الشيخ
محمد السعيدي يروى رحلته التايلندية نص ما كتبه الشيخ :
انطلقت إليها من مطار جدة ضحى يوم الخميس ٢٨/ ٢
/١٤٣٤هـ مرورا بمدينة دبي , ووصلتها ضحى يوم
الجمعة ٢٩/ ٢ /١٤٣٤هـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين. وبعد:
جاءت دعوتي إلى حضور مؤتمر كلية الدراسات الإسلامية
السنوي في جامعة الأمير سونكلا بجنب مملكة تايلند من الأخ الدكتور علي مهاما الأستاذ
بتلك الكلية ,وهو أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ،لهذا أقدم شكري له
في بداية هذا التقرير بعد شكر الله عز وجل كما أشكر أخي الدكتور عبد المحسن الحربي
الأستاذ في جامعة طيبة ,والذي رشحني لهذا المؤتمر وتشرفت بمرافقتي له في هذه الرحلة
مع الأساتذة الفضلاء : عمر قبل الرحيلي رئيس الإشراف التربوي في الهيئة الملكية بينبع
والدكتور سمير المغامسي أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية ومحمد محارب الأحمدي مدرس
في التعليم العام بالمدينة ، وقد تمت دعوة جميعهم عن طريق الدكتور علي مهاما، وكانت
العلاقات المقطوعة رسميا بين المملكة العربية السعودية ومملكة تايلند تحول دون تقديم
دعوة رسمية للجامعات السعودية .ولما كان موقع جامعة الأمير سونكلا في مدينة فطاني جنوب
تايلند فقد أمضينا بقية يوم الجمعة وصباح السبت في زيارة لمدرستين إسلاميتين خاصتين
وزيارة لقناة تلفزيون يتيم .
ومما هو ظاهر في تلكما المدرستين :كونهما أنموذجا
لمدارس عديدة منتشرة في بانكوك وضواحيها وفي مختلف أنحاء تايلند التي يقطنها المسلمون
، وأكثر هذه المدارس يقوم عليها خريجوا الجامعات السعودية ,لاسيما الجامعة الإسلامية
التي بلغ خريجوها في أنحاء تايلند الآلاف وقد تخرج أوائلهم منها عام١٣٩٢للهجرة وما
زالت الجامعة تخرج وتقبل من أبناء تلك البلاد.
وقد التقينا بعدد من هؤلاء ولمسنا فيهم ولاء للمملكة
وحبا لأهلها وجدا في نشر الإسلام في بلادهم واجتهادا في نشر عقيدة السلف والدفاع عن
منهج إمامي الدعوة محمد بن عبد الوهاب و محمد بن سعود .
كما
لفت انتباهنا أن الحكومة التايلندية تقدم معونة سنوية سخية تصل إلى الألف ريال للطالب
الواحد للمدارس الدينية الإسلامية في الشمال والجنوب إلا أن مما لفت انتباهنا أن الحكومة
تشترط على الأقسام الثانوية في بعض المدارس الدينية في الشمال أن تكون النسبة الأكبر
من طلابها متخصصة في العلوم العصرية ,بينما لا تشترط ذلك في مدارس أخرى ولا شك أن لذلك
ضابطا نظاميا لكن الفرصة لم تتح للتعرف عليه .
وأعداد طلاب هذه المدارس ليس بالقليل حيث يصل إلى
الألفين وخمسمائة طالب لبعض المدارس ومما يشجع القائمين عليها على قبول الأعداد الكبيرة
سخاء المعونة الحكومية ، والقائمون على هذه المدارس دائما يسعون إلى استغلال وجود هذه
المعونات عن طريق التوسع في إنشاء المباني وتجهيزها ، وتتنوع مصادر المساعدات التي
تأتيهم لهذا الأمر فمنها ما هو عن طريق المملكة العربية السعودية ومنها ما هو من طريق
دول الخليج العربي ومنها ما هو من طريق المساهمات التايلندية وإن كانت المساهمة السعودية
أقل بكثير مما كانت عليه قبل أحداث سبتمبر المشؤومة ومع هذا فذكر السعودية واسمها لازال
هو الأعلى والأشهر والأكثر علوقا في أذهان الناس .
والمنهج
العلمي لطلاب الجامعة الإسلامية والمتمثل في استخدام الحكمة كوسيلة أولى ورئيسة في
الحصول على الحقوق هو المنهج الأغلب في تلك البلاد لاسيما وسط وشمال تايلند ،أما منهج
العنف فهو موجود بنسبة قليلة في الجنوب ومع ذلك فله تأثير عملي هناك وإن كان رغم ذلك
يبقى محاصرا ومضيقا عليه .
والمدارس الإسلامية في وسط تايلند تحتضن أعدادا من
الطلاب القادمين من الدول المجاورة مثل فيتنام وكمبوديا ولاوس ،وهي دول لا يوجد فيها
مثل هذا النوع من التعليم كما حكى لنا الإخوة هناك كما أن تلك الدول لا تدعم هذا النوع
من التعليم ولا تشجع عليه بعكس حكومة تايلند .
و لوزارة الشؤون الإسلامية السعودية ثلاثة وثلاثون
داعية من التايلنديين المتخرجين من جامعاتنا منتشرون في ولايات تايلند وقد التقينا
بعضا منهم وهم عاملون جادون ولاشك أن العامل مهما بلغ من الاجتهاد يحتاج دوما إلى شيء
من المتابعة وأظن وزارة الشؤون الإسلامية السعودية قائمة بهذا الأمر عبر ممثلها في
الممثلية السعودية في العاصمة التايلندية .
ويزداد
عبء الدعاة الذين تنفق عليهم السعودية وكذلك عبء المدارس الإسلامية السنية مع النشاط
الكبير الذي تقوم به دولة إيران لنشر التشيع هناك مستخدمة الإغراء المادي وتشويه تاريخ
الإسلام وإشاعة الشبهات القديمة حول أصول أهل السنة والجماعة .
والحقيقة ان تاريخ مذهب أهل السنة في تلك البلاد
وما يحمله أهلها من حب مركوز في نفوسهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه
وتابعيهم والأئمة الأربعة وكذلك آثار خريجي الجامعات السعودية في الدعوة هناك ، كل
ذلك يشكل عقبة كبيرة يصعب تجاوزها في وجه المد الشيعي الممول من إيران ، لهذا أقترح
أن يكون لمندوب وزارة الشؤون الإسلامية السعودي في مملكة تايلند جهد في ترتيب المسلمين
هناك عبر القنوات الرسمية التي يتيحها نظام الدولة هناك وهي المجلس الإسلامي التايلندي
الممثل في شيخ الإسلام الشيخ إسماعيل عبدالعزيز ونائبه .
كما أقترح إقامة معهد كبير لتدريس اللغة العربية
تابع للجامعة الإسلامية أو جامعة الإمام محمد بن سعود يتم من خلاله نشر العقيدة الإسلامية
الصحيحة في مملكة تايلند وما جاورها ودعم تعاطف المسلمين هناك مع المملكة العربية السعودية
حكومة وشعبا.
وقد
كان ختام برامجنا ليوم الجمعة محاضرة عن فضل الصحابة رضي الله عنهم ألقيتها في تلفزيون
يتيم التايلندي ,وهو جزء من أنشطة مؤسسة يتيم الخيرية وهي مؤسسة يقوم عليها عدد من
الفضلاء ومنهم خريجون من الجامعات السعودية وينشرون من خلال المؤسسة والقناة عقيدة
السلف رضي الله عنهم ويحاربون المد الشيعي وأنشطة السفارة الإيرانية في جميع البلاد
الناطقة باللغة التايلندية .
وقد اتصل بعض المشاهدين طالبا مني توضيح المذهب الوهابي
بلهجة احتجاجية وكانت فرصة مناسبة للحديث بإسهاب عن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وكونها لا تتجاوز التعريف بالإسلام كما كان في صدره الأول من اتصال مباشر بالله عز
وجل ونبذ للخرافة والتفرق في الدين واتباع للرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد
أكمل ما بدأت به من حديث وتممه خير تتميم من رافقته في هذه الرحلة وهو الدكتور عبد
المحسن الحربي الأستاذ في جامعة طيبة فتحدث عن عظمة الصحابة رضوان الله عليهم وسرعة
امتثالهم لأوامر الله .
والحقيقة أن هذا اللقاء كان له من الأثر مالم أتوقعه
فقد قررت القنوات التايلندية الإسلامية الأخرى وهي أربع قنوات أخذ حديث عن حقيقة دعوة
الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقد تم ذلك ولله الحمد صباح يوم السبت في قاعة إحدى المدارس
الإسلامية وأمام طلابها .
وفي تلك المدرسة التي حاضرت فيها صبيحة يوم السبت
التقينا عددا من خريجي الجامعة الإسلامية وهم مدرسون وناشطون في الدعوة إلى الإسلام
في مختلف أنحاء تايلند.
وقد
شكا هؤلاء الإخوة أن عددا آخر من الخريجين القدماء والحديثين غير نا شطين فيما يوجبه
عليهم حمل أمانة العلم ويودون لو قامت المملكة بإنشاء اتحاد أو رابطة لخريجي الجامعات
الإسلامية يتم من خلالها تواصل المملكة مع خريجي جامعاتها وتحريكهم في مجال العمل الدعوي
وتوحيد جهودهم .
وقد ألقيت كلمة أمام الطلاب فيما طلبته القنوات الإسلامية
مني وتمت ترجمته وبثه عدة مرات في جميع القنوات الإسلامية التايلندية والحمد لله رب
العالمين .ومساء يوم السبت قمنا بزيارة لشيخ الإسلام إسماعيل عبد العزيز في مكتبه في
ضاحية مجاورة للعاصمة بانكوك.
وقد لفت نظري مستوى الفخامة والأبهة لمبنى المجلس
الإسلامي الأعلى ، وهي ملاحظة تعكس في نظري قوة المجلس لدى الحكومة التايلندية ،وهي
قوة تفرضها حاجة الحكومة إلى شيخ الإسلام في دعم الوحدة السياسية بين أقاليم الجنوب
ذات الأغلبية المسلمة وسائر أقاليم تايلند ، وتجدر الإشارة إلى أن الجنوب التايلندي
يتكون من خمس ولايات تشكل ما كان يعرف قبل قرن من الزمان تقريبا سلطنة فطاني .
وفطاني اسم يقتصر إطلاقه حاليا على ولاية واحدة من
هذه الولايات الخمس توجد بها جامعة الأمير سونكولا التي وجهت الدعوة لنا ويقام المؤتمر
في رحابها.
وعدد
المسلمين في جميع تايلند حسب تقديرات الأهالي يتجاوز الستة ملايين نسمة أي قرابة العشرة
في المائة من مجموع عدد السكان البالغ ستة وستين مليونا ، أما الإحصاء الرسمي فيقدر
المسلمين بأقل من خمسة في المائة كما صرح بذلك الحاكم العسكري لولايات الجنوب الخمس
في كلمته التي ألقاها في العشاء الذي أعده لضيوف المؤتمر وذلك في مدينة فطاني حيث سيأتي
الحديث عنه لاحقا.
وأستكمل الآن حديثي عن زيارة شيخ الإسلام الذي لا
يعبر المبنى الفخم والأبهة التي تحيط به عن مستوى التواضع الجم الذي لمسناه من فضيلته
.
وقد استقبلنا لدى وصولنا إلى مبنى المجلس الإسلامي
الأعلى سماحة نائب المفتي الشيخ هرون أحمد وهو من قدماء خريجي الجامعة الإسلامية من
أبناء تايلند حيث تخرج منها قبل ما يزيد على ثلاثين سنة وكان ضمن أول دفعة تتخرج من
كلية الحديث في الجامعة بعد إنشائها ،ونظرا لكبر سن شيخ الإسلام فإن كثيرا من أعمال
الفتوى وشؤون المسلمين هناك وكذلك مهام أمير حج تايلند تناط به منذ ثلاث سنوات تقريبا
.
والحقيقة أن فخرنا بالجامعة الإسلامية لم يكن له
حدود ونحن نرى ثمارها تتبوء مناصب متقدمة بين المسلمين في تلك البلاد سيأتي ذكر بعضها
لاحقا وتقدم للإسلام هناك خدمات جليلة أسأل الله أن تكون في ميزان المملكة العربية
السعودية وأهلها .
ثم جاءنا
شيخ الإسلام في قاعة مجلس مكتبه ذات الأبهة العالية وكان مدفوعا على كرسي متحرك لقرب
عهده بجلطة دماغية ، وكان حديثه الودود وأسلوبه غير المتكلف وتواضعه الجم وتكلفه عناء
لقائنا رغم مرضه كل ذلك جعل لأبهة المكان والأثاث مذاقا جميلا وانطباعا حميدا في نفوسنا
.
وقد بدأ حديثه بالعربية ثم استأذننا للحديث بالتايلندية
وقال إن ذلك لسهولة التالندية عليه لاسيما في ظروف مرضه.
ثم كلفني الإخوة بالحديث نيابة عنهم فركزت كلمتي
على الثناء على موقف القيادات الإسلامية في تحقيق مكاسب للمسلمين عبر الطرق السلمية
المتاحة لاسيما وأن جدوى هذه الجهود قد ظهرت في كثير من جوانب حياة المسلمين الدينية
والاجتماعية والعلمية والسياسية .
ففي الجانب الديني والاجتماعي يمارس المسلمون في
مختلف أنحاء تايلند متطلبات قيمهم الدينية من العبادات والمعاملات دون مضايقة نظامية
أو شعبية وينحصر استياء المسلمين من هذا الجانب في الأجواء الأخلاقية المتدنية والتي
تسيطر على المجتمع البوذي في المدن من انحلال كبير جدا وانتشار للمخدارت والمسكرات
وسائر العاهات ، وهذه الأوبئة جعلت المسلمين في وسط وشمالي تايلند حيث هم أقلية يحرصون
على التكتل في أحياء خاصة بهم كي يستطيعوا حماية ناشئتهم من الاختطاف الأخلاقي لهم
، وبالرغم من كون تلك الأحياء ليست راقية من حيث الموقع والتنظيم إلا أن تجار المسلمين
ووجهاءهم يسكنون فيها لهذا السبب ويبنون قصورهم وسط بيوت إخوانهم المسلمين الفقراء
والمتوسطي الدخل .
بل إن أحد أعيان المسلمين في تايلند وهو الدكتور
سورين بتسوان وزير الخارجية وأمين منظمة الآسيان سابقا يسكن في أحد هذه الأحياء المتواضعة
ولديه مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم للصبيان والفتيات تديرها والدته وينفق عليها هو ويبلغ
عدد طلابها ألفا وخمسمائة طالب.
ويلبس
المسلمون غالبا ألبسة تميزهم ويحبون ذلك كثيرا وينتشر بينهم لبس الثوب السعودي والشماغ
الأحمر أو الطاقية أو العمامة الحضرمية ولا يتحرجون من ذلك بل يفخرون به لاسيما كبار
السن فيهم وطلاب العلم والمدارس الدينية ، وينتشر الحجاب بين نسائهم ، مع لبس العباءات
أو ما شابهها فوق الجلابيب ويغطي كثير منهن وجوههن أما من يرين كشف الوجه فلا ترى منهن
من تتوسع فيما وراء دائرة الوجه أو من تضع الأصباغ والمساحيق .هذا مثال لظهور أثر الجهود
السلمية في أخذ الحقوق الاجتماعية ، وبين تجار تايلند عدد كبير من المسلمين قابلنا
منهم الشيخ عبد الرحيم وهو تاجر من أهل ضواحي بانكوك درس في السعودية قبل أكثر من أربعين
سنة في المسجد الحرام وعاد إلى تايلند وأسس هو وأخوه الأكبر تلك المدرسة الدينية التي
ألقيت فيها محاضرتي الآنفة الذكر والمسجد المجاور لها وهو شيخ واسع الثراء دمث الخلق
كريم النفس يحب الطلاب حتى إنه زوج بعض بناته منهم رغم فقرهم وقد قابلنا ذلك الطالب
وهو من خريج الجامعة الإسلامية .
وكذلك ابن أخيه الأستاذ مناف محمد وهو صاحب تجارة
ممتدة في طول تايلند وعرضها ومنتجات مصانعه تباع في المملكة والخليج وجنوب إفريقيا
، وقد رأيت من تواضع هذا الرجل وحبه للخدمة ما حرصت أن استفيد منه لنفسي .
أما
حقوقهم السياسية فقد وصلو لمناصب عليا في الدولة منها نيابة رئاسة الوزراء حيث سبق
وتولاها الدكتور محمد نور متى وهو من حزب تايلند والمسلمون يحبونه كثيرا وله جهود في
دعم العمل الدعوي للمسلمين ، أما سورين بتسوان السابق الذكر فهو ينتمي إلى الحزب الديمقراطي
واسمه أحد الأسماء المطروحة لدى حزبه لتقديمه مرشحا لرئاسة الوزراء ، والحقيقة أن توليه
لهذا المنصب في حكم الخيال إلا أن مجرد ورود اسمه كشخصية محتملة الترشيح لرئاسة الوزارة
يعد مكسبا للأقلية المسلمة.
أما
المكاسب العلمية فتتمثل في سهولة إنشاء المدارس الدينية الخاصة ومدارس تحفيظ القرآن
بشكل تتمنى وجوده في بعض الدول الإسلامية وفي فطاني وحدها يوجد أكثر من مائتي مدرسة
إسلامية خاصة تدرس الطلاب بالمجان وتتلقى إعانة من الحكومة ولا تتدخل الدولة في مناهجها
غالبا.
نعم هناك هاجس لدى بعض العاملين في الشأن الإسلامي
من أن هدف الحكومة من دعم التعليم الديني هو صرف المسلمين عن التعليم الطبيعي والذي
يخرج الاقتصاديين والقانونيين والأطباء والمهندسين ، وهذا الهاجس سواء أكان صحيحا أم
لا فإن على المسلمين توجيه طاقات كبيرة منهم إلى الدراسات الطبيعية ، وهذا ما تقوم
به جامعة جالا الإسلامية فلديها مشاريع كبيرة للتطور في هذا الشأن ، ومع ذلك فإن الأقلية
البوذية في الجنوب ما تزال أكثر حرصا على اقتحام هذه المجالات ، بل إنهم يلتحقون بالأقسام
الطبيعية حتى التي هي داخل الجامعات الإسلامية كجامعة جالا ، وحدثني أحد أساتذة طب
الأسنان في جنوب تايلند وهو دكتور يمني يحمل الجنسية التايلندية أنه يدرس خمسين طالبا
في طب الأسنان كلهم من البوذيين وليس بينهم مسلم واحد.
وهناك
مشكلة أخرى في الجنوب التايلندي وهي قلة المدارس الحكومية النظامية بالنسبة لعدد السكان
وهذا من الأمور التي تجعل المسلمين بين خيارين إما تدريس أولادهم في المدارس الدينية
الإسلامية الكثيرة ، أو تدريسهم في مدارس دينية بودية هي أقرب من حيث المنهج والمواد
إلى المدارس الحكومية، وقد زرت مدرسة دينية بوذية وألقيت فيها كلمة في تفسير آية الكرسي
بحضور الكهنة البوذيين وترجم لي أحد الطلاب المسلمين يحضر للدكتوراة في سلطنة بروناي
ووجدت أكثر من نصف طلاب هذه المدرسة من أبناء المسلمين وأخبرني أحد الكهنة ولست متأكدا
من صدقه أن مواد الدين البوذي ليست إلزامية على أبناء المسلمين وأن لديهم مدرسا مسلما
يدرس مادة الدين الإسلامي للطلاب المسلمين وهذه المعلومة سواء أكانت صحيحة أم مغلوطة
فهي خطيرة جدا ويجب التعامل معها بإيجابية وأرشح هنا الهيئة العالمية للتعليم في رابطة
العالم الإسلامي لمعالجتها .
شاهدت
مسجد فطاني القديم وهو مبني من الحجر ، وكذلك صليت العصر في الجامع الجديد وهو مبني
على أحدث طراز بناء جميلا مبدعا.
ويحتوي على مصلى خاص للنساء مفصول عن مصلى الرجال
بستائر غليظة.
ويغلب الحجاب الكامل وغطاء الوجه على نساء تايلند
المسلمات ونساء الجنوب بشكل خاص.
ومع أن الجامعة يديرها بوذي إلا أنه قد راعى خصوصية
المسلمين في عدم الاختلاط ،فكانت قاعات الرجال في المؤتمر مفصولة عن قاعات النساء
.
ثم زرت
مدرسة إسلامية خاصة تتكون من المراحل الدراسية الثلاث , وتضم أكثر من ألفين وخمسمائة
طالب كلهم يدرسون بالمجان ,وتقدم الحكومة التايلندية إعانة لصاحب المدرسة تصل إلى الثمانية
آلاف بات للطالب الواحد.(حوالي 800 ريلا(
تصدح
في أرجاء فطاني محطة إذاعية هي الرسالة إف إم وهي إذاعة أنشأها بعض أهل الخير من المملكة
العربية السعودية ويشرف عليها بعض الأساتذة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
بالتعاون مع عدد من خريجي الجامعة الإسلامية من أبناء تايلند، وبرامج الإذاعة شبيهة
ببرامج إذاعة القرآن الكريم في الرياض ، ويقوم الشباب التايلنديون العاملون في المحطة
بترجمة كثير من المحاضرات والدروس التي تلقى في بلادنا إلى لغتهم وبثها هناك عبر أثير
محطة الرسالة .
صباح
الأربعاء سافرنا مع جميع الضيوف في رحلة استجمامية على حساب الجامعة المضيفة إلى مدينة
شانغ ماي شمالي تايلند ،وقد استغرقت الرحلة بالطائرة ساعتان تقريبا .
وشانغ
ماي مدينة تجارية وسياحية لكن المسلمين فيها قليلون ، يبلغ عددهم حوالى الثلاثين ألفا
،ومع ذلك فلهم مدارسهم الدينية ، وقد تمت لنا زيارة مدرسة التوحيد ،وهي مدرسة كبيرة
المبنى لكن طلابها قليلون يزيدون قليلا على المائة وسبعين طالبا وطالبة ، وفيها قسم
داخلي للبنات ويسعى القائمون على المدرسة إلى توسيعه كي تستوعب عددا أكبر من الدارسين
,لاسيما من مسلمي الدول المجاورة.
وعدد
من أساتذة المدرسة هم من خريجي الجامعات السعودية ,لاسيما الجامعة الإسلامية ، كما
أن أحد مؤسسي المدرسة قبل اربعين سنة هو من السعودية أيضا.وحين ألقى مدير المدرسة كلمته
أمام الوفود المشاركة في المؤتمر من بلاد شتى وخص السعودية بالذكر والشكر حمدت الله
تعالى على هذه النعمة التي جعلت خير بلادنا يساهم في حفظ الإسلام في هذه الأصقاع النائية
من الأرض ، وتأكد لدي أن العداء الذي تبديه القوى الصليبية للمنهج السلفي وللمملكة
العربية السعودية ناشئ عن علمها اليقيني بأن هذه الدولة هي مصدر عز الإسلام في العصر
الحديث.وقد توجهت إليها السهام الصليبية من كل اتجاه ،فسهام تلبس لباس الدين وأخرى
لباس الإصلاح وأخرى لباس الحقوق ورابعة لباس الحريات ، ولا نقول إلا اللهم ول علينا
خيارنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
عدنا
مساء الخميس من شانغ ماي إلى بانكوك بعد جولة سياحية يسيرة ، وأخبرني مستقبلونا في
مطار بانكوك أن وزير الخارجية الأسبق سورين بتسوان دعاني عن طريقهم لزيارته ,وأن ضيق
وقتي وقرب سفري جعلهم يحددون له الساعة التاسعة من هذا المساء ,لألتقي به في أحد الفنادق
الكبيرة حيث ستنتهي محاضرة سياسية له في ذلك التوقيت وفي المكان ذاته .وفي الوقت المحدد
قابلنا معالي الوزير وقد صحبني لذلك أخي الدكتور عبد المحسن الحربي ، وتعود علاقتي
بالوزير بتسوان إلى زيارة له متأخرة إلى مكة حيث استجاب مشكورا لدعوتي إياه في منزلي.
وقد
دار الحديث بيننا عن أهمية أن تنآى النخبة المسلمة في هذه البلاد بجاليتها عن المشاركة
في أي توترات دينية أو عرقية وأن يحافظوا على مواطنتهم لأن هذا السلوك في الوقت الحاضر
هو الذي سيضمن لهم أكبر قدر من الحقوق ، في حين يعد الدخول في أي حركة عنف مغامرة بالمكاسب
لا تعرف عاقبتها ، وقد جربت دولة الفلبين ومسلموها تبادل العنف وبعد أربعين عاما من
الاستنزاف عادوا جميعا إلى محاولة الحلول السلمية .
إن فرصة
الدعوة إلى الإسلام المتاحة في تايلند والتي يمكن لها أن تجعل المسلمين أغلبية أو نسبة
مكافئة خلال سنوات سوف تقضي عليها أي أعمال عنف باسم الإسلام .وينبغي على المسلمين
خارج تايلند ممن لا يقدرون الوضع التايلندي حق قدره أو ممن تصلهم صورة الوضع هناك على
غير وجهها الصحيح أن يبتعدوا عن الزج بمسلمي تايلند في أتون نار لا تعرف عواقبها من
خلال الدعوات التحريضية التي تصلهم بين الفينة والأخرى ، أو من خلال استغلال التسهيلات
النظامية التي تقدمها الحكومة التايلندية للمسلمين لإدخال مسلمي تايلند في صراعات الهيمنة
العالمية مع التنظيمات الجهادية الإسلامية ، كما صنعت هذه الجماعات للأسف مع مسلمي
أندونيسيا والجاليات المسلمة في بريطانيا.
إن مسلمي
تايلند لهم مشروعهم الدعوي والتنموي الرائد والذي لا يريدون من أحد أن يشغلهم عنه.
هكذا
دار الحديث مع الدكتور سورين .
قضينا
بعدها يوما من الراحة في فندقنا في بانكوك ، وانطلقت في مسائه إلى قناة يتيم بدعوة
منهم للمشاركة في حملة تبرعات لمسلمي الروهنجا في ميانمار . وجمع التبرعات لمسلمي الروهنجا
في ميانامار في قناة تلفزيونية وعلى الهواء مباشرة يعبر لك بقوة عن مدى الحرية التي
يتمتع بها المسلمون هناك، فهم يجمعون التبرعات لإغاثة الجالية المسلمة المضطهدة من
حكومة بوذية تدين بالدين نفسه الذي يدين به غالبية التايلديين وملكهم وحكومته ، بل
يعتنقون المذهب البوذي نفسه الذي يعتنقه أهل ميانمار ، ومع ذلك يعملون علانية في جمع
التبرعات ، والجميل أنني لم أسمع طيلة الحملة من المشاهدين المتصلين أو من مقدمي البرنامج
أية إساءة للبوذية كدين ، وهذا من العقل التام ، إذ إن الحملة لو استخدمت أسلوب تحميل
البوذية كدين مغبة ما يحصل في ميانمار لعاد ذلك سلبا ، لا على الحملة وحسب بل ربما
على مسلمي تايلند بأسرهم وربما على مسلمي ميانمار.
وأحد
المتصلين من المشاهدين وجه إلي السؤال محتدا: أين السعودية الغنية بالنفط عن مسلمي
الروهنجا؟
فأجبت
بأمرين: الأول : هل ينبغي على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يتوقفوا عن نصرة
إخوانهم المسلمين لتقوم بذلك السعودية والسعوديون؟ وهل السعودية وحدها قادرة على إنهاء
أزمة الروهنجا وسوريا وفلسطين والصومال والفلبين وغربي الصين ومنغوليا ووو؟ لماذا لا
يربي المسلمون أنفسهم على أن عليهم جميعا واجبات متفاوتة على قدر طاقاتهم ، ويكفوا
عن الاعتماد الكلي على السعودية ودول الخليج كلما حلت بهم أزمة.إن حملة جمع التبرعات
هذه لو أقيم مثلها في دول الآسيان العشر لانتهت أزمة الروهنجا المالية . فلماذا بدلا
من أن تصب غضبك على السعودية لا نقوم بإرشاد قومك إلى عمل ما ينبغي . إن مسلمي تايلند
وحدهم لو دفع كل واحد منهم عشرة باتات (تعادل ريالا)لوصل المبلغ ستين مليون باتا ،
وهذا كافي لإغاثة الروهنجا لسنة كاملة ، ولا يوجد تايلندي لا يستطع التبرع بعشر باتات
فقط.
قلت
هذا ثم واصلت حديثي: ثانيا: أبشركم أن السعودية وشعبها قائمون بنصرة إخوانهم في كل
مكان ولو سألت أحد مواطني الروهنجا عن المجموعات الإغاثية التي تقف على شاطئ النهر
الفاصل بين بنجلادش وبورما لأخبرك أن جميعهم من السعودية ودول الخليج الأخرى ، لكن
وجود دول الخليج في أي أزمة للمسلمين لا ينبغي أن يكون عذرا لبقية المسلمين كي يتركوا
واجبهم العالمي.
كانت
حصيلة تلك الحملة أكثر من ثلاثة ملايين باتا ولله الحمد .
رافقني
في الذهاب لتلفزيون يتيم أخي عبدالله السبيت عدنا بعدها إلى الفندق لننطلق في صباح
اليوم التالي مع مجموعتنا إلى المملكة العربية السعودية وفي ذاكرة كل منا تجربة جديدة
من تجارب الأسفار.
محمد
بن إبراهيم السعيدي
ليلة السبت ١٤/ ٣ / ١٤٣٤للهجرة النبوية على صاحبها
أفضل الصلاة وأتم التسليم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..