أعلن السيد معاذ الخطيب (رئيس ائتلاف المعارضة السورية) عن مبادرة "شخصية" قبل من خلالها الحوار مع نظام الأسد، على أن يبدأ الأخير وقبل أي نقاش، إطلاق سراح المعتقلين، خاصة النساء والأطفال، وأن توعز أجهزة النظام للسفارات خارج البلاد بمنح جوازات سفر للسوريين. ثم اشترط الخطيب أن يتم التحاور خارج سورية، في مصر أو اسطنبول أو غيرها.
وقد أثارت المبادرة ردود فعل متبنية، فبينما رأى فيها بعض المتابعين
"حجراً رمي في ماء راكد" ووجدوا لها بعض التبرير، اعتبرها كثير من
المتابعين، وخاصة الثوار، خيانة لمبادئ الائتلاف الوطني ولمبادئ الثورة
التي منحت الائتلاف شرعيته.
معلقون كثر، ذكّروا السوريين أن معاذ الخطيب رمز وطني، ما عرف عنه إلا
الصدق، وهو من القلة الذي رفضوا المال السياسي، وهو يعمل لصالح الثورة لا
يبتغي إلا وجه الله، مبتعداً عن أي منصب راغباً في الاستقالة من رئاسة
الائتلاف.
وقد رأى هؤلاء أن مبادرة الرجل تستحق الاهتمام والتفكير، فهي تثبت أن
الرجل سياسي أراد أن يستغل السياسة لصالحه ويحرج الأسد الذي لن يقوى على
إطلاق المعتقلين وسيرفض التحاور مع المعارضة وبالتالي سينجح الائتلاف في
إحراج الأسد على الصعيد العالمي.
آخرون رأوا أن معاذ الخطيب أعلن مبادرته لتخليص المساجين من عذابات
المعتقلات، وللتفريج عن السوريين همومهم التي طالت دون مغيث عربي ودولي.
وقد سارع معاذ نفسه إلى الحديث عن تلك النقطة بعد أن غرقت مواقع التواصل
الاجتماعي والفضائيات بالتعليق على ما قاله الرجل.
وقد شدد رئيس الائتلاف الوطني على أن المبادرة شخصية لا تمثل إلا رأيه ولا
علاقة للائتلاف بها، وأن ما قام به إن هو إلا بحث عن حل لمعاناة الناس، لا
قفز فوق الثورة ومتطلباتها.
وذكّر الخطيب بما تعانيه الثورة والثوار: "وسأقول بصراحة هناك كتائب على
الأرض لا يوجد معها ثمن الخبز وستبقى تحمي الثورة حتى النفَس الأخير، وهي
ذراع الثورة التي تحدت الحديد والنار والإرهاب والسجون والمنظمات والمؤسسات
والحكومات الصديقة والشقيقة، وعلى المعارضة السياسية أن تقدم شيئاً ما
لدعم الشعب السوري وإخراجه من حالة التجويع والحصار والإذلال من القريب قبل
البعيد ..، فهناك من تعهد بدعم الثوار ثم تركهم في قلب الموت، وهناك دول
تعد ولا تفي وهناك صمت دولي وخنق للثورة، وهناك من الأنذال من يبيع صبايا
سوريات كإماء، وهناك من يقول للسوريين اقتحموا ثم يتركهم وسط المعركة،
وهناك من يريد أن تستمر سورية في حرب طاحنة حتى تختفي من الوجود..".
وفي النهاية، تمسك معاذ الخطيب برأيه وبالحق في طرحه وإسماعه للمهتمين كافة.
معارضو المبادرة عبروا عن دهشتهم وصدمتهم بما قاله الشيخ، ورأى بعضهم أن
عليه الاستقالة فوراً من منصبه. فهو يخون، كما قالوا، مبادئ الثورة، وأنه
لا يجوز لأحد في الائتلاف أن يحاور قاتل الأطفال، ومهجر السوريين، ويجلس
معه إلى طاولة واحدة.
والحق أنني أتفق مع ما قاله المعارضون للفكرة في معظم التفصيلات، دون الحديث عن استقالة الرجل، فهذه مسألة أخرى.
أعتقد أن المبادرة تنطوي على أخطاء فادحة، أولها أن السيد معاذ الخطيب قبل
الائتلاف ورئاسته على مبدأ إسقاط الأسد، وعدم التحاور مع النظام إلا على
رحيله.
وبمجرد أن يتحدث الخطيب عن تحاور ما، فهو يتجاوز ما حدده الائتلاف تماماً،
ولا يشفع للشيخ الكريم، قوله أن المسألة رأي شخصي. فمن المستغرب أن يصرح
رئيس المعارضة السورية برأي شخصي يناقض ما أجمعت عليه هذه المعارضة التي
يمثلها.
ومن المؤسف أن مبادرة الخطيب جاءت في توقيت سيئ للغاية، فقد صرفت النظر عن
جبن النظام وتمريغ أنفه في الوحل من خلال قيام طائرات الصهاينة بقصف ريف
دمشق دون أن يحرك ساكناً. فلطالما ادعى الأسد أنه يحارب عملاء الصهاينة في
درعا وحمص وحماة وغيرها، فلما جاء الكيان الصهيوني نفسه وقصف أرض دمشق، صمت
بشار وما نبس ببنت كلمة، فانكشف حتى للأعمى أن لا قوة للأسد إلا على شعبه
ومن أجل كرسيه فقط.
هذه الحادثة كان يجب أن تستثمر بطريقة إعلامية مناسبة، ولقد ضاعت في ظل
التصريحات والتحليلات التي ملأت الفضائيات حول المبادرة الجديدة.
ثم إن الشيخ معاذ يطالب الحكومة السورية بإطلاق المعتقلين قبل الذهاب إلى
الحوار، ولعمري فقد وقع الرجل في خطأ ما كان له أن يقع فيه، فإن طائرات
الأسد قادرة على قتل هؤلاء المعتقلين عند خروجهم في قراهم أو بيوتهم، أو
مطاردتهم في بعض الدول المجاورة، كما يعرف القاصي والداني، أ فنخرج
المعتقلين حتى نقتلهم؟
وكان الأجدر بالسيد رئيس الائتلاف، أن يشترط وقف القصف مثلاً وسحب
الدبابات والأسلحة الثقيلة إلى مرابضها، وتمكين المنظمات الإغاثية
والإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان من الدخول إلى سورية والتحرك فيها بحرية.
وليس أن نطلب إخراج المعتقلين وبضع جوازات سفر للسوريين في الخارج. وبكل
حال، فلو طلب الخطيب كل ذلك ما كفاه لينجو من لومنا، إذ لا نرى إلا التفاوض
على رحيل النظام.
أرى أنه كان على الخطيب ألا يفكر بمفاوضة الأسد، بل بالتحاور مع أسياد
الأسد في روسيا وإيران، فهو يعلم تماماً أن الرجل لا يملك اليوم أكثر من
لباسه فيحكمه، وأن القرارات أصبحت في طهران وموسكو، وإذ أقول ذلك، فلأن
الخطيب ومنذ أقل من شهر رفض محاورة الروس على أنهم ضالعون في قتل السوريين،
فكيف لا نحاور الشريك في القتل ونحاور القاتل المباشر.
وأسوأ من ذلك كله، أن محاورة الأسد على إخراج المعتقلين ومنح جوازات
السفر، يعني اعترافاً حقيقياً بشرعية بشار كرئيس للدولة يفاوض، بل ويمنح
جوازات سفر، وهذا من أخطر ما يسيء إلى الفكرة التي طرحها الخطيب.
ما كان للشيخ معاذ أن يرضى بمجرد الفكرة، وقد قال الأسد في خطابه الأخير
نحن لن نحاور القتلة، وإذا أردنا أن نحاور فسنحاور أسيادهم في أمريكا
وأوربا، أ فنقبل أن نحاور من يرى فينا قتلة وعملاء لأمريكا والغرب.
أرى أنه كان من الأفضل للسيد معاذ الخطيب أن يستشير قبل إعلان رأيه على
الملأ، وأن يستشير خاصة رجال السياسة والقانون والإعلام، وفوقهم جميعاً
ثوار الداخل، فهم أصحاب القرار، لا قرار من دونهم حتى لو اتفقت المعارضة
السياسية كلها عليه.
لا أرى جانباً حسنا في هذه المبادرة، فقد صرفت النظر إعلامياً
عمّا سواها، وأثارت الجدل بين متابعيها، وساهمت ولو بشكل غير مباشر في
تعميق بعض الانقسامات هنا وهناك، وإنني إذ نصحت الخطيب بالاستشارة أولاً،
فإنني أنصحه أن يحمل أغراضه وائتلافه فيدخل أرضاً سورية محررة، يدير منها
معركته السياسية ضد الأسد الذي يحارب من داخل سورية.
..........
العصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..