السبت، 16 فبراير 2013

الإخوان والخليفة الخميني!

في عام 1979 عرض وفد من الإخوان على الخميني مبايعته “خليفة للمسلمين” في خطاب رفعه إلى الرئيس المصري محمد مرسي، طالب السيد علي خامنئي ـ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ مصر أن تستوحي نظام “ولاية
الفقيه”، داعياً مرسي إلى تبنى «النموذج الإيراني» والانضمام إلى طهران فى بناء ما سماه «الحضارة  الإسلامية الجديدة».
ووفقاً للخطاب الذي أوردته صحيفة “الشرق الأوسط” السبت، فإن خامنئي وعد بأن «المفكرين الإسلاميين الإيرانيين على استعداد لتقديم قدراتهم العلمية المتاحة للحكومة المصرية النبيلة وشعب مصر العظيم».
يأتي هذا الخطاب بعد أن استقبلت مصر الأيام الماضية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، في سابقة من نوعها لأول رئيس إيراني يزور القاهرة منذ 34 عاماً، منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، شكَّلت هذه الزيارة التاريخية منعطفاً كبيراً في العلاقات بين القاهرة وطهران التي شهدت جموداً منذ عقود، لكن الرئيس محمد مرسي (رئيس مصر الثورة) سبقها حين زار طهران للمشاركة في قمة عدم “الانحياز” في أغسطس 2012، كأول رئيس مصري يزور إيران منذ عام 1979 أيضاً.
نجاد الذي اُستقبل في القاهرة بمناسبة القمة الإسلامية (6-7فبراير) بحفاوة رئاسية، وانتقادات أزهرية، أثار في زيارته الكثير من الجدل واللغط كعادته، لكنه أثار معه ملف علاقة الإخوان المسلمين بإيران، ذلك الملف المليء بالتفاصيل القديمة المختبئة بين جزيئات الواقع الجديدة التي تشكِّل بمجموعها مشهداً متأرجحاً مرتبكاً.. لكن تتبع الجذور العميقة يجلي الصورة، ويكشف المشهد بوضوح.
فعلى الرغم من أن الرئيس مرسي في كلمته أمام قمة “عدم الانحياز” قد تعمَّد في بداية خطابه الترضِّي على الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان، ثم تبعها بتضامن كامل مع الثورة السورية ضد “النظام السوري القمعي الظالم”.. النظام الذي تكافح طهران من أجل بقائه. وعلى الرغم من أن الشيخ يوسف القرضاوي قد اعتبر في أكتوبر 2012 “إيران” من أعداء الأمَّة التي “يجب الدعاء عليها في الحج”؛ بسبب موقفها من الأزمة السورية.. على الرغم من هذا كله، فإن هذه التصريحات “الظرفية”، وردود الفعل السياسية لا تلغي تاريخاً عميقاً من جذور التشابه، والتقارب بين الإسلام السياسي في نسخته السنية (الإخوان المسلمين)، ونسخته الشيعية (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، تقارب تاريخي في التصور الفكري، والفعل الحركي، بل والتقسيم الهيكلي أيضاً، فهناك (مرشد)، وهنا (مرشد)، وهناك (رئيس منتخب)، وهنا (رئيس منتخب)، وهناك (مجلس تشخيص مصلحة النظام)، وهنا (مكتب الإرشاد)، وهناك (تصدير الثورة)، وهنا (التنظيم العالمي).
غلاف كتاب "الإخوان وإيران"
غلاف كتاب “الإخوان وإيران”
القرضاوي نفسه في كتابه (أمتنا بين قرنين) اعتبر انتصار الثورة الإيرانية من ثمرات الصحوة الإسلامية، حيث يقول :”لقد أقام الخميني دولة للإسلام في إيران، وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية في العالم، وانبعاث الأمل فيها بالنصر”. (ص112 دار الشروق ط/2002).
لن يكون هذا الاحتفال بمنجز الإسلام السياسي الشيعي مستغرباً حين نعلم أنه بعد وصول الخميني للسلطة في إيران 11 فبراير 1979 كانت الطائرة الثانية التي يسمح لها بالهبوط في مطار طهران تحمل وفداً من قيادات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي جاء مهنئاً ومباركاً نجاح “الثورة الإسلامية”.
ويدور التاريخ.. ففي يوم الجمعة 4 فبراير 2011 -قبل أسبوع من تنحي مبارك-، قام السيد علي خامنئي في خطبة الجمعة بتشبيه ما يجري من ثورة ضد الرئيس المصري بالثورة الإيرانية ضد شاه إيران، وعند إعلان فوز الدكتور محمد مرسي – مرشح الإخوان – بانتخابات رئاسة الجمهورية بمصر كانت إيران من أوائل المسارعين إلى التهنئة.
(يذكر هنا من باب المصادفة والتندر أن الانهيار النهائي لحكومة الشاه في إيران، وإعلان المجلس العسكري الأعلى محايداً في النزاعات السياسية كان في 11 فبراير 1979، وفي مصر كان تنحي الرئيس حسني مبارك، وإعلان المجلس العسكري حاكماً في تاريخ 11 فبراير 2011).
في الكتاب الصادر حديثاً عن دار جداول للنشر 2013( الإخوان المسلمون وإيران.. الخميني – خامنئي) يستقصي الباحث السوري (محمد سيد رصاص) جذور العلاقة التاريخية بين جماعة الإخوان المسلمين والجمهورية الإيرانية الإسلامية، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، ويتتبع نقاط الالتقاء والمشتركات الفكرية بينهما التي أنتجت تقاطعات وتحالفات سياسية ظهرت وصمدت طوال ثلث قرن من الزمن. على الرغم من أن هذا التقارب يتناقض مع حركة معاكسة استمرت لاثني عشر قرناً في مسار انفصاليٍّ بين السُنة والشيعة في مجالي الفكر والسياسة، بحسب ما يرى المؤلف.
في البدء يؤكد “رصاص” أنه لا يمكن فصل الشيخ حسن البنا -مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مارس 1928-، عن الثالوث المتمثل في: السيد جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، والشيخ رشيد رضا. حيث كان الثلاثة مسكونين بإحياء قوة المسلمين أمام الهجمة الغربية، وأولهم شيعي إيراني غاص في تعقيدات السياسة الأفغانية المنقسمة بين الروس والإنجليز قبل هربه للهند، ومن ثم سفره إلى مصر، قبل أن يموت في بلاط السلطان عبد الحميد الذي أقنعه الأفغاني بأهمية فكرة (الجامعة الإسلامية)، فيما اتجه الثاني إلى التربية بعد خيباته السياسية، ولم ير غضاضة -وهو مفتي الديار المصرية الشافعي- في أن يقوم بـشرح كتاب (نهج البلاغة) أحد أبرز الكتب المرجعية في المكون الشيعي.
التأثرات واضحة بفكر سيد قطب في كتاب «فلسفتنا» (1959) للسيد محمد باقر الصدر، الذي أسَّس في ذلك العام «حزب الدعوة العراقي»، ودخل الحزب في العام التالي عند تأسيس «الحزب الإسلامي العراقي»، -الفرع الإخواني المحلي- في وحدة واحدة ضد حكم عبد الكريم قاسم، ويقال بأن الحزبين قد كانا حتى سقوط قاسم بانقلاب 8 فبراير 1963 في حالة وحدة تنظيمية، أو شبه وحدة.
طابع بريدي إيراني يحمل صورة سيد قطب
طابع بريدي إيراني يحمل صورة سيد قطب
في عام 1966 ترجم علي خامنئي كتاب سيد قطب: (المستقبل لهذا الدين) للغة الفارسية، وكتب مقدمة للترجمة يصف فيها قطب بـ “المفكر المجاهد” الذي أثبت في كتابه “أن العالم سيتَّجه نحو رسالتنا، وأن المستقبل لهذا الدين”.
كانت إيران وباكستان مقصد شحنات بالبواخر لكتاب سيد قطب: «في ظلال القرآن»، بعد طباعته في الستينات في بيروت. يقول المؤلف “لا يمكن عزل اتجاه (ولاية الفقيه)، و(الحكومة الإسلامية)، عند الخميني في الستينات، عن فكرة (الحاكمية) عند المودودي وسيد قطب”.
يسوق “رصاص” معلومة مثيرة وصفها بأنها تنتمي لـ”العالم الشفوي” للمعارضة السورية آنذاك، حيث تنوقلت أخبار بأن وفد الإخوان الذي زار إيران بعد انتصار الثورة 1979 قد طرح على الخميني مبايعته كـ”خليفة للمسلمين”، مقابل إعلان الخميني أن خلافات الصحابة حول “الخلافة”، و”الإمامة” هي “خلافات سياسية، وليست إيمانية”، وتقول الرواية إن الخميني تريث ووعدهم بالإجابة لاحقاً، وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يقول بـ «المذهب الجعفري مذهباً رسمياً… وبولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب»، كان من الواضح ما هي إجابة الخميني.
المثير للأمر أن من بين أعضاء الوفد الإخواني الذي التقى الخميني شخصية سعودية، وهو المستشار عبد الله بن سليمان العقيل مؤلف كتاب “من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة”، إضافة إلى شخصيات عربية أخرى من أعضاء التنظيم الدولي للإخوان، كعبد الرحمن خليفة من الأردن، وجابر رزق من مصر، وغالب همت وسعيد حوى من سوريا.
ورغم رفض الخميني لعرض الوفد، إلا أن الإخوان كانوا مستمرين في تأييد الحكم الإيراني الجديد، فقد سيَروا تظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس السادات شاه إيران في مصر، ثم أيدوا إيران في حربها ضد العراق، وفي عدد مجلة «كرسنت» الكندية، بتاريخ 6 (ديسمبر) 1984 يقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني: «لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران».
عند وفاة الخميني في 4 (يونيو) 1989 أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً تضمَّن الكلمات الآتية: «الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني، القائد الذي فجَّر الثورة الإسلامية ضد الطغاة».
في عهد علي خامنئي، الذي أصبح «مرشداً» بعد وفاة الخميني، أصبحت نظريات سيد قطب تُدَرَّس في مدارس الإعداد العقائدي لـ «الحرس الثوري الإيراني»، كما برز نفوذ لمرجعيات دينية مثل آية الله مصباح يزدي، وهو الأستاذ الروحي لأحمدي نجاد، الذي لا يخفي إعجابه بسيد قطب وتأثره به.
اخيراً يرى “رصاص” في كتابه أنه في المجمل العام لثلث قرن من العلاقة بين دولة وتنظيم، يمكن القول إن الأسس الفكرية متداخلة مع تلك السياسية، وإن الأمور لا يمكن أن تكون مبنية على الجانب السياسي لتفسير صمود علاقة واجهتها الكثير من الرياح والعواصف.
قبل سنوات قليلة -وعبر قناة الجزيرة- فسَّر يوسف ندا، أحد قادة التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، صمود العلاقة بين إيران والإخوان مستشهداً بمقولة حسن البنا الشهيرة: “هناك مبدأ عام في التعاون بين الإسلاميين: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه”.
عبدالله الرشيد

عبدالله الرشيدأكاديمي وإعلامي سعودي

التاريخ: : السبت, 16 فبراير, 2013


----------------------------------------------------------
إضافة :  
هلباوي يحدسكم من إيران




مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
الرجل الغامض يوسف ندا....من خلف الستار

بالأسماء والأرقام.. المليارات الغامضة في جماعة الإخوان

ماذا تعرف عن : يوسف ندا "مفوض العلاقات الدولية للإخوان المسلمين"

يوسف ندا "المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين"

«الإخوان المسلمون» وإيران

فى تحقيق استقصائى مصادر تمويل «الإخوان» من الخارج:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..