من قلب الصحراء
يا راكب اللي ما يداني الصفيري
هميلع من نقوة الهجن سرساح
أمه نعامه واضربوها بعيري
جا مشبهاني على خف وجناح
عليه خرج من سلوك الحريري
عصاه عود البروقة عقب ما فاح
مزهبك ياراعيه تمر ومضيري
وأحذر تشب النار يجفل من الضاح
هذه أبيات من قصيدة طريفة تصف كائنا خرافيا (تخيل) الشاعر أنه نتج عن
تزاوج جمل ونعامة فأخذ من صفات الاثنين, دون أن يغفل الشاعر- في معنى له
دلالته- عن التحذير من (شب النار) أمامه. ورُوي أن الشاعر هو تركي بن حميد
من شيوخ عتيبة, وأن محمد بن هادي من شيوخ قحطان ردّ عليه بقوله:
يا تركي بن حميد وش ذا البعيري
ما تجلبونه كان تبغون الارباح
لا عاد له خف وجناح يطيري
أنا أذكر الله كيف راعيه ماطاح
كيف النعامة نوّخت للبعيري
أقول ذا كذب على الناس فضاح
ياربعنا يا كبر كذب الاميري
ويا حلو كذب مروية علط الارماح
وقد شكك بعض الباحثين في الأدب الشعبي في نسب هذه المساجلة للشيخين
واعتبرها مما لا يليق بسيرتهما. وعلى أي حال, فلعل فكرة الأبيات الأولى
تعود إلى واحدة من الأساطير المدوّنة في مصادر التراث العربي عن أعراب
الجاهلية الذين كانوا يتصورون أن للجن مطايا من الحيوانات, ومنها النعامة
والجمل. وقد جاء في كتاب أخبار الزمان للمسعودي أن العرب تناقلت خبر مخلوق
جاء إلى سوق عكاظ راكبا جمل وسأل من يهبني ثمانين بكرة؟ فلما لم يجبه أحد
ضرب جمله وطار به بين السماء والأرض كالبرق!
وتعليقا على ما أورده المسعودي أشار الدكتور محمد عجينة في كتاب حديث
بعنوان موسوعة أساطير العرب إلى أن العرب كانت تقرن في أساطير الحيوان بين
الإبل والشياطين, ولهذا عدّت من مطايا الجن. وفي هذه الأسطورة تحديدا ربط
بين الجمل والطير. ومن أساطير العرب أيضا أن الظليم (جنس الذكر من النعام)
والنعامة من مطايا الجن, ومن شواهد ذلك شرح الميداني في كتابه مجمع الأمثال
للمثل (الحمى أضرعتني للنوم) وتفسيره له بقصة ثلاثة أخوة عاشوا في عصر
الجاهلية, هم مرارة ومرّة ومرير, حيث خرج مرارة ذات يوم إلى جبل لصيد
الوعول فاختطفته الجنّ, ولما بلغ الأمر أخيهما مرّة انطلق في أثره وعندما
وصل الجبل اختطفته الجنّ أيضا. وكان أخوهم مرير غائبا لأنه لص جسور لا
تنقطع غاراته ويتميز عنهما بشدة الحذر, فلما عاد بلغه الخبر وأقسم ألا يشرب
الخمر حتى يطلب بأخويه, فحمل قوسه وسهامه وانطلق للجبل, ومكث سبعة أيام
دون أن يرى أثرا لهما, وفي اليوم الثامن رأى (ظليم) فرماه وأصابه ثم (ركبه)
فأوصله إلى شخص قائم على صخرة ينادي:
يا أيها الرامي الظليم الأسود
تبّت مراميك التي لم تُرشد
فأجابه مرير:
يا أيها الهاتف فوق الصخرة
كم عبرة هيجتها وعبرة
بقتلكم مرارة ومرّة
فرّقت جمعا وتركت حسرة
وذهبت الرواية إلى أن الجنّي ترك مرير حتى حل ظلام الليل, فأصيب الأخير
بحمى وغلبه النوم ثم أتاه الجنّي واختطفه وقال له, ما أنامك وقد كنت حذرا؟
فقال: (الحمى أضرعتني للنوم), وصارت هذه العبارة مثلا يضرب في الذل عند
الحاجة. وعلى حد زعم الرواية أطلق الجنّي سراح مرير في الصباح فأنشد:
ألا من بلغ فتيان قومي
بما لاقيت بعدهم جميعا؟
غزوت الجن أطالبهم بثأري
لأسقيهم به سما نقيعا
فيعرض لي ظليم بعد سبعٍ
فأرميه فأتركه صريعا
أطرف من المساجلة التي ذكرتها في المقدمة, قول شاعر شعبي يصف جملا (خرافيا) في قصيدة طريفة, منها:
رجليه في صنعا ورأسه بسنجار
وعالي سنامه حلّق الطير دونه
الشط شربه والحقه سبعة ابحار
والشط الآخر ما يندّي سنونه
بطنه كبير ويحتمل كل الاشجار
عجزوا حشاحيش الملا يشبعونه
فرد عليه شاعر آخر:
الله يا سبع يذكر بالاقطار
سبع يهوّل طافحات سنونه
نابن بالمشرق وناب بالامصار
تناوشه بالناب واعمى عيونه
كلا الجمل واقفى ولا كن ش ٍ صار
صريخه اللي بالسماء يسمعونه
هناك خرافات غاية في الغرابة تربط بين الجن وبعض الحيوانات الفطرية
والطيور البرية وكذلك الأشجار والأعشاب الصحراوية, وقد كنا نسمعها من كبار
السن والبسطاء عندما يروونها بصيغة الحقيقة المسلّمة, وأحيانا للتندر
والتسلية, ومنها مقولات جرت مجرى الأمثال, هي في الأصل أساطير شاعت قديما
بين أعراب الجاهلية. وللحديث بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..