الجمعة، 19 أبريل 2013

فوبيا العمل الخيري ..

في المملكة ٢٨ مليون نسمة ، ويبلغ عدد الجمعيات الخيرية فيها ما يقارب ٧٠٠ مؤسسة ، بمتوسط جمعية خيرية واحدة لكل ٤٥ ألف شخص ، قد يرى البعض أن  هذا العدد مناسباً وقد يراه البعض ضخماً ، ولكن بالمقارنة بعدد الجمعيات الخيرية في بعض الدول يتشكل الفرق ، ففي أمريكا وحدها أكثر من ١،٥٠٠،٠٠٠ مؤسسة خيرية و بمعدل جمعية خيرية واحدة لكل ٢٠٢ شخص تقريباً ، وفي اسرائيل أكثر من ٤٠،٠٠٠ مؤسسة خيرية وبمعدل جمعية خيرية واحدة لكل ١٩٣ شخص تقريباً .

القطاع الخيري يطلق عليه القطاع الثالث ، لأهميته ومقارعته للقطاعين الحكومي والخاص ، وبالمقارنة أعلاه يتبين أن عدد الجمعيات الخيرية ونسبتها لعدد السكان لدينا مخجل ، فالجمعيات الخيرية مناط بها عمل جليل وكبير ، وفي دول كثيرة تقوم بدور مساند للمؤسسات الحكومية في مجالات عديدة اجتماعياً وإغاثياً وتعليمياً وتوعوياً ودينياً ، وعمل الخير فطرة لدى البشر فكيف وهو لدينا  في شريعتنا (فرض) كالزكاة ، و(أمر) كالصدقة ، وحق طبيعي لكل إنسان بكفالة الله له .

المملكة العربية السعودية ينظر لها العالم الإسلامي أجمع على أنها مهبط الوحي ومنبع الرسالة وخادمة الحرمين ، ولا يمكن فصل هذا كله عن دورها الخيري الرسمي والشعبي في العالم أجمع ، ولا عن توقعات الآخرين من هذا البلد الكريم ملكاً وحكومة وشعباً ، وقد قامت المملكة على الخيرية وشعارها شهادة التوحيد ، لذلك فممارسة دورها الطبيعي الخيري كأغنى دول العالم الإسلامي متوقع ومطلوب ، مع التأكيد على الضبط اللازم الذي يحمي الدولة والمجتمع من أي شر قد يحدث جراء استغلال ذلك من قبل الأشرار .

جدير بالذكر أنه في خضم الحرب على الإرهاب كانت المؤسسات الخيرية هدفاً صريحاً وواضحاً ، كأحد الأهداف الإستراتيجية للقضاء على الإرهاب ، وبعد مرور أكثر من ١٠ سنوات على الحادي عشر من سبتمبر ، تم تبرئة جميع المؤسسات الخيرية السعودية التي تم اتهامها بدعم الإرهاب ، بل وحتى أن الأشخاص الطبيعين ذوي العلاقة لم تثبت تهمة على أي منهم حتى الآن ، وبالتالي فإن ايقاف أو تعليق التصريح للمؤسسات الجديدة لا مبرر له ، فضلاً عن  الإستمرار في التضييق على المؤسسات القائمة والمرخصة .

ولا يعقل أن يحدث في مملكة الإنسانية ، كما سماها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ، بأن يكون بذل الخير لإخواننا في الإنسانية داخل المملكة أو خارجها غير متاح أو جريمة أو حتى شبهة قد يعاقب فاعلها بسبب فعل الخير .

بل والأدهى والأمر وهذا ملاحظ الآن ؛ بأن فعل الخير أصبح “فوبيا” عند البعض ، لا يطيق حتى الحديث عنه ، وفاعله متهم حتى تثبت براءته ، حتى أصبح العمل الخيري مكروهاً عند البعض خوفاً من إتهام هنا أو وصمة بالإرهاب هناك .

خلال هذه العشر سنوات ونتيجة لما سبق الحديث عنه ، فقدنا كسعوديين حكومة وشعباً مواقع عديدة في جميع أنحاء العالم ، كانت بمثابة منارات للعلم والعبادة وبذل الخير ، بعض هذه المواقع اختطفت من قبل مؤسسات ودول أخرى ، استثمرت تقاعسنا ، فتولت إدارته وسيطرت عليه . 

العمل التطوعي والخيري ، أحد الوسائل الفعالة لتهذيب النفوس ، واستثمار الطاقات ، واستغلال الأوقات ، وتدريب الشباب ، بل والمساهمة في تشغيل المواطنين والقضاء على البطالة .

لو أردت اليوم تأسيس مؤسسة خيرية في الداخل ، فلن تستطيع ، إما بحجة عدم الحاجة أو بحجة أن هناك مؤسسة قائمة بمثل النشاط ، أو أن النظام لا يسمح ، أو أن الطلب تحت الدراسة ، وغالباً لا تنتهي هذه الدراسة .

في المقابل والحقيقة المعلومة أنه لن يستطيع كائناً من كان أن يمنع فعل الخير ، قد لا نراه ، أو لا نعلم عنه ، ولكنه بالتأكيد يحدث ، كما لا يستطيع أحد أن يفرض الوصاية على فاعل الخير بكيفية توجيه صدقاته ، ما دامت عملاً مشروعاً وجائزاً في الأوجه الشرعية .

أبسط مثال على العمل الداخلي غير المرخص هو الصناديق العائلية ، والتي تقوم بدور مهم وفعّال مساند للضمان الإجتماعي والتعليم وتوفير المسكن وتخفيف أعباء الحياة على فروع الأسرة الواحدة ، مثل هذه الصناديق لا يعطى لها ترخيص من أي جهة ، فتجدها تعمل متخفية تحت غطاء آخر .

قد يرى البعض ان وضع الدولة المالي ممتاز ، وأن الجهات الحكومية كافية للقيام بالدور التي تقوم به الجمعيات الخيرية ، ولكن بالمقابل تاريخياً لم تكن الدول هي الجهات الوحيدة التي تتولى هذا الدور بفعالياته الإجتماعية والإقتصادية والدينية ، بل وحتى مع الحجم الكبير لميزانية المملكة التاريخية لا زال الفقر والعوز موجوداً لدى قطاع لا يستهان به في المجتمع ، حتى بناء المساجد وصيانتها يتم الأغلب منه بأموال المحسنين بعيداً عن ميزانية الجهات المختصة ، والأهم من ذلك أن هذه المؤسسات الخيرية التي يتم تأسيسها في وقت الرخاء يعول عليها القيام بأدوار أهم وأشمل وأكثر حاجة في وقت الشدة ، حين تحتاج الدول الى موارد اضافية لتغطية الحاجة المتزايدة عن قدرتها على الإنفاق .

أحاول أن أكون مستقلاً ، وبدون أن أخفي تعاطفي مع العمل الخيري أياً كان ، وهذه (أي التعاطف مع العمل الخيري) جبلة خلقها الله في البشر ، ولكن مع التضييق الذي تم على العمل الخيري في الداخل ، توجه الناس تلقائياً إلى البدائل التي أدت الى المحظور ، وبدلاً من أن يكون العمل الخيري في الفضاء الرحب ، توجهت كثير من الأموال كتبرعات في الغرف الخلفية ، والتي كان بعضها مظلماً ، وبالتالي فقدت الدولة أهم سبل الرقابة وهي المؤسسات الرسمية والتي تعتمد على المستند والإثبات والرسمية ، لذلك أرى أن من أهم وسائل الرقابة على العمل الخيري هو في فتح المجال على مصراعيه للمؤسسات الخيرية تأسيساً ونشاطاً لتعمل في الداخل والخارج ، وأقترح لذلك تأسيس هيئة عامة للعمل الخيري والتطوعي ، تكون مسئولة عن التراخيص والرقابة والإشراف والتنسيق لهذا القطاع ، عمل هذه الهيئة المقترحة سيكون مماثلاً لما تطبقة مؤسسة النقد بإشرافها على القطاع المصرفي والمالي وقطاع التأمين ، أو هيئة السوق المالية بإشرافها على سوق المال والشركات الإستثمارية  .

 أخيراً .. إنني لأعجب من رجل يستطيع أن يكون بوابة خير فيغرف من أجر العمل الخيري غرفاً ، ثم ينصرف عن ذلك ، وجل ما هو مطلوب منه تسهيل إجراء ، أو تقديم مقترح ، أو شفاعة حسنة ، فهو يتاجر مع الله بجاهه ويحصد من هذا الخير الى يوم الدين ، ولا أعجب منه إلا رجل ملكه الله مسئولية وسلطة استعملها في أغلاق هذه الأبواب المفتوحة ، وبالتالي فقد أغلق على نفسه وعلى الناس باب أجر وخير تحمل هو وزره الى يوم الدين .
الكاتب : فهد بن عبدالله القاسم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..