السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحبَّتي
في الله, ككل إنسان في هذه الدنيا خطبتُ على سُنة الله
ورسوله - صلى الله
عليه وسلم - وقد اخترتُها مِن عائلةٍ متوسِّطة، لا أَعِيب عليهم في نسب ولا
عفَّة, وهم عندي مقبولون دينيًّا.
استخرتُ
الله كثيرًا في الأمر, إلى أن عقدتُ على الفتاة, ثم أحببتها بجنونٍ, وإنما
أرَّقَ حياتنا مشاكلُ لا نهاية لها، بدأتْ بين أهلي وأهلها بعد الخِطْبة.
حاولتُ
النأي بي وبها عن الأمر, فنجحتُ أحيانًا وأخفقتُ أحيانًا أخرى, لكني
أصررتُ على الزواج, ثم تزوَّجنا، فتفجَّرت المشاكل بينهم حتى أوقفتْ
حياتنا!
دخلتِ
المشاكلُ بيني وبينها، وزادتْ وكبرتْ, وحاولتُ بصدقٍ عميق - ويشهد الله
على ذلك - الاستمرارَ في هذا العقد الغليظ, لكن الأمر كان خارج نطاق
السيطرة, والنتيجة كانتْ أنِ افترقنا بالطلاق, ولم يمرَّ على زواجنا
شهرانِ, ولم يحدثْ حملٌ!
صُدِمْتُ
بشدة, وتأثرتْ حياتي العملية والدراسية بقوة, وأصابتْني العُزلةُ والقلق،
حتى بكيتُ على سجَّادتي في ليلتي تلك؛ شاكرًا الله على كلِّ شيء، ناطقًا
بدافع اليقين بحمد الله على قدَرِه، معارضًا كل الوقائع التي تُثْبِتُ أني
في مصيبة!
في
بداية الأمر أصابتْني العزلة, ثم شعرتُ بعزوف عن الزواج, والآن وبعد مرور
أشهر كثيرة على الفراق ما زلتُ أشعر بعدم الرغبة في الزواج, لكن المشكلة
تكمُن في الدافع الغريزي القوي لديَّ, وبحسب علمي فالزواجُ في حقِّي واجبٌ!
لأني أخشى على نفسي الحرام, وهنا تكمُن المشكلة، وهي: وجوب الزواج، وعدم
الرغبة فيه أبدًا وإطلاقًا وبتاتًا!
ولكي
أكون عاقلًا، فقد قرَّرتُ الزواج، لكن على اعتبار أنه شرٌّ لا بدَّ منه!
فكيف ترون ذلك؟ أخشى مِن التقصير في حق زوجتي القادمة؛ بسبب هذه النظرة
للزواج, وأخشى مِن الحرام إن لم أتزوجْ!
ولديَّ تساؤُل أخشى على ديني منه؛ لكني لا أنوي به إلا خيرًا: ما موقع الاستِخارة مِن الزواج الأول وما حدث به؟
وما رأيكم في إنسانٍ يشعر - بكل صدقٍ - بأنه مُجبَر على الزواج إجبارًا, ومُكرَه عليه إكراهًا؟!
بكل صدقٍ أشعر شعورًا حقيقيًّا أني مُكرَه على الزواج، مع العلم أنه لا مجال للعودة إلى الزوجة السابقة!
الجواب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، وعلى آله ومَن سار على هَدْيه، واتَّبَع سنَّته إلى يوم الدين.
وعليك السلام ورحمة الله
وبركاته، وأهلًا بك - أخي الكريم - ومرحبًا، وأسأل الله تعالى أن يأجرك
خيرًا على مشاعرك النبيلة تجاه زوجتك السابقة، وأن يخلفك خيرًا مما قد
أصابك وحلَّ بك.
أخي الكريم، لا شك أنَّ مِن
حقِّك أن تتزوَّج مرة أخرى، بل واجب عليك للأسباب التي ذكرتَها، وأن تبدأ
حياتك مِن جديدٍ مع إنسانة تُعِينك على مواصلة حياتك بطمأنينة؛ فأحْسِنْ
ظنَّك بالله تعالى، واعلم أن الله سيبدلك زوجة خيرًا من زوجتك؛ فقد ذكر
القرطبيُّ في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ
﴾ [النساء: 130]؛ أي: وإن لم يَصْطَلِحا بل تفرَّقا؛ فليحسِنا ظنَّهما
بالله؛ فقد يقيض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة مَن يوسع عليها، ورُوي
عن جعفر بن محمد أنَّ رجلاً شكا إليه الفقر، فأمره بالنكاح، فذهب الرجل
وتزوَّج؛ ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر، فأمره بالطلاق! فسُئل عن هذه الآية،
فقال: أمرتُه بالنكاح لعله مِنْ أهل هذه الآية:﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه ﴾ [النور: 32]، فلما لم يكن مِن أهل تلك الآية أمرْتُه بالطلاق، فقلت: فلعله مِن أهل هذه الآية: ﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾ [النساء: 130].
وأيضًا قال الشيخ الشعراوي في
خواطره حول الآية السابقة: "وسبحانه عنده الفضل الواسع، وهو القادرُ أن
يرزقَ الزوج زوجةً صالحة تُشبِع كل مطالبه، ويرزق الزوجة زوجًا آخر يُشبِع
كل احتياجاتها، ويقبل دمامتَها لو كانتْ دميمة، ويجعله الله صاحب عيونٍ ترى
نواحي الخير والجمال فيها، وقد نجد رجلًا قد عضَّتْه الأحداثُ بجمال امرأة
كان متزوجًا بها وخبلتْه، وجعلت أفكاره مشوشة مضطربة، وبعد ذلك يرزقه الله
بمَن تشتاق إليه، بامرأة أمينة عليه، ويطمئن عندما يغتربُ عنها في عمله،
ولا تملأ الهواجس صدرَه؛ لأن قلبه قد امتلأ ثقةً بها، وإن كانت قليلة الحظ
مِن الجمال".
فاعزمْ أمرك - أخي الكريم -
وتزوَّج، واعلم أن الله تعالى سيُبَدِّل مشاعرَك تجاه الزواج إلى مشاعر
إيجابية - إن شاء الله، ولكن لا بد أولًا أن تتحلى بالعزيمة في مواصلة
حياتك، فجدِّد نيَّتك أنك تتزوَّج مِن أجل تطبيقِ سُنَّة النبي - صلى الله
عليه وسلم - حيث قال: ((... أما واللهِ، إني لأخشاكم للهِ وأتقاكم له، لكني
أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النساءَ؛ فمَن رغِب عن
سُنَّتي فليس مني))؛ [ رواه البخاري ]؛ فجدِّد نيَّتك تؤجَرْ عليها، فمتى
ما صدقت النيَّة وصحَّت، وقويت العزيمة، رأيتَ خيرًا كثيرًا إن شاء الله.
ولا تستسلمْ لليأس والقنوط والضعف، بل كنْ ذا عزيمةٍ في التغلُّب على ما أصابك، وتدبَّر جيدًا قول الشاعر:
ضَعْفُ الْعَزِيمَةِ لَحْدٌ، فِي سَكِينَتِهِ
تَقْضِي الحَيَاةُ، بَنَاهُ الْيَأْسُ وَالْوَجَلُ
وَفِي الْعَزِيمَةِ قُوَّاتٌ مُسَخَّرَةٌ
يَخِرُّ دُونَ مَدَاهَا الْيَأْسُ وَالْوَجَلُ
وَالنَّاسُ شَخْصَانِ: ذَا يَسْعَى بِهِ قَدَمٌ
مِنَ الْقُنُوطِ، وَذَا يَسْعَى بِهِ الْأَمَلُ
هَذَا إِلَى المَوْتِ وَالْأَجْدَاثُ سَاخِرةٌ
وَذَا إِلَى المَجْدِ وَالدُّنْيَا لَهُ خَوَلُ
|
وما أجمل أبيات المتنبي التي تبعث الثقة والهمة في النفس، والتي يقول فيها:
عَلَى قَدْرِأَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ
وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ المَكَارِمُ
وَتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا
وَتَصْغُرُفِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ
|
فتعلَّم من حياة الناجحين،
وفكِّر في المستقبل، بدلًا من أن تعيش على ذكرى الماضي، فَلَأَنْ تَمشِي
ببطءٍ إلى الأمام خير لك مِن أن تمشى مسرعًا إلى الخلف.
وتذكَّر جيدًا الفرقَ بين تعامل الناجح والفاشل مع مشكلة ما؛ فإن الناجح دائمًا يُفَكِّر في الحل، والفاشل دائمًا يفكِّر في المشكلة.
وأما عن سؤالك: ما موقع الاستِخارة مِن الزواج الأول وما حدث به؟
فكما قيل: ما ندم مَن استخار،
ولا خاب مَن استشار، وكما تعلم - أخي الحبيب - أن الاستخارة لا تأتي إلا
بما قدَّره الله تعالى، ونحن كبشرٍ لا نعلم أين يكون الخير، والاستخارة لا
تعني أننا لن نواجهَ صعوباتٍ في حياتنا، أو أزمات في طريقنا، ولكن من فوائد
الاستخارة وثمراتها أننا نتجنَّب طريق ندم إذا حدث مكروه؛ لأننا قد
أدَّينا ما علينا، وفوَّضنا أمرنا لله تعالى.
وكما تعلم أيضًا - أخي الكريم -
أنه ليس كل دعاء يدعو به الإنسان يُعطَاه، وإنما هو بين أمورٍ ثلاثة؛ كما
أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((ما مِن عبدٍ يدعو
اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحِمٍ إلا أعطاه اللهُ بها إحدَى
ثلاثٍ: إما أن تُعجَّلَ له دعوتُه في الدنيا، وإما أن تُدخرَ له في
الآخرةِ، وإما أن يصرفَ عنه من الشرِّ مثلُ ذلك))، قالوا: يا رسولَ اللهِ،
إذا نُكثِرُ؟ قال: ((اللهُ أكثرُ))؛ صححه ابن باز في مجموعة فتاواه
فطِبْ بذلك نفسًا، واعلم أن الله مدخرٌ لك ما يُسعِدك في الدنيا والآخرة.
وأما عن سؤال: وما رأيكم في إنسانٍ يشعر - بكل صدق - بأنه مُجبَر على الزواج إجبارًا, ومُكرَه عليه إكراهًا؟!
فهذا مَرَدُّه إلى أنك لم
تحاولْ أن تتعامل مع المشكلة مِن منطلق الحل، وإنما أنت ترى صعوبة ذلك
الأمر؛ لذلك أنصحك أن تتبع الوصفة النابليونية (نابليون بونابرت)، عندما
سُئل: كيف استطعتَ أن تزرع الثقة في نفوس جنودك؟
فقال: كنت أردُّ على ثلاثٍ
بثلاث: إذا قال أحدُهم: لا أعرف، أقول له: تعلَّمْ، وإذا قال أحدهم: لا
أستطيع، أقول له: حاوِلْ، وإذا قال أحدهم: مستحيل، أقول له: جرِّب.
أسأل الله تعالى أن يرزقك زوجة صالحة تُعِينك على أمر دينك ودنياك
أ. عصام حسين
تاريخ الإضافة: 27/2/2013 ميلادي - 16/4/1434 هجري
تاريخ الإضافة: 27/2/2013 ميلادي - 16/4/1434 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..