رداً على هجوم الخازن بحق الكويتيين:
الأستاذ
جهاد الخازن، صحافي كبير وعريق وقلم حاذق، يتمتع بعلاقات واسعة مع كثير من
المسؤولين العرب، وخصوصا الحكام في دول الخليج العربي، كتب خمسة عشر مقالا
عن الكويت في السنة
الماضية، تضمنت هجوما حادا، وألفاظا مقذعة، بحق المعارضة الكويتية وأشخاص منها، فهو لا يرى أن
المعارضة في الكويت، وكذلك في البحرين، لديها قضية!
الماضية، تضمنت هجوما حادا، وألفاظا مقذعة، بحق المعارضة الكويتية وأشخاص منها، فهو لا يرى أن
المعارضة في الكويت، وكذلك في البحرين، لديها قضية!
ففي مقابلة له مع إذاعة لندن (بي
بي سي العربية)، هاجم المعارضة في البحرين، واتهمها بأنها تحرك من الخارج،
وتريد القيام بانقلاب لإقامة حكم المرشد، مثل إيران، وأن عيسى قاسم وعلي
سلمان خريجا الحوزة في قم، ولم يشر إلى قوى المعارضة الأخرى، من مجاميع
القوى السياسية، كجمعية العمل الديموقراطي التي يقبع أمينها العام السابق
إبراهيم الشريف في السجن، لأنه شارك في تجمُّع وألقى خطابا فقط، ولا جماعة
المنبر الديموقراطي التقدمي، ولا التجمع القومي، ولا التجمع الوحدوي، ولا
جماعة الإخاء، وهؤلاء إلى جانب جماعة الوفاق، جميعها لها عمق تاريخي في
الحراك السياسي في البحرين، والمطالبة بإصلاحات ديموقراطية تمتد إلى عقد
الخمسينات من القرن الماضي، بقيادة هيئة الاتحاد الوطني، بزعامة الباكر
والشملان وكمال الدين، وآخرين.
واختزال المعارضة ومطالبها في الإصلاح الديموقراطي في عيسى قاسم وحسن مشيمع فيه ظلم وتجاهل، وقد أقول افتئات على شعب البحرين.
نعم، هناك استقطاب طائفي، أطرافه التيارات الإسلامية
(الإخوان، والسلف) في الجانب السني، ومواقفهم إلى جانب السلطة، وغلاة
متطرفون في الجانب الشيعي، مثل الشيخ عيسى قاسم وحسن مشيمع، ولكن أن تصل
درجة الانحياز لوضع كل هؤلاء في سلة واحدة، فذلك أمر غير مقبول.
صحيح أن هناك شعارات سقفها عال،
ولكن ما يجمع المعارضة بجميع أطيافها، هو العودة إلى شيء مثيل لدستور
البحرين لعام 1973، وهو أساس التفاهم بين ملك البحرين والجماعات السياسية
الذي انبثق منه الإجماع على ما يعرف بالميثاق الذي صدر بعد تولي الملك حمد
الحكم.
وضع الكويت
منظار
الأستاذ الخازن تجاه البحرين طبَّقه على الكويت، وعلى حراكها السياسي،
واختزل الحراك الشعبي السياسي في الكويت للمطالبة بالإصلاح الديموقراطي في
انتقاد مواقف وأسلوب أغلبية المجلس المبطل، وتحديدا شخص النائب مسلم
البراك.
الحراك الشعبي السياسي في الكويت
للمطالبة بالإصلاح الديموقراطي تمتد جذوره إلى ما قبل 90 عاما منذ
العشرينات من القرن الماضي، وحركة المجلس الوطني الديموقراطي عام 1938،
وحراك الخمسينات الذي أفضى إلى إصدار الدستور الكويتي لعام 1962، ثم الصراع
بين القوى الشعبية والسلطة ضد تزوير الانتخابات عام 1967، وبيان الاستنكار
الذي وقع عليه عبد العزيز الصقر ومحمد عبد المحسن الخرافي ويوسف إبراهيم
الغانم ومحمد الرشيد، إلى جانب كتلة نواب الشعب، بزعامة د. أحمد الخطيب
وجاسم القطامي وسليمان خالد المطوع ومحمد مساعد الصالح وعبد الرزاق خالد
الزيد الخالد، وعلي عبد الرحمن العمر وأحمد السعدون، والنقابيون حسن فلاح
العجمي وحسين صقر وصالح الرفدي العنزي، ثم موقف هذه القوى نفسها من حل مجلس
الأمة، وإيقاف العمل بالدستور وتشكيل لجنة لتعديله، والتي بدورها رفضت
تعديلات الحكومة، ثم استنكار حل مجلس الأمة مرة ثانية عام 1986، مما أدى
إلى انطلاق حركة احتجاج عرفت بحركة الدواوين، وهي شبيهة بحركة الاحتجاج
الحالي.
اختزال
الأستاذ
جهاد الخازن اختزل ما يمكن أن نسميه بتواضع (فنحن على قد حالنا) بنضال
الشعب الكويتي لبناء دولة القانون وتطوير المشاركة الشعبية في نظام
ديموقراطي كامل الدسم ومستوف للشروط، وهو ما يسمح به دستور الكويت لعام
1962، لو أن السلطة التزمت به وطبقته، والعودة إلى العمل بالدستور هو ما
طالب به وأكده ميثاق جدة الذي انبثق من المؤتمر، الذي انعقد إبان الغزو
العراقي للكويت عام 90/91، وعبَّر عن جوهره الراحل عبد العزيز الصقر رئيس
المؤتمر، بأن المطلوب هو التطبيق الجيد للدستور، وأضع تحت كلمة «الجيد»
ثلاثة خطوط، لأن ما لا يريد أن يعرفه الأستاذ الخازن ولا يقتنع به، أو
يستكثره على الشعب الكويتي، هو التطبيق الجيد للدستور، والانحراف عن ذلك هو
سبب المشاكل السياسية والصراع بين القوى الشعبية والسلطة.
جوهر
الأستاذ
الخازن اختزل كل ذلك في انتقاده لشخص مسلم البراك وأسلوبه، أي خطابه
السياسي في المعارضة الذي لا يتفق معه كثير من الكويتيين، وأنا واحد منهم،
ولكن في الجوهر، المطالبة بالإصلاح السياسي والتطوير الديموقراطي وبناء
دولة القانون ومكافحة الفساد والارتقاء بإدارة الوزارات والمؤسسات
الحكومية.
وهنا يضرب الكويتيون نموذج كفاءة
الإدارة في دبي.. هذه الأمور لايختلف عليها الكويتيون، أو على الأقل
التيار الإصلاحي في الكويت... كل هذه المسائل هي العمود الفقري الأساسي
لمطالب الكويتيين منذ تسعين عاما وحتى الآن.
الأستاذ الخازن يقول إن من حرر
الكويت من الغزو العراقي هم حكام الكويت، والفضل للشيخ جابر والشيخ سعد
والشيخ سعود الناصر الصباح سفير الكويت في واشنطن الذي أقنع الإدارة
الأميركية بالدخول في حرب لتحرير الكويت (شوية جايدة.. يعني كبيرة ما
تنبلع).
دور اساس
لا
أعتقد بأننا في موضع تقاسم الأنصبة، فكل هؤلاء لهم دور في تحرير الكويت،
ونعترف جميعا بأنه لولا قرار التدخل العسكري الأميركي، لما تم تحرير
الكويت، ولكن في التفاصيل الدور الأساسي يبقى للشعب الكويتي وللصامدين في
الداخل، بمن فيهم المعارضة، التي قال عنها الخازن بازدراء
إنها لم تفعل شيئاً على الإطلاق
لتحرير الكويت، التي «هرب زعماؤها (ولا أدري من يقصد بزعمائها.. الخطيب
والصقر والقطامي؟) في الصحراء يحثون التراب أو أغلقوا على أنفسهم الأبواب
خوفاً»!!! هكذا يصل الخازن إلى لغة التحقير. يا أستاذ جهاد في ذلك الوقت،
لم يكن مسلم البراك نائبا أو قائداً سياسياً في المعارضة، فمن تقصد؟
وكشهادة شخصية كواحد ممن لم
يهربوا إلى الصحراء، ولم يغلقوا على أنفسهم الأبواب خوفاً، أقول لم يكن هذا
دأب الصامدين في الكويت.. نعم، لم يقوموا بحرب على النمط الفيتنامي أو
الجزائري، لكنهم رفضوا بإباء الخضوع أو الانصياع لإرادة الغزاة، رغم عنفهم
وقسوتهم، فقد قاوموا بما يستطيعون في مواجهة قوة عسكرية في كل شارع وكل
زاوية، وكانت صيحات الاستنكار تخرج من فوق السطوح كل ليلة.
والأهم من كل ذلك أنهم رفضوا
تشكيل حكومة خاضعة، وكان رد الشهيد فيصل الصانع، الذي طلبوا منه رئاستها،
الرفض القاطع والصريح، قائلا: «أنتم اليوم غزاة، وأي أمر من هذا النوع
يحتاج الى موافقة الكويتيين في الداخل والخارج».
ثمن الرفض
وكان ثمن هذا الرفض، هو غياب فيصل الصانع واثنين من أقربائه، خالد وعبدالعزيز ثم تصفيتهم.
الأستاذ جهاد يقول إنه لا يعرف بطلاً حقيقياً في الغزو إلا الشيخ فهد الأحمد.
طبعاً أنت معذور، ربما لا تعرف إلا الشيوخ!
الشهيد الشيخ فهد الأحمد لم يقتل
في معركة، فصباح الغزو استيقظ متأخراً وذهب لقصر دسمان، مقر الشيخ جابر،
للإطمئنان، فأصابته رصاصة قاتلة على بوابة القصر.
الأستاذ جهاد لا يعرف عن الشهيد مبارك النوت المطيري،
الذي رفض طلب العراقيين إنزال صورة الشيخ جابر بمقر إحدى الجمعيات
التعاونية، ولا يعرف عن حسين قبازرد، الذي استشهد مقاتلاً في الجابرية، ولا
يعرف عن عادل الرقم، الذي اعتقل حاملاً أسلحة في سيارته، ولا يعرف أسرار
القبندي، ولا وفاء العامر، ولا مجموعة يوسف المشاري من الضباط الكبار،كما
لا يعرف عن عبدالله العمر، ولا عبدالله الحداد.. ولا ولا.. وأمامي كشف
بـ263 شهيداً وغائباً، بعضهم توفي لأسباب صحية، لكن الأغلبية، إما قتلى
واما مغيبون، اختطفهم جنود صدام.
أفضل بلد عربي
الأستاذ
جهاد يقول ان الكويت أفضل بلد عربي، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وعليكم
أيها الكويتيون أن تحمدوا الله على النعم التي لايحظى على ربعها شعوب معظم
الدول العربية.. يعني باللهجة الكويتية «بوسوا أياديكم بالمقلوب»!
نعم، الكويت يتمتع أهلها بمعدل
دخل قومي وفردي مرتفع جداً، وهامش الحريات واسع، بالمقارنة مع دول الخليج
ودول عربية أخرى، وينقل الخازن عن جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة السابق «أن
مشكلة الكويتيين أنهم لا يوجد عندهم مشكلة».
يعني يا أيها الكويتيون «كلوا واسكتوا وسافروا في الصيف وبلاش شوشرة»!
في
الحقيقة، رغم هذا الثراء وهذا الغنى، وظاهرة الاستهلاك الترفي، لدرجة
الافراط، فإن الكويت فيها مشاكل ومعاناة، واستمرار هذه المشاكل تولد الغضب
والاحتقان، وهو أحد أسباب الحراك الشبابي الذي هو جزء من المعارضة، وحركة
الاحتجاج التي ليست مقصورة على مسلم البراك، ولا على أعضاء المجلس المبطل،
والذي لم يترك شتيمة إلا ووصفهم بها، فسماهم بالخوارج والفلول وأولاد
الشوارع والغوغائيين والانتهازيين، وكل ما يوجد في القاموس من شتائم، لأنهم
يعترضون على المجلس الحالي، ويريدون إلغاء نظام الصوت الواحد، ويتهمهم
وبقية من يعارض مرسوم الصوت الواحد، بأنهم لا يفهمون الديموقراطية التي
أساسها صوت واحد لرجل أو امرأة.
ملاحظتان
ولي
ملاحظتان، الأولى أن الصوت الواحد في بريطانيا وأميركا يتم في دائرة واحدة
لها ممثل واحد، أما الخلل محل الاعتراض في مرسوم الصوت الواحد، فهو أن لكل
دائرة من الخمس دوائر يمثلها عشرة نواب يختار الناخب واحدا منهم، وهذا أدى
إلى نجاح مرشحين لم يزد ما حصل عليه أول العشرة على 8 في المائة من
الأصوات، والعاشر وهو آخر الناجحين على 2 في المائة، ليس من أصوات مجموع
المقترعين من الناخبين، ولكن فقط من أصوات الدائرة التي ترشح فيها، وهي
واحدة من خمس دوائر.
فالأمر مختلف عن بقية
ديموقراطيات الصوت الواحد لمرشح واحد في دائرة تنتخب واحداً فقط، ويحصل
عادة على نسبة أصوات لا تقل عن 30 في المائة، والمشكلة في نظام الانتخابات
المعدل أنه يفتح أبواب الفساد، من رشوة وواسطات وخدمات، إلى جانب العلاقات
الاجتماعية، أسرية أو قبلية أو مذهبية، وهو ما يزيد من انقسام وتفتت
المجتمع، فهو لا يطور الحياة البرلمانية، ولا يدعم التلاحم الاجتماعي
وتماسك الوحدة الوطنية.
أما الملاحظة الثانية، فهي أن
أهل الكويت منذ المجلس التأسيسي اختاروا نظام العشر الدوائر، والناخب يختار
خمسة مرشحين، يعني إذا كان الخازن يعيب على نظام الدوائر الخمس أن الناخب
ينتخب أربع مرات، فالنظام الذي أقره المؤسسون كان الناخب فيه ينتخب خمس
مرات، ونظام الدوائر الخمس بأربعة أصوات كان مطلبا شعبيا وبداية الحراك
السياسي بشعار «نبيها (نريدها) خمس»، ومشروع القانون الذي أقره مجلس الأمة
عام 2006 كان مقدماً من الحكومة، وطبق في ثلاثة انتخابات، وانتخابات المجلس
لعام 2012، الذي أبطل، جاء بأغلبية على خلفية فضيحة الودائع المليونية في
حسابات ثلاثة عشر نائبا، والدعوى بحقهم جاءت بناء على بلاغ من البنوك وليس
من المعارضة، وحركتها النيابة العامة، والمحكمة لم ترد الدعوى كما ذهب
الخازن، ولكنها قالت ان قانون مكافحة تهريب الأموال لا ينطبق عليها، لأن
مصادر الأموال داخلية.
محدود
وأما
ما ورد في مقالات الخازن، بأن الفساد في الكويت موجود لكنه محدود، أشير
هنا إلى تصريح سابق لسمو الشيخ صباح الأحمد، الذي قال فيه ان «الفساد في
الكويت لا تستطيع حمله البعارين» (الجمال).
المشكلة التي يتفق عليها كل
الكويتيين، هي ليس فقط شيوع الفساد، ولكن عدم مساءلة المفسدين، فلدينا سرقة
احتياطيات الدولة المستثمرة في الخارج، وسرقة الناقلات والإيداعات
المليونية والتحويلات للخارج، والاستيلاء على أراضي الدولة بثمن بخس، لتصبح
وسيلة للإثراء غير المشروع.
وإلى جانب كل ذلك، فالمجتمع
الكويتي ذو النمط الاستهلاكي المترف، يعاني وجود بطالة 20 ألف متخرج من
مؤسسات التعليم، وقائمة طلب السكن زادت على المائة ألف، والشاب الكويتي لا
يكفي مرتبه لشراء مسكن، وارتفاع الإيجارات يلتهم الراتب.
وهناك شكوى من سوء الإدارة الحكومية وترديها وانخفاض مستوى التعليم والخدمات الصحية، رغم ارتفاع ما ينفق عليها.
في
الختام، من يختلفون مع أغلبية المجلس المبطل ومع أحمد السعدون ومسلم
البراك، يختلفون على أسلوب المعارضة، وليس لأنه لا توجد مشاكل في الكويت،
والأستاذ جهاد معذور، لأنه يقول ان معلوماته غير القابلة للدحض يستمدها من
علاقته بسمو الأمير والشيخ ناصر المحمد والسيد جاسم الخرافي ووزير الإعلام
والأستاذ أحمد الجارالله، ونأمل أن يراجع معلوماته مع أطراف لها اتصال أكثر
بالناس.
بقلم: عبدالله النيباري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..