحمد لهذا الملك يحفظه الله، هذه الخطوة المتقدمة.
عبدالعزيز محمد قاسم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..