السبت، 16 مارس 2013

وعد كونداليزا

 لحمد لله وبعد،،
إذا كان كتاب (وعد كيسنجر) للشيخ د.سفر الحوالي هو النذير العريان لفضح المخطط الأمريكي
في مرحلة أزمة حرب الخليج 1412هـ/1991م، فإنني أرى أن كتاب الشيخ د.وليد الهويريني (الإسلاميون الجدد) هو النذير العريان لفضح المخطط الأمريكي في حقبة ثورات الربيع العربي.

حين أنهيت هذا الكتاب للشيخ د.وليد الهويريني (الإسلاميون الجدد) والذي صدر قبل أربعة أيام فقط، شعرت بنفس الشعور الذي شعرت به حين قرأت لأول مرة كتاب (وعد كيسنجر)، فوجوه التشابه والتناظر فرضت نفسها علي، فكلا المؤلفَين قادمَين من حقل العلوم الشرعية، ورسائلهما الأكاديمية رسائل في العلوم الشرعية، فرسالة الماجستير للهويريني عن (أحكام الطواف بالبيت الحرام)، ورسالته للدكتوراة عن (أحكام النوازل في فقه العبادات).

ومع ذلك فكلا الرجلين يتتبعان التقارير السياسية والكتابات الاستراتيجية الغربية عن المخطط الأمريكي للمنطقة، بشكل مبكر قبل أن ينتشر الوعي بهذا المخطط شعبياً، وكلاهما أصدر كتاباً وجيزاً مكثفاً يحاول جمع أطراف الموضوع في وحدة خطابية ومشهد متكامل، بدلاً من أن تكون مجرد تعليقات متناثرة هنا وهناك.

المدهش في الأمر حقاً أن الشيخ د.الحوالي انطلق في كتابه من الوعد الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي في وقته هنري كيسنجر، وهكذا الشيخ د.الهويريني انطلق في مطلع كتابه من الوعد الذي أطلقته وزيرة الخارجية الأمريكية في وقتها كونداليزا رايس، حيث يقول د.الهويريني في مطلع كتابه:
(يقول الدكتور النفيسي: عندما سمعت الاحتجاجات في تونس، وسقوط النظام التونسي؛ تداعى إلى ذهني صورة وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" قبيل تكليفها بحقيبة الخارجية الأمريكية عام 2005م، حيث مثلت أمام لجنة الاستماع في الكونجرس الأمريكي، الذين سألوها عما ستفعله إذا استلمت حقيبة الخارجية، فقالت رايس: إن لدينا قائمة من الحلفاء في الشرق الأوسط انتهت صلاحيتهم، واستهلكوا تماماً، ويجب التخلص منهم، واستبدالهم بحلفاء جدد للولايات المتحدة)[الإسلاميون الجدد، ص21].

كما أشار المؤلف مرةً أخرى إلى حديث كونداليزا رايس في قولها: إن المهمة الأساسية للولايات المتحدة في المرحلة القادمة تتمثل في تكرار النجاح في الحرب الباردة عبر شن حرب الأفكار[ص34].

وينقل المؤلف –أيضاً- حديث جورج بوش الابن في نوفمبر 2003م عندما ذكر بأن (الولايات المتحدة ظلت تدعم الديكتاتوريات في الشرق الأوسط لأكثر من ستين عاماً، وأن تلك السياسة لم تجلب لأمريكا الأمن، أو تخدم مصالحها) وأن بوش أعلن عن تخليه عن هذه السياسة، وتبنيه لسياسة جديدة قوامها نشر الديمقراطية[ص34].

كما يستعرض المؤلف -أيضاً- ما جاء في نص وثيقة مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة على مجموعة الدول الصناعية الثمان وفيه (طالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، فسنشهد زيادة في التطرف والإرهاب، والجريمة الدولية، والهجرة غير المشروعة)[ص37].

ويستشهد المؤلف –أيضاً- بدراسة أوروبية بعنوان (العالم 2005م) قام بوضعها فريق الخبراء في (معهد دراسات الأمن للاتحاد الأوروبي) وقد قدم تقريراً عن هذه الدراسة الكاتب العلماني المعروف هاشم صالح، وجاء في هذه الدراسة (إذا احترم الغرب نتائج الانتخابات، وقبل بوصول المعتدلين الإسلاميين، كما حصل في تركيا مثلاً؛ فإن المتطرفين سيصبحون في خطر، وتتقلص قاعدتهم الشعبية، ولكن إذا حصل العكس، فإن المعتدلين سوف ينضمون إلى المتطرفين)[ص39].

وثمة شواهد أخرى كثيرة ذكرها المؤلف، والحقيقة أن النص الكونداليزي الأول الذي سبقت الإشارة إليه؛ هو صافرة السباق في القصة التي يرويها د.الهويريني، ولذلك، وأنا أقرأ هذا النص الذي انطلق منه د.الهويريني في كتابه قلت في نفسي: بما لو استشارني الشيخ د.الهويريني في اسم كتابه لقلت سمّه (وعد كونداليزا)!

وهكذا نحن بحاجة لرصد وتحليل: ما الذي جرى؟ وما الذي تغير؟ في السياسة الأمريكية لإدارة المنطقة في الحقبة ما بين (وعد كيسنجر) إلى (وعد كونداليزا).

وهذا النص الأول الذي نقله المؤلف –بواسطة د.النفيسي- عن وزيرة الخارجية في وقتها كونداليزا رايس، وهي تشرح للكونجرس الأمريكي خطتها في إدارة المنطقة؛ صدمتني حدته ووضوحه وفجاجته، فأغلقت الكتاب جانباً، ورحت أبحث عن نص هذه الكلمة في الأرشيف المنشور لكلمات كونداليزا رايس، ووجدت الكلمة التي ذكرها النفيسي، وأظنه يقصد الكلمة التي افتتحت بها كونداليزا رايس مرحلتها الوزارية، وألقتها في 18 يناير 2005م، ففي هذه الكلمة الافتتاحية لمرحلتها الوزارية أعلنت رايس بكل وضوح أن الرئيس بوش الابن انفصل عن سياسة سابقة امتدت ستة عقود كانت "تتغاضى عن نقص الحرية مقابل الاستقرار"، وتعني بها سياسة أمريكا في التحالف مع النظم الديكتاتورية لضمان استقرار مصالحها في المنطقة، ثم قالت رايس نصاً (كلما بقي الشرق الأوسط منطقة استبداد؛ فسيبقى ينتج المتطرفين الذين يهددون أمن أمريكا).

ثم تحدثت رايس عن المهام التي ستقوم بها، وقالت (المهمة الكبرى الثالثة بالنسبة لنا هي نشر الديمقراطية والحرية حول العالم) ثم ذكرت تجارب الديمقراطية في إندونيسيا وماليزيا، وأنها رأت الرجال والنساء في أفغانستان طوابير ينتظرون لساعات لكي ينتخبون، وأنها رأت الفلسطينيين تحولوا للانتخاب في انتخابات مرتبة ونزيهة، ثم ذكرت تحضير العراق للانتخابات، ثم ختمت هذه الفقرة بقولها في عبارة دالّة (هذه العقود الأولى من هذا القرن الجديد ربما ستكون حقبة الليبرالية، ونحن في أمريكا يجب أن نفعل كل شيء نستطيعه لجعل هذا واقعاً).

وبالنسبة لي فأعجب ما قالته رايس في كلمتها الافتتاحية لمرحلتها الوزارية هي أنها ذكرت "التحديات" التي تواجه أمريكا، ثم قالت هذه العبارة الخطرة (هناك بعض الرؤساء المنتخبين، يتخذون خطوات "غير ليبرالية"، وهذا إذا لم يتم تصحيحه فسيقوض التقدم الديمقراطي الذي تم تحقيقه بصعوبة). فلاحظ هنا أن الخارجية الأمريكية لا تريد ديمقراطية مستقلة بحسب إرادة الشعوب، بل ديمقراطية تجلب الليبرالية وإلا سيتم مواجهتها! أي الديمقراطية كأداة للّبرلة والتغريب فقط.

واستلهمت رايس في كلمتها هذه نموذجاً ذكرت في نص كلمتها أنها استعارته من ناتان شارانسكي (Natan Sharansky)، وشارانسكي هذا هو صاحب الكتاب المشهور (قضية الديمقراطية: قوة الحرية في التغلب على الاستبداد والإرهاب) وفكرة الكتاب الجوهرية أن حركات العنف إنما تنتجها المجتمعات غير الديمقراطية، ولذا فإن مهمة السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تكون توسيع الديمقراطية للدول غير الديمقراطية، ويبرر شارانسكي استخدام القوة لذلك.

وكونداليزا رايس –كما يروي البعض- هي التي وثقت صلة بوش الابن بشارانسكي، وقرأ بوش الابن كتاب شارانسكي، وانفعل بوش الابن بهذا الكتاب جداً، وتأثر به جوهرياً، حتى أن بوش الابن قال في أحد مقابلاته (إذا أردت لمحة عن: كيف أفكر في السياسة الخارجية؟ فاقرأ كتاب ناتان شارنسكي "قضية الديمقراطية"). وكان شارانسكي ذكياً حيث التقط عبارة بوش هذه ووضعها على ظهر الكتاب في طبعته الجديدة، وهو من قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في أمريكا، بحسب الواشنطن بوست والفورن أفيرز.

بل إن بوش الابن استضاف شارانسكي في المكتب البيضاوي في نقاش استمر ساعة حول أفكار كتابه، وكيف يمكن تطبيقه في الحرب على الإرهاب؟ وحول فكرة فرض الديمقراطية الليبرالية بالقوة، في العراق وغيرها، قال بوش الابن لشارانسكي (هذا هي الأمور التي أعتقدها، ولكنك أنت قدمت "الأساس النظري" لهذه الاعتقادات).
[حول هذه المعلومات عن علاقة الرئيس بوش الابن بكتاب شارنسكي انظر:
Dickerson, What the president reads, CNN]

بقي أن يعرف القارئ فقط أن ناتان شارنسكي منشق روسي يهودي سابق، وسبق أن سجن في روسيا، وسياسي إسرائيلي حالياً تقلّد مناصب وزارية في إسرائيل!

والحديث عن الدور الذي لعبه شارانسكي في التأسيس النظري لفكرة فرض الديمقراطية والليبرالية على الشرق الأوسط، وأن هذا هو الذي سيحفظ أمن الغرب، وتأثير كتابه على المحافظين الجدد، وخصوصاً بوش الابن، وكونداليزا رايس، فيه تفاصيل أخرى ليس هذا موضعها.

المهم .. أن الشيخ د.الهويريني انطلق في كتابه من وعد كونداليزا رايس عام 2005م، نتيجة كون هذا الوعد يشرح كيف تم التحول الأمريكي من حماية الديكتاتوريات الحليفة لحماية مصالح أمريكا، إلى البحث عن حلفاء جدد مقبولين شعبياً يحمون المصالح الأمريكية.

حسناً .. إذا كانت أمريكا توصلت إلى أن حلفاءها الديكتاتوريين في الشرق الأوسط لم يضمنوا أمنها تماماً بسبب أن هؤلاء المستبدين ينامون على برميل بارود شعبي يتميز حنقاً كما يصف المؤلف [ص38]، وأن هذه المجتمعات المسلمة غير الديمقراطية صارت تنتج القوى التي تهدد الأمن الأمريكي، فمن هو الحليف الجديد الذي يمكن أن تنتجه فكرة فرض الديمقراطية والليبرالية بحيث يضمن الأمن الأمريكي؟

استعرض المؤلف عدة نماذج لهذا (الحليف الجديد) الذي تبحث عنه أمريكا، ويجمعهم اسم (الإسلاميون الجدد) بحسب المؤلف.

فمن هذه النماذج النموذج الأردوغاني، وهو أول نموذج عرضه المؤلف، حيث التقى أردوغان ببوش الابن وعرض عليه بوش تفاصيل خطة مشروع تغيير الشرق الأوسط، حتى إن فهمي هويدي القريب من حركة أردوغان تأكد بنفسه من هذه المعلومات، كما يقول فهمي هويدي:
(الحديث الاميركي المتواتر عن تغييرات مرجوة في خرائط المنطقة يبدو أنه كان أول الكلام وليس آخره، وهذا ليس استنتاجاً، ولا هو استسلام لمنطق المؤامرة التي يصر بعض الأبرياء على نفي وجودها، ولكنه قراءة لأحدث الاخبار الآتية من العاصمة التركية أنقرة، ذلك أن صحيفة «يني شفق» نقلت خبراً مفاده أن الرئيس بوش عرض على أردوغان معالم المشروع الاميركي الجديد لـ«الشرق الأوسط الكبير»، وحسب الصحيفة فإن واشنطن تريد من تركيا أن تقوم بدور محوري فيه، حيث تتولى الترويج لنموذجها الديمقراطي و«اعتدالها» الديني، لدرجة ان الرئيس الاميركي اقترح أن تبادر تركيا الى إرسال وعاظ وأئمة الى مختلف أنحاء العالم الاسلامي، لكي يتولوا التبشير بنموذج «الاعتدال» المطبق في بلادهم، وعندي قرائن وشواهد عدة ترجح صحة الخبر، منها أن صحيفة «يني شفق» قريبة من أوساط الحركة الاسلامية التركية، ومحررها الرئيسي فهمي قورو الذي كان ضمن الوفد الصحفي التركي المرافق للسيد اردوغان أكد لي في اتصال هاتفي أجريته معه يوم الاثنين ـ أول أمس ـ في نيويورك انه هو الذي بعث بالخبر الى صحيفته، وأن فكرة إرسال وعاظ وأئمة الى العالم الاسلامي كانت تسريبا من جانب العاملين في البيت الأبيض)[هويدي، الشرق الأوسط، 3فبراير2004م].

لا أخفي القارئ أنني حين قرأت فكرة بوش هذه التي اقترحها على أرودغان "أن ترسل تركيا وعّاظ للعالم الإسلامي يبشرون بنموذج الإسلام المطبق عندهم" فإنني لم أستطع كظم تبسمي، هذه الفكرة تعبر فعلاً عن بساطة تفكير بوش فيما يعتنقه!

والتقارير الأمريكية المشهورة اقترحت على الخارجية الأمريكية تبني نشر النموذج التركي، ومن ذلك ما جاء في تقرير راند 2008م والذي كان بعنوان (صعود الإسلام السياسي في تركيا) ومما جاء فيه (ينبغي على الولايات المتحدة أن تعد تركيا لتكون نموذجاً للإسلام المعتدل، وتصدّره لبقية الدول في الشرق الأوسط).

ويتتبع المؤلف أمارات ووقائع لسلوكيات تركيا تؤكد اضطلاعها بالدور الذي حمّلتها إياه الخارجية الأمريكية، ومن ذلك أن وزير الخارجية التركي أعلن في زيارته لمصر عن دعمها بملياري دولار بينما تركيا تواجه أزمة اقتصادية، وقد أثار هذا الرقم الفلكي تساؤلات المتابعين! وعندما زار أردوغان مصر وهللوا له حث الشعب المصري على صياغة دستور يقوم على مبادئ العلمانية.

ومن ذلك أن تركيا في نفس الوقت الذي حصلت فيه المشادّة الكلامية بين بيريز وأردوغان كانت توقع على اتفاق مع إسرائيل بقيمة 165 مليون دولار حول الصور المحمولة جواً عشية القصف الإسرائيلي على غزة، وواصل سلاح الطيران الإسرائيلي تدريبه في قونيا في تركيا، وعندما فازت حماس وجّه أردوغان لها النصيحة (يجب على حماس أن تفهم أن عدم الاعتراف بإسرائيل سيضر بعلاقاتها الدولية).

ومن نماذج الحلفاء الجدد الذين ذكر المؤلف أنها تبحث عنهم أمريكا ما قدمه تقرير راند المشهور 2007م عن بناء شبكات إسلامية معتدلة، وعرضه لمواصفات الإسلامي المطلوب، وأنه الذي يتناغم مع القيم الليبرالية، سواءً يقبل بها مباشرة، أو يقبل بها مع تعزيزها بمستندات دينية[ص57].

ومن نماذج الحلفاء الجدد الذين ذكر المؤلف أنها تبحث عنهم السياسة الخارجية الأمريكية ما صوره كتاب (إسلام بلا خوف .. مصر والإسلاميون الجدد) لأستاذ العلوم السياسية بكلية ترينيتي الأمريكية د.ريموند بيكر، والذي صدر في 2003م، وترجم للعربية في 2008م، وقد اختار المؤلف ستة من المفكرين الإسلاميين في مصر باعتبارهم ممثلين نموذجيين لمشروع "الإسلاميون الجدد" كما يسميه بيكر، والمفكرون الستة الذي اختارهم الباحث ودرس خطابهم هم: الشيخ محمد الغزالي، د.يوسف القرضاوي، القاضي طارق البشري، المحامي محمد سليم العوا، والصحفي فهمي هويدي، وأستاذ القانون أحمد كمال أبو المجد، ويؤكد بيكر في كتابه هذا أن (هؤلاء الإسلاميون الجدد لا يقبلون القراءات المغلوطة لللإسلام التي تحرم الموسيقى والرقص والتعبير الفني عموماً)[ص83].

ويذكر بيكر بتثمين عالٍ جداً، وانبهار وإعجاب، فتوى القرضاوي وهويدي والبشري والعوا، في جواز مشاركة الجنود المسلمين الأمريكيين مع القوات الأمريكية في حرب أفغانستان![ص87].

ومن نماذج الحلفاء الجدد الذين ذكر المؤلف أنها تبحث عنهم السياسة الخارجية الأمريكية "ملتقى النهضة" الذي أشرف عليه د.سلمان العودة، حيث يقول المؤلف (لنا أن نعد "ملتقى النهضة" الذي عقد مرات عدة في بلدان خليجية، كان آخرها الكويت؛ نموذجاً تطبيقياً لهذا التوجه)[ص109].

وبعد هذه الجولات التاريخية يأتي المؤلف لسؤال البحث الأساسي، وهو البحث عن أمريكا بين هتافات الربيع العربي؟ أين الوجود الأمريكي؟ خلف أي المتاريس تكمن العيون الأمريكية؟ لا يعقل أن تقف أمريكا متفرجة؟!

عندما اندلعت الثورات العربية نهضت ثلاثة قوى أمامها: أولها: قوى الثورة المضادة وهي قوى الاستبداد الفاسدة التي تحاول عرقلة الربيع العربي لأجل أن تبقى في السلطة، وثانيها: القوى الشعبية المتطلعة لحكم الشريعة وتنفس هواء الكرامة، وهاتان القوتان شديدتا الظهور في المشهد.

لكن بقيت قوة تتحرك بنفوذ أقوى، ولكن كثيرا من عيون المتابعين عاجزة عن مراقبتها، وهي القوى الغربية التي تحاول حرف مسار الثورات باتجاه مصلحة الغرب وأمريكا على وجه الخصوص، ضمن استراتيجيات مسبقة.

المؤلف يبدو شديد القلق جداً أن تنجح القوى الغربية في اقتياد الثورات باتجاه مصالحها؛ فسعى إلى التنقيب وتتبع الدراسات والتقارير الغربية، وحاول أن يكشف الخطط والمؤامرات الغربية لتوظيف ثورات الربيع باتجاه المصالح الغربية، وبدأ يروي القصة منذ أن بدأت القوى الغربية تحضر للثورات العربية وبداياتها الجنينية.

وقد حاول المؤلف أن يظهر هذه المعطيات الخطرة، وهي التغير في السياسة الأمريكية من دعم الدول الديكتاتورية المستبدة إلى دعم نمط مدجن من الإسلاميين لهم قبول شعبي وبنفس الوقت لديهم استعداد للرضوخ للإملاءات الثقافية الغربية.

يرصد المؤلف طابوراً من الشواهد يحاول من خلالها التوصل لنتيجة أساسية وهي أن الغرب يدعم الثورات العربية، بل وخطط لها مسبقاً، ولكن لا لتصل إلى مراد الشعوب في تحكيم شريعة ربها، وإنما لتكون بيئة غربية مستنسخة أقدر على حماية المصالح الأمنية والاستراتيجية الغربية، يذكر المؤلف من ضمن هذه الشواهد الضغط الغربي على المجلس العسكري المصري لينسجم مع مسار الثورة [ص70]، والبرامج التدريبية في التغيير السياسي السلمي التي صممتها أمريكا لمجموعات شبابية منتقاة قبل الثورات، مثل أكاديمية التغيير، وقد كتبت عن أكاديمية التغيير مجلة المجتمع الكويتية[ص71].

ومن الشواهد التي ذكرها المؤلف –أيضاً- أن د.عبد المنعم أبو الفتوح تمثل أطروحاته نسخة مشابهة فكرياً للنموذج الأردوغاني، ورشّح نفسه للانتخابات بما ترتب عليه فصله من جماعة الإخوان رسمياً، فوقف معه د.القرضاوي ومنحه دعماً معنوياً كبيراً. وفي سلسلة تقارير بعنوان "الإسلاميون الجدد" نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية وصفت أبو الفتوح بأنه (رائد الليبرالية في سباق الرئاسة).

وفي رأيي أن من أهم الأسئلة الساخنة التي عالجها المؤلف هذا السؤال: (هل جماعة الإخوان المسلمين من الإسلاميين الجدد؟) وعقد لهذا السؤال مبحثاً خاصاً[ص110].
وخلاصة جواب المؤلف عن هذا السؤال هو التفصيل، حيث يميّز المؤلف داخل جماعة الإخوان نفسها عن تيارين يتزاحمان، أولهما: توجه تنويري، والثاني: توجّه إسلامي أصيل.
ولكن لمن الغلبة بين التيارين؟ يقول المؤلف (الكفة على الصعيد التنظيمي لا زالت ترجح لصالح التيار الإسلامي الأصيل، والكفة على الصعيد الجماهيري تدفع باتجاه تصاعد التيار التنويري)[ص110].

ومن الملحوظات البديعة في الكتاب ملاحظة تتعلق باتجاه التطورات التي لحقت التيار التنويري بين موروثه التاريخي، وبين واقعه في السعودية والخليج، حيث يلاحظ المؤلف أن آباء التنويريين كان لهم جهود في مقارعة العلمانية والماركسية ونحوها من التيارات المنحرفة في زمانهم، بينما التنويريين المعاصرين سيما في منطقة الخليج فيرى المؤلف أنهم تخلوا عن هذا المكوّن، حيث يقول المؤلف (ثمة ظاهرة مقلقة بدأت في التجلي لدى الاتجاه التنويري، لا سيما في منطقة الخليج، وهي أن خطابهم الإعلامي وإنتاجهم الفكري؛ يكاد يخلو من التصدي للتيارات الليبرالية والعلمانية، وأصبح "نقد السلفية" هو المظهر البارز عندهم)[ص129].

ثم ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى دراسة أثر التصورات السياسية السابقة على المسألة الفكرية، ويتحدث عن (معركة المفاهيم الثالثة) وهو توصيف استعاره بمحدداته ومحتواه من الشيخ أحمد سالم (أبو فهر السلفي).

ولاحظت المؤلف يكرر في مواضع متعددة من الكتاب التأكيد على أن القضية ليست: هل نقف مع الثورات أم ضدها؟ فالواجب الوقوف معها قطعاً، والتضحية في سبيلها، ولكن القضية الأساس لدى المؤلف: كيف نفهم تحركات القوى الكبرى حول الثورات، ونحول دون نجاحهم في توظيفها لمشروع لبرلة الشرق الأوسط واستعماره ثقافياً؟

المحزن في الأمر فقط أنني فهمت من المؤلف أن كتابه هذا لن يباع في غير معرض الكتاب، فلن يتوفر في المكتبات التجارية بعد المعرض، وهذا هو معرّف المؤلف على شبكة التواصل الاجتماعي تويتر لمن أراد التواصل معه: @waleed1418
وأتمنى لكم قراءة ممتعة للكتاب، بل أتمنى أن تعقد ورش فكرية مفتوحة لمناقشة مضمون الكتاب دعماً ونقداً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

قراءة لكتاب: عصر الإسلاميين الجدد، د.وليد الهويريني، الطبعة الأولى، 1434هـ

إبراهيم بن عمر السكران

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..