خالد الدخيل |
فجأة
بدا بعض اللبنانيين فزعاً مما سماه «الإنذار الخليجي». جاء ذلك على خلفية
قرار الجامعة العربية الأخير بمنح مقعد سورية للائتلاف الوطني السوري
المعارض. حينها حاول وزير خارجية لبنان، عدنان منصور، الاعتراض على القرار
من خلال مطالبته برفع تعليق عضوية سورية في الجامعة، وهو يعني بذلك إعادة
مقعد سورية إلى النظام بدلاً من إعطائه للمعارضة، أي أن الوزير عبّر بموقفه
عن اصطفاف كامل مع النظام السوري ضد المعارضة السورية. وفق سياسة النأي
بالنفس الرسمية، كان المفترض بالوزير أن ينأى بنفسه وبحكومته عن اتخاذ أي
موقف مع أو ضد أي من طرفي الأزمة السورية. يوم الأربعاء الماضي قام سفراء
دول مجلس التعاون بزيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، برفقة الأمين العام
للمجلس عبداللطيف الزياني، وطالبوا بالتزام لبناني حقيقي بسياسة النأي
بالنفس، حفاظاً على استقرار لبنان، والتزاماً بموقعه على مسافة واحدة من
الجميع.لماذا طلب مجلس التعاون ذلك؟ لأن موقف الوزير منصور في الجامعة لا يمثله
شخصياً، بل يمثل حركة «أمل» في الحكومة اللبنانية، وهي حركة شيعية تعتبر
من أوائل حلفاء النظام السوري، ولم يكن من الممكن للوزير أن يتخذ مثل هذا
الموقف من دون غطاء سياسي من الحركة التي يمثلها، وهذا يمثل ثغرة كبيرة في
ما يسمى بسياسة النأي بالنفس. لكن هناك ثغرة أكبر من ذلك بكثير في هذه
السياسة، وهي موقف «حزب الله» الذي يقف في شكل علني مع النظام السوري،
ويرسل عناصره للقتال إلى جانب قوات النظام. وقد اعترف الحزب بتورطه في
الصراع داخل سورية، ولا يتوقف أمينه العام حسن نصرالله عن تبرير هذا التدخل
بشتى المبررات غير المقنعة. يتساءل البعض عن حقيقة التزام الحكومة
اللبنانية بـ «سياسة النأي بالنفس»؟ من الناحية الرسمية يمكن القول إن
الحكومة ملتزمة بهذه السياسة، وفيها أطراف تريد أو تتمنى التزام الابتعاد
عن الأزمة السورية، مثل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وجبهة
النضال الوطني بزعامة وليد جنبلاط، لكن كل هؤلاء لا يمثلون مجتمعين مركز
الثقل في الحكومة. لو كانوا كذلك، لما أمكن للوزير منصور الإصرار على مواقف
مثل التي أعلنها في اجتماع مجلس الجامعة. «حزب الله»، الحليف الآخر للرئيس
السوري، هو من يمثل مركز الثقل في الحكومة، بل إن هذه الحكومة باتت تعرف
داخل لبنان وخارجه بأنها «حكومة حزب الله»، وعدم تردد الأمين العام للحزب
حسن نصرالله في إعلان اصطفافه مع رئيس النظام بشار الأسد منذ اليوم الأول
للانتفاضة السورية يؤكد ما يقال إن الحزب يتعامل مع الحكومة اللبنانية على
أنها غطاء لدوره الإقليمي الذي يتجاوز حدود لبنان. ومن حيث أن إيران هي
التي أنشأت الحزب عام 1982، وهي التي تتولى تمويله وتزويده بالسلاح وتدريب
كوادره، فإن موقف الحزب من الصراع في سورية هو امتداد للموقف الإيراني،
وذلك انطلاقاً من أن الحزب يمثل الذراع الإيرانية في منطقة الشام.
ومن حيث أن هذه المواقف تخدم أطرافاً أخرى، غير اللبنانية والسورية والعربية، فإنها تؤكد مرة أخرى طبيعة دور «حزب الله»، وأنه دور إقليمي يتجاوز حدود لبنان وحدود سورية، والتناغم الكامل بين موقف الحزب وموقف النظام الإيراني من الأزمة السورية لا يترك مجالاً للشك في الطبيعة الإقليمية لدور هذا الحزب.
ما معنى ذلك؟ معناه أن «حزب الله» اختار أن يقف مع إيران ضد الشعب السوري، وبالتالي ضد الدول العربية الأخرى، وبما أن الحزب يمثل الطائفة الشيعية في لبنان، وينفذ سياسة إيران التي تعتبر نفسها بنصوص دستورها بأنها دولة الشيعة في العالم، فإنه بموقفه هذا من الشعب السوري ينطلق من معطيات ومصالح طائفية. إيران بدورها وسياساتها في العراق والبحرين وسورية ولبنان تستهدف منطقتي الخليج العربي والشام. هل يحتاج الأمر لتوضيح ما هو واضح، وهو أن من يصطف إلى جانب إيران في هذه السياسة فهو يقف ضد المصالح العربية؟
هناك سؤال آخر يتكامل مع السؤال السابق: لماذا تقف أغلب الدول العربية ضد النظام السوري الحالي؟ كان هذا النظام في عهد حافظ الأسد حليفاً لإيران، لكنه كان يتمتع باستقلالية واضحة ومؤثرة. حينها لم يعترض أحد على هذا التحالف طوال أكثر من ثلاثين عاماً. لماذا الآن؟ لا يدرك بعض اللبنانيين، أو لم يعترفوا بعد، بأن قرار الجامعة العربية بالسماح للدول العربية بتقديم كل أنواع المساعدة لقوى الثورة السورية يخفي وراءه أموراً ومخاوف أعمق مما يبدو على السطح، وأهم ما يخفيه هذا القرار أن الرئيس السوري الحالي خطف بحلّه الأمني المدمر سورية بتاريخها العربي، من كونها مكاناً لثاني خلافة عربية إسلامية، ليجعل منها ورقة في يد إيران تفاوض وتقايض بها الأميركيين وغيرهم على قضايا ومصالح عربية، ومن بين ما يخفيه القرار أن النظام السوري أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنه فقد صفته الوطنية تماماً، وأضحى نظاماً فئوياً وطائفياً يقتل شعبه ببشاعة غير مسبوقة، ويُقيم علاقاته الإقليمية على أساس طائفي، مثله في ذلك مثل النظام الإيراني، ولم يدرك هؤلاء أن محاولة إيران تحويل العالم العربي إلى مجال لنفوذها ودورها في المنطقة يشكل تهديداً مباشراً وخطراً للمصالح العربية، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً. هل لاحظ البعض أن الدول العربية التي لم تتفق مع قرار الجامعة الأخير، لم تتجاوز حدود التحفظ؟ بات سقوط النظام السوري ليس مصلحة سورية وحسب، بل مصلحة عربية وإقليمية ودولية. ليس من مصلحة لبنان أن يستدعي تداعيات الأزمة السورية إلى داخل حدوده
.........
الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..