لمدة سنتين تقريبا، منذ 17 فبراير 2011، شهدت المنطقة الشرقية في المملكة
العربية السعودية حركة احتجاجية
مستوحاة من الربيع العربي، طالب فيها
المتظاهرون بالديمقراطية والكرامة والمزيد من الحقوق للأقلية الشيعية
المحرومة في المملكة العربية السعودية.
وقد شجع قتل المتظاهرين واعتقال واستهداف رجال الدين المعارضين بإطلاق
النار على مزيد من الاحتجاجات. وشهدت المنطقة موجة جديدة من الاحتجاجات
والجنازات الغاضبة مع مقتل الشاب "أحمد المطر" في 27 ديسمبر 2012 بالقطيف.
وأُنحي باللائمة في أكثر هذا التصعيد على قوات الأمن، وكذا على حاكم إمارة
المنطقة الشرقية، محمد بن فهد بن عبد العزيز، على وجه الخصوص.
وقد أصدر أمس الاثنين، 14 يناير، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن
عبد العزيز مرسوما بإعفاء أمير المنطقة الشرقية بعد 28 عاما من ولايته
"بناء على طلبه"، وتعيين الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز محافظا جديدا
للمنطقة الشرقية.
محمد بن فهد ترك منصبه في أعقاب أضخم احتجاجات شهدتها المنطقة الشرقية منذ
انتفاضة الشيعة المبكرة في وقت سابق في العام 1980/1979، والتي سُحقت من
قبل الحرس الوطني، مما أدى إلى وقوع إصابات بالعشرات.
في المملكة العربية السعودية هناك ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين من
الشيعة، وكثير منهم يعيش في المنطقة الشرقية، واستقروا حول واحات الإحساء
والقطيف. وخلال معظم عقود القرن العشرين، كان الحاكم في المنطقة الشرقية
ينتمي إلى فرع "بن جلوي" من العائلة المالكة السعودية. وتم استبدال حاكم
المنطقة الشرقية بعد انتفاضة 1979/1980، بقرار شبيه بإعلان اليوم.
وأصبح محمد بن فهد حاكما على المنطقة الشرقية في العام 1985، بعد ثلاث
سنوات من تنصيب والده ملكا. وتم تعيينه ابتداء لاعتماد نهج مغاير في
المنطقة الشرقية، وفتح صفحة جديدة مع الأقلية الشيعية، في الوقت الذي كان
فيه المئات من المساجين السياسيين ومعارضين كثر في المنفى.
ومع استمرار تقاليد الإمارة المستقلة القوية، أو الحاكم القوي، كان للأمير
محمد بن فهد رأي في كل ما يتعلق بالمنطقة الشرقية، ويقال إنه سيطر على جزء
كبير من الاقتصاد في المحافظة.
الشاب فهد (مواليد 1950) الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة الأمريكية،
قدم مختلف البرامج التنموية للمناطق الشيعية، وكل الشيعة السعوديين الذين
اعتقلوا منذ العام 1979 أُفرج عنهم بعد تعيينه مباشرة..كما التقى بانتظام،
وأكثر من سلفه، مع وجهاء الشيعة، وسعى لكسب بعض النخب والطلاب الجدد من
الشيعة.
وتحت حكمه، تحولت بعض المناطق في الشرقية إلى قوى اقتصادية، في حين أهملت
مواقع أخرى، وأغلبها من المناطق الريفية التي يقطنها الشيعة.
وعلى مر السنين، أصبح من الواضح أنه لن يتغير، بشكل جذري، وضع المواطنين
الشيعة من الدرجة الثانية. ولذلك، لا تزال المظالم الشيعية إلى يومنا هذا،
والربيع العربي دفع بجيل جديد من الناشطين المحليين.
وعندما التهديد بانتشار الاحتجاجات في أرجاء المملكة العربية السعودية في
أوائل مارس 2011، مع "يوم الغضب" المقرر في الفيسبوك، التقى محمد بن فهد بن
عبد العزيز مرارا وتكرارا مع الأعيان المحليين ورجال الدين والناشطين
الشباب في محاولة لإقناعهم بعدم الاحتجاج.
وقد أتت (هذه اللقاءات) أكلها إلى حد ما، حيث أصدر رجال الدين الشيعة
والوجهاء بيانات تحث الشباب على عدم الاحتجاج، رغم أن العديد احتجوا على أي
حال.
وعلى هذا، فإن التعديل في المنطقة الشرقية يجب أن ينظر إليه، في جانب منه،
على أنه استجابة للاحتجاجات وعمليات إطلاق النار من المحتجين في المنطقة
الشرقية. وهناك سوابق: تم استبدال أمير المنطقة الجنوبية في نجران في العام
2008 بعد أن اتخذ إجراءات صارمة ضد المسلمين الإسماعيليين المحليين، وهم
على غرار الشيعة في المنطقة الشرقية، ينحدرون من قبيلة قوية.
وفي حين كان تنحي الأمير محمد بن فهد مطلبا رئيسيا للمحتجين في المنطقة
الشرقية، مما يستدعي، بالتالي، تخفيف حدة التوترات هناك، فإن المشاكل مع
الشيعة ومع مطالب التغيير السياسي (عموما) التي عبر عنها سعوديون آخرون،
كانت مؤسسية أكثر منها شخصية.
ذلك أن آل سعود يرون في أي دعوة للتغيير السياسي هجوما، وظهروا أنهم غير
قادرين على الإصلاح المؤسسي. وكان يُنظر للاحتجاجات في المنطقة الشرقية
بمنظار أمني محض، وبالتالي واجهوها بالقمع والإجراءات الصارمة وهم مستمرون
في ذلك..
ولكن هناك أيضا خلفيات أخرى، إلى جانب مشاكل المنطقة الشرقية، وراء
التعديلات. ففي الوقت نفسه الذي استبدل فيه الأمير محمد بن فهد، عُين أيضا
فيصل بن سلمان بن عبد العزيز حاكما للمدينة المنورة.
ويشير هذا التزامن إلى أهمية السعي من أجل العرش بعد وفاة الملك الحالي،
وتنامي الصراع على السلطة بين أحفاد الملك عبدالعزيز، مؤسس ما يعرف اليوم
باسم المملكة العربية السعودية.
حتى الآن، كان جميع الملوك وأولياء العهد من أبناء الملك عبد العزيز،
المعروف أيضا باسم ابن سعود، لكنهم يموتون ببطء أو أصبحوا عاجزين عن الحكم
بسبب المرض.
وحامل لقب العاهل الملك عبد الله بن عبد العزيز يقترب عمره من 90 عاما،
وفي حالة صحية ضعيفة، كما إن اثنين من أولياء العهد توفيا، على التوالي،
خلال العامين الماضيين.
ومع تعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز (77 عاما) وليا للعهد في يونيو
2012، كل ما فعلته العائلة المالكة هو تأخير، فقط، لقرار أي فرع من فروع
الجيل الثاني من أفراد العائلة المالكة يتولى عرش المملكة.
ويبدو الآن أن أبناء الأمير نايف، وزير الداخلية السابق، الذي عُرف
بالتشدد في الداخل، وكان طرفا أساسيا في إستراتيجية الثورة المضادة في
السعودية (زمن الربيع العربي)، قد وضعوا أنفسهم في موقف جيد ليصبح واحدا
منهم وليا للعهد.
وعُين محمد بن نايف وزيرا للداخلية يوم 5 نوفمبر 2012، بعد فترة قصيرة
تولى فيها عمه أحمد بن عبد العزيز بن أحمد الوزارة، وشقيقه سعود بن نايف هو
الآن حاكم المنطقة الشرقية ذات الأهمية الإستراتيجية. وكان سعود بن نايف
في السابق سفيرا في اسبانيا، وتولى مؤخرا رئيس ديوان ولي العهد، وهو آخر
منصب مهم له.
وسيكون من السابق لأوانه قراءة هذا التعيين على أنه هزيمة لمحمد بن فهد.
وفي الواقع، يقول البعض إنه سيتم تعيينه في منصب رفيع آخر، ولا يزال مرشحا
ليصبح وليا للعهد في المستقبل.
وقد ادعى المغرد السعودي المجهول "مجتهد" @ mujtahidd،
الذي يسرب المعلومات من الدوائر الداخلية للعائلة المالكة في السعودية، أن
محمد بن فهد يريد أن يصبح ملكا في المستقبل عن طريق التحالف نفسه مع
الشيعة في المنطقة الشرقية.
وبالنظر لعلاقته مع العديد من الشيعة، فإن هذا قد يبدو واردا، ولكن من
خلال مصالحه التجارية الواسعة وفترة حكمه الطويلة في المنطقة الشرقية، فإن
لديه، من دون شك، قاعدة دعم معتبرة.
وبعيدا عن التبشير بالتغيير السياسي في المملكة العربية السعودية، فإن هذا
التعديل هو بمثابة تذكير بأن المعركة بين الجيل الثالث من العائلة المالكة
السعودية قد بدأت بشكل جدي. لكنه يُظهر أيضا الطابع الشمولي للنظام
السياسي السعودي، وأن العائلة المالكة لا تزال تهيمن تقريبا على كل المناصب
العليا في الدولة.
وعلى كل، فإن كل أمراء المناطق ينحدرون من العائلة المالكة، وتتم التعيينات بموجب مرسوم ملكي دون التشاور مع الشعب.
تعيين حاكم جديد للمنطقة الشرقية قد يحمل إمكانية حدوث بعض التغيير
السياسي بعد سنتين قاسيتين. ولكن لا تزال المخاوف الأمنية هي السائدة
والمهيمنة، وكذلك الكراهية تجاه الشيعة والناشطين الداعين إلى الإصلاح
السياسي ونظام ملكي دستوري.
وينبغي على الحاكم الجديد أن يعمل بشكل جيد من أجل بداية جديدة حقا إذا
كان يأمل في تجنب تكرار الأنماط القديمة نفسها: الاحتجاج، القمع والإحباط.
...........
العصربقلم: "توبي ماثييسين" (Toby Matthiesen) / مجلة "فورين بوليسي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..