بقلم: بشارة خيرالله / صحيفة "المستقبل" اللبنانية 2013-4-24 |
لو قُدِّر للرئيس الأميركي باراك أوباما، لَرَفع هاتفاً رباعياً وطلب الأمين العام لـ"حزب الله" على عَجَل، ليشكره على كل هذه الهدايا المجانيّة الناتجة عن ممارسات "حزب الله"، والتي لن تصبّ في نهاية الأمر إلاّ في خانة المصلحة الإسرائيلية. كيف لا، وهذا الحزب خسِر معنوياً في مواجهة الشعب السوري أضعاف خسارته في مواجهة "الجيش الذي لا يُقهَر" في تموز 2006، الحرب التي خرج منها "حزب الله" قوياً بصموده المُلفِت، يوم كان الرأي العام اللبناني، السوري والعربي وحتى "بعض الدولي" إلى جانبه، تماماً بعكس ما يحصل اليوم جرّاء انخراطه في أتون الوحل السوريّ.
لا شكّ في أن دخول "حزب الله" الميدان السوري ومواجهة "الجيش الحر"، أطال
عمر "صمود النظام" الذي كان ليرحل منذ سنة لولا الخبرات القتالية التي
يملكها الحزب بفِعل قتالِه إسرائيل، والتي سخّرها دفاعاً عن رئيس يقتل من
شعبه المئات عند كلّ صياح ديك، مساهِماً في تأجيج الحالة المذهبية
المتنامية. هي الفتنة التي يتحاشاها "حزب الله" كلامياً في لبنان، ويغرق في
عمقها في ضواحي الشام.
أما اللافت في إطالة عمر الحرب في سوريا، فيكمن في عدم دخول المجتمع
الدولي وتحديداً الأميركي على الخط السوري الساخن كما حصل في ليبيا إلاّ
عبر الإدانات اللفظية والمطالبات، ما يعني أن هناك ما يشبه "النأي بالنفس"
عن التدخل المباشر لأسباب عدة، أهم ما فيها بالنسبة للأميركيين، أنها تخدم
المصلحة الإسرائيلية وتريح الغرب من مغبّة مطاردة بعض مقاتلي "الجهاديين"
وتُسهِّل عملية التفاوض مع إيران.
بعد سنتين على اندلاع الثورة السورية بات يمكن استخلاص بعض الشواهد
والنتائج التي أدت إلى تلكؤ "الولايات المتحدة الأميركية" في مساعدة الشعب
السوري:
أولاً:
تدمير منهجي كامل للبنى التحتية السورية وهذا ما بات يتطلب وقتاً طويلاً
لإعادة إعمار كلّ ما تهدم نتيجة المعارك الطاحنة التي لم تهدأ منذ سنتين.
ثانياً:
التخلص من أكبر عدد من "المقاتلين التكفيريين" الذين أتوا من مختلف
الجنسيّات للقِتال دفاعاً عن الشعب السوري لأسباب مذهبية بحتة، وهذا ما
يخدم المصالح الأميركية التي بات "جيش الأسد" يُقاتِل بالوكالة عنها، ومعه
"حزب الله" بدلاً من مطاردتها لهؤلاء في الشيشان وباكستان وأفغانستان
وغيرها من الأماكن التي تُعتبر أرضاً للجهاد والنصرة.
ثالثاً:
استنزاف الاحتياط المالي الإيراني الذي وضع كل إمكاناته المادية، اللوجستية
والعسكرية في خدمة النظام السوري من جهة، والتأسيس من جهة أخرى للربيع
الإيراني الثاني، وهذا ما يُسهِّل أي عملية تفاوض "أميركي إيراني" بدأت
تلوح معالمها في الأُفق.
رابعاً:
والأهم بالنسبة للأميركيين: إغراق "حزب الله" في المستنقع السوري تمهيداً
للقضاء عليه معنوياً بعد ضرب "صورته المقاوِمة" في العالم العربي وتأليب
الرأي العام الشيعي الذي يُعتبَر "بيئته الحاضنة"، لحظة تتكاثر أعداد قتلاه
في الداخل السوري دفاعاً عن نظام سيرحل حتماً وهو أصلاً لا يستحقّ كل هذه
التضحية بعد أن بدأت الأصوات الشيعية تعلو نتيجة اكتشافها أن وجهَة
المقاومة تبدلت وانتقلت من القدس إلى حمص، حمص نفسها التي فتحت أبوابها
للهاربين من جحيم تموز 2006.
فالمعادلة التبسيطية بالعين الأميركية هي كالتالي: "لو خسر حزب الله ثلاثة
أرباع قدراته في مواجهة إسرائيل، يبقى قادراً على تكريس بطولته في الربع
المتبقي، أما لو خسر ربع قوته فقط، في مواجهة الرأي العام العربي الداعم
للثورة السورية، فحينها تكون الخسارة أكبر بكثير، كونها خسارة "بوصلة
العداء والمقاومة".
وسط هذه القراءة، يتوقع العارفون في اللعبة الجغرافية السياسية، المزيد من
الخراب والدمار والقتل في سوريا والمزيد من الانخراط الإيراني في هذه
اللعبة التي باتت تحتاج إلى تمديدٍ يليه تمديد، مُرفق بإصرار أميركي يبدو
لفظياً حتى الساعة، مفاده أن سلوك "حزب الله" في سوريا، يخدم المصلحة
الأميركية أولاً وأخيراً، مع التأكيد أن ذلك لن يُترجم لبنانياً بقبولٍ
دوليّ بأن يكون "حزب الله" جزءاً من الحكومة العتيدة.
هنا يجوز تفسير انفتاح بعض حلفاء الحزب على السعودية، تمهيداً ربما، لفك
التضامن الحديدي على صعيد دخول الحكومة معاً أو معارضتها معاً وتمهيداً
أيضا، لإعادة وصل ما انقطع مع حلفاء السعودية في لبنان، ما يُسهِّل بنظر
العارفين، عملية التأليف.
تريد "أميركا" من "حزب الله" أن يكون شريكاً أساسياً في الحرب
السورية لتقول له "شكراً جزيلاً"، أما السعودية، فقالت لحلفاء الحزب بصريح
العبارة، "يدنا ممدودة"... تبقى العِبرة لمن يُحسِن القراءة ويعتبِر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..