السبت، 29 ديسمبر 2012

زيادة الرواتب .. وحلول تتجاوز الإبداع!!

يهدف هذا المقال الى توضيح 3 أهداف:
(1)  أن الدولة تستطيع مساعدة المواطنين دون أن تزيد رواتبهم.

(2)  أننا نتحدث عن التطور ولانتبع سبل التطور الصحيحة في بعض أمورنا.
(3)  أن اصحاب الافكار الفاهمين لمفاتيح التطور لايستطيعون التحدث علنا نظرا لتداخل الأمور بطريقة لاتسمح بالكلام العلني.

الهدف الأول: أن الدولة تستطيع مساعدة
المواطنين دون أن تزيد رواتبهم

لاحظنا جميعا أن هناك رغبات متكررة في زيادة رواتب المواطنين بمناسبة شفاء والدنا خادم الحرمين الشريفين، ويبدو أن الأمر مزيجا من الشائعات التي يطلقها بعض المواطنين من أصحاب العشم، وشائعات يطلقها بعض التجار ممن يرغبون في زيادة الأسعار بعد أن رفعوها بمناسبة قرار وزارة العمل الجديد، اضافة الى شائعات يقول أصحابها أن هناك نقاشات حول الأمر خلف الأبواب المغلقة.

قبل بضع سنوات أمر خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – بزيادة الرواتب في لفتة كريمة منه لابناءه واخوانه، وكنت مسافرا بين مدينتين، فأوقفت سيارتي لتغيير الزيت، ووجدت أن سعره قد أرتفع. وقال لي العامل:  أن الشركة التي تقوم بتوزيع الزيوت أتصلت بالأمس بعد أمر خادم الحرمين الشريفين وأبلغتنا شفويا أن الزيوت زادت أسعارها، وأغتنمنا الفرصة فرفعنا السعر رغم أن الزيت الموجود في المحل أشتريناه بالسعر القديم.

ولعل الجميع يلاحظ أنه بعد كل زيادة في الرواتب هناك ارتفاع في أسعار المواد الإستهلاكية. وبالتالي فإن استراتيجية زيادة الرواتب قد تكون سيئة اذا استمرينا في القيام بها، مع عدم قدرة وزارة التجارة على كبح الإرتفاع في أسعار المواد الإستهلاكية لأسبب لاتخفى على من يعلم ظاهر الحال .. وباطنه !!!

كلام كبير، ولذلك أحب أن أوضح أن الموضوع لايخلو من ابداع سوف أعود اليه بعد قليل.

الهدف الثاني: أننا نتحدث عن التطور
ولانتبع سبل التطور الصحيحة

أعتز شخصيا بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وتميزها (الأكاديمي).  أما التميز البحثي فإنني لا أعتقد أن أي جامعة في المنطقة العربية تستطيع أن تنال اعجابي حتى الآن.

وعندما سافرت الى أمريكا مبتعثا فقد حملت اعتزازي بالجامعة معي.
ثم أكتشفت أن الأمر يحتاج الى ابداع أكثر مما يمكن توافره في مجتمعنا .. وجامعتي المتميزة !!

هذا الكلام بطبيعة الحال يغضب الكثيرين، ولذلك نحتاج الى شرح المعاناة التي لاقيتها كمبتعث متخصص في المشاريع التطويرية واتخاذ القرارات وحل المشاكل، إذ لم يكن الأمر هينا على الإطلاق.

لم أكن ابحث عن تعليم كتب، إذ يمكنني قراءة الكتب.  و 76% من المنشآت في العالم تخطيء في التطبيق، حتى مع وجود خطة.

بل أبحث عن استشاري دولي يرغب في نقل مالديه الي، وهو أمر مارسته على مدى 20 سنة .. سافرت الى الهند للتعلم من استشاري هندي ، وسافرت الى الولايات المتحدة وأوربا للتعلم ممن استطيع أن أتلقف من فمه مايمكن تلقفه.  

بالنسبة للأمريكي العتيد .. بدا لي الأمر سهلا، ثم أنتقل الى معاناة معه في سبيل نقل مالديه الي.

هو إبداع جاء مع الصياح، فقد كان يصيح دون شعور عندما يراني أقدم حلا تعيسا:

I do not pay you to come up with these stupid solutions.
يقصد: أنا لا أدفع لك لكي تأتي بهذه الحلول الغبية (بالمناسبة كان يدفع لي) !!

وكان يرفق صيحته بإبتسامة كبيرة تجعلني محتارا بين أن أغضب (وفي ذلك قلة حكمة لو حصل)، أو أن أصبر على الأذى والكلام الكبير حتى أتعلم منه، وأطبق له مايريدني تطبيقه، ثم يقول:

Can not you use these sleepy cells in your mind?!
ألا تستطيع أن تستخدم هذه الخلايا النائمة في دماغك؟

(وهذه الجملة الأخيرة تكررت على لسان استاذ التاريخ العراقي المتميز هو الأستاذ فاروق في ثانوية أحد بالمدينة المنورة، حينما قال: إن العرب أسرى للتاريخ وللخلايا النائمة في عقولهم، ولقوله هذا قصة ليس هنا مكانها).

ثم يحاول الإستشاري الأمريكي اصلاح مايمكنه اصلاحه، فيقول:

Please .. I know you can .. but because of your background and
culture you seem not to be able to do what I want you to do

يقول:  أرجوك (بلغة منكسرة تملأني حسرة وضحكا عليه) .. أعرف أنك تستطيع .. ولكن بسبب خلفيتك ومجتمعك فإنه لايبدو أنك قادر على القيام بما أرغب منك القيام به (كلام موجع!!)

هكذا هم يروننا. ولكي نخرج من هذا الوضع، فإن الأمر يحتاج الى كثير من الشرح الذي ليس مكانه هنا.  إنما دعنا نقدم بعض الأدلة البسيطة التي أتمنى همها بسهولة.  كان الرجل في الزمن القديم يقول لولده: أركب الجمل ياوليدي وأمشيء 12 يوم حتى توصل لفلان، واستنصحه. اليوم أنت تقدم النصيحة فتجد من يفت عضدها دون أن يفهمها.   هذه بعض الأدلة على حاجتنا لمراجعة أنفسنا اذا كنا نرغب في الإنطلاق نحو وضعية الدول المتقدمة.

الدليل الأول:

قبل 8 سنوات تم الإعلان عن مدينة المعرفة مع وعود بتوفير الاف الوظائف (كلام جميل).  

طلبت في مقال في جريدة المدينة في حينه تقديم مايثبت ذلك لسمو أمير المنطقة الأمير النبيل عبدالعزيز بن ماجد، ولم يحصل أي شيء حتى الآن.  وبعض الإستشاريين يقولون أن الأمر سينتهي الى مشروع عقاري لامعرفة فيه. الأمر ليس تدريب وليس محاضرات وليس محاضرا دوليا واعلانات ، الأمر أكبر من ذلك بكثير.

نحن بنينا مثلث بحثي تطويري Research Triangle بمساحة تتجاوز بكثير مالدى مدينة المعرفة في المدينة المنورة، ومع ذلك نجحنا؟ لماذا لم ننجح هنا؟ ألا يستحق الأمر الدراسة والتحليل؟ وكم علينا أن ننتظر لكي نخرج الى عالم المعرفة؟ وهل يكفي هذه التصريحات الصحفية التي توضح لقاءات لاتثمر عن شيء مفيد؟  وهل هؤلاء الذين يلتقون ويتحدثون قادرين على توفير ذلك "المفيد" الذي ترغب به الدولة للمجتمع؟  وكم من الوقت ينبغي أن نعطيهم اياه قبل أن نكتشف أنهم قادرين أو غير قادرين على تقديم مانريد؟

ونفس الأمر في حائل وغيرها. وقد كتب الكاتب عبدالله الجميلي تعليقا سريعا في مقاله اليومي بالأمس في جريدة المدينة المنورة لعل المهتمين يقرأونه ويحسون بإحساس المواطن، فليس مثل الجميلي في هذا الأمر، رغم أنني أعلم أن بعض الناس تغضب منه. ولكن (معليش عشان خاطر هذا الوطن أثقلوا على نفسكم قليلا حتى لاتتهمنا الأجيال القادمة بأننا لم نقدم لهم شيئا !!).

الدليل الثاني:

لايمكن تنويع مصادر الدخل بالطرق التي نتبعها.  كلام كتبته منذ 15 سنة في جريدة الإقتصادية.

بعد أكثر من 40 سنة لايزال النفط يشكل نسبة عالية من دخلنا الوطني، مع انكماش مستمر للطبقة الوسطى.  هناك مواطن خلل واضحة لايمكن أن تحصل لو لم يكن لدينا ممارسات خاطئة تحتاج الى اصلاح، وهي أخطاء لايرغب بها ولاة الأمر يحفظهم الله.

ولاينبغي أن يراها أي مسؤول مخلص يعرف أن ابناءه وأحفاده سيعيشون في المستقبل على الكفاف ان لم نخطط لهم اليوم بطريقة صحيحة.

الدليل الثالث:

لو تأملت أن الملك عبدالعزيز بقي في الكويت كحل مريح له ، خصوصا وأن الأسرة كانت مرتاحة في الكويت. ولو تأملت كيف لو أنه لم يفكر في الحل الإبداعي الذي يحتاج الى جهد في استرجاع الحكم، فكيف كان سيكون التاريخ؟

كم من المخاطر والمتاعب والإرهاق والسهر والتفكير الخ .. تعرض لها المؤسس لكي يوحد هذه البلاد؟

الأمر – كما ترى – لايخلو من تعب لكي نستريح ويستريح من يأتي بعدنا، فعل نحن على استعداد جميعا للتضحية من أجل أن نسلم بلادنا في أحسن حال لمن يأتي بعدنا؟

زيادة الرواتب

نفس الأمر .. إن زيادة الرواتب تبدو حلا مريحا للغاية بالنسبة لأي موظف (ويش رأيك نرفع رواتب الموظفين بمناسبة شفاء خادم الحرمين الشريفين) .. رغم أنه حل لاينفع بسبب ارتفاع الأسعار المستمر بعد كل زيادة في الرواتب ، والتجربة متكررة في هذا المجال .. والجميع يحس بها !!

ببساطة الموظف أعطى الدولة أسهل حل يفرح به القلوب.. وأتعس حل في نفس الوقت .. حل سيستغله التجار في رفع أسعارهم مما يجعل الزيادة لاقيمة فعلية لها.

والطريف أن الزيادة في أسعار التجار يقولون لك أنها "عالمية" .. أي في كل الدول، مع أنها لاتأتي إلا بعد زيادة الرواتب من قبل خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله !!  أضحكوا فإن "شر البلية مايضحك".

الدليل الرابع:

قبل سنوات كانت توجد شركة شبه حكومية في مدينة جدة قيمتها نحو 500 مليون ريال.

نصحت زميلي مديرها التنفيذي الذي تعينه شركة كبرى في المملكة بأن يفكر في حلولا غير الحلول التي تعود مجلس الإدارة عليها، وعملنا ورشة عمل لمدة يومين، لكنه لم ينجح في تنفيذ الأفكار. 

كان غير مقتنع، ويريد الحلول السهلة ، لأنه يظن أنه في منصبه بصفة مؤقتة، وهو يرغب في حلول سريعه.

واستمرت الشركة في الخسارة.  ولذلك تم بيع الشركة لاحقا على مستثمر آخر بقيمة 500 مليون ريال.

الهدف الثالث:  أن اصحاب الافكار الفاهمين لمفاتيح التطور لايستطيعون
التحدث علنا نظرا لتداخل الأمور بطريقة لاتسمح بالكلام العلني

أستطيع – كإستشاري – أن أعطيك قائمة حلول غير (زيادة الرواتب) تطول أو تقصر حسب السقف المتاح ، وتستطيع أن تزيد من خلالها رواتب المواطنين بطرق غير مباشرة بنسبة 20 أو 50 أو 100% دون أن يكلف ذلك الدولة ريالا واحدا.

درست واحدة من هذه الأفكار .. وهي أمامي الآن .  أعجبتني الفكرة، وكنت ارغب في كتابتها، إلا أنني تذكرت أنه لاتوجد أمة متطورة على وجه الأرض ، وعلى مدى التاريخ مارست هذه النقاشات العلنية حول التطور، بحيث يجد الإنسان نفسه في متاهة مع أحدهم لمجرد أنه داس على طرف ثوبه دون قصد في محاولة منه لتقديم حل يساعد الدولة في مساعيها.

في كل دول العالم وعلى مر التاريخ كان لابد من وجود خاصة يحملون رؤية صحيحة توجه الدولة في الإتجاه الصحيح بدل الصراعات والنقاشات العلنية التي لاتؤدي الى شيء. 

في كل دول العالم يكون النقاش سريا حينما تتداخل الأمور، وتحتاج الى موازنات تطفيء غضب هذا أو ذاك في سبيل ادخال الفرح الى قلوب المواطنين.  والأمر ليس صعبا على قيادتنا الرشيدة حينما تصلها الأمور بطريقة واضحة وجلية، فإراحة 20 مليون مواطن أمر يستحق المحاولة.

تمنياتي للجميع بالتوفيق.

بقلم الإستشاري الدكتور كمال بن محمد الصبحي
استشاري ادارة المشاريع التطويرية واتخاذ القرارات وحل المشاكل
أستاذ متقاعد مبكرا من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..