الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيَحْصُل افتراق في هذه الأمة كما
حصل في الأمم السابقة، وأوصانا عند ذلك أن نتمسك بما كان عليه صلى الله
عليه وسلم هو وأصحابه، قال صلى الله عليه وسلم: "افترَقَتِ اليهود على إحدى
وسبعين فِرقة، افترقتِ النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة
على ثلاث وسبعين فِرقة كلها في النار إلا واحدة"، قيل من هي يا رسول الله؟
قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، قال عليه الصلاة
والسلام :"فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ،
وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وفي رواية: "وكل
ضلالة في النار"، هكذا أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نَلزم ما
كان عليه هو وأصحابه عند حصول الاختلاف والافتراق، لأنه لا بد أن يقع وقد
وقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فطريق النجاة هو التزام ما كان عليه
الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذه الفِرقة هي الناجية من النار،
وسائر الفرق كلها في النار، ولذلك تسمى الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة
هذه هي الفرقة المتميزة عن غيرها باتباع الكتاب والسنة، وما عداها فهي فرق
ضالة وإن كانت تنتسب إلى هذه الأمة، ومنهجها مخالف لمنهج الرسول صلى الله
عليه وسلم وأصحابه.
وهذا من كمال نصحه صلى الله عليه وسلم ومن كمال بيانه للناس، فالطريق واضح
والحمد لله اتباع الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة من الصحابة
والتابعين وأتباع التابعين إلى آخر القرون المفضلة القرون الثلاثة أو
الأربعة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم"، قال الراوي: (لا أدري أذكر مع قرنه قرنين أو ثلاثة) ثم قال:
"سيأتي بعدهم قوم يحلفون ولا يستحلفون ويشهدون ولا يُستشهدون ويخونون ولا
يؤتمنون ويظهر فيهم السمن"، بعد القرون المفضلة تحصل هذه الأمور، ولكن من
صار على منهج القرون المفضلة ولو كان في آخر يوم من الدنيا فإنه ينجو ويسلم
من النار، والله عز وجل قال: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ).
فالله جل وعلا ضَمن لمن اتبع المهاجرين والأنصار بهذا الشرط (بِإِحْسَانٍ)
يعني بإتقان لا دعوى أو انتساب من غير تحقيق إما عن جهل أو عن هوى، ليس كل
من انتسب إلى السلف يكون محقا حتى يكون اتباعه بإحسان هذا شرط شرطه الله
عز وجل ، والإحسان يعني الاتقان والإتمام وهذا يتطلب من الأتْباع أن يدرسوا
منهج السلف وأن يعرفوه ويتمسكوا به، أما أن ينتسبوا إليهم وهم لا يعرفون
منهجهم ولا مذهبهم فهذا لا يجدي شيئا ولا ينفع شيئا وليسوا من السلف وليسوا
سلفيين، لأنهم لم يتبعوا السلف بإحسان كما شرط الله عز وجل، ولذلك أنتم
ولله الحمد في هذه الجامعة وفي هذه البلاد وفي مساجد هذه البلاد الذي يدرس
فيها هو منهج السلف الصالح حتى نتبعهم بإحسان، لا بالدعوى والتسمِي فقط،
فكم ممن يدعي السلفية وأنه على منهج السلف وهو على خلاف ذلك، إما لجهله أنه
بمنهج السلف وإما لهواه يعرف لكن يتبع هواه ولا يتبع منهج السلف، لاسيما
وأن من صار على منهج السلف يحتاج إلى أمرين كما ذكرنا معرفة منهج السلف،
والأمر الثاني التمسك به مهما كلفه ذلك لأنه سيلقى من المخالفين، سيلقى
أذى، يلقى تعنُّتا، يلقى اتهامات يلقى ما يلقى من الألقاب السيئة لكن يصبر
على ذلك لأنه مقتنع بما هو عليه فلا تهزه الأعاصير ولا تغييره الفتن فيصبر
على ذلك إلى أن يلقى ربه.
يتعلم منهج السلف أولا، يتبعه بإحسان، يصبر على ما يلقى من الناس، ولا يكفي
هذا لا بد أن ينشر منهج السلف لا بد أن يدعو إلى الله ويدعو إلى مذهب
السلف ويبينه للناس وينشره في الناس هذا هو السلفي حقيقة، وأما من يدعي
السلفية وهو لا يعرف منهج السلف أو يعرفه ولا يتَّبعه وإنما يتبع ما عليه
الناس أو يتبع ما يوافق هواه هذا ليس سلفيا وإن تسمى بالسلفية، أو لا يصبر
على الفتن ويجامل في دينه ويداهن في دينه ويتنازل عن شيء من منهج السلف
فهذا ليس على منهج السلف، فليس العبرة بالدعوة العبرة بالحقيقة هذا يستدعي
منا الاهتمام لمعرفة منهج السلف ودراسة منهج السلف في العقيدة والأخلاق
والعمل في جميع مجالات منهج السلف فهو المنهج الذي عليه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعليه من اقتدى بهم وسار على منهجهم إلى أن تقوم الساعة.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي - هؤلاء هم السلف هم
السلفيون – على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر
الله تبارك وتعالى"، فقوله: "لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم" يدل على أنه
سيكون من يخالفهم، ويكون من يخذلهم، ولكن لا يهمهم ذلك بل يأخذوا طريقهم
إلى الله عز وجل ويصبر على ما أصابه.
كما قال لقمان لابنه وهو يعظه:(يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ
إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ* وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ
مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ
أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)، هذا منهج السلف هذا سَمْتهم
هذه صفتهم والله جل وعلا قال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ
سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، (هَذَا
صِرَاطِي) نسبه إلى نفسه نسبة تشريف وتكريم له ولمن سار عليه، (هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيماً) يعني معتدلا(فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ).
فدل على أن هناك سبل ولم يحددها سبل كثيرة (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ)، هذه المناهج الفرق المخالفة لمنهج السلف (وَلا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، أولا قال: (فَاتَّبِعُوهُ).
ثم قال (وَصَّاكُمْ)تأكيد (وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)تتقون
الله سبحانه وتتقون الضلالات وتتقون الشبهات وتتقون وتتقون ما يعترضوا
طريقكم في سلوككم لهذا الصراط دل على أنه سيعترضكم أشياء وانظر كيف وحد
سبيله وصراطه وعدد السبل، صراط الله واحد لا انقسام فيه ولا تعدد ولا
اعوجاج ولا اختلاف وأما السُّبل فهي كثيرة لا تُعد، كل يبتكر له سبيل طريق
يسير عليه كل يبتكر له منهجا يسير عليه هو وأتباعه فهي متعددة السبل (وَلا
تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) فإذا اتبعتم السبل ماذا يحصل؟ (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ
عَنْ سَبِيلِهِ) تخرجكم عن سبيل الله عز وجل تقعون في التِّيه والضلال
والهلاك فلا نجاة ولا صلاح ولا فلاح إلا بلزوم الصراط المستقيم الذي هو
صراط الله جل وعلا.
وما عداه فهو سبل الشياطين على كل سبيل منها شيطان يدعو الناس إليه فلنحذر
هذا الأمر ولا نغتر بكثرة المخالفين ولا نعبأ بشبهاتهم وتعييرهم وتنقصهم
لنا ما نلتفت إلى هذا بل نسير إلى الله على بصيرة، والله جل وعلا فرض علينا
في كل ركعة من صلواتنا أن نقرأ سورة الفاتحة وفي آخرها (اهْدِنَا
الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)الصراط المستقيم الذي هو صراط الله عز وجل،
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً)، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ)أي دلنا
وأرشدنا وثبتنا على الصراط المستقيم (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ)، من هم الذين يسيرون عليه (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً).
هؤلاء هم رفقاءك على هذا الصراط الذي تسير عليه (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً)، فلا تستوحش وأنت على هذا الصراط، لأن صحبك
ورفقاءك هم خيار الخلق فلا تستوحش ولو كثرت الطرق كثرت الفرق وكثر
المخالفون ما تلتفت إليه، لأنك مقتنع بما أنت عليه وهو صراط الله عز وجل
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
أي غير صراط المغضوب عليهم ولا الضالين، المغضوب عليهم هم الذين عندهم علم
ولم يعملوا به مثل اليهود عندهم علم ولكنهم لم يعملوا به، والعلم إذا لم
يُعمل به صار حجة على صاحبه يوم القيامة.
وللحديث بقية
.....
د. صالح الفوزان
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..