موجة الشهادات المزيفة ليست مجرد أشخاص دفعهم سلوكهم غير السوي للادعاء والتمظهر بما لا يملكون، بل الأمر يتجاوز ذلك إلى البيئة المتواطئة معهم. فمنذ ظهر أمر الشهادات المزيفة لم نسمع ردة فعل رسمية وخاصة تجاه من يعملون في قطاعات حكومية تمس حياة الناس. المجتمع مسؤول عن هذه الظاهرة من خلال تقديم رعاية خاصة لمن يحملون الشهادات العليا، حتى ترسخ في أذهان الكثير أن من يحمل شهادة عليا (ماجستير أو دكتوراه) قادم من كوكب آخر، مخلص ومبشر بحياة لا يمكن تخيلها. هذه الصورة الذهنية بتأثيرها الخرافي هي التي دفعت ضعاف النفوس إلى تزييف واقعهم وتمرير شخصياتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية عبر هذه الشهادات. وفي اعترافات بعضهم المنشورة ما يدل على هذا الاتجاه.
المشكلة أن الأمر تعدى الحالات الفردية إلى ما يشبه الظاهرة المقلقة. فمن الأسماء التي طالعناها دعاة وتربويون ومستشارون ورجال أعمال ومسؤولون في مجلس الشورى. كلهم زيفوا حقيقتهم فكيف يوثق بهم؟! الأخطر من ذلك أنهم أمنوا العقوبة وقبلها المساءلة القانونية. جريمة الشهادات المزيفة خطر غذاه المجتمع بعدم الإنكار، وبالتغاضي وكأن شيئا لم يكن. خطورة الأمر تكمن في الإيحاء للنشء بالتراخي وعدم المثابرة ما دام الحصول عليها لا يكلف إلا قدرا يسيرا من المال فقط. خطورة الموضوع أن أصحاب هذه الشهادات المزيفة يجملون أقوالهم وأفعالهم استنادا لهذه الشهادات. خطورة الموضوع أن بعض الوعاظ والدعاة يهتكون قدسية هذه المهنة، ويفعلون عكس ما يدعون من الطهر والنزاهة. خطورة الموضوع أن بعض التربويين يخدعون النشء، إذ يمررون قناعات لا يؤمنون بها أصلا.
تزوير الشهادات شكل من أشكال الفساد الذي ضرب مجتمعنا في شتى المجالات. وتبدو خطورة هذه الممارسة غير الأخلاقية أنها أكثر خطرا من سرقة المال أو العبث بمصالح الناس؛ لأنها تدخل في هدم القيم، قيم النزاهة والأمانة التي يجب أن تبقى مصانة من عبث العابثين. فباسم هذه الشهادات المزيفة يمكن الحصول على حقوق مادية أو معنوية غير مستحقة لم يبذل فيها أصحابها جهدا، أو تحصيل معرفة من أي نوع. فهم فقراء معنويا وأخلاقيا، لصوص في وضح النهار، والمجتمع مسؤول، إذ مكنهم من تمرير هذه الخدعة الكبرى.
أدت وسائل التواصل الحديثة من الوتس آب، والتوتير، والفيس بوك، وغيرها دورها في فضح أصحاب هذه الشهادات المزيفة، بالاسم والصورة، موثقة من مصادرها، ما دفع بعض المستفيدين إلى التبرير من منطلق خير وسيلة للدفاع الهجوم. فاتهم بعضهم من انتقدهم بالحسد، وأدعى بعضهم أنه سيقاضي من شهر بهم. فنسبوا لأنفسهم الطهر مع أنهم جناة، وادعوا بطلان دعوى الآخرين مع أن الدعاوى كلها موثقة.
خطورة الأمر أن هناك من يمرر مصطلح الشهادات الوهمية بدلا من الشهادات المزيفة والمزورة، وهو مصطلح راج في الإعلام الورقي والإلكتروني. وهو مصطلح يوحي ببراءة أصحاب هذه الشهادات، ويبين أنهم خدعوا من قبل هذه الجامعات الوهمية، فبينما واقع الحال هم يعرفون ما أقدموا عليه. ولعل حادثة مزور الشهادات في القصيم تثبت أن الأمر تزييف وتدليس وتزوير مع سبق الإصرار والترصد.
نبه الكثير من المتابعين من خطورة هذه الظاهرة غير الأخلاقية، لكن يبقى دور الجهات الرسمية في اتخاذ إجراء يحاسب ويحاكم ويعاقب من تثبت عليه هذه الجريمة، ولو كلف الأمر الكثير. فرحم الله الإمام البخاري الذي لم يعذر من دلس على فرسه، وعد ذلك من خوارم المروءة. فالعلم أمانة يجب منع المتطفلين من اقتحامه إلا بحقه، وحقه الصدق والأمانة.
06/05/1434 هـ
18 03 2013 م
العدد : 4292
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..