والمخططون أكثر إدراكا لأهمية قراءة الأرقام وحساب احتمالات المستقبل وتبيان الفرص من المخاطر. انظروا إلى التطور الديموغرافي؛ ففي تعداد عام 1974 كان سكان السعودية 7 ملايين نسمة، منهم 800 ألف أجنبي فقط. وبلغ العدد في 1992 نحو 17 مليون نسمة، منهم خمسة ملايين أجنبي. ووصل إجمالي السكان في 2004 إلى 22 مليون نسمة، منهم 6 ملايين أجنبي.
ويفترض ألا نخلط بين مسألتين، بين المقيمين شرعيا وغيرهم، لأن البلد سيكون في حاجة إلى العمالة الماهرة والبسيطة لسنين طويلة، ويمكن تحقيق ذلك دون أن يتسبب في بطالة المواطنين، ومن دون أن يدفع البلاد نحو أزمات سياسية وأمنية.
الذي يحدث أن هناك شعورا عاما بالضيم والغضب ضد الأجانب، في حين أن مصدر المشكلة هو الدولة والمواطن نفسه. ومن دون مشروع عمل متكامل، وليس فقط بجهد وزارة العمل، الأزمة ستكبر، ولا أستغرب أن عدد المقيمين إقامة غير شرعية هو ضعف الرقم الذي نطرحه، وبالتالي الوضع أصعب مما يتخيله أكثر الناس. وتبسيط المشكلة وحلولها، مثل إحلال المواطنين محل الأجانب، يفشل في الاعتراف بالحقائق، مثل تأهيل المواطنين وبناء مؤسسات كبيرة تتولى توظيفهم. حاليا تتم ملاحقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بإلزامهم بنسبة من المواطنين تضطرها للكذب والاحتيال بتسجيل معلومات مزورة، وبسببه سيصبح الاقتصاد المحلي يقوم على معلومات مزورة في حساب القوة العاملة والمداخيل!
وزارة العمل تقدم أفكارا جديدة، لكنها لن تحل المشكلة، من دون جمع معلومات دقيقة ومفصلة، ومن دون التزام كامل من كل أجهزة الدولة، ومن دون مشروع اقتصادي كبير. النتيجة ملايين العاطلين وملايين من الأجانب، وستضطر الحكومة كحل سياسي، لا اقتصادي، لتوظيف مئات الآلاف من المواطنين من دون حاجة حقيقية لهم ومن دون إنتاجية منهم، حتى تكبر المشكلة ككرة الثلج.
بإمكان الدولة تشجيع بناء قطاعات اقتصادية مركزة قادرة على توظيف مواطنيها في مجالات مختلفة، من خلال مساعدة السوق بدعم هذه المؤسسات في بداياتها لتستوعب المهنيين، وتلزم الدولة نفسها وتلزم السوق بالتعامل معها. أما ملاحقة الشركات الصغيرة والمتوسطة فلن تنجز المهمة. الأهم أن يجد المواطن مكانا يلائم ما تم تأهيله له، ويدفع له راتبا يتناسب مع الوظيفة، وتمنح هذه الشركات الدعم والحماية لسنوات حتى ترتقي بالمهنة والسوق معا. أما تحويل نقمة الناس على الأجانب، وهي بكل أسف أصبحت عامة في كثير من الدول العربية، فإنها ستوغر صدور الجميع بعضهم ضد بعض، ولا تحل مشكلة. وعلى الجهات الرسمية والشعبية توخي الحذر عند إطلاق مبرراتهم ووعودهم، وحتى لغتهم التي أصبحت متدنية، فالقول «العمالة السائبة» أو «المتخلفة» مهين ويساوي بين البشر والبهائم، ونحن نربأ بأحد أن يقولها. هم عمالة غير قانونية أو انتهت إقامتهم، وكلهم يؤدون خدمات مفيدة ولولا الحاجة لما وجدنا أحدا في شوارعنا، ولا كان هؤلاء تركوا أبناءهم وأهلهم ليعملوا في الغربة.
.......
الشرق الاوسط
عبد الرحمن الراشد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..