الأحد، 10 فبراير 2013

نهاية "الربيع الإسلامي": "يسقط حكم المرشد ويا غنوشي يا سفاح"؟

نهاية

في مصر "يسقط يسقط حكم المرشد والدكتاتور" وفي تونس "يا غنوشي يا سفاح..يا قاتل الأرواح"، وفي مصر دعوة وتحريض ودفع
للعسكر للعودة للحكم والسيطرة، فهم على الأقل "أرحم من حكم الإخوان"، وفي تونس، وإن بنبرة أخف، مطالبة بتدخل الجيش لحماية الثورة من حكم النهضة والاغتيالات السياسية وحملات تصفية المعارضة.
حتى بدأ البعض يتحدث عن "نهاية الربيع الإسلامي"، فإذا كان يعني أن الربيع العربي تحريض إسلامي أو خطفه الإسلاميون، فكل المنصفين والعقلاء من العرب والعجم، يشهدون بعكس هذا، وأن الثورات العربية إنجاز تاريخي غير مسبوق لا ينتمي لحزب ولا يخضع لحسابات التوجهات والإيديولوجيات، وإن كان متأثرا بأفكار الحرية والديمقراطية والانعتاق من عهد الظلم والاستعباد، فليكن هذا، ولتسقط الصناديق حكم الإسلاميين، المهم أن تستمر عملية التحول الديمقراطي وأن تنهض البلد بالحريات والمجتمع المفتوح والتعددية وقدر من التوافق الممكن وإنهاء زمن التبعية والاستقلالية في الإرادة والقرار. والإسلاميون ليسوا أولى من غيرهم بالحكم، والعبرة بطريقة الحكم وإدارة ونهضة البلد ومواجهة الإرث الثقيل لنظام الاستبداد القديم.
تصعيد المعارضة في كل من مصر وتونس، لا علاقة له في كثر من ملامحه وجوانبه، بالتحولات والمطالب الديمقراطية الأساسية، وإنما هو عداء صريح لحكم التيار الإسلامي، ولم يتم التعامل معه، في كثير من أحيان، كتجربة تيار أوصلته صناديق الانتخابات إلى الحكم يُصوب ويسدد ويعارض ويضغط عليه كغيره من التجارب الديمقراطية، مع تفهم بعض التجاوز والانفلات والانفعال والاحتقان في التجارب الوليدة، لكن أن يصل الأمر إلى تصعيد ميداني وحرب شوارع مع قوات الأمن وتعطيل لمرافق الحياة، وما هو أشبه بالعصيان الميداني، وصولا إلى إسقاط الحكم، فهذا تفجير للوضع مقصود وأحقاد تفرض منطقها على كثير من سلوك قوى التصعيد.
لا أحد في كل هذا يبحث عن الأغلبية عن عموم الناس عن المتفرجين الحيارى عن البسطاء المغلوبين على أمرهم، فكل الصراعات والمعارك التي تدار ترفع قميصهم وتحارب باسمهم، لكنهم في الأخير خارج دارة الاهتمام.
غنوشي سفاح ومرسي دكتاتور، بمعنى أن من أفرزتهم الانتخابات لا يختلفون عن النظام البائد إلا في التحسينيات والكماليات، فما قيمة الصناديق إذن؟ ومن كان يخوف الغرب والشرق من الإسلاميين إذا حكموا لم يخطئ، وكانت تقديراته وتحذيراته في الصميم، فلم أُطيح به أصلا؟ ولماذا كانت الثورة وكل هذا الصداع والانسداد والتعطيل؟
لفترة طويلة، انشغل بعض الباحثين والمهتمين والمغرضين بتكفير بعض الإسلاميين للديمقراطية ورفضهم لها نظريا، لكنهم لم يهتموا بمن ينفر ويصدهم عنها عمليا، ويدفع الناس للكفر بها واليأس منها والحنين إلى حكم العسكر والأقلية نافذة مؤثرة. وربما سيهتم الكثيرون بعد الذي رأوه من معارضة متطرفة في مصر وتونس، بما يسمى بالكفر العملي لا النظري للديمقراطية، وسيفاجأون بأن منهم منظرين للديمقراطية ومبشرون بها ومناضلون من أجلها ربما لفترة طويلة، لكن الحقد والعداوة كشفا حقيقة دعواهم.
كل من يصعد الآن في تونس ومصر لو كان هو الحاكم لانقلبت الموازين التي يحتكم إليها اليوم في ضرباته الموجعة للتجربة الديمقراطية.
يصعدون ويحرضون على العنف والمواجهات الدامية وإسقاط الحاكم المنتخب، ثم ينسحبون من الميدان ويراقبونه عن بعد وقد أغرقوا كثيرا من مجموعاتهم بالمال والشحن الطائفي والتهييج وربما الخطط، فيشعلون بعض الأماكن الحساسة باللهيب والنيران والمواجهات مع قوات الأمن، فيسقط جريح هنا وقتيل هناك، وصبيحة الغد يبكون القتلة والجرحى ويحملون الرئيس مسؤولية سفك الدماء، و"قد بلغ القتل في عهده ما لم يشهده عهد مبارك"، وفي اليوم نفسه يسخن إعلامهم الوضع ويرفع درجات الاستعداد ويشعل حربا أخرى، وفي اليوم الموالي يمشي المحرضون في جنازة قتيل حربهم ومعاركهم وتصعيدهم، وفي الغد يدعون إلى تظاهرة احتجاجية وتصعيد جديد ردا على "القتل الذي يتحمله الرئيس".
وهكذا هم لا يسودون تجربة التيار الإسلامي في الحكم، وفقط، وإنما يجعلون العهد الديمقراطي، وهو لا يزال في المخاض، قرينا للاقتتال وتعطيل الحياة والنفير اليومي ومشاهد الرعب والسحل والقنص، ليكفر الناس بشيء اسمه صناديق الاقتراع وانتخابات وما إلى ذلك.
حالة يأس وإحباط المعارضة المتطرفة من الاختيار "الأعمى والأمي" للشعب وإفراز الصناديق والعملية الديمقراطية، تغذيها الأحقاد والعداوات والمخاوف والابتزاز وشراء الذمم، تدفعهم لإشعال النيران وتعطيل البلد.
وكل العقلاء داخل البلد وخارجه، نصحوهم بالمعارضة القوية السلمية الفعالة الإيجابية، وإذا أصر الإسلاميون في الحكم على أخطائهم وتجاهلهم لمطالب التصحيح، سيعاقبهم الشعب في الانتخابات القادمة، والكل يشهد أن الإخوان يواجهون سيلا من النقد داخل الصف الإسلامي بشكل قوي ومستمر، ولا يمررون لهم أخطاءهم وتصلبهم وعنادهم، من السلفيين إلى الجماعة الإسلامية إلى المستقلين وهكذا، فالتيار الإسلامي في مصر ليس تبريريا في الإجمال ولا هو بالمداهن ولن يمكن الإخوان من إدارة البلد بالطريقة نفسها التي يديرون بها جماعتهم، وتجربة الإخوان في الحكم في عامها الأول، وأخطاؤها وعنادها وتصلبها في أدائها قابلة للتصحيح بعد المراجعة والضغط، وبعضها سيحسب عليهم وسيخصم من رصيدهم وسيؤثر في شعبيتهم، فلم كل هذه الحروب والمعارك؟
وثمة أخطاء يشترك فيها الأكثرون عندما تتاح لهم فرصة الحكم، يدينها ويرفضها وهو في موقع المناصحة والمعارضة، لكن ما إن يغرق في تفاصيل إدارة الحكم، سيرتكب الأخطاء نفسها وربما يضيف إليها أخرى، وهكذا مسار التحول الديمقراطي بين هبوط وصعود إلى أن تنضج التجربة وتتأسس تقاليد الحكم الديمقراطية، فتقل الثغرات والعثرات.
والسلطة السياسية في مصر اليوم مرتبكة وضعيفة لا تعرف ماذا تفعل، وحرب الشوارع التي يديرها المتربصون فاجأتها وزادتها ارتباكا وارتعاشا، ومهم توسع دائرة المشاركة في إدارة البلد، فلن تتمكن مؤسسة الرئاسة لوحدها من تجاوز المصاعب والمتاعب بالطريقة "الباهتة" التي تواجه بها المعضلات في غياب مبادرات جادة ومقنعة، كما لا يمكنها الاعتماد على حكومة هشة هزيلة في مواجهة المخاوف الشعبية والغضب السياسي هذا من جهة، وفي محاصرة شبكات التخريب وإشعال النيران، من جهة أخرى.

...............
العصر


2013-2-9 | المحرر السياسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..