الأربعاء، 27 مارس 2013

أحكام الظهار والإيلاء واللعان

الظهار
1- تعريفه وصيغته وحكمه
القرآن الكريم
قال الله سبحانه: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ* الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ* وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(المجادلة،1-4
هدى من الآيات:
في قضية عائلية كالظِّهار، وعند تحاور خاص بين الرسول وواحدة من المسلمات بشأن مشكلتها هذه، ينزل الله قرآناً. فأيُّ شهادة أكبر من شهادة الربّ على الحوادث الواقعة، أم أيُّ حضور فاعل للوحي في يوميّات الأُمة!؟
بلى. إنّ الله يسمع تحاورهما. ولقد كانت العرب ترى أنّ الرجل إذا قال لزوجته: (أنتِ عليَّ كظهر أُمي) حَرُمَت عليه أبداً، وكان ينطوي هذا الحكم على ظلمٍ كبير للمرأة التي لا تُعاشَر آنئذٍ معاشرة الأزواج، ولاتسرَّح لتتزوّج من رجلٍ آخر.
لقد كان الظِّهار من العادات الجاهلية التي فتّت الكثير من الأُسر قبل بزوغ نور الإسلام، وقد تعوّد عليها المجتمع، وبقي إيمان الكثير بها إلى ما بعد إسلامهم، وحيث أراد الله لرسالته أن تكون بديلاً عن الجاهلية فقد نزل الوحي يدافع عن الأُسرة باعتبارها إذا صلحت وقويت كانت أساس بناء المجتمع والحضارة، ومن هذا المنطلق حارب القرآن فكرة الظهار، واعتبرها منكراً وقولاً زوراً، لا يبرره شرع الله ولا الواقع، فإن قول الرجل لزوجته: «أنتِ عليَّ كظهر أُمي» لايصيرها أماً له، «إنْ أُمّهاتهم إلاّ اللاّئي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً».
وفي الوقت الذي تسفّة سورة المجادلة فكرة الظهار كما يتصورها الجاهليّون من المسلمين، بأنّها لون من الطلاق الدائم الذي لا تصح بعده الرجعة، تؤكّد هذه السورة بأن الرجعة ممكنة حفاظاً على كيان الأُسرة والمجتمع ورعايةً لعواطف الإنسان، ولكنها تفرض كفارةً عليه قبلها (تحرير رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكيناً)، وذلك لا يعني أن الإسلام يعتبر الظهار أمراً مشروعاً، إنّما أراد بذلك الوقوف أمام تأثّر المسلمين بالجاهلية من جهة، ودفعهم من جهةٍ أخرى إلى أخذ شرائعهم وثقافتهم من مصدرها الصحيح والأصيل، (ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ(، وما دون ذلك فهو صنيع الجاهلية الضالة الكافرة، والذي ينبغي الإستغفار منه، لأن الإيمان والعمل به يستوجب غضب الله وعذابه، (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ(.
والآية تعكس صورة عن مكانة المرأة في الإسلام، وأنّها مع الرجل على حدٍ واحد في علاقتها مع قيادتها الرسالة، تجادلها في حقوقها، وتشتكي عند المشاكل لديها، وتحاورها في مختلف القضايا والمواضيع، تستمع القول وتبدي الرأي، باعتبارها مكلفاً له حقوقه وعليه واجباته الشخصية، بل باعتبارها جزءاً من الأمّة يهمّها أمر الإسلام والمسلمين، وينعكس عليها التقدم والتخلف، والنصر والإنكسار.
فهذا الرسول القائد لا يصدّ خولةً التي حاورته في أمر الظهار عن التصدي للموضوع لأنّها إمرأة، إنِّه يستقبلها بصدره الرحب رغم إلحاحها، وهي تروم الوقوف بوجه مشكلة تهمّ كلّ مسلم ومسلمة، وتتصل بالنظام الإجتماعي للأُسرة.
ومن حكمة الله ودقة تشريعه أنّه فرض كفارةً في علاج مشكلة الظهار، هي بحد ذاتها علاج لمشكلة أخرى هي الرقيق أو المسكنة، إذ أوجب كحكم أولي مقدّم على غيره أن يكفِّر المظاهر عن نفسه بتحرير رقبة مملوكة قبل أن يجامع زوجته، وهذا الأمر يوّجه الشهوة الجنسية كدافع قوي للإنسان نحو فعل الخيرات.
ويلاحظ في الإسلام إهتمامه بعلاج مشكلة الرق في كثير من المواضيع والأحكام بصورة الفرض تارة وباعتباره الخيار الأقوم تارة أخرى.
ولعل قائلا يقول: ولماذا يفرض هذه العقوبة الثقيلة جزاءً لموقف يتلخص في كلمات قليلة (هي صيغة الظهار)؟ ولكن لنعلم أنّ العلاقة الزوجية ليست أمراً هيّناًَ، إنّما هي مهمّة ويجب أنْ يحيطها الإسلام بسور لا تخرقه الأهواء والنزوات العاجلة، فهي مرتكز المجتمع، ومدرسة الأجيال الناشئة، كما وأنّ التجربة الحضارية للأمة تتركز فيها، فلا يجوز إذاً الإعتداء على حرمتها وهدمها من أجل الشهوات والإنفعالات العابرة.
فالكـفارة رادع عملي للوقوف ضد تهديد كـيان الأسرة، والتوسّل بالعـادات والقيم الجاهـلية، أمّا الرادع الأهم والـذي ينمّيه الـدين في نفوس أتباعه، ويعتمده في النظام الإجتماعي والسياسي والإقتصادي، فهو تقـوى الله وخشيته، الذي يتأسّس علـى الايمان به والإحساس النفسي برقابته الدائمة والدقيقة لأعمالنا.
السنة الشريفة
1- روي عن امير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال:
وأما المظاهرة في كتاب الله، فإن العرب كانت إذا ظاهر رجل منهم من امرأته حرمت عليه إلى آخر الابد، فلما هاجر رسول الله صلى لله عليه وآله كان بالمدينة رجل من الانصار يقال له: أوس بن الصامت، وكان أول رجل ظاهر في الاسلام، فجرى بينه وبين إمرأته كلام فقال لها: أنتِ علي كظهر امي، ثم إنه ندم على ما كان منه، فقال: ويحكِ إنا كنا في الجاهلية تحرم علينا الازواج في مثل هذا قبل الاسلام، فلو أتيتِ رسول الله صلى الله عليه وآله تسأليه عن ذلك.
فجاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته، فقال لها: ما أظنك إلا وقد حَرُمْتِ عليه إلى آخر الابد.
فجزعت وبكت وقالت: أشكو إلى الله فراق زوجي، فأنزل الله عز وجل: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا (إلى قوله: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ (الى آخر الآية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قولي لاوس زوجك: يعتق نسمة، فقالت: وأنّى له نسمة، والله ما له خادم غيري. قال: فيصوم شهرين متتابعين. قالت: إنه شيخ كبير لايقدر على الصيام. قال: فمريه فليتصدق على ستين مسكينا، فقالت: وأنّى له الصدقة؟ فو الله ما بين لابتيها أحوج منا، قال: فقولي له: فليمض إلى ام المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر فليتصدق به على ستين مسكينا.107
2- وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن رجل قال لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أُمي، أو كَيَدِها، أو كفرجها، أو كنفسها، أو ككعبها، أيكون ذلك الظهار؟ وهل يلزمه فيه ما يلزم المُظاهر؟. فقال الإمام:
«المظاهر إذا ظاهر من امرأته فقال: هي عليه كظهر امه، أو كيدها، أو كرجلها، أو كشعرها، أو كشيء منها ينوي بذلك التحريم فقد لزمته الكفارة في كل قليل منها أو كثير.108وكذلك إذا هو قال: كبعض المحارم، فقد لزمته الكفارة.»109
3- وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن الظهار، متى يقع على صاحبه الكفارة؟ قال:
«إذا أراد أن يواقع إمرأته.»110
الأحكام
ما هو الظِّهار؟
1- كان الظِّهار في الجاهليّة طلاقاً يؤدي إلى حرمة الزوجة أبداً على زوجها، وكان يقع بقول الرجل لزوجته:« أنتِ عليَّ كظهر اُمي » حيث يشبِّه زوجته باُمه التي تحرم عليه حرمة مؤبَّدة، وقد حرَّمت الشريعة الإسلامية الظِّهار ووضعت له أحكاماً خاصة سنبينها فيما يأتي.
صيغة الظهار
2- الأقوى وقوع الظِّهار بكل عبارة تشبِّه الزوجة بأي شيء مُحَرَّم من إحدى محارمه الأبديات مثل: الأم والأخت والعمة والخالة، فيقول: أنتِ على كظهر اُمي، أو بطن اُمي، أو ظهر اُختي أو بطن اُختي، وهكذا...
حكم الظهار
3- يترتب على الظهار - إن وقع حسب الشروط التي سنذكرها - حرمة وطئ الرجل لزوجته المظاهرة منها، وإذا أراد العود إليها يجب عليه أن يدفع الكفارة أولاً تم يعود، فحرمة الوطئ لا ترتفع إلا بالكفّارة، والأولى إجتناب سائر الإستمتاعات بالزوجة قبل التكفير.
2- شروط الظهار
السنة الشريفة
1- قال الإمام الصادق عليه السلام:
«لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق.»111
2- وقال الإمام الباقر عليه السلام:
«لا يكون ظهار إلا على طهر بغير جماع بشهادة شاهدين مسلمين.»112
3- وقال الإمام الصادق عليه السلام:
«لا طلاق إلاّ ما اريد به الطلاق، ولا ظهار إلاّ ما اريد به الظهار.»113
4- وروى محمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبدالله عليهما السلام في المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال: «لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار.»114
الأحكام
1- ولا يقع الظهار بمجرد التلفظ بالصيغة المذكورة، بل لا بد من توافر الشروط التالية:
اولاً: أن يكون الزوج المظاهِر: بالغاً عاقلاً قاصداً مختاراً.
ثانياً: وأن تكون الزوجة قد دخل بها الزوج، وأن لا تكون في حيض ولا نفاس، وأن تكون في طهرٍ لم يواقعها فيه - مثل مامر في الطلاق - .
ثالثاً: أن يقع الظهار بحضور شخصين عادلين يسمعان قول المظاهر.
2- لا يشترط في وقوع الظهار وترتب الأحكام عليه أن تكون الزوجة دائمة، بل يقع بالمتمتع بها أيضاً.
3- موقف الزوجة في الظهار
السنة الشريفة
1- روى يزيد الكناسي في حديث له مع الإمام الباقر عليه السلام:
قلتُ: فان ظاهر منها ولم يمسها وتركها لا يمسها، إلا أنه يراها متجردة من غير أن يمسها، هل يلزمه شيء؟ فقال عليه السلام: «هي إمرأته وليس بمحرم عليه مجامعتها، ولكن يجب عليه ما يجب على المظاهر قبل أن يجامعها وهي امرأته.»
قلت: فان رفعته الى السلطان فقالت هذا زوجي قد ظاهر مني وقد أمسكني لا يمسني مخافة أن يجب عليه ما يجب على المظاهر، فقال: «ليس يجب عليه أن يجبر على العتق والصيام والاطعام إذا لم يكن له ما يعتق ولم يقو على الصيام ولم يجد ما يتصدق به» وقال: «فان كان يقدر على أن يعتق فإن على الإمام أن يجبره على العتق والصدقة من قبل أن يمسها ومن بعد أن يمسها.»115
2- وروي عن الإمام الصادق عليه السلام:
«جاء رجل إلى رسول الله صلى عليه وآله فقال: يا رسول الله ظاهرت من امرأتي. قال: إذهب فاعتق رقبة. قال: ليس عندي. قال: إذهب فصُم شهرين متتابعين. قال لا أقوى. قال: إذهب فأطعم ستين مسكيناً»116
3- وقال الإمام الصادق عليه السلام:
«الظهار، إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع ثم ليواقع...»117
الأحكام
موقف الزوجة
إذا رضيت الزوجة بالوضع الجديد بعد الظهار، وصبرت على عدم وطئها من قبل الزوج، فلها ذلك. أما إذا لم تصبر الزوجة وأرادت إنهاء هذه الحرمة، رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي أو نائبه حيث يقوم الحاكم بإحضار الزوج وتخييره بين إثنين: إما دفع الكفَّارة والعود إلى مباشرة زوجته، وإما الطلاق، فإن لم يتخيّر الزوج أحد الأمرين أمهله ثلاثة أشهر لكي يتخذ قراره خلالها، فإن بقي الرجل متصلِّبا على موقفه خلال الشهور الثلاثة حبسه الحاكم وضيَّق عليه في المأكل والمشرب حتى يختار أحد الأمرين، وليس للحاكم أن يضغط عليه باتجاه إختيار أحد الأمرين دون غيره بل يدعه يختار بإرادته.
الكفارة
كفارة الظهار هي إحدى الكفارات الثلاث بشكل مرتَّب، وهي عتق رقبة فإن عجز عن ذلك أولم توجد الرقبة - كما هو الحال في عصرنا - فصيام شهرين متتابعين، وإذا عجز عنه فإطعام ستين مسكيناً.
وإذا عجز عن أداء الكفارة ولو بالإقتراض يكفيه الإستغفار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..